متحف عمان عبر الزمان.. رحلة سردية تحكي تراثا عريقا ونهضة تركـت بصمتها للأجيال
تاريخ النشر: 17th, November 2023 GMT
من قلب سلطنة عمان بمحافظة الداخلية في ولاية منح يشق متحف عمان عبر الزمان، دربا من التاريخ المجيد، ليروي قصة عمان عبر الدهر والزمان، بمعالمها الساحرة، ليكون بصمة تاريخية مؤثرة، حيث يتجلى الإرث الغني والنهضة البارزة، تحية للمستقبل المشرق، ليلتئم الماضي والحاضر بين آثار ربوع عمان.
متحف عمان عبر الزمان يصوغ الرحلة المدهشة لبلد السلام، محتفيًا بالتاريخ والتراث، يولجنا إلى أعماق تلك الأروقة المضيئة، ونغوص في بحر التاريخ، ونستمتع بأصداء الأجداد وروائع الفنون والتقنيات، بين أروقة المتحف.
عندما تخطو قدما الزائر إلى متحف عمان عبر الزمان، ينغمس في رحلة سحرية تجمع بين التاريخ العريق وعصر النهضة المباركة. فالمتحف يتألف من قاعتين هما: قاعة التاريخ وقاعة عصر النهضة، حيث ينقل الزائر في رحلة تبدأ من أواخر عصور ما قبل التاريخ وتمتد إلى يومنا الحاضر.
وفي قاعة التاريخ، يعيد المتحف الروح لعدة عصور وحقب تاريخية من تكوين الجيولوجي لأرض عمان إلى عصر الحجري والبرونزي والحديدي. ويتيح للزائر تجربة الواقع الافتراضي لكل عصر من خلال وسائط رقمية حديثة، بالإضافة إلى عرض مجموعة مختارة من الشواهد المادية والخرائط. أما قاعة عصر النهضة المباركة، فتعكس النمو والتطور الهائل الذي شهدته سلطنة عمان خلال الأعوام الخمسة الأولى من النهضة. وتمثل ذروة نهضة عمان، حيث تستعرض جوانب التطور والازدهار الاجتماعي والاقتصادي والصناعي والسياسي في عمان، من خلال عرضها الصوتي والمرئي فائق الدقة، فتسلط القاعة الضوء على المحافظة على الهوية الأصيلة والتقاليد العريقة لعمان.
متحف عمان ينقل زائريه بأسلوب جذاب إلى عمق تاريخ سلطنة عمان، مما يجعل زيارته تجربة لا تنسى، تعيد إحياء التاريخ بأسلوب مشوق.
ويضم المتحف بين جنباته تقنيات متطورة تهدف إلى جعل زيارة متحف عمان عبر الزمان تجربة مثيرة وتفاعلية للزوار، حيث يمكنهم الاستمتاع بالمحتوى الثقافي والتاريخي بطريقة ممتعة ومشوقة، بفضل تلك التقنيات المبتكرة للزوار في مختلف الأعمار، كما يركز المتحف على الثقافة والتاريخ العماني، من خلال توفير فعاليات تفاعلية، وورش عمل وندوات تثقيفية للزوار من جميع الأعمار، للمحافظة على التراث وتعريف الشباب بتاريخ بلدهم.
بالإضافة إلى ذلك، يستضيف المتحف عروضا فنية وثقافية مستمرة تقدمها الفرق الفنية والشعبية من داخل سلطنة عمان وخارجها، وتشمل العروض الرقص الشعبي والموسيقى التقليدية للمحافظات العمانية، ويعتبر هذا التنوع الثقافي والفني ميزة مهمة تجذب زوار المتحف وتساهم في إثراء تجربتهم.
يروي متحف عمان عبر الزمان حكاية 800 مليون سنة، يسعى من خلالها إلى التعريف بالحقب التاريخية المختلفة التي شهدتها عمان مثل جيولوجيا الأرض والسكان الأوائل، وصولًا إلى عصر النهضة المباركة وما تحقق فيه من منجزات مختلفة في شتى القطاعات، إضافة إلى استشراف المستقبل بما يتوافق وتطلعات سلطنة عمان.
وجاء المرسوم السلطاني رقم ١٥ / ٢٠٢٣ بإنشاء متحف عمان عبر الزمان الذي صدر في ١٩ من شعبان سنة ١٤٤٤هـ، الموافق ١٢ من مارس سنة ٢٠٢٣م، ليؤذن بافتتاح متحف عمان عبر الزمان في ظل الرعاية السامية لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- بولاية منح بمحافظة الداخلية، الذي واصل المسير في طريق حجر الأساس الذي وضعه للمتحف المغفور له بإذن الله السلطان قابوس بن سعيد، طيب الله ثراه.
تصميم المتحف
استوحي تصميم متحف عمان عبر الزمان من شكل الجبال العمانية وسلسلة الحجر، حيث يمتد التصميم من الأرض إلى الأعلى بشكل فريد يعكس البيئة العمانية، وتم اعتماد المواد المحلية مثل الحجر العماني المعروف باسم وردة الصحراء عالي الجودة في بناء المتحف، واستخدامه لتزيين الجدران الداخلية والخارجية.
والمبنى صديق للبيئة، وتم تصميمه بشكل منخفض من جهة الشرق لحماية المساحات الداخلية من أشعة الشمس المباشرة، ووضعت نوافذ في جهة الغرب لإدخال الإضاءة وتخفيض الحاجة للإنارة، كما تم تطبيق نظام يعتمد على فكرة القلاع والمباني القديمة لتبريد الهواء، واستخدام مخلفات الأحجار والقطع في الحديقة، متميزا بواجهات زجاجية تسمح للزائرين برؤية الجبال المحيطة، وتم تطبيق تقنيات تحميه من الكوارث الطبيعية مثل الزلازل.
قاعات المتحف
ويستمتع الزائر برحلة عبر الزمن تبدأ من أواخر عصور ما قبل التاريخ وحتى يومنا الحاضر، عندما يتعرف على قاعتي المتحف الرئيسيتين، وهما: قاعة التاريخ وقاعة عصر النهضة، حيث يبحر الزائر في أولى خطواته في متحف عمان عبر الزمان بين جغرافيا سلطنة عمان وتاريخها، متأملا ماضيها وحاضرها ومستقبلها بشكل تفاعلي وباستخدام الوسائل التقنية الحديثة.
وتتناول قاعة التاريخ عدة عصور وحقب تاريخية وهي: التكون الجيولوجي لأرض عمان، والعصر الحجري المتمثل في جناح المستوطنين الأوائل، والعصر البرونزي المتمثل في جناح حضارة مجان، والعصر الحديدي المتمثل في جناح مملكة عمان، بالإضافة إلى جناح التراث البحري وجناح الأفلاج وجناح اعتناق الإسلام وجناح دولة اليعاربة وجناح دولة البوسعيديين، التعرف على مختلف الحقب التي مرت بها سلطنة عمان كجيولوجيا الأرض والسكان الأوائل وصولًا إلى عصر النهضة. كما تحتوي على بيئة افتراضية فائقة الدقة تتحدث عن إسهام أهل عمان في الإسلام، ومناحي الحياة الفكرية، والسياسية، والاجتماعية، والاقتصادية المرتبطة بذلك، والإسهام العلمي للعلماء العمانيين.
أما قاعة عصر النهضة المباركة فتتكون من: جناح فجر النهضة وجناح بناء الوطن وجناح مجتمعنا وجناح البيئة الصحية وجناح الأمن والاستقرار وجناح نحو اقتصاد مستدام وجناح البنية الأساسية والنقل وجناح الشورى وجناح عمان والعالم وجناح التعبير الإبداعي وجناح عمان والاتصالات وجناح الإلهام، وتم تصميم مدخلها على شكل فضاء مفتوح، يتوسطه عدد من الأعمدة تشكل فضاء تفاعليا لمنظومة العرض الصوتي والمرئي فائقة الدقة تتناول الأعوام الخمسة الأولى من عمر النهضة المباركة، وتستعرض جوانب التطور والازدهار والنماء في سلطنة عمان، وما شهدته من تحول اجتماعي واقتصادي وصناعي وسياسي ملحوظ، جنبا إلى جنب مع المحافظة على مكنونات هويتها الأصيلة وتقاليدها الثقافية العريقة.
معروضات المتحف
فك حيوان «عمانثيريوم»، ويعود إلى نوع من الفيلة البدائية الضخمة التي عاشت على أرض سلطنة عمان قبل حوالي 35 مليون سنة، عثر على هذا العظم في محافظة ظفار. وثلاثيات الفصوص، وعثر عليها في ولاية محوت بمحافظة الوسطى، ويعود إلى الفترة ما بين 250 مليون سنة إلى 500 مليون سنة. والنقش على الصخور، حيث اكتشفت في ولاية مدحا بمحافظة مسندم، ومن الواضح أن هذه النقوش شكلت باستخدام أحجار أخرى. وتتنوع النقوش المرسومة بين أشكال بشرية وحيوانية. ومبخرة نذرية مزينة برسوم حيوانات، ويعود تاريخها إلى ما بين 100-200م، وتستخدم في حرق اللبان عند تقديم النذور للإله. وبها شكل أسد ووعل. ودواة الإمام مهنا بن سلطان، وتعود إلى سنة 1131هـ / 1719م، وهي من صنع الصانع عامر البهلاوي من ولاية بهلاء. وسفن مجان، وهي إعادة تصور لسفن حضارة مجان، صنعت من حزم القصب، وطليت بمادة القار الأسود الذي اكتشفت قطع منه في موقع رأس الجنز. وتصنع من حزمة القصب، وحبال من ألياف النخيل، وحصير منسوج، وقار، وشراع من الصوف يعود إلى الفترة 1131هـ / 1719م، وهي من صنع عامر البهلاوي من ولاية بهلا.
مركز المعرفة
وينقسم مركز المعرفة إلى ثلاثة طوابق مستهدفة لجميع فئات المجتمع وتبلغ مساحته الإجمالية ستة آلاف متر مربع. ويحتوي الطابق الأرضي على معملين وقاعة كبيرة للمحاضرات، بالإضافة إلى فصل مخصص للأطفال مع الأدوات والكتب المناسبة لهم. كما يضم أيضا معمل الابتكار ومعمل الأفكار المخصصين للأطفال.
التقنيات التفاعلية الحديثة
سعى متحف عمان عبر الزمان لإيصال فكرة كل جناح للزائر بأفضل الوسائل الحديثة، من خلال استخدام عدة تقنيات، وشاشات LCD، و LED بمساحة ما يقارب 800 متر مربع. كما يوفر للزوار استكشاف المحتوى باللغتين العربية والإنجليزية في آن واحد من خلال استخدام سماعات الرأس التزامنية مع الأفلام وجميع النتاجات الفنية وبشكل فوري، والتي توفر الوقت والجهد للزائر. ويتيح المتحف 310 مواد فيلمية تتكون من تقنيات الألعاب التفاعلية المخصصة للأطفال، إلى الأفلام الوثائقية، ومرورا بالرسوم التقنية ثنائية وثلاثية الأبعاد، ووصولا إلى اللقطات والمشاهد المذهلة؛ من خلال توفير أكثر من 1200 جهاز لتشغيل مختلف طرق العرض لإيصال القصة بأكمل وجه للزائر. بالإضافة إلى شاشات متعددة تحتوي على كاميرات معلقة.
مرافق متعددة
بمرافق مخصصة للأطفال، تتضمن معمل الأفكار المخصص للفئة من 3 سنوات إلى 14 سنة، وهو مجهز بكامل الملحقات التعليمية الحديثة والمتطورة، كما يشتمل المتحف على قاعة متعددة الأغراض مجهزة بأحدث المعدات التكنولوجية وتستخدم لأغراض مختلفة، كاستضافة المحاضرات أو المؤتمرات وحلقات التدريب المختلفة.
تسهيلات مميزة
ويوفر المتحف جميع التسهيلات لزواره من الأشخاص ذوي الإعاقة لجعل زيارتهم للمتحف مميزة، بتقديم اللوحات والنصوص المكتوبة بلغة برايل، والمجسمات الملموسة المشابهة لمقتنيات المتحف الأصلية، وأجهزة الصوت الإلكترونية، بالإضافة إلى الكراسي المتحركة وسيارات الجولف للتنقل، فضلا عن المنتجات الخاصة بالمتحف كهدايا للزوار، حسث تتوفر المنتجات الحرفية العمانية كالفخاريات والسعفيات. فيما يقدم مركز الإسعافات الأولية الخدمات الطبية اللازمة في حالة تعرض أي زائر لأي إصابة أو أي ظرف طارئ.
أماكن للترفيه
ويضم المتحف حديقة يمكن للزائر الاستمتاع بوقته فيها، وتقع في الجانب الخلفي من المتحف، وجاء تصميمها من الطبيعة العمانية وعلى شكل مدرجات، وتوجد بها مقاعد للجلوس وممشى طويل، وتحوي أشجارًا تتناسب مع البيئة العمانية، وتحتوي على صخرة من النوع الجيري تعود لوادي لحجيج في محافظة ظفار، ويبلغ وزنها 75 طنًا، وبها مجموعة من الرسومات التي نقشت باستخدام الطرق على سطح الصخرة، كرسومات للإنسان وبعض الحيوانات مثل الوعل وأشكال أقدام الإبل، كما تضم بعض الحروف الأبجدية وأشكالا وخطوطا دائرية وأشكالا للأجرام السماوية إضافة لرسم شكل الشمس.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: متحف عمان عبر الزمان بالإضافة إلى ملیون سنة من خلال
إقرأ أيضاً:
صحيفة إسرائيلية تكشف تخادم وتعاون بين الإعلام العبري والسعودي في سردية الأحداث بالمنطقة (ترجمة خاصة)
كشفت صحيفة عبرية عن التخادم والتعاون بين الإعلام العبري والسعودي في سردية الأحداث بالمنطقة خاصة الأحداث والتطورات الأخيرة في لبنان واليمن وسوريا وكذلك غزة.
وقالت صحيفة "هآرتس" في تحليل لها ترجمه للعربية "الموقع بوست" إنه "عندما يكون تدفق التقارير من مسارح الحرب المختلفة مستمرا، تقتبس وسائل الإعلام الإسرائيلية بشكل متزايد من وسائل الإعلام السعودية. وقد تجلى ذلك بشكل خاص في أعقاب اغتيال هاشم صفي الدين، الوريث الظاهر للأمين العام لحزب الله حسن نصر الله".
وأضافت "في 3 أكتوبر/تشرين الأول، ضربت إسرائيل في بيروت. بعد يوم واحد، نقلت وسائل الإعلام الإسرائيلية تفاصيل عن الهجوم، مستشهدة ب "تقارير سعودية" في عناوينها.
وذكرت "واينت" أن "قناة الحدث السعودية نقلت عن مصادر قولها إن إسرائيل أكدت مقتل هاشم صفي الدين"، في حين بثت إذاعة "كان 11" مادة مماثلة: "تقرير سعودي: هاشم صفي الدين قتل في هجوم للجيش الإسرائيلي". بعد ثلاثة أسابيع فقط أصدر الجيش الإسرائيلي بيانا رسميا يؤكد الاغتيال.
وتابع التحليل "في أوائل كانون الأول/ديسمبر، في أعقاب اغتيال سلمان جمعة، مسؤول اتصال حزب الله بالجيش السوري، في غارة في دمشق، نقل الصحفيون الإسرائيليون عن الحدث نقلا عن "تقرير سعودي". وبعد بضع ساعات، أكد الجيش الإسرائيلي أن جمحة قد اغتيل بالفعل في غارة شنها سلاح الجو الإسرائيلي".
عرض معرض مفتوح
"لا أعتقد أن هذه مصادفة"، قال صحفي كبير لصحيفة هآرتس. "نحن نعلم أن هناك اتصالات بين مصادر إسرائيلية مختلفة واثنين أو ثلاثة وسائل إعلام في الخليج. ستظهر قصة فجأة على الحدث، وسيقتبس منها الصحفيون في إسرائيل عندما لا يستطيع بعضهم حتى التحدث بالعربية. كيف اكتشفوا ذلك؟ يحصلون على الترجمة. من اقترب منهم؟ مصادر في إسرائيل. هذه إحدى الطرق لتجاوز الرقابة، وهي طريقة ملائمة للعمل".
وحسب التحليل "على الرغم من أن المملكة العربية السعودية لا تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، إلا أن التقارير على وسائل الإعلام الخاصة بها تحتل مكانة مرموقة في وسائل الإعلام الإسرائيلية منذ بداية الحرب.
وقد تناول جاكي هوغي، معلق الشؤون العربية في إذاعة الجيش الإسرائيلي، هذا الاتجاه في مقال نشرته صحيفة "معاريف" العبرية في تشرين الأول/أكتوبر الماضي.
وكتب "طوال الحرب، كانت وسائل الإعلام السعودية بمثابة منفذ معلومات حصري لمصادر رسمية إسرائيلية من أجل الإفصاح عن أسماء الأشخاص الذين استهدفتهم الطائرات المقاتلة".
وزاد أن "المصادر الإسرائيلية تفضلها على وسائل الإعلام الإسرائيلية. كانت طقوسا عادية: هاجمت طائرة تابعة لسلاح الجو الإسرائيلي شخصا ما في سيارته أو في المبنى الذي كان يختبئ فيه أو في نفق عميق تحت الأرض. في غضون دقائق، مع استمرار اشتعال النيران في سيارته، وقبل أن يتلقى أقاربه خبر وفاته، كانت القنوات الإخبارية السعودية تنقل اسمه ولقبه".
يعتقد الصحفيون الإسرائيليون الذين تحدثوا إلى صحيفة هآرتس أن هناك اتصالات بين مصادر إسرائيلية وقناتي التلفزيون السعوديتين "العربية" و"الحدث". ومع ذلك رفض معظمهم قول ذلك في السجل. علاوة على ذلك، رفض خبراء الإعلام الإسرائيليون التحدث عن هذه المسألة.
وفقا لصحفي في وسيلة إعلامية إسرائيلية كبرى، قال "من المعروف جيدا بين الصحفيين أن وسائل الإعلام السعودية، وخاصة الحدث والعربية، تعمل مع إسرائيل.
وأضاف "المفهوم هنا هو أنه عندما تقوم وسيلة إعلامية سعودية بالإبلاغ عن شيء ما أو تقتبس منه، فمن المحتمل أنها حصلت عليه من مصدر إسرائيلي ومن المحتمل أن يكون موثوقا به تماما. تثق بها وسائل الإعلام الإسرائيلية لأنها أثبتت نفسها. في كثير من الحالات، كانت وسائل الإعلام السعودية أول من أبلغ عن تفاصيل تبين لاحقا أنها صحيحة".
قناة الحدث هي جزء من قناة العربية، بتمويل من الحكومة السعودية، ويعمل نفس المراسلين والمذيعين في كلتا المحطتين. كلاهما يعطي مركز الصدارة للزاوية الإسرائيلية. تعكس مقابلاتهم مع الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري خلال الحرب منظورا يرتبط بوجهة نظر الجيش الإسرائيلي.
أجريت مقابلة مع هاغاري على قناة العربية والحدث في يونيو الماضي، وتحدثت عن الحرب في الشمال. وقال لقناة العربية: "التقيت بمدنيين يعيشون هنا". "إنهم مجموعة من الأبطال يقفون إلى جانب الجيش ويدعمونه. من ناحية أخرى، أرى كيف يستغل حزب الله الشعب اللبناني وجنوب لبنان، ولست متأكدا تماما من أن الناس يدركون الحقيقة الكاملة حول الوضع هناك".
كانت صحيفة إيلاف التي تتخذ من لندن مقرا لها أول وسيلة إعلامية سعودية تبدأ في إجراء مقابلات مع شخصيات إسرائيلية بارزة دون إخفاء أسمائها. في عام 2015 ، أجرى دوري جولد ، المدير العام لوزارة الخارجية آنذاك ، مقابلة مع الوسيلة الإعلامية.
وحسب التحليل "بعد عام واحد، أجرت الصحيفة مقابلة مع يوآف مردخاي بصفته منسق أعمال الحكومة في المناطق، وتحدث عن الوضع الأمني في شبه جزيرة سيناء والروابط بين تنظيم الدولة الإسلامية وحماس. في نفس العام، أجريت مقابلة مع زئيف إلكين، الذي ظهر على الموقع الإلكتروني كوزير لاستيعاب المهاجرين ووزير شؤون القدس، بالإضافة إلى عضو في مجلس الوزراء.
وقال "قبل شهرين من هجوم حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر، أجرت الصحيفة – التي أسسها الصحفي البريطاني السعودي عثمان العمير في عام 2001 ، وهو أيضا مؤسس الشرق الأوسط – مقابلة مع وزير الخارجية إيلي كوهين ، الذي تحدث عن السلام المحتمل والتطبيع مع المملكة العربية السعودية".
في ديسمبر الماضي، كتب رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي مقالا لصحيفة إيلاف حول مستقبل غزة في اليوم التالي لانتهاء الحرب. "إسرائيل ستنتصر"، كتب. "ليس لدينا خيار آخر، ولن نتنازل عن أمن مواطنينا. سنقاتل بشجاعة وشراسة ضد جميع أعدائنا".
يوضح روعي قيس ، مراسل الشؤون العربية في "كان 11" ، أن اتفاقيات إبراهيم لعام 2020 ، التي أدت إلى التقارب بين إسرائيل ودول الخليج ، أثرت بشكل كبير على الوصول إلى وسائل الإعلام السعودية. "تحاول إسرائيل بث روايتها للعالم العربي، وهذا يحدث من خلال وسائل الإعلام السعودية والإماراتية. مشيرا إلى أن القنوات السعودية لديها مصادر على الأرض، وقال "أنا على انطباع بأن هناك تعاونا إعلاميا بينها وبين المصادر الإسرائيلية".
وبحسب قيس فإن القنوات السعودية تتمتع بسمعة إيجابية في إسرائيل، مقارنة بالقنوات القطرية، وعلى رأسها قناة الجزيرة. "إذا سألت صحفيا إسرائيليا أيهما يفضل، العربية أو الجزيرة، فسوف يختارون العربية. ترتبط الجزيرة بقطر وحماس. من أجل تقديم الصورة المناسبة، من المهم إخبار المشاهد أو القارئ أو المستمع بما هو المنفذ الإعلامي المعني. تسمع أحيانا عبارة "تقرير عربي" ولا يعجبني. لأن ماذا يعني ذلك؟ في اللحظة التي أكتب فيها عن مصدر في حماس يتحدث إلى صحيفة الشرق الأوسط السعودية، بدلا من مصدر في حماس يتحدث مع صحيفة الأخبار اللبنانية المرتبطة بحزب الله – فإن الطريقة التي ينظر بها إلى التقرير مختلفة".
تجاوز الرقابة
لم تبدأ علاقات إسرائيل السرية مع وسائل الإعلام في العالم العربي خلال هذه الحرب. يشرح الصحفيون الإسرائيليون المخضرمون الذين تحدثوا إلى صحيفة "هآرتس" أن هذه ممارسة قديمة ومعروفة.
يقول أحد كبار الصحفيين: "إنها ليست مجرد تسريبات أمنية". "في الأوقات العاصفة وبين وسائل الإعلام التي لا ترتفع معاييرها بالمقاييس الإسرائيلية أو العربية - وجدت بعض المصادر الإسرائيلية طريقة لتجاوز الرقابة دون ترك آثار أقدام. لأننا في النهاية لا نعرف من هو الشخص الذي سرب".
في عام 2011، بعد أربع سنوات من تأسيس جريدة، كتب جاك خوري قصة في صحيفة هآرتس بعنوان "كيف أصبحت صحيفة كويتية ناطقة بلسان مكتب رئيس الوزراء؟" وكتب "يعتقد الكثيرون في العالم العربي أن العديد من التقارير كانت تهدف إلى إيصال رسائل من إسرائيل إلى سوريا ولبنان". "أحد ما تعرضه للصحيفة، على الأرجح بالاعتماد على مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، أدى في النهاية إلى إقالة عوزي عراد من منصب مستشار الأمن القومي. وقد ادعى معلقون في لبنان من قبل أن الصحيفة، التي تعتبر وسيلة إعلامية مستقلة، مدعومة ماليا من إسرائيل وتستخدم للدعاية".
