فجأة، وبدون مقدمات، عاد الزعيم السابق لتنظيم "القاعدة"، أسامة بن لادن ليتصدر الحديث على مواقع التواصل الاجتماعي، من خلال رسالة قديمة أرسلها قبل أكثر من عشرين عامًا إلى الشعب الأميركي.

المفارقة أنَّ العودة جاءت عبر ناشطين أميركيين وليسوا عربًا، حيث نجحوا في أيام قليلة في تحويل "العدوّ الأول" للولايات المتحدة، في فترة ما، إلى متصدّر "التريند" على منصة "إكس".

فكيف حدثت تلك العودة؟ وما علاقتها بحرب غزة؟ وكيف يمكن قراءة هذا التغيّر الناشئ في مزاج الأجيال الشابّة في الولايات المتحدة؟

رسالتا "بن لادن" إلى الشعب الأميركي:

من منصة "تيك توك" كانت العودة، حيث اكتشف ناشطون أميركيون، أنّ "بن لادن" كتب رسالة قديمة إلى "الشعب الأميركي" كان قد طواها النسيان، لكن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة أعاد التذكير بها.

وفي البداية، يجب الإشارة إلى أنّها لم تكن رسالةً واحدةً، بل رسالتَين؛ الأولى كتبها "بن لادن" في نوفمبر عام 2002، ردًا على مقالات نشرها مجموعة من الكتّاب الأميركيين يتساءلون فيها عن أسباب كراهية المسلمين الولايات المتحدة، والتي دفعت مجموعة منهم إلى تنفيذ هجوم 11 سبتمبر الشهير.

أما الثانية فكتبها عام 2009، في عهد الرئيس السابق، باراك أوباما، وتحدّث فيها عن جدوى الحرب في أفغانستان وكلفتها الاقتصادية والأخلاقية، مع استمرارها لسنوات، دون وجود أي بوادر للانتصار.

الرسالة الأولى هي المهمة هنا؛ لأنها هي التي أسهب فيها "بن لادن" في الحديث عن فلسطين، حيث عدها السبب الأول في أسباب عداء الولايات المتحدة، معتبرًا إياها السبب في استمرار جرائم الاحتلال الصهيوني بالقتل والتهجير والدمار، مؤكدًا أن دعم واشنطن تلك الجرائم لا يحتاج إلى شرح مطول لإثباته.

كما توعّد بالانتقام للشعب الفلسطيني قائلًا: "يجب الانتقام للدماء التي تسيل من فلسطين على قدم المساواة. يجب أن تعلموا أن الفلسطينيين لن يبكوا وحدهم؛ ونساءَهم لن يترملن وحدهن. ولن يُيتّم أبناؤهم وحدهم".

هذه الرسالة نشرتها جريدة "غارديان" البريطانية، بتمامها، في عام 2002، قبل أن تعود وتحذفها في الساعات الأخيرة، خوفًا من ردة الفعل الأميركية.

جيل أميركي جديد يشعر بالأزمة:

لا يمكن الجزم حتى الآن كيف كانت بداية عثور ناشطين أميركيين على رسالة "بن لادن" وبث الروح مجددًا فيها، إلا أنه يبدو أن طرف الخيط بدأ من عند "لينيت أدكينز"، وهي ناشطة أميركية  داعمة للحق الفلسطيني، ومعروفة في مجتمع "تيك توك". حيث تقول في مقطع مصور: "أريد من الجميع أن يتوقفوا عما يفعلونه الآن وأن يذهبوا لقراءتها (أي رسالة بن لادن). إنها حرفيًا صفحتان. اذهبوا واقرؤُوا رسالة إلى أميركا".

ثم تردف في عبارات ذات مغزى:

"وأرجو أن تعود إلى هنا وأخبرني برأيك؛ فأنا أشعر أنني أمر بأزمة وجودية في الوقت الحالي، والكثير من الناس يمرون بها، لذلك أحتاج فقط إلى شخص آخر ليشعر بهذا."

