نيويوركر: كيف أصبحت قطر مفاوض الأسرى المفضل في العالم؟
تاريخ النشر: 17th, November 2023 GMT
قالت صحيفة "نيويوركر" إن "المفاوضين القطريين ظنوا أنهم توصلوا إلى اتفاق في أواخر تشرين الأول/ أكتوبر، حيث كانوا يتوسطون لأسابيع بين ممثلي حماس والحكومة الإسرائيلية، لتأمين إطلاق الأسرى الذين يقدر عددهم بمائتين وثلاثين رهينة، لدى المقاومة الفلسطينية، منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر".
وأضافت الصحيفة، خلال مقال للصحفي، جويل سيمون، أنه: "بحلول تلك المرحلة، كانت حماس قد أطلقت أربعة أسرى، ويتعلق الأمر بأم إسرائيلية أمريكية وابنتها، وامرأتين إسرائيليتين؛ نتيجة لاتفاقيات توسطت فيها قطر ومصر.
وتابعت: "في 25 تشرين الأول/ أكتوبر، وافقت حماس على صفقة لإطلاق سراح خمسين شخصا، لكن كان للمسؤولين الإسرائيليين مطلب آخر: أسماء الأشخاص الذين سيتم إطلاق سراحهم؛ مما جعل حماس تمتنع عن ذلك، نظرا لأن الأسرى محتجزون لدى فصائل مختلفة، فإنهم لا يملكون سجلا كاملا جاهزا للتسليم".
وأشار المصدر نفسه، أن تبرير حماس، تم تفسيره من طرف دولة الاحتلال الإسرائيلي، على أنه "تكتيك للمماطلة"، مضيفا أنه "بعد يومين، انهارت الصفقة؛ وفي غضون ساعات، شن الجيش الإسرائيلي غزوه البري، والذي صاحبه قصف جوي متواصل وانقطاع متقطع للاتصالات، مما تسبب في معاناة رهيبة للمدنيين الفلسطينيين".
وذكر المقال نفسه، الأربعاء الماضي، أن عدد من التقارير، أفادت أن "حماس والمسؤولين الإسرائيليين يقتربون مرة أخرى من التوصل إلى اتفاق، الذي توسطت فيه قطر ومصر والولايات المتحدة، بإطلاق سراح خمسين أسير، مقابل إطلاق سراح نفس العدد من الفلسطينيين المحتجزين في السجون الإسرائيلية، ووقف إطلاق النار لعدة أيام".
وتابع: "كانت قطر وسيطا مفيدا بشكل خاص مع حماس، بسبب دعمها الطويل الأمد لغزة، حيث قدمت لها ما تشير بعض التقديرات إلى مساعدات بقيمة أكثر من مليار دولار أمريكي منذ عام 2014. وقد تم استخدام الأموال القطرية للمساعدة في دفع تكاليفها. الوقود والعاملين الحكوميين في غزة، بما في ذلك رواتب الأطباء والمعلمين. كما استضافت قطر أيضا مكتبا سياسيا خارجيا لحماس في الدوحة منذ عام 2012، وهو القرار الذي واجهت بسببه انتقادات من إسرائيل ومن بعض المشرعين الأمريكيين".
وأردف: "لكنها تدافع عنه، بالقول إن اتخاذه تم بناء على طلب المسؤولين الأمريكيين، الذين كانوا يأملون في إنشاء مكتب سياسي خارجي لحماس في الدوحة، لفتح قناة اتصال. واليوم، أصبحت هذه القناة متكاملة، فبالإضافة إلى الإسرائيليين، يضم أسرى حماس مواطنين أمريكيين وتايلانديين وفرنسيين وبريطانيين. وسافر مسؤولون من تلك الدول إلى الدوحة في الأيام الأخيرة، على أمل إطلاق سراح مواطنيهم".
واسترسل: "في العقود التي تلت أحداث 11 أيلول/ سبتمبر، أصبح احتجاز الأسرى عنصرا بارزا بشكل متزايد في الحرب الحديثة. وفي الوقت نفسه، قامت الحكومات، بما في ذلك حكومات إيران وروسيا والصين وفنزويلا، باحتجاز مواطنين أجانب بتهم جنائية ملفقة كوسيلة لكسب النفوذ السياسي".
وتابع المصدر نفسه، أن "المسؤولون القطريون يقارنون دورهم بالدور الذي يلعبه الدبلوماسيون السويسريين. لعقود من الزمن، حيث شارك السويسريون في المفاوضات الدولية بشأن الأسرى، ولكن في المشهد الجيوسياسي الحالي، أصبح القطريون في وضع أكثر فائدة"، مشيرا إلى أنه "في الشرق الأوسط، قدمت قطر نفسها على أنها محايدة، حيث تستضيف قاعدة عسكرية أمريكية كبرى، بينما تحافظ أيضا على خطوط اتصال مفتوحة، وفي بعض الحالات، علاقات مباشرة مع الجماعات التي كانت القوات تقاتل ضدها".
تجدر الإشارة، إلى أن قطر تعتبر أيضا موردا رئيسيا للطاقة للولايات المتحدة، ولكنها تحافظ على علاقات وثيقة مع إيران، التي تشترك معها في حقل رئيسي للغاز الطبيعي. وقد سمح لها ذلك بالتدخل بنجاح في الحالات التي تم فيها احتجاز أسرى في إيران وأفغانستان. لكن في الآونة الأخيرة بدأت قطر أيضا العمل خارج نطاق نفوذها المعتاد.
وتابع التقرير: أنه "في عام 2021، لعبت دورا مهما في تأمين العودة الآمنة للصحفي الأمريكي، داني فينستر، من ميانمار. وفي تشرين الأول/ أكتوبر، ساعد المسؤولون القطريون في التفاوض على عودة العديد من الأطفال الأوكرانيين الذين اختطفتهم روسيا" مؤكدا أن "دور قطر لم يخل من الجدل".
وذكر المصدر بكتاب صدر عام 2019 بعنوان "أوراق قطر"، الصادر من الصحفي مالبرونو وتشيسنو، الذي كان ممتنا لقطر لأي دور لعبته في تأمين حريته، إلا أنه أمضى سنوات في التحقيق في "دور البلاد في تمويل الإسلام السياسي في جميع أنحاء العالم" زاعما أن الأمر تم "استنادا إلى وثائق سرية".
وقال مالبرونو، إن "قطر كانت تساعد بشكل غير مباشر في تمويل الجماعات الإسلامية، بما في ذلك تلك المتورطة في احتجاز الأسرى، بينما كسبت امتنان الحكومات الأوروبية لنجاحها بالإفراج عن أسراهم".
مردفا خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أنها "جزء من دبلوماسيتهم المتمثلة في أن يكونوا أصدقاء مع أي شخص".
وأضاف، أنه "رغم أن المسؤولين في البلاد يقولون إنهم يسترشدون بالمبادئ الإنسانية والرغبة في الحد من الصراع وتعزيز الاستقرار، فمن الواضح أنهم استخدموا نفوذهم لاكتساب النفوذ والظهور، وهو الموقف الذي يعتقدون أنه يعزز أمنهم في منطقة مضطربة؛ هذه هي اللعبة المزدوجة، المنطقة الرمادية" بحسب تعبيره.
وأردف تقرير الصحيفة، أن "ممارسات قطر أثارت حفيظة الحكومات في الشرق الأوسط. وفي عام 2017، تم إطلاق سراح مجموعة من صائدي الصقور القطريين الذين أسرهم مجموعة من إيران في جنوب العراق، بعد مفاوضات شاقة أسفرت عن تحويل قطر مئات الملايين من الدولارات إلى العراق. وبعد فترة وجيزة من الصفقة، أطلق تحالف من الدول العربية، بقيادة السعودية، حصارا إقليميا ضد قطر بسبب قائمة طويلة من المظالم، من بينها الادعاء بأن البلاد تمول الجماعات الإسلامية في سوريا والعراق".
وتابع: "أصبح السؤال حول مدى استمرار قطر في ممارسة "اللعبة المزدوجة" أكثر إلحاحا مع تطور نهج الولايات المتحدة في مفاوضات الأسرى. وخلال القرن الحالي، التزمت الولايات المتحدة بسياسة صارمة ضد تقديم تنازلات الجماعات المصنفة إرهابية"، مضيفا أن "العديد من مسؤوليها فسروا ذلك على أنه حظر للمفاوضات".
واسترسل المصدر نفسه، بالقول إنه "من المعروف أن الدول الأوروبية، بما في ذلك إسبانيا وإيطاليا، تدفع فدية، وكانت واشنطن تشعر بالقلق إزاء هذه الممارسة، التي زعمت أنها تحفز على الاختطاف وتوفر مبالغ ضخمة من المال إلى الجماعات المتمردة والمتشددة. لكن موقف الأميركيين تعرض للاختبار، بين عامي 2012 و2014، عندما أسر تنظيم الدولة مجموعة كبيرة من الغربيين في سوريا. وبعد أن دفعت الحكومات الأوروبية الفدية، تم إطلاق سراحهم. قُتل الأمريكيون والبريطانيون، الذين رفضت حكوماتهم الدفع".
وتابع: "في عام 2014، بدأت إدارة أوباما مراجعة المبادئ التوجيهية الخاصة بالأسرى. وظلت سياساتها المتعلقة بالتنازلات أو الفديات دون تغيير، لكن المراجعة، التي اكتملت في العام التالي، أوضحت أن المفاوضات ليست محظورة، وأصبحت قطر بعد ذلك لاعبا أساسيا في مثل هذه المفاوضات. ومنذ ذلك الحين، أصبح المشاركون في جهود الاستجابة للأسرى، سواء داخل الحكومة أو خارجها، يصفون دور البلاد بأنه لا غنى عنه".
وفي هذا السياق، قال كريستوفر أوليري، الذي شغل منصب مدير عملية استعادة الأسرى في الحكومة الأمريكية من آذار/ مارس 2021 حتى أيلول/ سبتمبر 2023، إن "القطريين وسطاء استثنائيون، ولديهم دوافع كبيرة ومستعدون للغاية للمساعدة في حل النزاعات".
أوليري، الذي يعمل الآن في مجموعة سوفان، وهي شركة استشارات أمنية تشارك في العديد من جهود استعادة الأسرى، قضى معظم حياته المهنية في مكتب التحقيقات الفيدرالي. ويتذكر الفترة التي أعقبت أحداث 11 أيلول/ سبتمبر وفي حرب العراق عندما كان المسؤولون الحكوميون قلقين بشأن الدعم القطري المحتمل لتنظيم القاعدة في العراق؛ ولم تكن التحقيقات التي أجرتها الولايات المتحدة حاسمة، ولم يتم فرض عقوبات على قطر.
وأوضح أوليري: "لا أعرف متى تغير الوضع، لكنه وصل إلى درجة مائة وثمانين درجة"، وذلك خلال السنتين والنصف التي قضاها أوليري في قيادة عمليات استعادة الأسرى لصالح الحكومة، عمل بشكل وثيق مع المسؤولين القطريين في التفاوض على عودة الأمريكيين من إيران وأفغانستان ومالي.
إلى ذلك، أكدت الصحيفة أن "إسرائيل تزعم أن شدة هجماتها تفرض ضغوطا على حماس لحملها على إطلاق سراح الأسرى، في حين يقول القطريون إنهم بحاجة إلى وقف إطلاق النار من أجل إبرام اتفاق".
فيما قال مسؤول قطري، لم تذكر الصحيفة هويته: "من المحبط والمخيب للآمال حقا أن نرى أنفسنا نتراجع عن التقدم الذي حققناه، لهذا السبب كنا على اتصال وثيق أيضا مع الإسرائيليين، من أجل التوصل إلى وقف التصعيد، والتوقف المؤقت الذي سيساعدنا ويمنحنا بعض المساحة لإطلاق سراح الأسرى".
وقال الأستاذ المساعد في العلوم السياسية بجامعة نورث وسترن والخبير البارز في سياسة الأسرى، داني جيلبرت، إنه "بالإضافة إلى الاتصالات والسمعة لتأمين هذه الصفقات، فأنت بحاجة إلى العملية ومجموعة المهارات وتقسيم العمل".مضيفا أن "كونك مفاوضا ناجحا بشأن الأسرى، موقع مؤثر؛ إن احتياجك وتقديرك من قبل الدول الأكثر قوة يمنحك مكانة اللاعب القوي الحقيقي، في قضية جيوسياسية تحظى بالكثير من الاهتمام".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة الفلسطينية غزة فلسطين غزة طوفان الاقصي صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تشرین الأول إطلاق سراح بما فی ذلک
إقرأ أيضاً:
إعلان ثوري من بكين.. نزال مفتوح مع العالم الذي تقوده أمريكا
تمثل البريكس (الصين، الهند، روسيا، جنوب أفريقيا، البرازيل) 45% من سكان العالم، يقطنون في حوالي 34% من مساحة الكوكب، وينتجون ما يعادل 37% من اقتصاد العالم. فضلًا عن إنتاجهم زهاء 45% من القمح العالمي.
قمة قازان الأخيرة، وهي السادسة عشرة للبريكس منذ التأسيس، ربما وضعتنا على أعتاب نظام عالمي جديد. ليس وحسب من خلال تأكيد إعلان قازان على ضرورة إعادة صياغة النظام العالمي المهيمن عليه أميركيًا، بوصفه أحادي القطب وغير عادل، ويتجاهل الحقائق العالمية الجديدة.
أبعد من ذلك، فالبريكس – بلس تقدم نفسها بوصفها بناء مفتوحًا، غير أيديولوجي، يتسع لكل العالم، بلا موانع. ثلاث دول، من الدول الخمس المؤسسة، تتمتع بنظام حكم ديمقراطي، وهذه حقيقة تقول الكثير عن طبيعة هذا التكتّل القائم على المصالح المشتركة.
أطلق على البيان الختامي لقمة بريكس – بلس الأخيرة اسم "إعلان قازان". وهو نص شامل احتوى على 134 مادة، وضعت كل المسائل العالمية في الحسبان، من الثقافة إلى السياسة.
أشار الإعلان إلى مجلس الأمن بوصفه بنية غير ديمقراطية وغير تمثيلية، تستبعد أممًا وقارات، وتمثّل أقلية مهيمنة. قال الإعلان، مرارًا، إن النظام العالمي بشكله الراهن لم يعد يصلح لعالم اليوم، وأنه لم يعد عالميًّا.
تحت شعار "البريكس والجنوب العالمي: بناء عالم أفضل معًا"، دعيت عشرات الدول والمؤسسات للحضور، وبموافقة ما يزيد عن ثلاثين دولة أطلق بيان قازان. أورد الإعلان كلمة "عادل" 15 مرّة، وهو الإغراء الذي تقدمه البريكس.
ما يجري في العالم، تحت إدارة المؤسسات التي أنشئت بعد الحرب العالمية الثانية، لا يتسم بالعدل. النظام العالمي غير العادل يعمل لصالح منظومة دولية صغيرة، الإشارة هنا إلى دول الـG-7، تمثل أقل من 15% من سكان الكوكب.
التأكيد على مسألة العدالة تجعل من الإعلان مانيفيستو ثوريًّا أكثر منه وثيقة في السياسة العامة. إنه، يمكن القول، منازلة مفتوحة مع العالم الذي تقوده أميركا. من الجهة الأخرى، أميركا، تبدو الأمور أكثر تشتيتًا.
فبينما يقاتل الديمقراطيون من أجل الإبقاء على النظام العالمي القائم، محيلين إليه بحسبانه شبكة حلفاء أكثر من نظام دولي، فإن للجمهوريين رؤية نقيضة تمامًا.
في لقائه المطول مع بلومبيرغ نيوز، قبل أسبوعين، قال ترامب إن حلفاء أميركا الغربيين امتصوا دماء بلاده أكثر من خصومه، وأن الكلمة الأفضل في حياته هي "التعريفات". وعد بأن يهدم، من خلال التعريفات الجمركية، كل منظومة التجارة الدولية القائمة على التدفق الحر للبضائع والأفكار.
ليست بريكس – بلس وحدها من يعد بتقويض النظام الراهن وبناء آخر. التحق ماكرون، القائد الأوروبي الأكثر تشاؤمًا حيال مستقبل القارة، بقافلة من قرروا هدم النظام العالمي الراهن.
على منصة "حوار برلين الدولي"، تحت عنوان مستقبل أوروبا في مستقبل عديد الأقطاب، قال ماكرون إن الصين تنتهك قواعد النظام العالمي منذ ربع قرن، ومؤخرًا التحقت بها الولايات المتحدة الأميركية. على الأوروبيين، قال ماكرون، ألا يكونوا الوحيدين من يتعيّن عليهم شراء كتاب النظام العالمي القائم على القواعد.
تملك أميركا ما يزيد عن 700 قاعدة عسكرية منتشرة على كل القارات، وعلى حوالي 95% من بحار العالم. خصومها الكبار، كالصين، يرون حقيقة أخرى خلف تلك القوة الضاربة: اقتصادًا على الحافة.
فالقوة العظمى الكبرى في تاريخ الإنسانية، كما يحلو لجو بايدن أن يقول، غارقة في الديون، وتغرق على نحو متزايد بمعدل تريليون دولار في العام. الخروج من وضع دولي يقوده اقتصاد غامض بات أمرًا ملحًّا، على الأقل هذا ما يتبادر إلى ذهن الاقتصاديين الذين راعهم ما حدث لأسواق المال في العام 2008.
تعد البريكس بإعادة بناء نظام عالمي متعدد الأقطاب، يقوم على التنوع والتشارك، ويؤمن بالدروب المفتوحة بين الشمال والجنوب. شكل جديد للعولمة تقدمه البريكس، على أنقاض العولمة الأميركية التي تريد تجارة دولية في اتجاه واحد، أن تفيض الأفكار والبضائع وحتى الأفراد من الشمال إلى الجنوب، لا العكس. ما إن شوهد الأفراد والبضائع يقتربون من الحدود حتى نهض اليمين الغربي وتصايحت الديمقراطية مطالبة بإغلاق الحدود.
أفرد "إعلان قازان" لفلسطين فقرة مطولة في بيانه، المادة 30. أكد النص على دعمه للعضوية الكاملة لفلسطين في الأمم المتحدة، ضمن "دعمه اللامحدود لحل الدولتين" بحسب نص الإعلان. أدان الإعلان الحرب الإسرائيلية على الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية، وأيّد وضعًا دوليًا تكون فيه القدس الشرقية عاصمة لهم.
بات واضحًا أن بريكس – بلس تمثل الأغلبية العالمية، وفي قمة قازان حضر ممثلون من أميركا اللاتينية، أفريقيا، الشرق الأوسط، المنظمات الدولية، والأمم المتحدة. حتى كوبا وصربيا، اللتان يُنظر إليهما العالم الغربي بنحو خاص، وجهت لهما الدعوة، وحضر ممثلون عنهما. ينتقل العالم تدريجيًّا من إجماع واشنطن (Washington Consensus)، أي قواعد الاقتصاد والسياسة الأميركية التي سادت منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، إلى إجماع بكين (Beijing Consensus).
الانهيار المفاجئ الذي أصاب السوق "النيوليبرالية" في العامين 2008-2009 فتح الطريق لما بات يعرف منذ ذلك الحين بإجماع بكين، أو النموذج الصيني في الاقتصاد والسياسة. في تلك الساعات الحرجة من العام 2008 كتب فوكوياما عما أسماه ليبرالية رعاة البقر، بعد عقدين من دراسته الشهيرة حول تلك الليبرالية باعتبارها النهاية السعيدة للكد والسعي البشري نحو الكمال.
يقوم النموذج الصيني، كما يجادل المفكر الصيني فيكتور غاو، على دفع عجلات السيارة الأربع في اتجاه واحد من خلال نظام قوي وكفؤ. وهو بذلك، يقول غاو، يقدم نموذجًا أكثر جدارة من ديمقراطية تفضي إلى ثماني حكومات خلال ثمانية أعوام. الإبدال الذي تقدمه بكين للديمقراطية هو "الجدارة السياسية"، منظومة حكم تقوم على الكفاءة والاحترافية، كما لاحظ دانييل بيل في بحثه المهم حول "نموذج الصين".
الآسيويون، وليس الصين وحسب، يتحدثون عن القيم الآسيوية، تلك التي تضع المجتمع وليس الفرد في المركز كما جادل لي كوان يو، رئيس وزراء سنغافورة السابق. وإذا كانت الديمقراطية الغربية، وفي مركزها مدونة حقوق الإنسان، تلائم الحياة المتحلّقة حول الفرد، فإن ما سيلائم الأمم التي تضع المجتمع قبل الفرد سيكون مختلفًا.
يراهن النموذج الصيني على تحدي الديمقراطية الليبرالية، مدّعيًا أن نظامًا شموليًا فاعلًا سيكون بمستطاعه أن ينجز المهمة الأساسية: رفع مستوى الرفاه، وحماية السلم الاجتماعي. عملت الصين بدأب على الترويج للفكرة، وباتت الليبرالية الغربية تدرك أن النموذج الصيني قدم إنجازًا اقتصاديًا غير مسبوق في التاريخ البشري، إذ نقل خلال ربع قرن ما يزيد عن نصف مليار نسمة من الفقر إلى الرفاه.
إلى جانب الصين قدم الآسيويون بشكل عام "أكثر معجزات التنمية استدامة في القرن العشرين" وفقًا لتقرير للأمم المتحدة. السحب الصينية تلقي بظلالها على العالم الغربي الممتد من برلين إلى واشنطن، وفي ألمانيا بات الحديث دارجًا حول ما الذي سيبدو عليه العالم حين تكتب دولة سلطوية قواعده وترسم حدوده.
قبل وقت قريب نسبيًّا كتب توماس فريدمان، في "نيويورك تايمز"، مخاطبًا الأميركيين: استعدوا، نحن نتراجع إلى المركز الثاني. تفرض الصين إجماعها على المركز الأول في طيف واسع من الإنجازات، من تصدير السيارات، حيث احتلت المركز الأول عالميًا بما يزيد عن نصف مليون سيارة شهريًا بحسب "فايننشال تايمز"، إلى إنتاج الطاقة المتجددة، حيث تتصدّر دول العالم استثمارًا وبذلًا في هذا المجال.
إذا نظرنا إلى البيانات التي نشرتها مؤسسة "Statista" الألمانية المتخصصة في الدراسات الإحصائية، فسنجد أنفسنا أمام رقمين عامرين بالدلالة. الأول: استهلكت الصين في العام 2023 طاقة بمقدار 170.8 إكساجول، مقابل 94 للولايات المتحدة، و11 لألمانيا. أما إجمالي ما استهلكته من الكهرباء في العام 2022 فبلغ 8 آلاف تيرا-وات، مقابل 4 لأميركا، و1.3 للهند.
هذا ما يبدو عليه مصنع العالم، التحدي الإستراتيجي الأكثر تعقيدًا للعالم الغربي. تستهلك كل تلك الطاقة تحت سقف كبير مساحته تداني مساحة الولايات المتحدة، وينعم باستقرار سياسي مشهود.
لم يعد ممكنًا إيقاف الصين ولا منافستها. ففي العام 2011، ضحك إيلون ماسك عاليًا حين سألته مذيعة "بلومبيرغ" عن رأيه بالسيارات الكهربائية الصينية. مؤخرًا، أطلق ماسك نداءً إلى الحكومة الأميركية يطالبها بضرورة فرض تعريفات ضد السيارات الكهربائية الصينية، قائلًا إن ترك الأبواب مفتوحة أمامها سيجعلها تقضي على كل منافسيها. فالصينيون "ينتجون سيارات كهربائية رائعة جدًّا"، بحسب كلماته كما نقلتها "رويترز".
في مواجهة هذا التحدي، يجد الغرب نفسه أمام ضرورة إعادة التفكير في إستراتيجياته الاقتصادية والصناعية. فالصين لم تعد فقط مصنع العالم، بل باتت أيضًا مختبرًا للابتكار والتكنولوجيا، وأصبحت تنافس في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة، التي تشكل حجر الزاوية في الاقتصاد المستقبلي.
أميركا وأوروبا، في هذا السياق، مطالبتان بإعادة صياغة قواعد اللعبة، ليس فقط من خلال الحماية الجمركية أو السياسات الحمائية، بل عبر تعزيز الابتكار وتطوير بنية تحتية قادرة على مواجهة التحديات القادمة.
في الوقت ذاته، تعمل بريكس – بلس على توسيع نطاق تأثيرها عبر خلق تحالفات جديدة، وتسعى إلى تحقيق توازن جديد في النظام العالمي. هذا التوازن يستند إلى فكرة التعددية والتشارك في صنع القرار الدولي، بعيدًا عن الهيمنة الغربية التي سادت لعقود.
في نهاية المطاف، يبدو أن العالم يتجه نحو نظام متعدد الأقطاب، حيث لا يمكن لدولة واحدة أو مجموعة دول صغيرة أن تهيمن على القرارات الدولية.
وهذا التحول لن يكون سهلًا، بل سيتطلب مواجهات سياسية واقتصادية وربما عسكرية. لكن من المؤكد أن النظام العالمي الذي عرفناه منذ الحرب العالمية الثانية يقف الآن على عتبة تغيير جذري، ستكون الصين وبريكس- بلس في قلبه.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية