صحيفة الأيام البحرينية:
2024-11-17@19:00:09 GMT
«كإبرة في كأس ممتلئ» تواشج مع التوحيدي نصًا وفنًا
تاريخ النشر: 18th, November 2023 GMT
في تواشجٍ بين النص والتشكيل، قدّم الفنان علي البزاز، معرض «كإبرة في كأس ممتلئ»، بالتعاون مع الكاتبة باسمة القصاب، التي دشّنت كتابها «إبرة أبو حيان.. منادمة فكرية مع أبي حيان التوحيدي»، ليكون هذا التواشج، مستوحىً من الفيلسوف والأديب الذي عاش في بغداد القرن الرابع الهجري، حيثُ شكلت نصوصه متكأً لـ 12 عملاً مشغولاً بتقنية الكولاج والرسم، قدّمها البزاز في أكتوبر الماضي، بـ«مساحة مشق للفنون».
على المستوى الفني، وتحقيقًا لهذا التواشج، يحاول البزاز أن يخلق تجلٍ بصري عبر أعمالٍ فنية منفذة بالكولاج والرسم، مستخدمًا رسم الشخوص كعناصر في اللوحة، وهي تجربة لم يسبق للبزاز أن تطرق لها في أعماله السابقة، كما يشير. إلى جانب تداخلات لفن الخط العربي، والحروفيات، التي وجدها أقرب لتجسيد البعد الصوفي في الأعمال التي ترتكنُ على استيحاءات من نصوص التوحيدي، فكان ذلك دمجًا يتناسق مع العلاقة المتداخلة بين دواخل المتصوف، وما يعبر عنه في كلماته وأقواله.
وارتكزت أعمال البزاز على نصوص من كتاب «الإشارات الإلهية»، حيثُ الاقتباسات التي تداخلت في اشتغالاته الفنية، مبينًا بأن هذه الاقتباسات هي في الأصل حروفٌ ومعانٍ انقدحت في ذات المتصوف، لتشكل إشارات عما يعتمل في داخله، وهو أمر - يشير البزاز - إلى اقترانه بالتراث الصوفي، حيثُ استوحاه ليوظفه فنيًا، مستبدلاً الإشارات الكلامية باللون والعناصر الفنية التي تحاول محاكاة النص الذي يعبر به الصوفي عن فنائه في الحقيقة المطلقة، أو في الله. وقد عزز البزاز ذلك بصريًا من خلال حضور النص، وتوليفة اللون والشكل التي حاول من خلالها محاكاة التجربة الصوفية، والتعبير عنها بصريًا.
ويؤكد البزاز «كما من الصعب على المتصوف والعارف أن يترجم حالته الصوفية والمعاني التي تتمثل في ذهنه إلى نصوص وتعابير، كذلك يوجه الفنان صعوبة في ترجمة تقمصات الصوفي إلى اشتغالاتٍ فنية»، لكن البزاز يؤمن بأن الفن فضاءٌ يتسع لتجلية الحالة الصوفية، تمامًا كالشعر، الذي عادةً ما يلجأ إليه الصوفي، للتعبير عن تلك المشاهدات التي يلمسها أو يعيشها أثناء فنائه في الذات العليا، مبنيًا بأن للعناصر الفنية من لونٍ، وتشكيل، وخطوط، وتداخلات.. قدرة على تمثيل الحالة في بعدها اللامعبر عنه، لتكون حالةً بصرية يهيم فيها المتلقي، كما يهيم الصوفي في صوفيته.
من جانبها، تذهب القصاب إلى شكلٍ آخر من التواشج، حيثُ كتابها «إبرة أبو حيان»، الذي تبدأه بسؤال «ماذا يعني أن نصادق نصًا تراثيًا قديمًا؟!»، فهي في كتابها هذا تواشج كتاب التوحيدي «الإمتاع والمؤانسة»، لتشاكله، أي تجعل نصوصها مشاكلةً له، في المعنى والمبنى، انطلاقًا من صداقةً تؤلفها مع هذا النص، إذ تقول «كما نحن نصادق الإنسان الذي على شاكلتنا، من تمتزج طبيعته بطبيعتنا، وتتقارب معه إرادتنا ورغباتنا، فقد وجدت نفسي منسجمة مع إرادة نص التوحيدي، أي بيانه ومقصده وما يرمي إليه.
أنا منسجمة مع إرادة التوحيدي في بحثه عن الإنسان الذي أشكل عليه الإنسان، واهتمامه بالقواسم المشتركة التي تجمع الناس، والصداقة التي توحدهم وتعدد أشكال وجودهم، إنها صداقة على طريق (الإنسان أشكل عليه الإنسان)، ونعني هنا المشاكلات التي نتقارب من خلالها، لا المشكلات التي تجعلنا نختلف ونتخاصم».
هذا ما يجعلها ترى في كتابها منادمة فكرية بينها وبين التوحيدي، فهو ليس دراسة منهجية لنصوص الأخير، ولا شرحًا لها، وإنما «تشاكل صديق معها، اشتباك وامتزاج، مرافقة ومؤانسة، لهذا وجدت في توصيف المنادمة ما يشي بهذه العلاقة اللطيفة».
وعن اختيارها كتاب «الإمتاع والمؤانسة»، تبيّن القصاب، بأن هذا الكتاب يمثل نصًا «مشكاليًا جامعًا لنفثات التوحيدي (...)، لم يخضع التوحيدي كتابه إلى تبويب ولا ترتيب ولا عنوان ولا لون واحد، جعله فضاءً يقلب فيه وجوهه المتعددة: وجه الفيلسوف، وجه الحكيم، المتصوف، الأديب والمثقف والماجن أيضًا، ما يجعله مدونة مفتوحة على مفاهيم التوحيدي وأفكاره ورؤاه وخطابه ومقاصده وروح إنسانه المشاكل، ومنحني نشوة المصاحبة ولذة إمتاعها».
المصدر: صحيفة الأيام البحرينية
كلمات دلالية: فيروس كورونا فيروس كورونا فيروس كورونا
إقرأ أيضاً: