تُثبت سياسة "موسكو" الخارجية وإنجازاتها العسكرية والاقتصادية أن استراتيجية الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين"، في مواجهة الغرب "قد نجحت"، حسبما أفادت صحيفة "وول ستريت جورنال"، اليوم السبت.

وترى الصحيفة، أن الدول الغربية اعتبرت أمنياتها كواقع سيتحقق، وعقدت الآمال الكبيرة على نجاح الهجوم المضاد الأوكراني وانهيار الاقتصاد الروسي تحت ضغط العقوبات.

ولكن خيب الواقع هذه الآمال، ولم يتم تدمير اقتصاد روسيا وانتقل جيشها إلى الهجوم، وتفوقت صناعتها الدفاعية على الصناعة الغربية في أحجام الإنتاج، ويمكن للرئيس فلاديمير بوتين أن "ينظر بارتياح" إلى إنجازات السياسة الخارجية، والتي تتجلى في دعم الدول الرئيسية في آسيا والجنوب العالمي.

دخول القوات الروسية إلى أوكرانيا 

وأضافت الصحيفة في مقالتها: "لا يجوز أن يكون أي من هذه الأمور مفاجئا. قبل أكثر من ستة أشهر من دخول القوات الروسية إلى أوكرانيا في فبراير 2022 وقع الرئيس بوتين على استراتيجية جديدة للأمن القومي لروسيا. كان الغرض الرئيسي من هذه الوثيقة هو إعداد البلاد لمواجهة طويلة الأمد مع الغرب. واليوم يستطيع بوتين أن يقول للشعب الروسي إن استراتيجيته نجحت".

ووفقًا للمقالة، ارتكب القادة الغربيون غلطة كبيرة عندما عقدوا الآمال على هزيمة سريعة لروسيا، واعتمدوا ليس فقط على النفوذ الخارجي، بل وأيضا على "آمال غير واقعية" بحدوث انقلاب داخل روسيا.

وتابعت الصحيفة القول: "الدعم الشعبي للعملية الخاصة لا يزال ثابتا، وحتى النخب لم تدير ظهرها للرئيس بوتين".

استراتيجية الأمن القومي، هي وثيقة تخطيط استراتيجي أساسية تحدد المصالح الوطنية والأولويات الوطنية الاستراتيجية لروسيا والأهداف والغايات والتدابير في مجال السياسة الداخلية والخارجية التي تهدف إلى تعزيز الأمن القومي وضمان التنمية المستدامة للبلاد في طويل الأمد. وفي 2 يوليو عام 2021 وقع الرئيس بوتين على النسخة الحالية من هذه الإستراتيجية.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: بوتين موسكو روسيا الدول الغربية بوابة الوفد

إقرأ أيضاً:

عبد السلام فاروق يكتب: جون ميرشايمر.. رجل رأى العاصفة قادمة

قبل عقد من الزمن، وقف البروفيسور الأمريكي جون ميرشايمر، أحد أبرز العقول الاستراتيجية في الولايات المتحدة، محذرًا الغرب من مغبة استفزاز روسيا عبر أوكرانيا. كان صوته واضحًا: "ادفعوا بأوكرانيا إلى مواجهة روسيا، وستدفعونها نحو الهاوية". اليوم، بينما تشتعل الحرب وتتداعى المدن الأوكرانية، يبدو كلامه كأنه نبوءة تحققت بحذافيرها. فكيف استطاع هذا المفكر قراءة المستقبل بكل هذا الوضوح؟ وما الذي يمكن أن نتعلمه من رؤيته؟

عقل واقعي في عالم مثالي

ينتمي ميرشايمر إلى مدرسة الواقعية السياسية، التي ترى العالم غابةً تحكمها قوة الدول وصراعات النفوذ. بعيدًا عن الخطابات المثالية حول "انتصار الديمقراطية"، يركز على تحليل موازين القوى وحدود الهيمنة. في محاضراته وكتبه، مثل "تراجيديا سياسة القوى العظمى", يشرح بمنطق صارم: "الدول لا تعمل بقلوبها، بل بمصالحها. ومن ينسى هذه القاعدة يدفع الثمن".

