لوموند: هل يلوح شبح التقسيم في السودان بعد 7 أشهر على الحرب؟
تاريخ النشر: 17th, November 2023 GMT
نشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية تقريرًا، تحدثت فيه عن الوضع في السودان بعد سبعة أشهر من النزاع المستمر، مع تزايد خطر تقسيم البلاد مرة أخرى.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن "القوات شبه العسكرية التابعة للجنرال "حميدتي" تعمل على زيادة سيطرتها على غرب البلاد، في حين لا يسيطر الجيش النظامي الآن، إلا على جزء صغير من الأراضي الواقعة بين نهر النيل والبحر الأحمر".
وذكرت الصحيفة أن قوات الدعم السريع التابعة لحميدتي، تُحاصر عاصمة ولاية شمال دارفور. ومعها أصبح كل غرب السودان على وشك الوقوع في أيدي المجموعات شبه العسكرية التي تخوض حربا منذ 15 نيسان/ أبريل الماضي، ضد القوات المسلحة السودانية، بقيادة الجنرال، عبد الفتاح البرهان.
ومنذ تاريخ 26 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، سيطرت قوات الدعم السريع على الحاميات الرئيسية للجيش النظامي في دارفور. وبعد نيالا، عاصمة جنوب دارفور، وثاني أكبر مدينة من حيث عدد السكان في البلاد، فيما "احتلت القوات شبه العسكرية مدينة زالنجي، ثم الجنينة على الحدود التشادية، حيث تم هزيمة القوات المسلحة السودانية" بحسب الصحيفة.
وأضاف المصدر نفسه، أنه "يتم الآن تضييق الخناق على الفرقة السادسة مشاة بالفاشر، آخر معقل للجيش النظامي بالمنطقة". حيث "يثير ذلك قلق الشاب عبد الله حسن، الذي أشار قائلا: نحن نعلم أنهم إذا دخلوا المدينة فسيكون ذلك بالدم والنار؛ إنهم يذبحون ويغتصبون وينهبون".
إلى ذلك، شهدت المدينة الشاسعة، التي يزيد عدد سكانها عن مليون نسمة، تدفق عشرات الآلاف من المدنيين الفارين من تقدم قوات الدعم السريع في دارفور في الأسابيع الأخيرة.
ويقول رئيس إحدى الجمعيات المحلية، عبد المجيد فاضل: "لقد أصبحت الفاشر مخيما ضخما للنازحين. منذ سبعة أشهر، لم يكن هناك عمل ولا رواتب، والكهرباء محدودة، ولم يعد هناك إنتاج زراعي، والأسواق بالكاد تُزَوّد بالامدادات".
وأضاف: "يقال إن مستشفى واحدا فقط قادر على استيعاب الجرحى، في حين أن المستشفيات الأخرى غير صالحة للعمل، بسبب نقص الموظفين أو الوقود أو المعدات الطبية".
"السيناريو الليبي"
بعد سبعة أشهر من الحرب، أصبح السودان في حالة من الفوضى الكاملة. وحسب مؤسس مركز أبحاث الشفافية وتتبع السياسات في السودان، سليمان بلدو، فإن "البلاد تستقر بحكم الأمر الواقع على السيناريو الليبي. ومن الشرق إلى الغرب، نشهد ظهور منطقتين واسعتين يسيطر عليهما جيشان وسلطتان متعارضتان؛ إنه أمر مقلق للغاية".
وأبرزت الصحيفة، أن "قوات الجنرال البرهان لا تسيطر الآن إلا على جزء صغير من الأراضي السودانية، الواقعة بين نهر النيل والبحر الأحمر، من الحدود المصرية في الشمال إلى الحدود الإثيوبية في الجنوب. وفي الخرطوم، تحاول القوات المسلحة السودانية استعادة السيطرة على رجال حميدتي، الذين يسيطرون على 90 بالمئة من العاصمة".
وأردفت: "وبسبب عدم قدرته على السيطرة على القتال البري، فضل الجيش نيران المدفعية والقصف الجوي على مواقع العدو، مما تسبب في سقوط العديد من الضحايا بين المدنيين".
ومن جهته، قام الجيش النظامي بنقل المؤسسات الحكومية، إلى مدينة بورتسودان. فخزائن الدولة شبه فارغة، ولم تعد معظم الوزارات قادرة على دفع رواتب موظفيها المدنيين، ولكن لا يزال هناك ما يشبه الإدارة في هذا الثلث الشرقي من البلاد.
