إن القوة عندما توجه ضد طبيعة الأشياء؛ فإن لها ملامح الهزيمة والإخفاق، فسياسة الدول الاقتصادية والسياسية والعسكرية كانت، وما زالت، تتعارض مع أبسط قوانين الاجتماع والتاريخ، بعد أن تخلت الأمم المتحدة، وهي المنوط بها السلم بين الأمم، عن مبادئ تأسيسها، وهي ضرورة الارتفاع بالسياسة الدولية إلى مستوى إنساني يسهم في بناء سياسة قائمة على تعاون حر بين كل الأمم، ويجنب الدول الحروب والدمار.
إن الأحداث التي تتفجر في بعض الدول، في مناطق مختلفة من العالم، تجرّ ذيولاً تنفث لهب التمرد، والتغيير، والخراب، وتورث الثأر والقتل والأحقاد، وهنا تسقط كرامة الإنسانية، عندما يسقط حق الإنسان، أي إنسان، في الحياة، وعندما تسقط كرامة الإنسان، تسقط معها كل القيم الإنسانية الأخرى، فلا سلام لمن جدف بقاربه ضد تيار العقل، متناسياً أبجديات التاريخ العسكري، والسياسي، والاقتصادي، ما يؤدى إلى منعطفات قد تفضي إلى التدهور والسقوط، وإلى سياسة تنتهي إلى تدمير السلام، لأن حالة السلام الحالية المشوهة، ينمو تحتها بركان سينفجر في السنوات القليلة المقبلة.
لقد كان الاتجاه نحو الحرب الكبرى خياراً وحيداً، لدى دول الغرب التي تمسك بالاقتصاد الدولي، لأن الحروب وسيلة للتخلص من الخصوم، وفي الوقت نفسه هي وسيلة لتحقيق الثراء. وقد تراكمت عوامل ضاغطة في شرق أوروبا بسبب الموقف الروسي المناهض لتوجهات الغرب، حتى حدثت الحرب الأوكرانية، التي مثلت ساحة أولى من ساحات الحرب الكبرى، لأن العالم انقسم فيها إلى محورين: الأول: تمثله الولايات المتحدة ودول الغرب، والثاني: تمثله روسيا والصين، والدول الأخرى التي تقف معهما.
ولم تكن المنطقة العربية يوماً بعيدة عن دائرة الصراع، فقد كانت في عصور الضعف مطمعاً للدول الكبرى لما تحويه من خيرات، إضافة لموقعها الاستراتيجي.
وفي ظل تعقد مسار السلام بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، كانت العملية العسكرية الفلسطينية في 7 أكتوبر/ تشرين الثاني الماضي، حدثاً يدل على حجم التغييرات التي عصفت بالقضية الفلسطينية، كما كانت دليلاً على الدخول في منحنى خطر نحو حرب كبرى قد تحدث في المنطقة، فقد سارعت الولايات المتحدة لإرسال حاملتي طائرات إلى البحر المتوسط، وألحقتهما بالغواصة «أوهايو» النووية، وهي أكبر غواصة لدى البحرية الأمريكية، ولديها القدرة على حمل أكثر من 150 صاروخاً، وكلها تحمل رؤوساً نووية، ورغم أن الغواصات تتحرك بشكل سري؛ فإن الإعلان عن وصولها إلى المنطقة كان بمثابة رسالة لمن يهمه الأمر بأن السلاح النووي حاضر لإفناء الخصوم.
والواقع أن المنطقة قد تدخل في مرحلة من العنف المتعاظم لا أحد يستطيع تحديد مداه، لا سيما وأن الصراع قد لا يبقى محصوراً في غزة، بل قد ينتقل إلى الضفة الغربية، بسبب التحديات الناجمة عن عنف المستوطنين، حيث دعت بعض الأحزاب اليمينية الإسرائيلية المتطرفة إلى عملية عسكرية واسعة بالضفة؛ للقضاء على جيوب المقاومة هناك، وفي حال حدوث مثل تلك العملية، وهو أمر مرجّح في ظل ارتفاع عمليات المقاومة ضد المستوطنين والجيش الإسرائيلي، فإن الأمور ستخرج عن السيطرة؛ لتدخل الضفة في نفق الفوضى التي يصعب تداركها.
