أحمد يحيى الديلمي
الهزيمة الكبرى التي تعرضت لها دولة الكيان الصهيوني بفعل العمل البطولي الأسطوري لأبطال المقاومة في غزة في السابع من أكتوبر 2023م، لا شك أنه عرى الكيان الصهيوني وكشف للعالم زيف الدعايات التي ظلت تتحدث عن هذا الكيان وتصفه بالديمقراطي إلى غير ذلك من الأوصاف التي أذهلت بعض العرب وجعلتهم يعتقدون أنهم أقزام أمام هذا الكيان، لكن المقاومة العربية الباسلة في لبنان وفلسطين عرته وكشفت أنه مجرد كيان هش يمكن التأثير عليه وإسقاطه من قبل مجموعة مجاهدين أبطال امتلكوا الإرادة فقط وليس لديهم نفس الأسلحة، يتضح هذا جليا من خلال رد الفعل النزق والحاقد الذي دمر المساكن فوق رؤوس ساكنيها من الأطفال والنساء والشيوخ ولم يستثن شيئاً حتى المستشفيات الملاذ والملجأ للجرحى لم تسلم من نزواته الشيطانية، وهو ما جعل دول الرأسمالية المتوحشة تتكالب ويتقاطر زعماؤها إلى فلسطين المحتلة لنصرة هذا الكيان ومحاولة رفع معنوياته وفي إطار وردود الفعل النزقة من هذا النظام الطارئ على الحياة وها هي ردود الفعل تمتد إلى ابسط الأشياء وتحاول أن تستهدف كل شباب فلسطين إن لم يكن بالموت فبالاعتقال والاعتقال هنا يتم عقابا على رفع شعار من شعارات حماس أو صورة للمقاومة أو أي شيء يتحدث عن هذه المقاومة أو حتى تعليق بسيط في وسائل التواصل الاجتماعي يتم اعتقال هؤلاء الشباب على الفور، بحيث اصبح هذا الإجراء المتعسف يطال حتى الأطفال في الأرضي المحتلة، وامتد نفس الغضب إلى قناة الميادين، هذه القناة التي تمثل صرخة في وجه الظلم والعدوان واستطاع مؤسسها المناضل غسان بن جدو أن يحولها إلى مصدر لإقلاق وإزعاج دول الغرب وفي المقدمة دولة الكيان الصهيوني وأيضا الكثير من زعماء العرب المتصهينين وهو ما جعل دولة الكيان الصهيوني تقدم على حظر بث هذه القناة في الأراضي المحتلة، وشمل هذا الإجراء كل الروافد الناطقة بالإنجليزية والإسبانية، لأنها كانت الأكثر تأثيراً والأكثر ضرراً على هذا الكيان، بحيث اتضح هذا الدور الإيجابي الهام من خلال تلك المظاهرات المليونية العارمة التي شهدتها شوارع لندن ومدن إسبانيا والتي خرجت رغم تهديدات رئيس وزراء بريطانيا ووزير داخليتها، كيف لا وقد كان لهذه القناة دور إيجابي فاعل في محو الخداعات التي ظلت تتجه صوب عقول وذاكرة المواطنين البسطاء في الغرب وأمريكا وتقدم لهم صورة بشعة عن الإنسان الفلسطيني والعربي بشكل عام مقابل الإسهاب في الحديث عن مظلومية اليهود، لكن الإعلام العربي الوطني بدأ يمحو هذه الصورة من الأذهان، واستطاعت قناة الميادين أن تنقل المشهد كما يجري في فلسطين المحتلة، فأيقظت بعض الضمائر في الغرب وكل هذه الشواهد تؤكد عظمة طوفان الأقصى الذي عرى الحكومات العربية المتواطئة مع الكيان الصهيوني ومعايير الغرب المزدوجة وكشف نفاق الغرب وكيف أنه بكل مكوناته يقف إلى جانب الظالم ضد المظلوم الذي لا حول له ولا قوة .