ناشط آخر يدعى "رايريدز" كتب قائلًا: "لقد كذبنا طوال حياتنا، أتذكر رؤية الناس وهم يهتفون عندما تمَّ العثور على أسامة ومقتله؟. كنت حينها طفلًا، وقد أربكني ذلك. ولا يزال الأمر يحيرني حتى اليوم. إن العالم يستحق أفضل مما فعلته هذه البلاد (يقصد أميركا) لهم. يجب أن يحدث التغيير".

أما جاك شيلدز فيقول : "قيل لنا إنه، (أي بن لادن)، يكرهنا بسبب حريتنا، ولكن إذا قرأت كلماته بالفعل، فهو يكرهنا بسبب الأموال الأميركية الشريرة التي تقاتل من أجلها في إسرائيل".

كما لفت انتباهي، لوكاس غيج- وهو أحد أفراد قوات مشاة البحرية الأميركية "المارينز" السابقين، والذي قاتل سابقًا في العراق، معتقدًا أنه في مهمة لإنقاذ الشعب العراقي، قبل أن تتضح له الخدعة التي تعرض لها- حيث يقول:

"على الرغم من أن الحرب قد انتهت، فإنني لم أنتهِ من القتال، فأعداؤنا الحقيقيون ليسوا موجودين في أرض أجنبية، بل هم موجودون هنا في العاصمة (واشنطن) ".

لوكاس انتهز فرصة ظهور رسالة "بن لادن" ليعيد بثها مترجمة إلى متابعيه على منصة "إكس"، حيث حقّق المقطع المصور نسبة ظهور بلغت 1.7 مليون مرة حتى كتابة هذه الأسطر.

هذه مجرد أمثلة، لملايين التعليقات، التي لا يمكن رصدها في مقال كهذا بطبيعة الحال، لكنها تحمل دلالات مهمة لا يمكن تجاوزها.

كيف يمكن قراءة ظهور "بن لادن" المفاجئ؟

إذا كان من الصعوبة بمكان إصدار أحكام نهائيّة، بشأن الظاهرة، فإنّ ذلك لا يمنع من محاولة تلمّس التفسير المبدئيّ لها،

فيبدو أنَّ المجازر الصهيونيّة المروعة في قطاع غزة- خاصة بحق النساء والأطفال- تركت جرحًا في الضّمير العام للشعب الأميركي، لا سيما شريحة الشباب الناشطين على مواقع التواصل، والمطلعين على تلك الصور التي توثق تلك الجرائم بشكل دوري، ما أدّى إلى زعزعة اليقين بما كان يعد من الثوابت في السابق، وفي مقدمتها الدعم الأميركي المطلق لإسرائيل.

ومن هنا جاءت رسالة "بن لادن" التي كانت معنية بشرح وتفسير أسباب الصدام، لتدقّ لهم ناقوس الخطر لما قد يحدث مستقبلًا؛ بسبب الدعم الأميركي اللامحدود في ارتكاب تلك المجازر، والتي لن تمحى من الذاكرة العربية والإسلامية لعقود طويلة.

كما لا يمكن فصل ظهور الرسالة عن الأجواء المحتقنة داخل المجتمع الأميركي، حيث تتزايد اتهامات الفساد للنخب السياسية الأميركية، وتلقي الأموال من جماعات الضغط اليهودية، مثل "إيباك"، والحديث المتصاعد عن دور شركات السلاح والمجتمع الرأسمالي في توجيه سياسات الولايات المتحدة ولو على حساب القيم والأخلاق.

هذا الاحتقان، عبّر عنه ناشطون أميركيون، بإعادة قراءة أسباب هجوم 11 سبتمبر، بعيدًا عن سردية الصراع الحضاري بين المسلمين وبين قيم الغرب الحضارية التي تم اعتمادها والترويج لها بكثافة، لتبرير شن حرب مدمرة ضد أفغانستان والعراق.

لكن كل هذا لم يكن ليحدث بهذه السرعة والديناميكية العالية، لولا صراع الاستقلال الذي فجرته المقاومة الفلسطينية في غزة، والذي يؤشر لتغييرات كبيرة إقليمية ودولية.

 

 

 

 

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

إقرأ أيضاً:

فُقد بسوريا قبل 12 عاماً.. الصحافي الأميركي أوستن تايس حي

24 ديسمبر، 2024

بغداد/المسلة: في تطور مفاجئ، أعلنت منظمة “هوستيج إيد وورلد وايد” الأميركية اعتقادها بأن الصحافي الأميركي أوستن تايس، الذي اختفى في سوريا عام 2012، لا يزال على قيد الحياة. ورغم غياب معلومات واضحة حول مكانه، أعربت المنظمة عن أملها في أنه ما زال موجوداً، معتمدة على بيانات تقول إنها تشير إلى أنه كان على قيد الحياة حتى يناير 2024. كما ذكر نزار زكا، أحد مسؤولي المنظمة، في تصريحات صحافية أن رئيس الولايات المتحدة كان قد صرح في أغسطس الماضي بأنه يعتقد أن تايس لا يزال حياً.

اختفى أوستن تايس، الذي كان يعمل صحافياً مستقلاً وجندياً سابقاً في مشاة البحرية الأميركية، أثناء تغطيته للاحتجاجات ضد الرئيس السوري بشار الأسد في دمشق. وكان عمره آنذاك 31 عامًا، ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن اختطافه. ومرت السنوات ليظل مصيره مجهولاً، رغم الجهود المستمرة من الحكومة الأميركية لاستعادة الصحافي الأميركي.

في أغسطس من العام الجاري، أحييت وزارة الخارجية الأميركية الذكرى السنوية الثانية عشرة لاختفاء أوستن، مشيرة إلى أن المعلومات المتوفرة تفيد بأن الحكومة السورية قد تكون وراء احتجازه. وبينما لم تعترف دمشق قط باحتجاز تايس أو تقدم أي دليل على بقائه على قيد الحياة، بقيت الولايات المتحدة تدعو إلى الإفراج عنه. ورافق ذلك تجديد محاولات التفاوض مع دمشق في سنوات ماضية، حيث زار روجر كارستينز، المسؤول الأميركي رفيع المستوى في وزارة الخارجية لشؤون الرهائن، العاصمة السورية في عدة مناسبات على أمل تسوية قضية الصحافي، لكن دون جدوى.

ومع استمرار الوضع المتأزم في سوريا، ساهمت التطورات الأخيرة في فتح السجون من قبل بعض الفصائل المسلحة في حلب وحماة في إعادة تسليط الضوء على قضية أوستن تايس. هذه التحركات أعادت الأمل في إمكانية الإفراج عن الصحافي الأميركي في المستقبل القريب، إلا أن هناك مخاوف من أن تتسبب هذه الظروف المتغيرة في تعقيد الأمور أكثر مما كانت عليه.

 

 

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author Admin

See author's posts

مقالات مشابهة

  • أحمد موسى: الرئيس السيسي أعاد بناء مصر.. وحوّل العشوائيات لمجتمعات حضارية
  • كوراث الطائرات.. لماذا لا يمكن تفادي "ضربات الطيور"؟
  • مجلس شيوخ القبائل: الرئيس السيسي أعاد الأمل إلى سيناء باهتمامه بتعميرها وتنميتها (فيديو)
  • رئيس شيوخ القبائل: السيسي أعاد الأمل إلى سيناء وأهلها (فيديو)
  • تراجع غير متوقع لمؤشر ثقة المستهلك الأميركي في شهر ديسمبر
  • فُقد بسوريا قبل 12 عاماً.. الصحافي الأميركي أوستن تايس حي
  • صحف عالمية: عام 2024 أعاد ترتيب الشرق الأوسط وتأثيراته طويلة
  • هل يمكن إعفاء الحاصل على الدعم النقدي دون وجه حق من رد المبالغ التي صرفها؟.. الضمان الاجتماعي يوضح
  • موقع عبري: الحوثيون لا يمكن ردعهم.. الجماعة التي تتحدى الولايات المتحدة وتتحدى العالم
  • 2024.. العام الذي أعاد تشكيل خريطة الشرق الأوسط