عربي21:
2025-02-22@20:58:29 GMT

صفحات عصر الفوضى.. وفلسفة الواقع المر

تاريخ النشر: 18th, November 2023 GMT

التخلف منظومة فاعلة!

ما يجري في واقعنا عمل استقر مع الزمن (مدخلات) فأضحى له قواعد ومهام (كفاءة) ومخرجات ومعايير محض انطباعات متوارثة (فاعلية) ونظام وجمهور (بيئة)، وهذه البيئة تستحدث أساليب للدفاع عن التخلف ليرسخ ويستمر (إعادة تغذية)، فهي منظومة كاملة وبمواصفات المنظومة وهي تزيد التخلف مع تقدمها وتفاعلها مع البيئة المتخلفة.

ودونما شك أن تحديات هذه المنظومة ليس المعلوماتية فحسب بل التفكير الإيجابي والخروج من الصناديق التي توارثناها عبر الأجيال، وهذا الأمر ذاته يكاد يكون غائبا وغير متبلور، وبهذا لا تكون منظومة تنمية التخلف في مواجهة لتحديات تذكر بل تحوّل التحديات إلى أدوات لمزيد من التخلف والجهالة والجهل.

بيئة منظومة تنمية التخلف:

اليوم أسوأ من أمس وغدا أسوأ من اليوم، وعدم الرضا ظاهرة مشتركة بين الشيء وضده، مع أن الكل مشارك في هذا الانحدار القيمي والتخلف المدني فهو امر طبيعي بغياب الرؤية والعزيمة، ونظرة الناس المتحكمة بها الأنا، تتبنى الروابط الهابطة، فظالمها من رابطتها الهابطة خير من عادل من فئة أخرى، الإعمار ليس بمعيار رغم أن التظلم ليل نهار وبالتالي غياب العمل المجتمعي. وما وصل واقعنا اليوم أننا لم نعد مجتمعا وإنما مجموعة من الناس كقطيع بشري يسعى للعيش ويتصارع مع بعضه. وهذا تمام التخلف بغياب الميزة الآدمية باستخدام الميزة العقلية للإعمار ورعاية السلالة وليس للشر عند ابتعاد الإنسان عن القيم أو الاستسلام للغرائز والحاجات، وهذا أمر بات معروفا اليوم.

السلبية والتذمر والحديث في مناقشة الأمور العامة بطريق أسميتها في مقال سابق "مشكلة اليوم" التي تعالج بسطحية وبسلبية وبالاستهجان ودون طرح بديل وتنسى عند ظهور مشكلة أخرى. هذا حال من لا رؤية لديه أو عزيمة أو إرادة لإصلاح بغير كلام المجالس.

المسئول ومن يحمل هذا الوصف أغلبهم يكذب والناس يعرفون أنه يكذب وهو يعرف أن الناس يعرفون أنه يكذب، لكن لا حل ولا فهم ومن يسعى للحلول فهو في واد آخر ويقدم الجواهر في سوق الفحامين، والعامة من الناس انتقلوا من طاعة الصواب والباطل بما يصدر عن حكومة معمرة إلى فقدان الثقة التامة، لكن عقلية الناس المسجونة بالروابط الهابطة تجعل المسجون فيها يدافع عمن يظلمه أو ظلمه لمجرد تحفز تلك الرابطة الهابطة كالعرقية أو الطائفية أو ما أسسته من انطباعات ومنها الكراهية، وهكذا تلاشت بقايا الأمة كما تفككت الدولة ولم يعد المواطن إلا ضرورة لاستكمال مفردات الحكم والسلطة.

مدخلات منظومة تنمية التخلف:

شعوب ضعيفة فاقدة للأهلية ليس لانها لا تمتلك أدوات النهضة بل لأنها تقتل تلك الأدوات الفكرية والمادية والنخبة الأمل وتذهب إلى القشرية، تحركها غرائزها فلا الظالم يحس بظلمه بل يستأنس به، ولا المظلوم قادر على ردعه. أدوات الظالم كالمظلوم تعيش على أمل إشباع غرائزها وسد حاجاتها والمظلوم يعيش على أمل الخلاص، فلا رؤية ولا توجه نحو التنمية ولا عاقل يسمع.

كفاءة المنظومة:

أهم ما يجعل المنظومة تنكفئ في التخلف، الآتي:

1- الجهاز المعرفي الذي يدير المنظومة المعرفية لمجتمع يعيش في الماضي أو لا يتعامل مع المستقبل ويحمل أفكارا قاتلة.

2- مجموعة كبيرة من الأفكار المستوردة ماتت في موطنها لكن ما زالت فاعلة في منطقتنا.

3- انطباعات عن المعلوماتية والمصطلحات قيدت حركة الفكر كتعريف الثقافة، والموقف، والثبات.

4- تفاهة تمنع ظهور قادة بالفكر مؤثرين على الواقع إيجابيا بغير استخدام العنف، ذلك أن البارز هو التافه ويظن أن من يحاول الإصلاح متسول على باب لؤمه؛ ذاك اللؤم الذي أوصله للمال والسلطة بحكم طبيعة منظومة تنمية التخلف التي ترفع أرباب التفاهة.

الفاعلية:

فاعلية منظومة تنمية التخلف نراها بوضوح من ازدواج سلوكي واضح وتباين بين العقلية والنفسية، فهنالك مسافة بين الكلام والسلوك وهنالك معاناة أمام من يريد الثبات.. مجتمع يؤمن بما لا واقع له ويفعل مخالفا لما يزعم الإيمان به، وهذا بسبب البيئة التي ليست هي بيئة نهضة.

إعادة التغذية:

في بيئة كبيئة منظومة تنمية التخلف حيث الناس يعيشون في الوهم وأمجاد لم تصنعها بل تنظر إلى كينونتها في الماضي يحصل انفصام بين العقلية والنفسية، خصوصا من يعمق مديات اتصاله في الماضي وبناء واقعه على هذا الالتصاق، وهنا يحصل التناقض الزمكاني، فيولد انحراف في الشخصية وسطحية في المعلوماتية، والفاعل هو العواطف والغرائز الفاعلة بالإثارة فينتج خلل في الدين مع سوء التدين، وخلل في العلاقات وانحدار القدسية من رفعة اليقين إلى هالة متعايشة مع غرائز أخرى تنحدر عن الفضيلة في السلوك بمعايير منظومة العقل أيا كان محركها الفكري، وإعادة التغذية بهذه الأفكار والسلوكيات سينتج مزيدا من الانحدار الحضاري والتخلف المدني.

تحديات المنظومة:

اهم تحد لمنظومة التخلف هو فكر اليقظة والنهضة، في واقعنا هو فهم الإسلام بشكل صحيح بعيدا عن اعتبار إسقاطات التاريخ دينا، بل باعتبار أن القرآن ينزل اليوم وعلينا أن نتعامل معه باستقراء الواقع واستنباط الحلول من المثاني.

التحدي الآخر هو التعامل مع أهلية الإنسان وحقه في التفكير وقبول وفهم قواعد التعامل في المجتمع، والتوازن بين فاعلية القيم في المجتمع وبين حمل تلك القيم عند الناس بحيث لا تعتبر سببا للاختلاف وهذا كله متاحا في واقعنا من خلال صالونات الفكر والراي وإدارتها بحكمة بما لا يهدد السلم المجتمعي.

ونحن نقلب صفحات عصر الفوضى علينا أن نتحمل المسئولية وأن لا يكون كل إنسان معجب برأيه، فالناس يعينون الظالم على الظلم بوسائل عدة منها التشتت فلا بد أن يتفق حملة الفكر على فهم غايات الفكر ووسائل الحياة المناسبة. فالفكر ليس غاية، والعمل من أجل يقظة الفكر العام ونهضته المدنية بدون استقطاب أو رعوية عددية، وإنما اطرح ما لديك بلا جدل وسر نحو تربية قيادات شابة تصنع الحياة الأفضل مع جمهورها متعلمة العمل كمجموعة وإن اختلفت فكريا، لكنها تضع لها أيديولوجيا مدنية هي بناء المجتمع الذي يملك الفرد فيه الأهلية، عندها سنستقر إلى حالة ما بدل الفوضى والهامشية.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مدونات مدونات التخلف المجتمعي الفكرية الظلم الفكر الظلم المجتمع التخلف مدونات مدونات مدونات مدونات مدونات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

دونالد ترامب... الذّات الضجرة التي تتسلى بإحداث الفوضى ومشاغبة الخصوم

ـ 1 ـ

يصرّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على أنه لا يعتزم تهجير سكان غزة إلى مصر والأردن ودول أخرى والسيطرة على القطاع إلاّ ليجعل حياة الغزاويين أفضل بعد أن عانوا كثيرا. فهو في النهاية يعمل، لدواعٍ إنسانية، على توفير مكان آمن لهم بعد أن أصبحت أرضهم مكانا غير صالح للسكن. ويجعل من ترحيلهم عنوانا لبناء القطاع على نحو حديث ولتحويله إلى "ريفييرا" الشرق الأوسط.

يذهب المحللون السياسيون في قراءة نوايا دونالد ترامب مذاهب شتى. فمنهم من يجد في العزم على تهجير سكان غزة خارج القطاع مقدّمة لإنشاء إسرائيل الكبرى التي تمتدّ من النهر إلى النهر، كما في المخيال الصهيوني.  ويجد اتجاه ثان في الإعلان خدمة لإسرائيل مزدوجة الغاية: ففيه ابتزاز للمملكة السعودية لتقبل بالتطبيع مع الكيان المحتل، ومقايضة لشرط قيام دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية بشرط قيام "ريفييرا" الشرق الأوسط. وهو في الآن نفسه هدية لصديقه بنيامين نتنياهو، تساعده على ترميم صورته السياسية المتداعية في الدّاخل الإسرائيلي وتضمن له استقرار حكومته.

في تبرير ترامب لعزمه احتلال القطاع استهانة بذكاء الرأي العام الدولي وما يعرضه يبدو مرتجلا، حتى أنّ أعضاء في إدارته صدموا لما فيها من ارتجال باعتبار أن جدواها لم "تفحص مسبقا" وأنها "غير قابلة للتطبيق" و"ستختفي حتما". وعليه لا يمكننا أن نحمل تصريحاته محمل الجد.ويستدعي بعض المحللين وفق قراءة ثالثة الصدام التجاري بين الولايات المتحدة والصين. فالسيطرة على القطاع خطوة حاسمة للسيطرة على سلاسل التوريد ووضع اليد على الممرات المائية في الشرق الأوسط وعمل مضاد للمشروع الاستثماري العالمي الصيني "حزام واحد- طريق واحد"،  الذي يستهدف تغيير خارطة العالم الاقتصادية والثقافية والسياسية ويتضمن طريق بحريا وآخر بريا وسكك حديدية وخطوط طيران وأنابيب لنقل المواد البترولية وشبكات لنقل الكهرباء. وأهم مكوناته طريقُ الحرير البحري الذي يبدأ من "فيوجو" بالصّين ويتجه عبر بحرها إلى الفيتنام فبحر جاوة ثم إندونيسيا ويتجه إلى ماليزيا وسنغافورة والهند ثم كينيا ليصل إلى اليونان وإيطاليا وفرنسا عبر البحر الأحمر...وغير ذلك من القراءات كثير.

ـ 2 ـ

في تبرير ترامب لعزمه احتلال القطاع استهانة بذكاء الرأي العام الدولي وما يعرضه يبدو مرتجلا، حتى أنّ أعضاء  في إدارته صدموا لما فيها من ارتجال  باعتبار أن جدواها لم "تفحص مسبقا" وأنها "غير قابلة للتطبيق" و"ستختفي حتما". وعليه لا يمكننا أن نحمل تصريحاته محمل الجد. لذلك سنبحث في ما يكمن خلف إعلانه المثير.

تندرج هذه التصريحات المرتجلة ضمن مساق كامل من التصرفات المفتقرة إلى اللياقة الدبلوماسية كما عُرف عن الرّجل. ففي نيابته الأولى كان قد دعا حلفاءه مرارا إلى أن يدفعوا «ضريبة بدل حماية» وطلب من المكسيك تمويل الجدار العازل الذي شرع في بنائه لمنع عبور المهاجرين الوافدين من أمريكا اللاتينية. أما في نيابته الثانية فقد طالب بجعل كندا الولاية الأميركية الواحدة والخمسين، مقدّرا أن "إزالة الخط الافتراضي بين كندا والولايات المتحدة سيخلق شيئا عظيما". ولم يتردد في وصف رئيس الوزراء الكندي جاستين ترودو بـ"حاكم كندا" قياسا على ما يوصف به حكام الولايات في أمريكا وإيهاما بسلطته عليه. وطالب في مكالمة هاتفية مع رئيسة الوزراء الدانماركية بالحصول على جزيرة غرينلاند التابعة لبلادها والمتمتعة بحكم ذاتي. وبرر ذلك بضرورتها لـ"ـلأمن القومي الأمريكي"..

ـ 3 ـ

ولكن هل هو قادر على تجسيد ما يقترحه للقطاع على أرض الواقع؟ يبدو ترامب مخطئا في تقديره مغاليا جدا في طموحاته بقدر ما يبدو عابثا متمردا على الصيغ الدبلوماسية التقليدية. فالقانون الدولي يجرّم التهجير القسري. والمــادة (49) من اتفاقية جنيف بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب بتاريخ 12 أوت 1949 مثلا، تعلن صراحة أنه "يحظر النقل الجبري الجماعي أو الفردي للأشخاص المحميين أو نفيهم من الأراضي المحتلة إلى أراضي دولة الاحتلال أو إلى أراضي أي دولة أخرى، محتلة أو غير محتلة، أياً كانت دواعيه".

ورغم أنه يجيز لدولة الاحتلال أن تقوم بإخلاء كلي أو جزئي لمنطقة محتلة معينة، إذا اقتضى ذلك أمن السكان أو لأسباب عسكرية قهرية، فإنه يمنع "أن يترتب على عمليات الإخلاء نزوح الأشخاص المحميين إلا في إطار حدود الأراضي المحتلة، ما لم يتعذر ذلك من الناحية المادية. ويجب إعادة السكان المنقولين على هذا النحو إلى مواطنهم بمجرد توقف الأعمال العدائية في هذا القطاع".

ويعدّ التهجير القسري تطهيرا عرقيا يتم "على أساس ديني أو عرقي أو قومي. فتعرّفه موسوعة هاتشينسون بكونه طردا بالقوة لسكّان من عرق معيّن (أو أكثر) من أجل إيجاد تجانس عرقي في إقليم أو أرض يقطن فيها سكان من أعراق متعددة".  وهو التعريف الذي تقبل به وزارة الخارجية الأميركية وتجعل مما حدث في شهر ماي 1999 في مدينة بيك في كوسوفو الغربية من إخلاء هذه المدينة في غضون 24 ساعة مثالا على ذلك.

ولا يعني احترازنا أنّ الولايات المتحدة الأمريكية ستصبح فجأة مدافعة عن القانون الدولي وستفرض احترامه. فهي أبعد ما يكون عل ذلك. ولكن ما يدبّره ترامب سيضير بحلفائه في الخارج لذلك أعلنوا صراحة معارضتهم له، وكثرة الأمثلة تغنينا عن عرضها، وسيثير خصومه في الدّاخل حالما يتحرك عمليا لتجسيد تهديداته وستمنحهم الفرصة التي يبحثون عنها للتنكيل به، وقد أعلن النائب الديمقراطي، عن تكساس، آل غرين نيته خوض معركة عزلته بحجة مخالفته للقانون الأمريكي وبتـهمة "التطهير العرقي في غزة."

ـ 4 ـ

لا تحمل هذه التصريحات إذن محمل الجد. فلست غير صدى لذات متورّمة تفيض، فتنتشر في الفضاء وانعكاس لشخصية عدوانية تبحث عن الصدام باستمرار. وبالفعل. فقد ظهرت نزعة ترامب هذه  منذ أن جعل ينتج الأعمال الدرامية أو التلفزيونية، في شكل توقيع خاص أو الكاميو (cameo)، ذلك الذي يعني عبورا خاطفا لأحد المشاهير على الشاشة لا تستدعيه الضرورة الدرامية. ففي فيلم "الأشباح لا يستطيعون فعل ذلك" (1989) الذي أخرجه جون دارك اشترك مع النجم أنطوني كوين في إحدى اللقطات وفي الحلقة الثانية من السلسلة و"حيدا في المنزل" (1991).يصل الفتي كيفن إلى نزل "بلاتزا هوتل" ويسأل أحد المارين في ساحته عن مكتب الاستقبال. و"بالصدفة"  لا يكون هذا المارّ غير دونالد ترامب.