وفي ظل تعقد الموقف، فإن الحرب قد تتواصل، وقد تتسع ساحاتها لتتحول إلى حرب، إقليمية أو عالمية، غير أن السلاح النووي الذي أحضرته الولايات المتحدة إلى المنطقة قد يكون أكثر من رسالة تهديد، بل قد يتم استخدامه بالفعل، وهذا ما تنبأ به وليم جاي كار في كتابه «أحجار على رقعة الشطرنج»، حيث أشار إلى أن جهات في الغرب ستدفع نحو تعميق الخلاف في منطقة الشرق الأوسط؛ بهدف إشعال حرب عالمية ثالثة، ومن ثم استخدام السلاح النووي لتدمير الجانبين. لكن هل تتحقق هذه النبوءة؟
نحن الآن نرى علامات ذلك من خلال إحضار الغواصة «أوهايو» إلى المنطقة، والتي تحمل أسلحة نووية تكفي لتدمير قارة بأكملها، ومسح عشرات بل مئات المدن من الوجود. وليست أوهايو سوى مفردة واحدة من عناصر الثالوث النووي الأمريكي الرهيب.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان سلطان النيادي مانشستر سيتي غزة وإسرائيل الحرب الأوكرانية عام الاستدامة غزة وإسرائيل
إقرأ أيضاً:
مسئول أمريكي يحذر الدول التي ستحاول اعتقال نتنياهو
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
حذر السيناتور الجمهوري البارز، ليندسي جراهام، المملكة المتحدة من تداعيات اقتصادية خطيرة قد تواجهها إذا قامت بتقديم المساعدة في تنفيذ مذكرة اعتقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والتي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية.
وأكد جراهام، الحليف القوي للرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، أن الولايات المتحدة يجب أن تفرض عقوبات اقتصادية على أي دولة تسهم في اعتقال أي مسؤول إسرائيلي، وعلى رأسهم نتنياهو ووزير الدفاع السابق، يوآف جالانت، الذي صدرت بحقه أيضًا مذكرة اعتقال بتهم ارتكاب جرائم حرب في غزة.
جاءت هذه التصريحات بعد أن أثيرت مخاوف واسعة بين الأوساط السياسية الأمريكية من تحركات المحكمة الجنائية الدولية، التي طالبت بملاحقة عدد من المسؤولين الإسرائيليين. وفي رد فعل قوي، قال جراهام في مقابلة مع قناة "فوكس نيوز" إن "أي دولة تساعد المحكمة الجنائية الدولية في تنفيذ هذه المذكرات، سيكون عليها أن تواجه ردًا قاسيًا من الولايات المتحدة". وأضاف: "سنفرض عقوبات على أي دولة تساعد في اعتقال هؤلاء السياسيين، ولن نقبل بذلك".
وفي تحدٍ واضح للمحكمة الجنائية الدولية، شدد جراهام على أن أي دولة، سواء كانت المملكة المتحدة أو أي دولة حليفة أخرى، إذا اختارت مساعدة المحكمة، ستكون في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة. كما أكد جراهام أنه يعمل مع السيناتور توم كوتون على إعداد تشريع سريع لفرض عقوبات على أي دولة تساهم في ملاحقة المسؤولين الإسرائيليين، مشيرًا إلى أن ذلك يتضمن بلدانًا مثل بريطانيا وكندا وفرنسا.
من جهتها، أكدت الحكومة البريطانية على أنها ستلتزم بالقوانين والالتزامات القانونية التي تفرضها المحكمة الجنائية الدولية، لكنها لم تعلق بشكل مباشر على إمكانية تقديم أي دعم في تنفيذ مذكرة الاعتقال ضد نتنياهو.
تأتي هذه التحذيرات في وقت حساس، حيث يعكس التوتر في العلاقة بين الولايات المتحدة والمجتمع الدولي، خاصة في ظل التصعيد حول الموقف من إسرائيل وعملياتها العسكرية في غزة. وتستمر الولايات المتحدة في تأكيد دعمها القوي لإسرائيل، وهو ما يجعل أي خطوة من الدول الأوروبية نحو التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية مسألة مثيرة للجدل.