الرهان الخاسر ... ما بين سقوط جدة وصمود غزة !
تاريخ النشر: 17th, November 2023 GMT
( إن ابن سعود خير لبريطانيا في تنفيذ سياستها وحماية مصالحها في الوطن العربي ، لأنه رجل المستقبل القادر على التنفيذ ).
سراب الوعد
مع نشوب الحرب العالمية الأولي (1914- 1918 م) كانت مطالب بريطانيا من الشريف حسين بن علي هي اعلان الثورة العربية وطرد العثمانيين من الحجاز ومشاركة ابنائه في اخراجهم من سوريا، وتعهدت له مقابل ذلك بتنصيبه ملكا على دولة عربية تضم العراق وسوريا وفلسطين وجزيرة العرب.
وكان الشريف في مراسلاته بريطانيا يتردد حينا ويشتط في شروطه حينا آخر . مما أزعج البريطانيين وحملهم على تكليف عميلهم ابن سعود بالضغط على الشريف، فكتب مكماهون المندوب السامي البريطاني في القاهرة إلى الشريف يطلب منه (ان يقوم بطرد الاتراك من الحجاز، وإذا لم يتمكن من ذلك فيسير هو - ابن سعود - بجنود كثيفة إلى الحجاز ويقوم بعمليات تطردهم) ، وقد نصت على ذلك الوثيقة البريطانية الموجودة في المجلد رقم 2486 بدار الوثائق البريطانية.
وقد أثمر الضغط السعودي، فأعلن الشريف قبوله التعاون مع بريطانيا بأقل الشروط، وبدأ التعاون واياها ـ كما هو معروف في تاريخ الثورة العربية ـ على أساس المعاهدة البريطانية الحجازية التي عقدت بين الشريف والسير مكماهون.
وكان الطرفان قد وقعا على بنودها الخمسة في شهر كانون الثاني من عام 1916 ، وتنص أهم بنودها على تعهد بريطانيا العظمى بتشكيل حكومة عربية مستقلة بكل معاني الاستقلال في داخليتها وخارجيتها، وحدودها شرقا الخليج وغربا البحر الاحمر والحدود المصرية والبحر الابيض.
وشمالا حدود ولاية حلب والموصل الشمالية إلى نهر الفرات ومجتمعة مع دجلة إلى مصبها في الخليج.
مساندة الاستعمار
ولكن بريطانيا نكصت عن الوفاء بتعهداتها هذه انطلاقا من اتفاقية (سايكس - بيكو) التي تقضي بوضع سوريا ولبنان تحت الانتداب الفرنسي، والتزاما بوعد بلفور بجعل فلسطين وطنا قوميا لليهود.
ومن هنا اختلفت الطرق بالشريف حسين وبريطانيا، حيث أصر الشريف على رفض فكرة الوطن القومي لليهود وضرورة الاحتفاظ بفلسطين ضمن الدولة العربية الموحدة، وأصرت بريطانيا على تطبيق نظام الانتداب في فلسطين تمهيدا لتحقيق الوطن القومي لليهود.
ويقول (فيلبي) المستشار البريطاني الخاص لابن سعود في هذا الصدد ما نصه (لا الرشوة ولا التهديد قد أثمر في حمل الرجل العجوز - الشريف حسين- على تغيير موقفه المعارض لسياستنا بصورة عامة في جميع ربوع المنطقة )، وفي النهاية أحس لورنس باليأس وغادر جدة بعد ان اوصى الحكومة البريطانية بقطع المعونة المالية عن الحجاز والتخلي عن حسين ليقطف ثمار صلابته وعناده .
ومن جراء ذلك تكونت لدى بريطانيا فكرة عامة بالنسبة للشريف حسين عبر عنها فيلبي في تقاريره خلاصتها (ان ابن سعود خير لبريطانيا في تنفيذ سياستها وحماية مصالحها في الوطن العربي، لأنه رجل المستقبل القادر على التنفيذ).
لذلك فقد الانجليز قد أعدوا ابن سعود لمحاربة الملك حسين وحركوا عليه الاخوان بعد ان رأوا تشبثه وعناده على الاستقلال، هؤلاء الاخوان أقاموا في تربة وخرمة، ويتزعمهم الشريف خالد بن لؤي، الذي احتل المدينتين .
معاهدة استسلام
كمحاولة اخيرة لإرغام الشريف حسين على القبول بالمخططات البريطانية في الوطن العربي، قدمت له بريطانية في 21 اكتوبر 1921 مشروع معاهدة مكونة من 21 مادة تتضمن فيما تتضمنه ان يعترف الملك حسين بالإدارة البريطانية في فلسطين، وبالتالي الاعتراف بشرعية وعد بلفور.
وان يعترف الملك حسين بالانتداب البريطاني على العراق و بمعاهدات الحماية البريطانية مع ابن سعود والادريسي وغيرهما و بحقوق وامتيازات لبريطانيا في الحجاز تحد من استقلاله وتجعل المعاهدة شكلا من أشكال التبعية وأن يعترف الملك حسين بالاتفاقيات البريطانية الدولية .
وهذا يعني الاعتراف بشرعية "اتفاقية سايكس بيكو"، التي تجعل سوريا ولبنان تحت الانتداب الفرنسي.
وقد رفض الشريف حسين التوقيع على هذه المعاهدة، وأصبح التلاقي بين وجهتي النظر العربية والبريطانية متعذرا.
التآمر والخيانة
وقد نصح فيلبي في بداية الامر حكومته البريطانية بأن تقوية ابن سعود ضرورية لخدمة السياسة البريطانية ليقف في وجه الملك حسين الذي بدأ يتصلب في مواقفه معها بصدد مستقبل البلاد العربية بصورة عامة وفلسطين بصورة خاصة.
و تقوية ابن سعود تعني هنا امداده بالسلاح والمال والمخططات العسكرية التي تساعده على مهاجمة الحجاز والقضاء على الشريف حسين، الذي يقف في وجه تمرير المخططات الاستعمارية والصهيونية آنذاك.
وفعلا قدمت بريطانيا لعبد العزيز جميع المساعدات المطلوبة كالعمل على خلق طابور خامس في الحجاز يتآمر على حكم الملك حسين ويبشر بسلطان ابن سعود. وكان على رأس هذا الطابور بعض الاسر ذات النفوذ المالي الكبير في الحجاز والارتباطات المشبوهة بالشركات البريطانية في الهند ولندن.
وتكوين جهاز ضخم للتجسس على الملك حسين وعلى الاوضاع العسكرية في الحجاز، وقد تولت السفارة البريطانية في جدة ادارة هذا الجهاز وعلى رأسها المستر جلبرت السفير البريطاني. وشارك فيلبي ـ الذي كان يقيم في تلك الفترة بجدة خصيصا لهذا الغرض ـ في ايصال المعلومات السرية عن المخططات والقوات الحجازية إلى ابن سعود اولا بأول.
و العمل على تثبيط عزم الملك حسين وابنه الملك علي من بعده عن الاستمرار في القتال وجرهما إلى الاعتماد على الوساطة البريطانية ، في الوقت الذي كان الانجليز فيه يعززون القوات السعودية ويدفعونها للإسراع بالزحف على مدن الحجاز.
و شل حركة الطيران الحجازي الذي كان يعتبر عامل تفوق لجيش الشريف، ولم تتوقف بريطانيا عن تخريبه ومنعه من المشاركة في القتال.
واستصدار فتاوى شرعية من عملاء المخابرات البريطانية المتزيين بزي رجال الدين لصالح ابن سعود. فقام بالهجوم على الحجاز وشجعه على ذلك رجال الدين في جدة وحصوله على فتاوى من البلاد الإسلامية الخاضعة تحت الانتداب البريطاني وبمساعدة الانجليز.
سقوط جدة
ظل الصهاينة يضغطون على بريطانيا بتنفيذ وعد بلفور وتؤيدهم أمريكا بقوة، وقد حاولت بريطانيا ان تقنع الملك حسين بإعطاء فلسطين لليهود في مقابل تشكيل امارة في شرق الاردن يكون ابنه عبد الله اميرا عليها، ولكن الملك لم يقنع بكل المحاولات البريطانية واصر على توحيد البلدان العربية الآسيوية كلها في دولة عربية واحدة، تنفيذا للوعد البريطاني المعطى له وقد وجدت بريطانيا الحل الوحيد لهذا الاشكال في ازالة الملك حسين والخلاص بذلك من الوعد القديم،
وكان ابن سعود هو الحربة التي وجهتها بريطانيا لقلب الحكم الهاشمي في الحجاز ففي شهر اغسطس 1924م , بدأ عبد العزيز زحفه على الحجاز، وفي 17 ديسمبر 1925 تم استسلام جدة بواسطة السفارة البريطانية هناك.
