يواجه سودانيون، لجأوا إلى أوغندا صعوبات عديدة في بعض المعسكرات ومراكز الاستقبال، حيث شكوا من تأخر الإجراءات وتدني الخدمات المقدمة، ليجدوا أنفسهم في محنة اللجوء بعد هربهم من نار الحرب.

التغيير- كمبالا: سارة تاج السر

بعد تصفية والدها، عمدة إحدى القبائل في دارفور وأربعة من أعمامها، في يومٍ واحد، لم تجد «سلوى» سبيلاً غير الفرار مع إبنائها الخمسة، من أردمتا في غرب دارفور إلى الضعين في شرق دارفور حتى تمكنت من دخول أوغندا في رحلة استغرقت شهراً كاملاً، لينتهي بها المطاف في مركز استقبال نيومانزي في مقاطعة أدجوماني.

ووسط تفشي الإسهالات والملاريا، ونقص الخدمات الصحية والمياه وشح الإمدادات الغذائية، تواصلت معاناة آلاف اللاجئين السودانيين بمراكز الاستقبال واللجوء بمناطق اروا ونيومانزي الواقعتين على بعد 475 كليومتر و460 كليومتر من العاصمة الأوغندية كمبالا.

وأدت حرب 15 ابريل بين الجيش السوداني ومليشيا الدعم السريع، إلى فقدان أكثر من 7 ملايين شخص أماكن سكنهم، وسط الأوضاع الأمنية المتردية، فاضطروا للنزوح داخل البلاد أو اللجوء إلى دول الجوار.

تزايد اللاجئين

ويقيم في مركز الاستقبال بنيومانزي، أكثر من 800 ألف أسرة هربت من جحيم المواجهات العسكرية التي اندلعت في السودان منتصف ابريل الماضي، بين الجيش والدعم السريع.

«سلوى» واحدة من السيدات اللاتي هربن من الجنينة قبل خمسة أشهر، بعد اغتيال والدها وأربعة من أعمامها في يوم واحد، لتجد طريقها إلى أوغندا فيما وصلت والدتها وشقيقتها إلى تشاد وأحد إشقائها إلى إثيويبا.

قالت سلوى في حديثها لـ«التغيير»، إنها كانت من أوائل الأسر التي دخلت المركز الواقع في مقاطعة أدجوماني بعد مغادرتها أردمتا إلى الضعين براً لتصل إلى أوغندا بصحبة أبنائها الخمسة، في رحلة طويلة استغرقت 30 يوماً.

وأشارت إلى أن الأعداد في البداية كانت قليلة ولكن عدد اللاجئين اقترب من الألف حالياً بعد وصول ما يقارب 200 لاجئ سوداني من معسكر جوبا.

ومكثت «سلوى» وأبنائها خمسة أشهر بمركز الاستقبال وتم تسليمهم شهادة توطين لمدة ثلاث سنوات، مع وعود بترحيلهم إلى مخيمات اللجوء، وهو ما لم يحدث حتى الآن، بينما كان من المفترض ألا تتجاوز إقامتهم في المركز الاسبوعين.

ولفتت «سلوى» إلى أنه حسب ما سمعت فإن هناك إشكالية بين الحكومة الأوغندية والأمم المتحدة بشأن أراضٍ إضافية لإيواء الوافدين، بسبب ازدحام المعسكرات المفتوحة حالياً.

ونوهت إلى أنه وفق ما يذكر، تخطط السلطات لإنشاء معسكر للاجئين في منطقة اريا شمال شرق كمبالا.

تحسن نسبي

ويعتمد المقيمون في نيومانزي في غذائهم على «الماتوكي» وهي وجبة محلية شهيرة من الموز، ويوجد بالمركز عيادة طبية إلا أنه يفتقر للمدارس.

رغم ذلك اعتبرت «سلوى» أن نيومانزي يعتبر الأفضل مقارنة بمراكز لجوء أخرى، وأوضحت أن والدتها وشقيقيها أمضوا شهوراً بمخيمات لجوء في دول مجاورة ولم يتم تسجيلهم حتى الآن.

وقالت إن الأوضاع بالمركز تتحسن نسبياً، وأن القائمين عليه في الغالب يستجيبون لمطالب اللاجئين.