وبحسب الصحيفة نفسها، فإنه "يتم تخصيص معظم موارد الدولة، المرتبطة ببيع الذهب أو النفط، للمجهود الحربي، وكذلك لتمويل حملة تجنيد واسعة النطاق بين المدنيين، الذين يتم إرسالهم للقتال ضد القوات شبه العسكرية الأكثر خبرة، التي تحصل على أجور أفضل وعادة ما تكون أفضل تجهيزا".
وتابعت الصحيفة: "مع معداته المتهالكة، وقيادته المتصلبة، التي أفسدتها الفصائل الإسلامية التي تحنّ إلى نظام عمر البشير، فإن الجيش يعاني". وبحسب سليمان بلدو، "ليس لدى القوات المسلحة السودانية أي استراتيجية عسكرية. لسنوات، فوضوا مهمة حرس الحدود لرجال حميدتي. وقد تم نشر هذه الأخيرة في جميع أنحاء البلاد كقوة مشاة سريعة وفعالة".
تجدر الإشارة إلى أن قوات الدعم السريع تتمتع اليوم بموقع قوة في دارفور، ولكن أيضا في كردفان، وهي منطقة تقع في وسط البلاد غنية بالموارد الزراعية والنفطية. وهو موقع يسمح لهم بتجنيد مقاتلين من منطقة الساحل، مع الاستفادة من سهولة اختراق الحدود مع ليبيا، وجمهورية أفريقيا الوسطى، وتشاد لتخزين الأسلحة.
إلى ذلك، تؤكد الصحيفة أن "عشيرة الجنرال حميدتي تكافح من أجل إنشاء إدارة حقيقية في المناطق التي تسيطر عليها" مضيفة أن "قوات الدعم السريع هم رجال جماعات وليسوا إداريين. والآن أصبحوا سادة المراكز الحضرية الضخمة التي يسكنها ملايين المدنيين، وسوف يتعين عليهم توفير الخدمات الأساسية للسكان. لذلك يتفاوضون ويحاولون شراء وإقناع الموظفين الحكوميين الذين كانوا في مناصبهم قبل الحرب بالعودة إلى العمل، لكن الأمر يبدو معقدا للغاية".
التطهير العرقي
يتم تجنيد هذه القوات بشكل رئيسي من المجتمعات العربية البدوية، مثل المسيرية أو الرزيقات، وينظر معظم السودانيين إلى هذه القوات شبه العسكرية على أنها "مجموعات قبلية" تدافع عن مصالح العشائر وتواصل، خاصة في دارفور، عملية التطهير العرقي التي بدأت في سنة 2003، والدليل على ذلك المجازر الأخيرة التي ارتكبتها قوات الدعم السريع والمجموعات العربية التابعة لها في الجنينة.
ويحذر المحلل في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، كاميرون هدسون: "إننا نشهد إنشاء كيان إقليمي واسع، يحتل ثلثي واحدة من أكبر الدول في القارة، بقيادة جماعة إبادة جماعية، وتحيط به دول فاشلة. لا أحد يولي اهتماما كافيا للخطر الذي يمثله هذا الأمر".
وأشارت الصحيفة إلى أن "الوضع غير متوازن إلى حد كبير، لأنه على مرّ السنين تمكن الجنرال حميدتي من نسج شبكة واسعة من النفوذ: في موسكو مع فاغنر، في ليبيا، في إثيوبيا، في جنوب السودان، ولكن بشكل خاص في الإمارات العربية المتحدة، المورّدون الرئيسيون للأسلحة إلى جمهورية روسيا الاتحادية الاشتراكية عبر تشاد".
وحسب تحليل من مؤسّسة مركز "كونفلوانس أدفايزوري" البحثي في الخرطوم، قالت خلود خير: "لم يحصل الجيش على الدعم المتوقع من شركائه: لا دعم عسكري كاف من مصر، ولا دعم مالي من قطر على سبيل المثال. إن خيارات القوات المسلحة السودانية تنفد. إن قوات الدعم السريع لن تتوقف في دارفور، فهي لديها طموح لشن هجوم على شرق البلاد".