أخيرا نعلن تضامننا المطلق مع قناة الميادين صوت العروبة والإسلام المتفرد الوحيد في هذه الظلمة الحالكة وبعد أن أصبحت حتى بعض القنوات العربية تمثل رأس حربة متقدمة تدافع عن دولة الكيان الصهيوني الغاصب وتكنَّ العداء للشعب الفلسطيني، كما يحدث مع قناة الحدث الأكبر حينما تصف أبطال المقاومة في العراق بالإرهابيين وتصف الأمريكيين المحتلين بالضيوف!! إنها آخر المهازل ونقول لكل هؤلاء “لا تركنوا إلى هذا الكيان الهش ولا من يقف خلفه، فغزة الجريحة ستنهض من تحت الأنقاض وتتحول إلى شوكة حادة تخنق هذا الكيان الصهيوني الغاصب وتقض مضاجع أسياده في أمريكا وأوروبا وتؤرق المطبعين من العرب والمسلمين وليس ذلك على الله ببعيد”.
والله من وراء القصد
المصدر: الثورة نت
كلمات دلالية: دولة الکیان الصهیونی هذا الکیان
إقرأ أيضاً:
السؤال الذي يعرف الغرب الإجابة عنه مسبقا
لا يُمكن فصل السّيَاسات الدولية اليوم تجاه فلسطين أو تجاه كافة دول العالم الإسلامي عن الموقف من الإسلام في حد ذاته. تحكم السياساتِ الدولية بشكل عامّ مصالح وصراعاتٌ اقتصادية، ولكن عندما يتعلق الأمر بالعالم الإسلامي يُلاحَظ أن هناك عاملا خفيا يُغلِّف كل هذه السياسات له علاقة بكون هذه الدولة بها غالبية من المسلمين أم لا، بغضِّ النظر عن المذهب أو طبيعة نظام الحكم أو التاريخ أو الجغرافيا لتلك الدولة.
في آخر المطاف تجد اتفاقا بين الدول الغربية في أسلوب التعامل مع أي منها يقوم على فكرة مركزية مفادها ضرورة إذعان هذه الدولة للنظام العالمي الغربي والقَبول بهيمنة القواعد المتحكِّمة فيه وعدم الخروج عنها بأيِّ صفة كانت، وإلا فإنها ستُحارَب بكافة الوسائل والطرق. لا يهم إن كانت هذه الدولة فقيرة مثل الصومال أو غنيّة مثل السعودية أو تركيا أو إيران. جميعهم في نظر السياسات الغربية واحد، فقط هي أساليب التعامل مع كل منهم التي تختلف. بعضهم يحتاج إلى القوة وآخر إلى الحصار وثالث إلى التّهديد ورابع إلى تحريك الصراعات الداخلية إلى حد الاقتتال وسادس إلى إثارة خلافات حدودية مع جيرانه… الخ، أي أنها ينبغي جميعا أن تبقى في حالة توتر وخوف وقلق من المستقبل.
تكفي نظرة شاملة إلى المساحة الجغرافية التي ينتشر بها المسلمون عبر العالمتكفي نظرة شاملة إلى المساحة الجغرافية التي ينتشر بها المسلمون عبر العالم للتأكد من ذلك، فحيث لا يوجد إخضاع تام من خلال القواعد العسكرية المباشرة والقَبول كرها بخدمة المصالح الغربية، يوجد إخضاع غير مباشر من خلال الحروب الأهلية أو اصطناع الجماعات الإرهابية أو إثارة النّعرات القبلية والعرقية أو تحريك مشكلات الحدود الجغرافية.. نادرا ما تُترك فرصة لِدولة من دولنا لتتحرّك بعيدا عن هذه الضغوط. السيناريوهات فقط هي التي تتبدّل أما الغاية فباستمرار واحدة: ينبغي ألا تستقلّ دول العالم الإسلامي بقرارها، ومن الممنوعات الإستراتيجية أن تُعيد التفكير في مشروع وحدة على طريق جمال الدين الأفغاني في القرن التاسع عشر مثلا!