انتقد بعض الصحفيين الإسرائيليين الذين تمت مقابلتهم من أجل هذا المقال حقيقة أن التقارير تمر بشكل متكرر عبر وسائل الإعلام العربية قبل أن تصل إلى الجمهور الإسرائيلي. "بعض القضايا ليست سرية أو لا تتطلب السرية"، يقول صحفي إسرائيلي.
"لنفترض أن رئيس الوزراء يريد تقديم تنازلات بشأن صفقة الرهائن - لن يقول ذلك لوسائل الإعلام الإسرائيلية. من الأسهل إيصال الأخبار إلى صحيفة في المملكة العربية السعودية. يمكن لرئيس الوزراء بعد ذلك ، بناء على ردود الفعل ، تأكيد التقرير أو نفيه. وهذا يوفر للشخص الذي يقوم بالتسريب الفرصة لقياس ردود الفعل في الجمهور الإسرائيلي وتحديد كيفية معالجة القضية هنا، في إسرائيل. إذا تم الإبلاغ عن نفس الأخبار لصحفي إسرائيلي، فسيكون من المستحيل إنكارها أو المناورة".
تسريب تفاصيل صفقة الرهائن
وحدث مثال واضح على ذلك في كانون الأول/ديسمبر الماضي عندما نقلت وسائل الإعلام الإسرائيلية تقريرا في إيلاف عن صفقة جديدة لأخذ الرهائن. وقال التقرير إن "المحادثات جارية بين وفد قطري ووفد إسرائيلي في أوروبا"، وأن "الصفقة ستشمل إطلاق سراح ثلاثة ضباط رفيعي المستوى من أسر حماس".
عندما تم الإبلاغ عن ذلك في وسائل الإعلام الإسرائيلية، نفى مسؤولان إسرائيليان كبيران التقرير. "كان من الصعب جدا إنكار ذلك إذا تم الإبلاغ عنه من قبل صحيفة نيويورك تايمز، على سبيل المثال. لن تجد أي نفي إسرائيلي هناك"، يقول الصحفي الإسرائيلي. لكن مع وسائل الإعلام العربية، تسمح هذه المصادر نفسها بالإنكار".
إن إمكانية وصول وسائل الإعلام العربية إلى مصادر غير إسرائيلية هو سبب آخر للاقتباس من تقاريرها. "خلال المفاوضات حول صفقة الرهائن في وقت مبكر من الحرب، لم تأت أخبار دقيقة من إسرائيل بل من وسائل الإعلام العربية"، يقول صحفي مخضرم في وسيلة إعلامية كبرى.
ويشير جزئيا إلى صحيفة العربي الجديدة الممولة قطريا وإلى القاهرة الأخبارية، وهي وسيلة إعلامية تديرها المخابرات المصرية. هذه تسريبات قطرية ومصرية مباشرة للصحافة".
ونقلت وسائل إعلام إسرائيلية تقارير عن صفقة رهائن محتملة بين إسرائيل وحماس ظهرت في صحيفة الشرق الأوسط المملوكة للسعودية ومقرها لندن. نقلا عن مصادر فلسطينية في غزة، ذكرت الصحيفة مؤخرا أن أفراد حماس بدأوا في اتخاذ إجراءات لتحديد مكان الرهائن المحتجزين لدى الحركة والجماعات المسلحة الأخرى في غزة.
في غضون ذلك، على الجانب الإسرائيلي، وفقا للصحفي المخضرم، تقوم إسرائيل نفسها بتسريب تفاصيل الصفقة إلى قناة الشرق المملوكة للإمارات، وإلى قناة الراد المملوكة للإمارات. يقول: "ربما تكون هذه مبادرة من مسؤول إسرائيلي، يعتقد أنه من الجيد التسريب إلى وسائل الإعلام العربية ثم تحويل انتباه الصحفيين إلى التقارير - لأن الإنكار ممكن. إذا جاء البيان من مصدر رسمي بعنوان واسم، فيجب دفع الثمن".