ووفقا لبيانات ﻣﻮاﻗﻊ وأﺣﺪاث اﻟﺼﺮاﻋﺎت اﻟﻤﺴﻠﺤﺔ، "قُتل أكثر من 12 ألف مدني منذ بداية الحرب، وهو رقم سيئ التقدير بسبب الصعوبة البالغة في الوصول إلى الأرض، وفي سبعة أشهر، نزح ما يقارب سبعة ملايين سوداني داخل البلاد، ولجأ مليون آخرون إلى البلدان المجاورة، وأصبح أكثر من نصف السكان في حاجة إلى مساعدات إنسانية".
يقول سليمان بلدو متأسفا: "هناك موجة تلو الأخرى، المجتمع يُقتلع من جذوره، في حالة من النزوح الجماعي. في الوقت الحالي، الأمر داخل الحدود، لكن ماذا سيحدث بعد ذلك؟ في غضون أشهر قليلة، سيذهب العديد من الشباب اليائسين إلى ليبيا، ثم إلى أوروبا".
أما بخصوص وقف ما وصفه بـ"سيناريو الكابوس"، دعا المتحدث نفسه إلى: "فرض حظر على الأسلحة في السودان وزيادة العقوبات ضد المتحاربين، وفرض عقوبات على السودان؛ وتكثيف الضغوط على القوى الإقليمية التي تدعمهم".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة السودان التشادية المصرية ليبيا ليبيا مصر السودان تشاد صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة القوات المسلحة السودانیة قوات الدعم السریع فی السودان فی دارفور سبعة أشهر
إقرأ أيضاً:
أوضاع مأساوية في الفاشر بسبب حصار الدعم السريع.. شبه مجاعة (شاهد)
تعيش مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، والتي شنت قوات الدعم السريع هجوما عنيفا عليها قبل أيام، وتمكنت من حصارها.
وأظهرت فيديوهات أن النازحين في مخيمات الفاشر، وأبرزها زمزم، وأبوشك، وأبوجا، يعانون شحا شديدا في الغذاء والدواء.
وقالت وكالة الأنباء الفرنسية إن المصابين داخل الفاشر يضطرون إلى معالجة أنفسهم بطرق بدائية، ويضمدون جراحهم بقطع قماش بسبب عدم وجود مستلزمات إسعافات أولية.
يقول عيسى سعيد (27 عاما) والد محمد لوكالة فرانس برس في اتصال عبر الأقمار الصناعية ستارلينك، في ظل انقطاع الاتصالات في المنطقة بشكل كامل، "بمساعدة جارتنا التي كانت سابقا تعمل في مجال التمريض، أوقفنا النزيف لكن اليد فيها تورّم ولا ينام (محمد) ليلا من الألم".
وكما هو حال سكان آخرين في مدينة الفاشر المحاصرة من قوات الدعم السريع منذ أيار/مايو 2024، فإنّ عيسى لا يمكنه نقل ابنه إلى غرفة الطوارئ في أي مستشفى.
وقد أدّت الهجمات المتكرّرة التي شنّتها قوات الدعم السريع على العاصمة الإقليمية لمنطقة دارفور الشاسعة، إلى جعل أي تحرّك للمدنيين محفوفا بالمخاطر.
فضلا عن ذلك، تعرّضت جميع المرافق الصحية فيها لقصف أو لهجوم.
ويقول محمد وهو منسّق مساعدات إنسانية نزح إلى الفاشر هذا الأسبوع، إنّ مئات الجرحى يجدون أنفسهم محاصرين حاليا في المدينة.
هذا الفيدو يوثق معاناة النازحين الفارين من الفاشر ومعسكراتها ابوشوك وأبوجا وزمزم للنازحين للحصول علي المياه الصالحة للشرب ١٩ ابريل ٢٠٢٥م، تناشد منظمتي مناصرة ضحايا دارفور و الملاذ الآمن جميع المنظمات للتدخل العاجل لتوفير مياه الشرب، علما بأن هناك عدد من النازحين ماتوا في الطريق… pic.twitter.com/czshVxS1TQ — Darfur Victims Support (@DVSorg) April 19, 2025
"العلاج بما هو موجود"
وكان هو نفسه قد أُصيب في فخذه خلال الهجوم الدامي الذي نفذته قوات الدعم السريع على مخيم زمزم للنازحين الواقع على بعد 15 كيلومترا جنوب الفاشر.
وبحسب مصادر إنسانية، فإنّ مئات آلاف الأشخاص فرّوا من مخيّم زمزم الذي أعلنت الأمم المتحدة أنّه يعاني من مجاعة، وذلك للجوء إلى مدينة الفاشر.
ويضيف محمد الذي رفض الكشف عن اسمه الكامل لأسباب أمنية، إنّ "الناس فاتحة بيوتها وكلّ الناس يتلقّون العلاج بشكل خصوصي في البيوت".
في الفاشر، يحاول الناس تقديم الإسعافات الأولية وعلاج الحروق أو الجروح الناجمة عن الرصاص وشظايا القذائف، بالاعتماد على مواد بدائية للإسعافات الأولية وباستخدام نباتات طبية.
ويروي محمد أبكر (29 عاما) أنه كان يحاول إحضار الماء لأسرته عندما أُصيب بطلق ناري في رجله.
ويقول "حملني جيراني إلى داخل المنزل واستدعوا جارنا الذي لديه خبرة في معالجة الكسور بالجبيرة وهو نوع من العلاج الشعبي... باستخدام أخشاب وقطع قماش".
ويضيف "المشكلة أنّه حتى لو تعالج الكسر، ما زالت الرصاصة في رجلي".
وفيما أصبح وجود المعدّات الصحية محدودا للغاية في المدينة، يشير محمد إلى أنّه لو كان هناك مال لكان من "الممكن إرسال من يشتري شاشا أو مسكّنا، هذا إن كان موجودا ولكن بشكل عام لا توجد مستلزمات، يتم العلاج بما هو موجود".
الملح كمطهّر
أسفرت الهجمات الأخيرة التي شنّتها قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر ومخيّمات النازحين المحيطة بها، عن مقتل أكثر من 400 شخص، حسبما أفادت الأمم المتحدة الإثنين.
ويمكن لأي هجوم واسع النطاق قد تشنّه قوات الدعم السريع التي تحاصر المدينة، أن يترك آثارا تدميرية عليها.
وفي السياق، تتزايد التحذيرات من مخاطر مثل هذه العملية في منطقة الفاشر حيث يجد 825 ألف طفل على الأقل أنفسهم محاصرين في "جحيم"، وفقا لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف).
وبعد 11 شهرا من الحصار وعامين من الحرب، بنى الكثير من سكان الفاشر ملاجئ مرتجلة وكثيرا ما حفروا على عجل حفرا غطوها بأكياس رمل لحماية أنفسهم من القصف.
ولكن لا يتمكّن الجميع من الوصول إلى الأمان في الوقت المناسب.
الأربعاء، سقطت قذيفة على منزل هناء حماد، ما أدى إلى إصابة زوجها في بطنه.
وتقول المرأة البالغة 34 عاما لفرانس برس "حاولنا بمساعدة جارنا إيقاف النزيف ومعالجة الجرح باستخدام ملح الطعام كمطهّر". لكنّها تضيف "في الصباح التالي، توفي".
من جانبه، يناشد محمد الذي يجد نفسه طريح الفراش "التدخّل العاجل من كل من يستطيع إنقاذ الناس".
والجمعة، دعت منظمة أطباء بلا حدود إلى إرسال مساعدات إنسانية.
وقال رئيس البعثة راسماني كابوري "رغم إغلاق الطرق المؤدية إلى الفاشر، يجب إطلاق عمليات جوية لإيصال الغذاء والدواء إلى مليون شخص محاصرين هناك ويعانون الجوع".
هذا الفيدو يوثق توافد النازحون من الفاشر ومخيمي زمزم وأبو شوك بأعداد كبيرة إلى منطقة الطويلة حيث الأمان، لكن التحدي الأكبر يتمثل في نقص الخدمات الأساسية.
Displaced people from El Fasher and the Zamzam and Abu Shouk camps are flocking to the Tawila area en masse, where there is… pic.twitter.com/CrL5qiW1Gw
تتواصل عمليات توافد المدنين من الفاشر ومعسكراتها ابوشوك وأبوجا وزمزم إلي وحدة ادارية كورما معسكر سلك للنازحين ولاية شمال دارفور الفاشر ١٨ ابريل ٢٠٢٥م، تطلق منظمة مناصرة ضحايا دارفور نداء إنساني عاجل لكل المنظمات وصول ٧٠٠ أسرة معظمهم من النساء والاطفال وكبار السن حوالي ٦٠ ألف شخص… pic.twitter.com/eaiVOjfGLs
— Darfur Victims Support (@DVSorg) April 19, 2025