وكشفت عن تفشي الإسهالات والملاريا قبل فترة، تزامناً مع أزمة مياه، وقامت السلطات بتنظيف خزانات المياه وإحضار بابور جديد، كما تم تسليمهم شرائح هاتفية ليتمكنوا من استلام المساعدات المالية المرتقبة، وقالت إن الإعانات التي وصلتهم خلال الفترة الماضية كانت عبارة عن صابون غسيل، بسكويت، أواني بلاستيكية للمياه.

ونبهت «سلوى» إلى أن حاجز اللغة يقف عثرة أمام إيصال الرسائل لمسؤولي المركز، وقالت إن أغلب الوافدين لا يتقنون الإنجليزية مما يتسبب في عدم فهم احتياجاتهم.

وبشأن الرعاية الصحية وصفتها بالجيدة، وأكدت أن ابنها استطاع إجراء عملية جراحية ناجحة «موية بيضاء» في إحدى المستشفيات بكمبالا بواسطة استشاري من جنوب أفريقيا.

ظروف قاسية

بالمقابل انتقد محمد هارون المقيم في معسكر اروا، الوضع داخل المخيم الذي يبعد 7 ساعات عن كمبالا ووصفه بالسجن إضافة إلى افتقاده للخدمات الطبية، وعدم تنوع الغذاء داخل المعسكر وانحصاره في عصيدة الذرة «عيش الريف» والفاصوليا. وقال إنهم لم يتلقوا أي دعم من أي منظمات طوال فترة وجودهم بالمعسكر التي اقتربت من 4 أشهر.

«فاطمة»- وهو اسم مستعار للاجئة سودانية- وصلت إلى معسكر اوشيا عن طريق جوبا، ومكثت فيه هي وابنتها الرضيعة اسبوعاً قبل أن تغادره بعدما اشتد بهما المرض.

وصفت طبيعة المعسكر الذي يتكون من «كرفانات» كبيرة مقسمة إلى غرف واسعة، بالقاسية لكونه يفتقد للخدمات الأساسية، فهي تحاول كل صباح التغلب على شح الماء لعدم توافر المياه النضيفة للشرب، فضلاً عن تدني الرعاية الصحية.

وذكرت أن معظم المقيمين في المعسكر- الذي يبعد 28 ساعة عن كمبالا، يضطرون لتوفير احتياجاتهم الشخصية من المراتب والأغطية الدافئة والناموسيات بصورة ذاتية، وأن سلطات المعسكر وزعت في البداية فرشات «بطانيات» للنوم سرعان ما نفدت بسبب ازدحام المستوطنة.

وقالت «فاطمة»- وهي أوغندية من جهة الأم: لم أستطع تحمل حياة المعسكر حيث اضطررنا للنوم على الأرض اسبوعاً كاملاً بدون أغطية مع تدني خدمات التغذية وانتشار الأمراض المعدية.

وتستضيف أوغندا حالياً ما يُقارب 1.5 مليون لاجئ وطالب لجوء، معظمهم من البلدان المجاورة؛  السودان، جنوب السودان والكونغو الديمقراطية.

وقال البنك الدولي إن قانون اللجوء الأوغندي، يمنح اللاجئين أرضاً خصبة لينتجوا الغذاء طوال مدة بقائهم في البلاد، ويمكنهم من العمل أو إقامة مشروعات تُعينهم على تحقيق الاكتفاء الذاتي أو تقلل اعتمادهم على الصدقات والتبرعات، وقد مكَّن هذا الكثير منهم من المساهمة في الاقتصاد المحلي، وأن يكون بمقدورهم إعادة بناء معايشهم ومجتمعاتهم عند العودة إلى أوطانهم.

الوسومأدجوماني أردمتا أوغندا التغيير الجيش الدعم السريع السودان اللجوء النزوح جنوب السودان دارفور كمبالا كينيا نيومانزي

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: أردمتا أوغندا التغيير الجيش الدعم السريع السودان اللجوء النزوح جنوب السودان دارفور كمبالا كينيا إلى أن

إقرأ أيضاً:

حرب السودان في عامها الثالث فهل من أفق لحل الأزمة؟

الخرطوم- بعد دخول الحرب في السودان عامها الثالث، لا يزال تباعد المواقف بين الفرقاء السياسيين وحالة الاستقطاب والانقسام التي سادت قبل الحرب مستمرة، وسط تحرك جديد من الأمم المتحدة لإحداث اختراق يُحرِّك الجمود السياسي.