ثم وسع حضوره في أفلام  "عبر بحر الزمن"(1995) أو "أودي"(1996) أو "الشريك" (1996) ليصل ذلك الشاب الخجول إلى السيطرة على الفضاء سيطرة تامة ويحوّل ظهوره إلى عرض لذات معتدة  بذاتها في كثير من الصلف والغرور في الفيلم الوثائقي"البطاطس الصغيرة: من قتل رابطة كرة القدم الأمريكية؟" للمخرج مايكل تولين (2009)  الذي يناقش مستقبل رابطة كرة القدم الأمريكية من خلال مناظرة بين مالكين هما ودونالد ترامب، الذي يريد أن تجرى المواجهات خريفا وجون باسيت، الذي يرغب في إجراء المنافسات ربيعا" أو في برنامج تلفزيون الواقع: "المبتدئ". فقد كان ينتجه رجال أعمال ناجحون للقناة NBC "ومداره على اختبارات عديدة ومتنوعة لتشغيل موظفين مبتدئين. وكان دونالد ترامب يمثل رجل الأعمال الناجح في النسخة الأمريكية.

ومثلت رياضة القتال والاستعراض مجالا ثانيا تظهر فيه تلك الذات المتورمة الصدامية في الآن نفسه. فقد كان يستثمر في نزالات المصارعة والملاكمة، في ثمانينيات القرن الماضي وتسعينياته: يستضيف المباريات فيوظفها للترويج لمنتجعاته السياحية وكازينوهاته. ثم يحصل على نسبة من المراهنات. وتُحفظ له من هذه التجربة صورتان على الأقل تؤكدان زعمنا. فقد دخل في رهان غريب مع المصارع الأمريكي السابق ورئيس اتحاد المصارعة العالمية الترفيهية (دبليو دبليو إي "WWE) فينس ماكمان، يقضي بأن يحلق المنتصر شعر المهزوم في الرهان. وكان رهان ترامب عل المصارع بوب لاشلي فيما راهن فينس ماكمان  على المصارع أوماغا. وبتغلب بوب لاشلي حلق شعر خصمه أمام الملإ. ودفعته حماسته إلى تقمص شخصية المصارع. فاشتبك مع فينس ماكمان خارج الحلبة. وسميت هذه لمعركة لاحقا بـ"معركة المليونيرات".

ـ 5 ـ

تماما كالفراشة التي تنجذب إلى النور كان ترامب ينجذب إلى الإعلام. وكان الإعلام النار التي تحرقه في النهاية. فقد أسهم في تقديمه إلى المتفرّج باعتباره قدرة خارقة على خلق الثروة. ثم أسهم لاحقا في كشف الجانب الخفي من شخصيته.

وكان ترامب قد نشر سيرته الذاتية سنة 1987 بعنوان "فن الصفقة" وحقق من ورائها نجاحا تجاريا كبيرا. ليردّ عليه الفيلم الوثائقي"ترامب: ما الصفقة؟"  (1991) عبر مقابلات مع ضحايا مقاولاته. فيثير الأسئلة حول سلامة معاملاته المالية ومدى نفوذه وتحكمه في السياسيين وفي نظام الضرائب للحصول على امتيازات جبائية غير مستحقة. ويفضح أسلوبه في التعامل مع موظفيه. فقد كان يكافئهم بالطرد وعدم دفع الأجور.

لا شكّ أنّ ترامب سيذهب في خططه المجنونة هذه إن لم يجد الرّدع المناسب. واستهانته بالحقوق العربية أبرز دليل على ذلك. فقد نقل السفارة الأمريكية إلى القدس وبارك ضم الجولان إلى إسرائيل. ولكنه يظل تاجرا مفاوضا أكثر من كونه سياسيا، فيرفع من سقف مطالبه ليعقد الصفقات المربحة.ويشير الفيلم إلى صفقاته مع رجال العصابات  والمخدرات ويلمح إلى دور ما في ذلك لأخته التي كانت تعمل في وزارة العدل قبل أن تعيين قاضية فيدرالية.  وما طرحه فيلم "ترامب: ما الصفقة؟"  عبر النّمط الوثائقي أعاده فيلم "دونالد ترامب فن الصفقة" روائيا ليعرض وجوها من معاملات ترامب المالية غير السليمة.

أما فيلم "أين [عزيزي] روي كوهن"  فيفصل أطوار مساعدته روي كوهن الذي يهيمن على الإعلام ويحوّل الساسة إلى دمى يحركها كما يريد، له لتجاوز القانون وبسط سلطانه على الدولة والتهرب الضريبي وهو الذي يتسلّى بملاعبة قوانين الدولة انتقاما منها لأنها تخلت في أزمة 1929 عن اليهود وجعلت بنكهم يفلس فلحق عائلته العار وسجن عمّه. فكان يتخذ من العبارة "مت وأنت مدين بأكبر قدر ممكن بمصلحة الضرائب"شعارا له.

وكان بناء برج ترامب ثمرة لهذا التعاون "القذر". فقد وظف ترامب شركات غير مؤلهة واستغل وضعية مائتي عامل بولندي من المهاجرين غير الشرعيين. فاستخدمهم في أعمال بنائه ولم يدفع لهم رواتبهم وعقد الصفقات مع رجال المافيا والمخدرات لتزويده بالخرسانة التي يسيطرون على تجارتها. وتم هذا كلّه برعاية روي كوهن ومهارته في ملاعبة القوانين وفق قاعدته: "لا تقل لي ماذا يقول القانون وإنما اخبرني من يكون القاضي".

ـ 6 ـ

يجعلنا هذا البورتريه ندرك أنّ "ما صاحبنا بمجنون" وهو يحدث الفوضى في الفضاء الدبلوماسي. إنه فقط يستعيد تلك الذات النرجسية اللامبالية التي تقتل الضجر بإحداث الفوضى ويتقمص دور المصارع الذي يسعى إلى استفزاز خصومه من أجل البحث عن رهانات جديدة وصناعة عروض مثيرة ويعمل على إذهال الجمهور بما هو غير متوقع. ولأن خصومه باتوا كثّرا، منهم كوريا الشمالية والصين والمكسيك وروسيا وأوكرانيا وأوروبا والدانمرك، تكاد عروضه تتحول إلى غاية في حدّ ذتها. ولكنه وهو يجعل من العنف سبيله من أجل كسب الأسواق ومراكمة الأرباح يسحب من البيت الأبيض جلال الحكم ورصانة العقلاء المزيفَين ويرفع التحفّظ عن السياسة الأمريكية التي تدبّر في مراكز البحث الإستراتيجي ويكشف الوجه الحقيقي لها بما تختزن من العنف والصلف والعنجهية.

ولا شكّ أنّ ترامب سيذهب في خططه المجنونة هذه إن لم يجد الرّدع المناسب. واستهانته بالحقوق العربية أبرز دليل على ذلك. فقد نقل السفارة الأمريكية إلى القدس وبارك ضم الجولان إلى إسرائيل. ولكنه يظل تاجرا مفاوضا أكثر من كونه سياسيا، فيرفع من سقف مطالبه ليعقد الصفقات المربحة. ومن شأن الوحدة في الدفاع عن الحق العربي وقد بات مصر والأردن دول الخليج مستهدفة، أن تجعله يكتفي بالصخب الذي أحدثه مقترحه. ففي دويّه شفاء لذاته المتورمة التي تحاول أن تدير إليها الرقاب.

مقالات مشابهة

  • ما الواجب المباشر تجاه الفكر الحر في ظل استمرار السردية التكفيرية؟ «5- 13»
  • هوغو بال والدادية: فن الفوضى أم فلسفة الحرية
  • مفاجأة جديدة في سعر الذهب اليوم السبت 22 فبراير 2025.. وهذا سعر عيار 21 الآن
  • اقرأ غدًا في «البوابة».. شباب مصر.. صفحات مضيئة فى تاريخ الحركة الطلابية المصرية
  • حور محب.. القائد الذي أنقذ مصر من الفوضى وأعاد مجد الفراعنة| شاهد
  • الفوضى وأثرها على الأمم
  • وحدة الكنيسة بين الواقع والمرتجى
  • دونالد ترامب... الذّات الضجرة التي تتسلى بإحداث الفوضى ومشاغبة الخصوم
  • منظومة الشكاوى بالوزراء تستجيب لإصلاح وصيانة بعض أجزاء من الكباري الرئيسية
  • إمتعاض باسيل وصل الى مسامع حزب الله.. وهذا ما سيحصل اليوم