دون أي مقدمات أو تمهيد مسبق تلقى موظفو قناة "أورينت" السورية والعاملين في مدينة إسطنبول التركية يوم الجمعة "خبرا كالصدمة"، ومفاده أن مالك المؤسسة رجل الأعمال السوري، غسان عبود، قرر إغلاقها بشكل كامل ونهائي خلال مدة زمنية أقصاها نهاية العام الحالي. 

ولم تنشر القناة بشكل رسمي تفاصيل قرار الإغلاق وأسبابه، لكن عاملين فيها من صحفيين وفنيين تحدثوا لموقع "الحرة"، عن "ضغوط" أبلغهم بها رئيس التحرير، علاء فرحات، بُعيد اجتماع عقده مع مالكها، عبود.

 

تعتبر "أورينت" من أبرز المنابر الإعلامية السورية التي تتخذ صوتا ومسارا مناهضا للنظام السوري منذ سنوات طويلة، وكانت قد شهدت، في عام 2020، محطة فاصلة تمثلت بانتقال كوادرها من دبي في دولة الإمارات إلى مدينة إسطنبول، بعدما أوقفت بث التلفزيوني الفضائي. 

ورغم توقف بثها الفضائي واصلت القناة إنتاج برامجها وأبرزها، "تفاصيل" و"هنا سوريا"، عبر مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة. وبموازاة ذلك تحولت إلى نشر قصص قصيرة عبر منصات كـ"تيلي أورينت" و"أورينت تورك"، بينما استمر موقعها الإلكتروني في نشر المقالات والقصص الصحفية. 

ولن يقتصر قرار الإغلاق على منصة دون غيرها، بل يشمل جميع المنصات: "النيو ميديا" و"قسم الأخبار" والبرامج والسوشال ميديا والإذاعة، وبمعنى آخر كل ما يتم إنتاجه في المكتب الكائن في مدينة إسطنبول، والذي يضم أكثر 80 موظفا. 

"دون أي أعراض" 

"كنا نعمل على مشاريع ونقوم بتحضيرات كما هي العادة اليومية. لم نفكر للحظة أن يتخذ قرار الإغلاق بالسرعة التي حصلت"، يقول الصحفي، عبد القادر لهيب، ويشرح كيف حلّ خبر الإغلاق على العاملين في القناة "كالسكتة القلبية التي تصيب شخصا رياضيا دون أعراض"، حسب تعبيره. 

يرى لهيب وهو مذيع في "إذاعة أورينت" لموقع "الحرة" أن قرار الإغلاق "مؤلم على عدة أصعدة"، أولها يتعلق بفكرة أن "كل شيء في سوريا الحرة بات يتم تجفيفه شيئا فشيئا عسكريا وسياسيا وإغاثيا وإعلاميا". 

ثاني الأصعدة، برأي لهيب، هي أن "أورينت كمؤسسة إعلامية لها رصيد شعبي ووطني وثوري ومن المؤسف أن يتوقف مشوارها". 

وأضاف أنها "واكبت الساحة السورية قبل الثورة وإبانها وبعدها، وكانت مع السوريين بمظاهراتهم وبحربهم وبتشتتهم وبغابات اللجوء وبحر النزوح، وصولا إلى حراك السويداء الأخير". 

ويشير الصحفي لهيب إلى أن تبعات أخرى للإغلاق تتعلق بفقدان الموظفين من صحفيين وفنيين "فرصة عمل وموردا ماليا كانوا يعتمدون عليه لسد نفقاتهم المعيشية في تركيا". 

ويأتي قرار إغلاق "أورينت" قبل أن تحتفل القناة بالذكرى الخامسة عشرة لانطلاقتها، في مطلع فبراير القادم، وأثار ردود أفعال بين صحفيين سوريين ومستخدمين عبر مواقع التواصل الاجتماعي. 