ويعتقد مراقبون أن قوى سياسية تسعى للوصول إلى السلطة عبر المؤسسة العسكرية وأخرى عبر بندقية قوات الدعم السريع، بينما يُعوِّل تيار آخر على رافعة قوى أجنبية.

واختتم المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى السودان، رمطان لعمامرة قبل يومين زيارة إلى بورتسودان -العاصمة الإدارية المؤقتة للبلاد- بعدما أجرى مشاورات مع رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان وأعضاء من المجلس السيادي.

وجدَّد لعمامرة، دعوته لإجراء حوار عاجل وحقيقي بين أطراف الصراع في السودان من أجل وقف فوري للأعمال العدائية.

لقاءات متعثرة

ودعت الأمم المتحدة الأطراف إلى الالتزام بالانخراط في مسار شامل للمضي قدمًا، وتعزيز حماية المدنيين، من خلال محادثات غير مباشرة محتملة، وجددت تأكيدها على أهمية إجراء عملية سياسية شاملة لتفادي المزيد من التصعيد، وإعادة السودان إلى مسار السلام والاستقرار.

وكشف لعمامرة أنه وجد ردودا من البرهان على كل الأسئلة التي طرحها، وسينقل ذلك إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، حسب بيان إعلامي لمجلس السيادة.

إعلان

واستضافت الآلية الأفريقية لتسوية النزاع في السودان برئاسة محمد بن شمباس، مشاورات منفصلة مع 3 كتل سياسية سودانية بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، في فبراير/شباط الماضي، بشأن ترتيبات حوار سوداني لكن لم تحقق تقدما.

وكان الاتحاد الأفريقي قد عقد مشاورات موسعة خلال يوليو/تموز وأغسطس/آب الماضيين، حيث شملت الجولة الأولى القوى السياسية المساندة للجيش، التي أقرَّت وثيقة شملت رؤيتها لأجندة وقضايا الحوار السوداني.

وتلتها جولة أخرى ضمت تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) وفصيلي الحركة الشعبية، الشمال برئاسة عبد العزيز الحلو وحركة تحرير السودان بزعامة عبد الواحد نور، للتوافق على ترتيبات حوار سوداني، لكن لم تصدر وثيقة عن الجولة.

وسبق ذلك مؤتمر للقوى السودانية استضافته القاهرة في يوليو/تموز الماضي، ضم أطراف المشهد السياسي تحت سقف واحد لأول مرة، وصدر بيان في نهاية المؤتمر تحفَّظت عليه بعض القوى.

ثم انخرطت قوى سياسية ومجتمعية مساندة للجيش في مشاورات في بورتسودان وأقرت وثيقة مشروع وطني يحمل رؤية لإنهاء الحرب، وللإجابة على أسئلة اليوم التالي، والتمهيد لحوار سوداني شامل يعقد داخل السودان.

وفي المقابل حلَّ تحالف "تقدم" نفسه بعد انضمام فصائل سياسية وعسكرية من التحالف إلى كيان جديد نشأ في فبراير/شباط الماضي في نيروبي باسم تحالف السودان التأسيسي (تأسيس) الذي تتصدره قوات الدعم السريع.

بينما نشأ تحالف آخر بديلا لكيان "تقدم" باسم التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة "صمود" برئاسة عبد الله حمدوك، وقال: إنه متمسك بالحياد ويركز على وقف الحرب.

بين نعم ولكن!

من جانبه، يقول القيادي في تحالف القوى السياسية والمجتمعية خالد الفحل، إنهم بقوا من بداية الحرب يتطلعون بدورهم في إطار إسناد الجيش ولم يقفوا على الحياد، وفى نهاية 2024 تَطوَّر المشهد السياسي وبدأت اتصالات في بورتسودان أثمرت توافق كتل سياسية وقوى مدنية على مشروع وطني لحوار "سوداني-سوداني" في داخل البلاد.

إعلان

ويوضح القيادي الفحل للجزيرة نت أن مشاورات بورتسودان ناقشت أسئلة اليوم التالي للحرب عبر خريطة طريق تشمل رؤية متكاملة لإدارة الفترة الانتقالية وانعقاد مؤتمر دستوري.