وهنا تبرز فلسطين كحلقة مركزية في هذا العالم الإسلامي، ويتحدد إقليم غزة بالتحديد كمكان يتكثف فيه الصراع.
ما يحدث في غزة اليوم ليس المستهدَف منه سكان فلسطين وحدهم، إنما كل كتلة العالم الإسلامي المفترض وجودها كذلك. أيّ إبادة لسكان هذا القطاع إنما تحمل في معناها العميق تهديد أي دولة من دول العالم الإسلامي تُريد الخروج عن هيمنة النظام العالمي الغربي المفروض بالقوة اليوم على جميع الشعوب غير الغربية، وبالدرجة الأولى على الشعوب الإسلامية.. وكذلك الأمر بالنسبة للحصار والتجويع والقهر بجميع أنواعه. إنها ممارساتٌ تحمل رسائل مُوجَّهة لكافة المسلمين ولكافة دول الجنوب الفقير وليس فقط للفلسطينيين في قطاع غزة بمفردهم. محتوى هذه الرسائل واحد: الغرب بمختلف اتجاهاته يستخدم اليد الضاربة للصهيونية في قلب أمة الإسلام، ليس فقط لإخضاع غزة إنما إخضاع كل هذه المساحة الجيوستراتيجية الشاسعة لسيطرته الكاملة ثم إخضاع بقية العالم.
يُخطِئ من يحاول إقناع نفسه بأنه بمنأى عن هذا الخطر! أو أن الغرب هو ضد حماس فقط
وعليه، فإن السلوك المُشتَّت اليوم للمسلمين، وبقاء نظرتهم المُجزّأة للصراع، كل يسعى لإنقاذ نفسه، إنما هو في الواقع إنقاذٌ مؤقت إلى حين تتحول البوصلة نحو بلد آخر يُحاصَر أو يُقَسَّم أو تُثار به أنواع أخرى من الفتن… ويُخطِئ من يحاول إقناع نفسه بأنه بمنأى عن هذا الخطر! أو أن الغرب هو ضد حماس فقط أو ضد حركة الجهاد في فلسطين، ذلك أن كل الاتجاهات الإسلامية هي في نظر الاستراتيجي الغربي واحدة، تختلف فقط من حيث الشكل أو من حيث الحدة والأسلوب. لذلك فجميعها موضوعة على القائمة للتصفية يوما من الأيام، بما في ذلك تلك التي تعلن أنها مسلمة لائكية حداثية أو عصرية!.. لا خلاف سوى مرحليًّا بينها، لا فرق عند الغربيين بين المُعمَّم بالعمامة السوداء أو البيضاء أو صاحب ربطة العنق أو الدشداش أو الكوفية أو الشاش، ولا فرق عندهم بين جميع أشكال الحجاب أو الخمار أو ألوانها في كل بقعة من العالم الإسلامي، جميعها تدل على الأمر ذاته.
وفي هذه المسألة بالذات هم متّحدون، وإن أبدوا بعض الليونة المؤقتة تجاه هذا أو ذاك إلى حين.
فهل تصل الشعوب والحكومات في البلدان الإسلامية إلى مثل هذه القناعة وتتحرّك ككتلة واحدة تجاه الآخرين كما يفعل الغرب الذي يتصرّف بشكل موحد تجاه المسلمين وإنْ تنافس على النيل منهم؟
ذلك هو السؤال الذي تحكم طبيعة الإجابة عنه مصير غزة وفلسطين.. ومادام الغرب يعرف الإجابة اليوم، فإنه سيستمرّ في سياسته إلى حين يقضي الله تعالى أمرا كان مفعولا وتتبدَّل الموازين.
(نقلا عن صحيفة الشروق الجزائرية)