الصحفي ماجد عبد النور، كتب عبر موقع التواصل "إكس"، إن "خبر إغلاق القناة أسكت صوتا عتيقا من أصوات الثورة السورية"، مضيفا: "تختلف أو تتفق معها لكنها كانت جلادا للطغاة حينا وبلسما يشفي صدور الباحثين عمن يحكي همومهم ومصائبهم حينا آخر". 

محزن خبر إغلاق قناة أورينت، أُسكتَ صوتٌ عتيق من أصواتِ الثورة السورية، تختلف أو تتفق معها لكنها كانت جلاداً للطغاة حيناً، وبلسماً يشفي صدور الباحثين عمن يحكي همومهم ومصائبهم حيناً آخر.
وداعاً أورينت
"من سمع ليس كمن رأى"

— ماجد عبد النور (@Magedabdelnour1) November 17, 2023

الصحفية العاملة في القناة، راما العبوش علّقت بدورها عبر "فيسبوك" بقولها: "ما عاد تسمعونا براديو أورينت.. ولا عاد تشوفونا على نشرات أورينت ولا عاد في نراكم بحلقات جديدة.. وصلنا الحلقة الأخيرة". 

وأضاف الصحفي السابق فيها، فواز شحادة: "ستغلق أورينت أبوابها قريبا، وستخلّف وراءها فراغاً يصعب ملؤه". 

"محطة من عمر الثورة" 

في عام 2009، كان رجل الأعمال السوري، غسان عبود، أطلق تلفزيون "المشرق" في سوريا "ليكون منبرا لكل السوريين مما دفعه لمواجهة مع نظام ‏الأسد في خطوة كلفته 18 مليون دولار"، كما يورد تقرير يحكي قصته على الموقع الإلكتروني. 

في ذلك الوقت تعرض هو وموظفو القناة البالغ تعدادهم 149 شخصا، منهم 60 صحفيا ‏لتهديدات بالقتل، ومضايقات من ضباط قوات النظام السوري وعناصر المخابرات، وبعد كل ذلك سيطر نظام الأسد على مقرات "المشرق"، حتى أعاد عبود إطلاقه باسم "أورينت ميديا" بعد أن اتخذ من الإمارات وتركيا والأردن مقرا لها. 

مرت "أورينت" منذ ذلك الوقت وبالتحديد بعد إطلاقها، في عام 2011، بعدة محطات، أولها عندما تم إيقاف بثها الفضائي في الإمارات، بسبب "تجاوزها للمحتوى الإخباري المحدد لها بحسب المبرر القانوني، وكونها كانت مرخصة كقناة منوعة". 

وعلى إثر ذلك، تم نقل استديو الأخبار الخاص بها آنذاك إلى القاهرة، وظلّت لفترة من الزمن قبل أن تعود إلى استديوهات كبيرة في الإمارات، وتبدأ بمواكبة الحدث السوري الذي كان على أوجه إبان انطلاقة الثورة السورية. 

غطّت القناة كبرى الأحداث العسكرية والسياسية التي شهدتها سوريا خلال سنوات الثورة السورية الماضية، وخسرت مراسلين على الأرض بين ضحايا فقدوا حياتهم أثناء التغطيات الميدانية، وآخرون ما زالوا في عداد المفقودين، وأبرزهم عبيدة بطل ورفيقه المصور عبود عتيق. 

"مثل أي إعلامي يشعر بالخسارة لإغلاق منبر أو مؤسسة إعلامية تلقيت هذا الخبر بقدر كبير من الأسف"، يقول الكاتب والصحفي، محمد منصور، وهو أحد أبرز الكوادر التي عملت في القناة سابقا، قرابة عشر سنوات. 

ويضيف لموقع "الحرة": "السوريون بحاجة لصوت ومنبر ينقل صوتهم ويتابع قضيتهم. خسارة أورينت اليوم تعني مزيدا من التهميش للخبر السوري". 