ويرى أن حراك القوى السياسية والمجتمعية أقرَّ حوارا مفتوحا وشاملا، إلا مع من تمت إدانتهم قضائيا بمساندة الدعم السريع، غير أن قيادات عليا في الدولة، أبرزها نائب رئيس مجلس السيادة مالك عقار، وعضو المجلس إبراهيم جابر، لم تدرك أهمية هذا الدور وظلت تواجه هذا العمل بالنقد والمطالبة بوقفه، "ولكنهم سيستمرون حتى تقف الحرب قتالا أو سلما"، حسب الفحل.

وفي موازاة ذلك يقول عضو في المكتب القيادي لتحالف "صمود" -لم يفصح عن اسمه- إنهم منفتحون ويرحبون بأي جهود من أجل وقف الحرب وعملية سياسية بمشاركة كافة القوى السياسية عدا حزب المؤتمر الوطني وواجهاته.

وأوضح القيادي للجزيرة نت أنهم جلسوا مع قوى أخرى في القاهرة وتوصلوا إلى بيان مشترك، لكن الطرف الآخر تراجع، مما يعكس أن القوى المدنية لا تسعى إلى إقصاء أي طرف.

واتهم قوى مساندة للجيش أنها تسعى لتكون حاضنة سياسية والمشاركة في السلطة وليست جادة في العمل لوقف الحرب أو التوافق الوطني مما يجعل العملية تراوح مكانها.

عسكرة المشهد

من جهته، يرى الباحث والمحلل السياسي خالد سعد، أن أبرز أسباب تعثر التسوية هو سعي قوى سياسية لفرض رؤيتها للتسوية مستغلة انتصارات الجيش، لإقصاء قوى أخرى ترفع شعار "لا للحرب".

وقال للجزيرة نت: إن قوى سياسية ترفض الاعتراف بتغيرات ما بعد انقلاب أكتوبر/تشرين الأول 2021 وصعود جزء من الإسلاميين الذين عزلوا بعد الثورة الشبابية من أنصار حزب المؤتمر الوطني بزعامة الرئيس المعزول عمر البشير.

ويعتقد سعد أن انخراط تحالف مدني جديد في المعادلة مع قوات الدعم السريع في تحالف "تأسيس" يُعقِّد التوافق، ويهدف لضمان دور لهذه القوى في أي تسوية مستقبلية، إضافة لاحتمال عدم اهتمام قيادة الجيش بالتوافق، بل ربما ترى فيه تهديدا لدورها السياسي الحالي والمستقبلي.

إعلان

ويرى أن تأخير العملية السياسية يزيد الاستقطاب، ويضعف فرص التوافق المدني، ويعزز نفوذ الأطراف العسكرية وحلفائها، ويسمح بنفوذ أجنبي أكبر.

ويرجح المحلل السياسي أن يظل الوضع بهذه الوتيرة البطيئة لحين انتهاء الحرب أو حدوث تحولات جذرية في مواقف الأطراف المتصارعة، ولكن استمرار الوضع يدعم بشكل كبير عسكرة المشهد السياسي ما بعد الحرب، حيث يزداد احتمال هيمنة المؤسسة العسكرية وحلفائها على السلطة.

وتوقع أن يكون الحلفاء هم من حاملي السلاح، وليس إعادة لنظام المؤتمر الوطني الحاكم سابقا، أو شراكة متشابهة لما قبل انقلاب البرهان في أكتوبر/تشرين الأول 2021 على شركائه في قوى الحرية والتغيير.

مقالات مشابهة

  • الكوارث الطبيعية والحروب وتأثيرها على عمل الإعلام في السودان
  • "رفح انمسحت".. قلق من خطة المعسكر الضخم في غزة
  • الأونروا: يجب أن تستمر خدمات الوكالة من دون عوائق حتى يتمّ التوصّل إلى حلّ عادل ودائم لـ "محنة" اللاجئين الفلسطينيين
  • جريمة مطلوقة
  • السودان.. الحرب المنسية وخطر الغياب الدولي
  • إبراهيم شقلاوي يكتب: قَدَر البرهان وعفوية حماد عبد الله
  • حرب السودان في عامها الثالث فهل من أفق لحل الأزمة؟
  • من أشعل الحرب في السودان؟ ما الذي حدث قبل 15 أبريل؟
  • أوغندا تعلن السيطرة على تفشي وباء إيبولا
  • جنوب السودان على شفا الحرب الأهلية