إن فلسطين قضيتنا، قضية المصريين الأولى بلا منازع، ولا يحق لأى إنسان فى العالم أن يزايد علينا فى محبة ومساندة ودعم الشعب الفلسطينى، فلن ينافسنا أحد فى حجم التضحيات التى قدمناها طوعاً من أجل «القضية»، وفى مواجهة الجشع الإسرائيلى المتنامى فى ابتلاع الأرض وسرقة ما تبقى من آمال وطموحات مشروعة فى إحلال السلام العادل.

مصر لم تقاتل يوماً هجوماً أو طمعاً بل كانت كل حروبنا دفاعية لاسترداد ما سُلب، وفى كل الأوقات كنا نقف بجانب الأشقاء فى الأراضى المحتلة وفق ثوابت واضحة أقرتها الدولة المصرية أبرزها: أن مصر وبما لا يمس أمنها القومى تدعم القضية الفلسطينية (ولا تدعم فصيلاً أو حركة)، وأن مرجعيات هذا الدعم هى اتفاقية السلام والقرارات الدولية والمبادرة العربية.

وإذا كانت إسرائيل قد اكتوت بنيران غزة، وتريد أن تتخلص منها ومن جحيمها المتكرر، عليها أن تفتش فى أخطائها التى لا تمل من السقوط فيها، كأنها ثور معصوب العينين استدرجه غروره فى الدوران فى دوائر مفرغة، ليخدع نفسه ويتخيل أنه يصل إلى هدفه، بينما هو يتحرك فى مكانه، هكذا كل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تبالغ فى حصونها وتقسو فى عدوانها، حتى تستيقظ فى صباح كالسابع من أكتوبر 2023 على فشل جديد لنظرية الأمن الإسرائيلى، هذا الأمن الذى لن يتحقق إلا بأمان الشعب الفلسطينى واستعادته حقوقه المشروعة وفق المعاهدات والمواثيق الدولية.

ومنذ أن بدأت إسرائيل عمليتها العسكرية الأخيرة فى غزة، وهى تمارس «لوعاً» سياسياً صريحاً، تمهد فيه للمجتمع الدولى ولمحيطها الإقليمى مشروعها للتهجير القسرى والطوعى للفلسطينيين من القطاع إلى شمال سيناء.

بل إنها ومنذ اليوم التالى لعملية طوفان الأقصى، بثت رسائل مباشرة تحرض فيها الفلسطينيين على النزوح الجماعى إلى الجنوب فى اتجاه الحدود المصرية، لينجوا بأرواحهم من إبادة جماعية كانت تدبرها لهم ثأراً لكرامتها المبعثرة وانتقاماً لقتلاها وأسراها ومصابيها الذين سقطوا منذ السابع من أكتوبر الماضى.

وفطنت مصر مبكراً لهذا «اللوع» فأسرعت محذرة من خطورة الفكرة الشيطانية التى جعلت سيناء محل جدال عالمى، مؤكدة أن خطورة الأمر لا تخص مصر فقط لأن الأخطر هو تصفية القضية الفلسطينية بشكل نهائى.

وكانت فكرة توطين الفلسطينيين فى سيناء قد ظهرت للمرة الأولى بعد نكسة 1967، فيما سُمى وقتها بمشروع (إيجال ألون) وزير الخارجية الإسرائيلى الذى دعا إلى تنفيذ الفكرة ومشروعات توسعية أخرى استغلالاً لهزيمة العرب، وعادت الفكرة للظهور مجدداً سنة 2000 وطرحها (جيورا أيلاند) مستشار الأمن القومى الإسرائيلى الذى دعا إلى أن تتنازل مصر عن جزء من سيناء لتوطين الفلسطينيين مقابل جزء من صحراء النقب لصالح مصر ومنحها بعض المكاسب الاقتصادية، وعادت الفكرة من جديد عام 2013 فيما عرف بخطة (يوشع بن آريه)، وقتها التقطها الإخوان وتم الحديث عن دولة لحماس فى غزة وبعض أجزاء من سيناء، ثم كان الظهور الأخير للفكرة الذى عُرف بـ«صفقة القرن» مع ولاية الرئيس الأمريكى دونالد ترامب.

وتجدد الحديث عن تهجير وتوطين أهل غزة، مع تزايد المشاهد المؤلمة للنزوح الجماعى للفلسطينيين من شمال القطاع إلى جنوبه خلال الأسبوع الماضى، فيما أسماه إسرائيليون بـ«نكبة غزة 2023» ووصف فلسطينياً بالنكبة الثانية.

ويلخص مقطع من رباعيات شاعرنا الراحل صلاح جاهين بعضاً من ملامح اللحظة على مستوى الصراع الفلسطينى الإسرائيلى، وهى الرباعية التى دشنت مصطلح «علم اللوع» ومنحته شرعية الوجود فى قاموسنا اللغوى المصرى، قبل أن يجبرنا التحرش الإسرائيلى بسيناء من جديد على أن نمنحها شرف هذا الوصف الجاهينى، الذى يحمل بين طياته تحذيراً واضحاً لكل الملاوعين الملاعين.. لعلهم يفهمون: «علم اللوع أضخم كتاب فى الأرض.. لكن اللى يغلط فيه يجيبه الأرض».

وقد فتحت إسرائيل من جديد «كتاب اللوع» قبل أيام عبر نائبين بالكنيست، طرحا رؤية جديدة لمستقبل قطاع غزة تضمنت انتقالاً جماعياً للاجئين إلى دول توافق على استيعابهم.

وقد رحب وزير المالية سموتريتش بالفكرة بحسب التليفزيون الإسرائيلى، ووصف الإخلاء المقترح بأنه «هجرة طوعية»، وقال: «هذا هو الحل الإنسانى الصحيح لسكان غزة والمنطقة بأكملها بعد 75 عاماً من اللجوء والفقر والمخاطر»، وفى المقابل رفضت مصر هذه الفكرة التى تدعو إلى «الترانسفير» والتى عرضها نائبا الكنيست ونالت دعم المتطرف (سموتريتش)، وعلق وزير الخارجية المصرى سامح شكرى على هذه التصريحات مؤكداً أنها «مرفوضة تماماًَ، وتخالف القانون الدولى»، ليحسم مرة أخرى ولن تكون أخيرة مثل هذه الترهات الإسرائيلية التى لن تتوقف فى ظل تواطؤ دولى واضح، وغض طرف أمريكى لكل ما يحدث لغزة وأهلها، وعجز عربى عن إيقاف المخطط الصهيونى الهادف إلى تفريغ القطاع من الفلسطينيين.

فيما احتشد الشعب المصرى ليصطف خلف القيادة السياسية مسانداً لها فى رفض المشروع الإسرائيلى وقد ترجمت صوت مصر، المطربة الكبيرة أنغام فى أغنيتها الجديدة «حلفونا» مشاعر المصريين الذين أقسموا على كتاب حقيقى، كتاب مقدس، اقسموا شعباً وجيشاً، قائلة: «حلفونا.. حلفونا.. عمرنا ما نفرط فى سينا»، وهذا هو يقين أهل مصر وعهدهم.

 

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: مصر سيناء فلسطين إسرائيل

إقرأ أيضاً:

ديوان المظالم

هموم ومشاكل المصريين كثيرة ومتنوعة، وتختلف أولويات المشاكل من شخص لآخر حسب أهميتها وتأثيرها فى حياته وحسب قناعاته واحتياجاته، وقد تختلف أيضًا وفقًا للبيئة التى يحيا فيها، لكننا نتفق جميعًا على أنها بالنسبة له مسألة مصيرية، فالحياة فى وجودها جحيم لا يطاق.

وهذا لا يعنى أن مشكلة واحدة هى ما تؤرق حياتنا وتطير النوم من أعيننا، ولكن المشاكل لا تأتى إلينا فرادى لكنها تبحث عنا وتتكالب علينا ولا تود مفارقتنا، وبات عدم وجود أخبار جديدة بالنسبة لنا، هو الخبر الجيد الذى ننتظره وهذا فى حد ذاته خير، لأنه فى كل جديد مشكلة جديدة.

تجمع المشاكل على كاهل المصريين فى كل ما يتعلق بحياتهم تقريبًا، جعلهم كمن يحيا فى بحر هائج فى ظل عواصف ورعد لا تستقر أمواجه ولا سماؤه، تحيطه المخاطر من كل جانب، الأمر الذى يطير النوم من جفونهم ويزيد معركة الحياة شراسة وعنفوان كل يوم عن سابقه.

المعارك الحياتية اليومية أسبابها متنوعة بعضها ثابت ومتكرر وغالبًا يتعلق بالروتين اليومى المرتبط بالاحتياجات الأساسية التى تمثل عنق الزجاجة الذى يضيق أكثر كل يوم.. أما الشق المتغير فإنه يتعلق بارتفاعات أسعار السلع والخدمات المرتبطة بأموره الحياتية دون ضوابط وبصورة تفوق الاحتمال، بالإضافة إلى فواجع الليل والنهار التى ليس لها من دون الله كاشفة.

من المسئول عن تلك الهموم، هل هو المواطن الذى لم يدخر من أيام الفرج للشدة؟ أم أنها الدولة هى التى أخطأت فى حساباتها وتقديراتها وأعطت أمورًا أهمية وأغفلت أخرى تستحق فاختل الميزان؟ أم أنه غياب الخطط المستقبلية والدراسات الوافية للتعامل مع السيناريوهات المرتقبة فى ظل التغيرات المحلية والإقليمية والدولية؟

بداية مصر تفتقد إلى أجهزة رصد دقيقة تعمل على مراقبة الجبهة الداخلية ورصد معاناة المواطنين وهمومهم والمشاكل المستجدة والأخرى المتفاقمة وتأثيراتها السلبية وانعكاساتها على الفرد والمجتمع والدولة، وما يصاحب ذلك من التأثير بصورة سلبية على الإنتاجية والعلاقات الاجتماعية بين الأفراد من جهة وبينهم وبين الدولة من جهة أخرى.

هذه الأجهزة أو اللجان المتخصصة ترصد المشاكل وتقترح الحلول لتتحول إلى صيغ تنفيذية على أرض الواقع بصورة إلزامية عبر الوزارات المختصة، ولا نبالغ إذا قلنا إنهم مطالبون بتوقع المشاكل والحيلولة دون حدوثها، حماية للمواطنين من تأثيراتها، وتوفيرًا لجهد الدولة فى التحرك كرد فعل لمواجهة المشكلة بعد حدوثها الأمر الذى يدفع ثمنه الجميع غاليًا.

ويمكن لكل وزارة أن تستحدث بداخلها إدارة الأزمات والكوارث تكون جزء من مهامها رصد شكاوى المواطنين فيما يتعلق بطبيعة عملها، ووضع الحلول العاجلة لتخفيف الأحمال عن كاهل الناس قدر المستطاع، ومن وزارة لأخرى، إذا أخلص الجميع النوايا سوف يتناقص جبل الهموم كل يوم عن اليوم الذى قبله، الأمر الذى ينعكس إيجابيًا على الوطن والمواطنين.

نحتاج أن تخصص كل وزارة أو هيئة أو مؤسسة أرقامًا ساخنة مجانية لأصحاب الهموم والمشاكل تعمل على مدار الساعة فى تلقى الشكاوى والعمل الجاد على إزالة أسباب الشكوى، بشرط أن يتوفر أكثر من خط، وألا نسمع العبارة الشهيرة هذا الرقم مرفوع مؤقتًا من الخدمة، وأن يتم التواصل مع الشاكى من المسئول وإزالة أسباب الشكوى فردية كانت أو جماعية، والأهم أن يتم تدريب الموظفين جيدًا على التعامل مع أصحاب الشكاوى وامتصاص غضبهم، وتصعيد المشاكل إلى إدارة الأزمات لدراسة أسبابها والحيلولة دون تفاقمها أو تكرارها.

حق الشكوى مكفول دستوريًا ودينيًا وأخلاقيًا، وكلما كان متاحًا بطرق علمية وخطوات دقيقة فى كل مراحلة، كلما كانت نتائجه إيجابية، وأحدث فارقًا كبيرًا فى حياة المواطنين وتعاملاتهم اليومية، وانعكس بصورة إيجابية على الدولة ودورها المهم فى إقرار الحقوق الثابتة للمواطنين والحفاظ عليها وترسيخ المبدأ الدستورى فى المساواة بين جميع أفراد الشعب من حيث الحقوق والواجبات.

باختصار.. ديوان المظالم ليس رفاهية ولكنه حق أصيل يعالج إخفاقات الأجهزة التنفيذية، ويحمى حقوق المواطنين، ويعيد الحق المسلوب لأصحابه، ويرسى مبادئ الشفافية والمساواة والعدل، والأهم أنه يعيد الرضا إلى حياتنا ويمسح دموع المظلومين والمقهورين ويعيد الابتسامة إلى الوجوه العابثة ويجدد الأمل فى غد مشرق بقلوب المصريين.

 

مقالات مشابهة

  • د.حماد عبدالله يكتب: الألقاب العلمية المغتصبة !!
  • د. نادر مصطفى يكتب: حكومة مقرها الشارع
  • الصهاينة.. يأجوج هذا الزمان يأكلون الأخضر واليابس
  • التغيير وارتياح الشارع ‏
  • ديوان المظالم
  • دفتر أحوال وطن «278»
  • في ذكرى 30 يونيو | مصطفى بكري يرصد أسرار أخطر عشرة أيام في تاريخ مصر (7).. الخيار الأخير
  • المجلس الوطني الفلسطيني يدين اغتيالات الاحتلال الإسرائيلي في جنين
  • المجلس الوطنى الفلسطينى يدين اغتيالات الاحتلال الإسرائيلى فى جنين
  • محمد علي رشوان يكتب: أساس النجاح.. على اللاعبين أن يدركوا أهمية المشاركة والسير على البرنامج التدريبي وتقليل الفسح والتنزه