ويوضح الكاتب والصحفي أيضا أن قرار الإغلاق "كان صادما بالنسبة للعاملين فيها، كون فرص العمل التي تتاح أمام الإعلامي السوري، سواء الشاب أو المخضرم، قليلة". 

"للأسف بات الصحفيون السوريون يصنفون كعناصر غير مرغوب بهم في المؤسسات الإعلامية إلا إذا كانوا بلا موقف"، ولذلك يرى منصور أن "إغلاق القناة يعني مزيدا من المعاناة رغم أنها لم تستوعب إلا القليل من الكوادر في الفترة الأخيرة". 

"تألق وخفوت" 

رغم المساحة أو "الاسم" الذي عرفت به "أورينت" وكذلك الأمر بالنسبة للشعار الخاص بها "من سمع ليس كمن رأى" لاقت، بعد عام 2020، انتقادات تعلقت بالتحديد بخطها التحريري، ووجهت اتهامات لها في بعض الأحيان بالتمييز القائم على الطائفة. 

ومع أن صحفيين داخلها وآخرين من خارجها يؤكدون أن تلك الانتقادات "واقعية"، يعتبرون في المقابل أن "إغلاقها يشكّل أثرا سلبيا على صعيد العاملين فيها أو على صعيد إعلام ما بعد 2011". 

عمل منصور في "أورينت"، من عام 2011 وحتى 2022، ويعتبر أن "لها حضورا في المشهد الإعلامي السوري والعربي، رغم أخطائها وعثراتها وتعثرها". 

ورغم "غياب سياسة واضحة لها، كانت تتمتع بقدر معقول من الحرية الإعلامية في تناول الخبر وكانت لها مبادرات جيدة سواء على صعيد المتابعة الإخبارية أو الوثائقية عن الثورة أو متابعة بعض القضايا الهامة". 

ويضيف منصور "مرت بمراحل تألق وخفوت، ولكن في المقابل كانت تستمر بنقل الخبر السوري وتنحاز للمواطن بفض النظر على الملاحظات التي كانت تؤخذ على خطابها".

ويتابع: "لا توجد قناة إعلامية أو تلفزيونية لا تتواجد عليها ملاحظات في السلب والإيجاب. أورينت شكلت على مدى 14 عاما من عمرها جزءا من ذاكرة السوريين وأرشيفها يقول الكثير عنها". 

القناة اشتهرت بشعار "من سمع ليس كمن رأى""أضرار مادية ومعنوية" 

وبعد عام 2011، خيّم مشهد إعلامي على سوريا يختلف جذريا عما كان مفروضا قبل ذلك، بعدما كانت جميع الوسائل الإعلامية مرتبطة بالنظام السوري كمقربة منه أو شبه رسمية، فضلا عن الرسمية التي لا تصدّر سوى روايته. 

وبينما تأسست صحف وإذاعات ومواقع إخبارية، وسارت في جميعها على خط مناهض للنظام في دمشق وركزت على تفاصيل الحدث السوري بشقه العسكري والسياسي والإنساني الذي كان في أوجه بين عامي 2011 و2018 سرعان ما خفتت، لتغلق واحدة تلو الأخرى، لأسباب تتعلق بـ "التمويل". 

ومع قرب دخول الحرب السورية عامها الـ13 باتت الوسائل التي تراها البعض أنها تصنف في خانة "الإعلام البديل" تعد على الأصابع. 

ويعتبر منتج برنامج "هنا سوريا" في قناة "أورينت"، يمان دابقي، أن "إغلاق المحطة خسارة كبيرة، ليس فقط بالنسبة للموظفين وعلى صعيدهم المادي، بل لأنها إرث كبير منذ عام 2009 وصوت كبير. 

"أورينت على تماس قريب جدا أكثر من أي وسيلة مع السوريين وخاصة في الشمال السوري"، كما يقول دابقي. 