قبل سنوات، لخص ميرشايمر رؤيته لأزمة أوكرانيا في جملةٍ بسيطة: "روسيا لن تسمح أبدًا بانضمام أوكرانيا إلى الناتو". حينها، سخر البعض من "تشاؤمه"، معتبرين أن توسيع الحلف شمالًا خطوة لتعزيز الأمن الأوروبي. لكن ميرشايمر رأى ما وراء الأفق: روسيا، التي تعتبر أوكرانيا حدًّا استراتيجيًا حيويًا، سترد بعنفٍ إن شعرت بالحصار.

لم يكن الرجل منحازًا لروسيا، بل كان يحلل منطق الجغرافيا والتاريخ. أوكرانيا، بموقعها بين الشرق والغرب، لا يمكن أن تكون ساحةً لصراع القوى دون أن تتحول إلى ساحة دمار. لذلك، دعا إلى حياديتها: "لا تضعوها في موقف الاختيار بين الغرب وروسيا. دعوها تبني اقتصادها وتتجنب لعبة النيران".

كل ما حذّر منه ميرشايمر وقع: الغرب دعم أوكرانيا عسكريًا وسياسيًا، روسيا شعرت بالتهديد، والنتيجة حرب طاحنة دمرت المدن وشردت الملايين. لو كانت أوكرانيا حيادية، كما اقترح، لربما تجنبت هذا المصير. لكن الغرب، بانبهاره بانتصاره في الحرب الباردة، ظن أنه قادر على إعادة تشكيل العالم كما يشاء، متناسيًا أن القوى العظمى لا تتراجع عن حدودها إلا بقوة أكبر.

قصة ميرشايمر وأوكرانيا ليست مجرد "كنتُ قد حذرتكم", بل هي تذكير صارخ بأن السياسة الدولية ليست لعبةً أخلاقية، بل ساحة مصالح متشابكة. الرجل لم يُفاجأ بالحرب؛ لأنه فهم قواعد اللعبة. ورغم أن البعض ينتقده كـ"متشائم"، إلا أن الواقعية قد تكون ضروريةً لإنقاذ الأرواح قبل فوات الأوان.

في زمنٍ تتصاعد فيه الخطابات الحماسية حول "النصر الكامل", ربما نحتاج إلى المزيد من أمثال ميرشايمر: أولئك الذين يذكروننا بأن السلام لا يُبنى بالأحلام، بل بالحكمة.

الواقعية مقابل المثالية: لماذا تجاهل الغرب التحذيرات؟

يرى ميرشايمر أن الغرب وقع في فخ "الانتصار الوهمي" بعد الحرب الباردة، معتقدًا أن توسيع الناتو شرقًا سيعزز الأمن دون رد فعل روسي. لكن الواقعية تُذكّر بأن روسيا، كقوة عظمى، لن تسمح بتهديد حدودها الحيوية. هنا، تصطدم المثالية الغربية (نشر الديمقراطية) بالمنطق الجيوسياسي: "القوى الكبرى لا تتنازل عن مناطق نفوذها إلا تحت الإكراه".

ربما غلبت النخب الغربية الأجندات الأيديولوجية على حساب قراءة التاريخ، كما حدث في الحرب العالمية الأولى، حين أُسيء فهم تحركات الدول، مما أدى إلى كارثة.

إشكالية الحياد: هل كان ممكنًا؟

دعا ميرشايمر إلى حيادية أوكرانيا، لكن هذا يطرح إشكالية في عالم مترابط اقتصاديًا وأمنيًا. فالدول، خاصة الصغيرة منها، غالبًا ما تُجبر على الانحياز بسبب:

التبعية الاقتصادية: مثل اعتماد أوكرانيا على روسيا في الطاقة، وعلى الاتحاد الأوروبي في الاستثمارات.الانقسامات الداخلية: الشرخ بين المناطق الناطقة بالروسية وتلك الميالة إلى أوروبا جعل من الصعب تبني سياسة خارجية موحدة.

