سهير عبد الرحيم: إلى أطفال الشهيد الرائد محمد سونا
تاريخ النشر: 18th, November 2023 GMT
□ هل شاهدت عزيزي القارئ فيديو وداع الشهيد الرائد محمد سونا لأطفاله؟
□ شاهده وتعالَ لنتحدث، شاهد الفيديو وتعالَ لنبكي!
شاهد الفيديو وتعالَ لنخجل أنا وأنت و نحني رؤوسنا أمام أولئك اليتامى.
□ الفيديو مدته نصف دقيقة، نعم ثلاثون ثانية كانت نصيب الأطفال الثلاثة من والدهم الشهيد، (ثلاثون ثانية ) ليقبَّلهم ويقول: (مع السلامة) في ذات الوقت، ثلاثون ثانية ليرفع يديه ملوحاً بالوداع، ثلاثون ثانية استودَعهم فيها اللهَ وحدَه ولا غيره.
□ طفلةٌ لم تتجاوز الخامسة، وصغيرٌ لم يُكمل الثالثة، ورضيعٌ في عمر الفطام.
□ الرضيعُ كان أكثرهم جَزَعاً؛ فلم يكتفِ بالقُبلة بل ركض حافي القدمين خلف والده في (حوش البيت ) وانتزع حضناً دافئاً وهو متشبثٌ بعنقه قبيل أن يُنْزله الأب بأمر المعركة، فيغادرهم ليستشهد بعدها بساعات فقط.
□ الآن؛ من منا سيقول لأولئك الصغار إن ذاك هو الوداع الأخير؟
من منا يمتلك الشجاعة وقوة العين ليقول لهم إن والدكم لن يعود أبداً ؟
ماذا عسانا نشرح ونوضح لأولئك الزغب الصغار؟ أطفال الشهيد الرائد محمد أحمد الدفعة 39 هيئة العمليات بجهاز المخابرات العامة.
□ هل تعرف عزيزي القارئ كلماتٍ في القاموس المحيط أو لسان العرب أو مختار الصِحاح مناسِبةً للمؤاساة؟
□ هل نقول لهم مثلاً: ذهب والدكم للقتال ليحرر أرضنا، ونعود إلى وطننا و بيوتنا آمنين بصحبة أطفالنا ولكن (معليش) والدكم لن يعود؟
□ أم نقول لهم: إن والدكم حين لم يمنحكم أكثر من نصف دقيقة وداع، كنا نحن نُمضي الساعات مع أطفالنا وهم يلعبون ويمرحون، وحين نجد أن برودة الغرفة عالية نغمُرهم بحضن طويل، حُضن لم يستطع والدكم منحه لكم، لقد آثر الوطن عليكم، كان أفضل منّا جميعاً استشهد قابضاً على الزناد في الخطوط الأمامية، وترك لنا نحن موت البعير الجبان.
□ هل نقول لهم: انشغلنا بتدفئة صغارنا بالأغطية الناعمة ونوسَّدهم المُتْرف من الأسرَّة، و نتكئ بجانبهم على حوض السباحة، أو في صالة التزلج، ويشتد قلقنا إن كح أحدهم عن مرض في حين لم يكن لوالدكم وقت كافٍ ليحضنكم؟ او ليتفقد ذاك (الزير) في فناء منزلكم إن كان به ماء؟ أو بسأل والدتكم هل نفد دواء الحمى خاصتكم؟
□ هل نقول لهم: إن والدهم لن يعود، و تركهم يتامى لمستقبل مجهول، في الوقت الذي نُخطط فيه لدراسة وتعليم أبنائنا في أفضل رياض الأطفال والمدارس الراقية والجامعات العالمية؟
□ حسنًا؛ هل نبيعُهم بعضَ الوعود و العشم والاحلام بأن الدولة ستتكفل بإطعامهم وسكنهم وتعليمهم؟
□ هل نقول لهم: ” إذا استبدَّ بكم الشوق يا صغار فطالعوا ألبوم الصور العائلية وصورة نعيه في (الصحف) أو شاهدوا معنا فيديو الوداع”؟
□ هل نقول لهم: ” يكفيكم فخراً أن والدكم مات مُقبلاً غير مُدْبر ، مات شهيداً مدافعاً عن الأرض والعرض ، قدم روحه لتعود أرواحنا؟ غادر بيتكم لنعود لبيوتنا؟ رحل عن وطنه لنعود نحن إلى وطننا؟ يتَّمكم ليعيش بقية الآباء ..؟”
□ حسناً؛ لنقول لهم: إن والدكم الآن في جنة عرضها السموات والارض أعدت للمتقين، وأن والدكم مع الصديقين والشهداء والصالحين، وأن والدكم تحفه دعوات كل الشرفاء السودانيين الحق بالرحمة والمغفرة والعتق من النار؟
□ اخبروهم بهذا فقط ولا تخبروهم بأن هنالك عملاء ومأجورين وأرزقية يقفون مع العدو الذي قتل والدهم، لا تزيدوا وجعهم ألماً، ويُتْمَهم شقاءً، ودموعهم حُرقةً، وطفولتهم بؤساً.
■خارج السور:
احتسب جهاز المخابرات العامة إلى جانب محمد سونا أحد عشر شهيداً من إخوته و مائة وعشرين جريحاً؛ كلُّ منهم له قصة وحياة وذكريات وأسرة وأطفال، وأب وأم وإخوة وأصدقاء و زملاء وعشيرة، تركوهم خلفهم ومضوا إلى الموت بعزيمة وشكيمة وقوة تُشابه الأسود، إنها الموؤودة؛ وبأي ذنب قتلت؟ إنها هيئة العمليات وكفى.
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
في الصحّة النفسيّة
في الصحّة النفسيّة
د. #ذوقان_عبيدات
حين نبحث في #الصحة_النفسية، نجد أنها مثَلٌ أعلى من السلوك نسعى له جميعًا، ومن يتمتع بصحة نفسية جيدة، فإنه يُشبِع جميع حاجاته، ويحقق ذاته بطريقة إيجابية، من دون عدوان، أو سلبية. فالصّحيح نفسيّا هو شخص خالِ من العُقَد، والكبت، والتأثير السلبي، ويحل مشكلاته لا شعوريّا بطريقة رابح – رابح. والصّحيح نفسيّا يتصرف بحدود الموقف: يفرح، ويحزن، ويغضب كسائر الناس، فلا يضحك وقت الحزن، ولا يحزن لفرح! فهو إنسان سويّ! بتصرف بحدود الموقف.
(01)
توتّرات الحياة
حين يعجز #الإنسان عن #مواجهة #الحياة، وضغوطاتها، يتوتر نفسيّا، ويمرّ بإحباطات، وكبت، و #صراعات، و #أزمات، ويعيش مع #مشكلات قد ترافقه طويلًا ما لم يتلقّ #العلاج_النفسي المناسب.
وقد شهد القرن العشرون حركة إقامة دعائم الصحة النفسيّة السليمة، ونشأت آلاف المِصحّات النفسيّة في العالم، التي أنقذت حياة الملايين ممن كانوا يشكّلون خطرًا على أنفسهم، وعلى مجتمعاتهم. والآن؛ ونحن نعيش حياة حافلة بالمخاطر النفسيّة، والتحديات، والتغيرات المذهلة، والمستقبل المجهول، ما أحوجنا إلى حياة نفسيّة سليمة توفرها: الأسرة، والمدرسة، والمِصحّات النفسيّة، وسائر مؤسّسات الرعاية الاجتماعية، والتربوية، وحتى السياسية!
(02)
المِصحّات النفسيّة
في وقت مبكّر في العالم العربي، كتب المفكر غازي القصيبي روايته العصفورية، وغنّت صباح أغنيتها الشهيرة “عالعصفورية”… وصّلني بإيده… وما طلّ عليّه”!!
وكان الوليد بن عبد الملك بن مروان أول مسؤول عربي أنشأ أول مِصحّة نفسيّة عام 770 م. ثم انتشرت المؤسّسات، وصار في معظم المشافي أقسام للرعاية النفسيّة.
وفي الأردن، عشرات المراكز النفسيّة، لعلّ في مقدمتها: المركز الوطني للصحة النفسيّة، وعيادة الأمل، ومشفى الرشيد، ومشفى الفحيص الذي أنقذ مع غيره حياة الآلاف من الأردنيّين.
هذه الأماكن الصحية الرائدة، التي تسمّى العصفورية في لبنان وسوريا، وتسمّى العباسية في مصر، والبيمارستان في الأدب الشائع، ودارستان في شرق العالم الإسلامي، هي مؤسّسات علمية، صحيّة، وتربوية ضرورية للمجتمعات والأفراد.
(03)
في المجاز اللغوي!
حين نقول: تلك الفتاة وردة، فلا نعني أنها نباتات تُسقى وتُزرَع، بل تشبه الوردة في أناقتها! وحين نقول: هذا القاضي سيف! لا نقصد أنه من الفلزّات، أو أنه يصدأ، أو يقتل، بل يشبه السيف في حزمه، ودقته، وقدرته على الفصل!!
وهكذا المجاز، فهو تشبيه بين شيئين، أو أداتين، أو شخصين، أو حدثين بينهما مشتركات جزئية، وليست كليّة! وما الإبداع أصلًا إلّا أن تجد تشابُها بين حدثين ليس بينهما علاقة، أو كما قال إفلاطون: هناك تشابُهات بين الموسيقى، وصناعة الطناجر! هذا طبعًا لا يسيء إلى الموسيقى، ولا يسيء إلى الطناجر!!
عودة إلى المِصحّات النفسيّة!!
فما الذي يضير تشبيه السياحة بالمِصحّة النفسيّة، أو أن نقول: الإجازة مِصحّة نفسيّة، أو البيت الراقي مِصحّة نفسيّة، أو الحديقة مِصحّة نفسيّة؟
فهمت عليّ جنابك؟!