ويضيف لموقع "الحرة": "أنا وأكثر من 80 موظفا تلقى خبر الإغلاق بشكل مفاجئ عبر آليات العمل. حلّ علينا كالصدمة والصاعقة". 

ويرى الصحفي السوري أن "الموظفين في كل مؤسسة، هم الحلقة الأضعف كون مصدر عملهم الوحيد سيكون مستهدفا بشكل مباشر بعملية الإغلاق"، وفي حالة "أورينت"، يضيف أن "الضرر ليس ماديا فحسب، بل نفسيا ومعنويا بشكل كبير". 

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: الثورة السوریة

إقرأ أيضاً:

خبراء يحذرون من تداعيات التفاؤل التقني المفرط بتحلية المياه في المغرب

حذر تقرير صادر عن « المعهد المغربي لتحليل السياسات » من التداعيات السلبية المحتملة للتفاؤل التقني المفرط بتحلية المياه، مشيرا إلى أن هذا التوجه يغفل العديد من القضايا الحاسمة التي يجب على السلطات العامة أخذها بعين الاعتبار.

وأوضح التقرير، أن الخبراء أشاروا إلى أن عمليات التحلية تضر بالحياة البحرية، وتستخدم مواد كيميائية سامة، وتطرح محلولًا ملحيًا يخل بالنظم البيئية.

وأكد الخبراء أن كثافة استخدام الطاقة في هذه التقنية، تثير تساؤلات حول إمكانية التحلية في إدخال المجتمعات في مسارات طاقة عالية، وما يترتب على ذلك من تداعيات على الاستدامة والعدالة البيئية من خلال تحويل الندرة من قطاع المياه إلى قطاع الطاقة.

وأشار التقرير إلى أن أن التكلفة العالية للمياه المحلاة تجعلها مجدية فقط للمحاصيل ذات العائد المرتفع، مما يحد من دورها في قطاع زراعي مستدام.

وحذر التقرير من التحولات الحضرية الناتجة عن التحلية، حيث تعتمد المدن بشكل متزايد على هذا المورد، بالإضافة إلى أن عملية إنتاج المياه المحلاة مكلفة وتقنية عالية، مما يجعلها سلعة.

وحذر الخبراء من أن تطوير التحلية كحل لتزويد المياه دون معالجة المشكلات الهيكلية والتاريخية الأساسية في قطاع المياه قد يؤدي إلى تفاقم عدم المساواة في الوصول إلى المياه، وتعميق التفاوتات القائمة وإهمال الأسباب الجذرية لنقص المياه.

كلمات دلالية تحلية المياه تقرير

مقالات مشابهة

  • غزة بلا خبز.. كارثة إنسانية مروعة تعصف بالقطاع
  • العلم السوري يقتحم «المنصات الرقمية العالمية»
  • عينة عشوائية
  • تحذيرات غربية لإدارة ترامب من تداعيات التصعيد في البحر الأحمر على الأمن الدولي
  • الآلاف يحتشدون في الجوامع والساحات العامة التي حددتها وزارة الأوقاف في مختلف المدن السورية لأداء صلاة عيد الفطر المبارك، وذلك في أول عيد بعد تحرير البلاد وإسقاط النظام البائد.
  • الحرسُ الإيراني يهدِّدُ بإغلاق مضيق هرمز.. حال حصل هذا الأمر
  • خبراء يحذرون من تداعيات التفاؤل التقني المفرط بتحلية المياه في المغرب
  • مسؤول فلسطيني: تهجير الغزيين سيكون له تداعيات خطيرة على المنطقة
  • المملكة ترحب بإعلان تشكيل الحكومة السورية وتعرب عن أملها في أن تحقق تطلعات الشعب السوري الشقيق
  • وزارة الخارجية تعرب عن ترحيب المملكة بإعلان تشكيل الحكومة السورية وعن أملها في أن تحقق هذه الحكومة تطلعات الشعب السوري الشقيق