وهكذا حقق ابن سعود لبريطانيا اسقاط آخر وثيقة تلزمه بقيام الدولة العربية التي تعهدت بها، وإسكات آخر معارضة مسندة باعتراف بريطاني لقيام وطن قومي لليهود في فلسطين، ان انهاء الدولة الهاشمية في الحجاز قد ألقى عن عاتق بريطانيا عبئين، عبء الالتزام بقيام دولة عربية كبرى .. وعبء الالتزام بكون فلسطين ضمن الدولة العربية، وان إسقاط الملك حسين ولو من الناحية الشكلية قد اطلق يد بريطانيا في تقسيم البلاد العربية وتسليم فلسطين للصهاينة، وهو أمر لم يحظ بشرف القيام به سوى ابن سعود.
صمود غزة
إن مواقف الحكم السعودي من قضايا التحرر الوطني والعربي والإسلامي واحدة لا تختلف، فكلما كانت القضية الإسلامية أو العربية أو الوطنية في جانب .
إنضم الحكم السعودي إلى الجانب الغربي واتخذ موقفا منسجما مع مصالحه ، ولو على حساب القضايا الوطنية والعربية والاسلامية واهمها قضية فلسطين قضية العرب الأولى ، وللبرهان على ثبوت هذا الموقف الدائم منذ زرع كيان آل سعود في قلب الجزيرة العربية على يد الاستعمار البريطاني والذي يتنافى مع المسؤولية الوطنية والكرامة العربية والواجبات الإسلامية وهذا ما يثبته اليوم بمعركة طوفان الاقصى .
فاليوم سيكون الرهان خاسر بتصفية القضية الفلسطينية بصمود غزة والمقاومة فمائة عام ما بين سقوط جدة 1925م وصمود غزة 2023م يبرهن ويشهد أن التاريخ وأن اعاد نفسه لكنه يعيد برهان خاسر ولن يكسب الاستعمار والغرب والصهاينة واحفاد ابن سعود بل خسر رهانهم امام معركة طوفان الاقصى وصمود غزة .
المصدر: ٢٦ سبتمبر نت
كلمات دلالية: البریطانیة فی الشریف حسین بریطانیا فی الملک حسین
إقرأ أيضاً:
وفاة الكاتبة الباكستانية بابسي سيدوا المعروفة برواياتها عن تقسيم الهند البريطانية
واشنطن "أ.ف.ب": توفيت عن 86 عاما في هيوستن بولاية تكساس في جنوب الولايات المتحدةالكاتبة الباكستانية بابسي سيدوا، وفق ما أفادت وكالة فرانس برس ابنة المؤلِّفة التي عُرفت برواياتها عن تقسيم الهند البريطانية. وُلِدَت بابسي سيدوا في 11 أغسطس 1938 لعائلة بارسية في كراتشي، ونشأت في لاهور، وهي مدينة تقع عند الحدود الهندية تدور فيها أحداث عدد من رواياتها. وكانت بابسي سيدوا أول باكستانية تكتسب شهرة بفضل مؤلفاتها المكتوبة بالإنكليزية، ممهدّة بذلك الطريق لجيل معاصر من الكتّاب الباكستانيين باللغة الإنكليزية، من أبرزهم كاملة شمسي ومحمد حنيف. وتُعَدّ "كراكينغ إنديا" Cracking India، التي كان عنوانها الأصلي "آيس كاندي مان" Ice Candy Man لدى صدورها عام 1988، روايتها الأكثر شهرة، وهي مستوحاة من ذكريات طفولتها، وتتمحور على قصة فتاة بارسية تعاني شلل الأطفال كما كانت بابسي سيدوا نفسها، خلال مرحلة تقسيم الهند البريطانية عام 1947 بين الهند وباكستان، والنزاعات الطائفية التي أعقبت ذلك. وأدرجت محطة "بي بي سي" البريطانية هذا الكتاب في قائمتها عام 2019 للروايات المئة الأكثر إلهاما. واقتُبِس من رواية "كراكينغ إنديا" لاحقا فيلم سينمائي عام 1998، من بطولة النجمين البوليووديين عامر خان ونانديتا داس. وهاجرت بابسي سيدوا أيضا إلى الولايات المتحدة، حيث زاولت التدريس في مؤسسات عدة للتعليم العالي من بينها جامعتا كولومبيا وهيوستن. وحصلت مؤلفات سيدوا على عدد من الجوائز، ومنها وسام "ستارة امتياز"، وهو ثالث أعلى وسام مدني في دولة باكستان، وجائزة "مونديلو" للكتاب الأجانب عام 2007. وأدى تقسيم شبه القارة الهندية في نهاية الإمبراطورية البريطانية إلى ولادة باكستان والهند في 14 و15 أغسطس 1947.