لكن ميرشايمر قد يرد بأن الحيادية ليست "انعزالًا"، بل توازن دبلوماسي يمنع تحول الدولة إلى ساحة صراع.

إرادة الشعوب أم حسابات القوى العظمى؟

ينتقد البعض الواقعيةَ لإهمالها إرادة الشعوب. أوكرانيا سعت للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي والناتو برغبةٍ شعبيةٍ، للهروب من الهيمنة الروسية. لكن ميرشايمر يذكّر بأن الدول الصغيرة لا تملك رفاهية "الاختيار الحر" في ساحة القوى العظمى. قد لا ترى أوكرانيا نفسها تهديدًا لروسيا، لكن موسكو تراها كذلك، وهذه النظرة هي التي تحكم التوازنات.

من أوكرانيا إلى تايوان.. صراع القوى الكبرى مستمر

تُظهر أزمة أوكرانيا نمطًا متكررًا في السياسة الدولية. فكما شعرت روسيا بالتهديد من الناتو، قد تشعر الصين بالخطر من أي تحالف غربي مع تايوان. ميرشايمر يحذر من أن تجاهل هذه الحساسيات قد يؤدي إلى صدامات كارثية. والسؤال هنا: هل يمكن للغرب أن يوازن بين دعم القيم الديمقراطية وتجنب صراعات لا تُحمد عقباها؟

الواقعية أم السذاجة الأخلاقية؟

تُلام الواقعية لكونها "بلا ضمير"، لكن ميرشايمر يرى أن السذاجة الأخلاقية تُنتج كوارث إنسانية أكبر. صحيح أن دعم أوكرانيا عسكريًا قد يبدو مبررًا أخلاقيًا، لكنه أيضًا يطيل أمد الحرب ويرفع الخسائر. الحل الواقعي قد يكون مفاوضات صعبة تتنازل فيها أوكرانيا عن أحلام الناتو مقابل ضمانات أمنية، لكن هل هذا مقبول بعد تدمير ملايين الأرواح؟

دروس للمستقبل

الحرب في أوكرانيا ليست سوى فصلٍ جديد من صراع القوى العظمى. ولو التزم الغرب بخطة ميرشايمر، ربما كان تجنب الحرب ممكنًا، لكن الواقع الآن يفرض حلولًا مختلفة.

فهل يمكن إحياء مفهوم "الحيادية المُسلحة" كما في سويسرا أو فنلندا سابقًا؟ أم أن العالم أصبح أكثر تعقيدًا؟

الدرس الأكبر؟

"السياسة الدولية لعبة شطرنج بقواعد صارمة: من لا يتعلمها يخسر".
ربما يكون الثمن البشري هو ما سيدفع العالم إلى إعادة اكتشاف التوازن بين المبادئ والواقع.

مقالات مشابهة

  • صحيفة: بوتين يريد من ترامب اعترافا رسميا بـ 4 مناطق بأوكرانيا تسيطر عليها روسيا
  • خبير دولي: روسيا استطاعت أن تقنع العالم بأن أمنها القومي هو خط أحمر
  • وزيرة الخارجية الألمانية: الغارات الجوية الإسرائيلية على غزة "تحطم الآمال" في السلام
  • صنعاء «السيادة» فوق الغرب والشرق معاً..!
  • عبد السلام فاروق يكتب: جون ميرشايمر.. رجل رأى العاصفة قادمة
  • ترامب × بوتين| صفقة تثير العاصفة الأوروبية.. التقارب الأمريكي الروسي يقلق أوروبا وتدرس تأثيره المحتمل على أمن القارة العجوز
  • أسطول الأشباح.. حيلة جديدة لروسيا لإرسال أسلحة ومعدات عسكرية لحفتر
  • تتحدث عن القانون 431.. خطة للنهوض بقطاع الاتصالات!
  • متغيرات السياسات الدولية
  • هآرتس تتحدث عن إستراتيجية إسرائيل لاستئناف الحرب بغزة