نشر الأستاذ السر عثمان مقالا بعنوان " في ذكراه ال 65 لماذا شارك الحزب الشيوعي في المجلس المركزي؟ " وهو مقال سبق ان نشره قبل سنوات، ولكن أضاف له خلفية تاريخية عن تطور النضال الوطني. ولكني اعتقد، خاصة ونحن نعيش تميزت بصراع سياسي حاد، ان السر أغفل الحديث عن إصرار الحزب ان يعمل مع بقية الأحزاب التي قاطعت الانتخابات.

مؤكدا ان اختلاف رؤية الأحزاب عن رؤية الحزب، لا تمنعه من العمل المشترك معها. اعيد اليوم المقال الذي كتبته ردا على السر قبل سنوات. أعتقد جازما ان منهج عبد الخالق هذا هو ما نريده اليوم في عملنا السياسي. اليكم نص المقال السابق.

الحزب تخطي مقاطعة جبهة الأحزاب في انتخابات المجلس المركزي يا السر بابو
صديق الزيلعي
صديقي تاج السر عثمان بابو كاتب راتب، ومناضل راكز، وعطبراوي اصيل، وماركسي قح لا يقبل تبديلا. هذه الصفات النادرة تحفزني للحوار معه، خاصة وان موقعه الحزبي كمتفرغ للعمل الثقافي، تجعل الاخذ والرد معه، فائدة يتعلم منها كلانا. والتعلم ضرورة حياتية تتم عن طريق الانفتاح على الآخرين واطروحاتهم، والتعرف على كل التيارات الفكرية في العالم، لان الفكر، مثل كل شيء في الحياة، يتغير ويتطور باستمرار، ولا تتوقف حركته ابدا.
كتب الأستاذ السر بابو عدة مقالات في ذكرى أكتوبر، وهذه سمة مميزة له، فهو يحتفظ بأصول مقالات جاهزة لكل المناسبات. أثار اهتمامي في المقالات انه كرس أحدها للحديث عن الانعزال. وقد اسماه: الانعزال يعني الابتعاد عن تطلعات الجماهير. والمقال يأتي في وقت أتهم الكثيرون، ومن ضمنهم أعضاء وأصدقاء للحزب، ان الحزب يمارس منهجا انعزاليا، في الوقت الحاضر. ولان ذلك الاتهام يرن في رأسه كتب ذلك المقال. وقدم فيه عرضا لموقف الحزب من جبهة المعارضة لنظام عبود العسكري. وركز على ان الحزب بعد خروجه من جبهة الأحزاب، شكل قيادة للجماهير. وانقل هنا حرفيا ما كتبه الزميل السر:
" لكن بدلا من مواصلة تصعيد العمل الجماهيري لمحاصرة الديكتاتورية وتحقيق المزيد من الانتصارات حتى اسقاطها، تراجعت جبهة المعارضة، ولم ترتق الي مستوى ذلك الموقف مع الاسف كما في الوقائع الآتية:
- وافقت جبهة الاحزاب على قرار الحكومة القاضي بإلغاء الاحتفال بعيد الاستقلال الذي قررت الأحزاب أقامته في أول يناير في عام 1962 بجامع الخليفة.
- وافقت الاحزاب على قرار الحكومة بإلغاء الاحتفال الذي قررت أقامته بمناسبة الافراج عن زعماء المعارضة وبعد أن وزعت رقاع الدعوة على الجماهير.
- رفضت الاحزاب الدعوة التي تقدم بها الحزب الشيوعي السوداني مرتين لتبني شعار الاضراب السياسي العام بوصفه طريق الخلاص من الحكم العسكري ، ومر النصف الاول من عام 1962 وجبهة الاحزاب لا تحرك ساكنا رغم كل المحاولات التي بذلها الشيوعيون لكي تتجاوب الجبهة مع الاحداث.
وفي هذه الاثناء كانت الحركة الثورية الديمقراطية بقيادة الشيوعيين وتحت تأثير نضالهم تزداد عمقا وأتساعا يوما بعد يوم، واستمرت تحركات العمال والطلاب والمزارعين وبدأ شعار الاضراب السياسي العام الذي وضعه الحزب الشيوعي في صيف عام 1961 يجد فهما وتقبلا من الاوساط الشعبية المتقدمة "

الاحظ ان الزميل السر، أغفل أشياء مهمة، رغم انه نقل حرفيا من كتاب ثورة شعب الذي أصدره الحزب الشيوعي في عام 1965، وحوى توثيقا ممتازا للنضال ضد الحكم العسكري الأول. وكان جهدا متفردا، لكننا افتقدناه في توثيق النضال ضد نظام مايو وضد نظام الاسلامويين. وهذا جزء من منهج السر الانتقائي، الذي سبق ان كتبت عنه.
تحدث كتاب ثورة شعب عن تجربة انتخابات المجلس المركزي، الذي حاول النظام العسكري استغلاله في الخداع، في تكرار غير ذكي لتجربة الجمعية التشريعية وما يسمي بالتطور الدستوري. وكان موقف الحزب الشيوعي المشاركة في الانتخابات، وتحويلها لمعركة لكشف النظام. ولكن الأحزاب كان لها رأي آخر بان تقاطع الانتخابات. ما يهمنا هنا ليس أي الموقفين أصوب: المشاركة أم المقاطعة؟
الأمر الذي يثير الاعجاب ان الحزب رغم خروجه من جبهة أحزاب المعارضة، ورغم خلافه مع تكتيكات الاحزاب الداعية للمقاطعة، طرح هذا الرأي المتميز. جاء في البيان الذي أصدره المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوداني في 9 مارس 1963 ما يلي:
" في هذه الأيام بالذات يدور الجدل عاليا حول دخول أو مقاطعة الانتخابات للمجالس المحلية، فان الحزب الشيوعي يرى من واجبه ان يؤكد بصورة قاطعة ان الاضراب السياسي العام ما زال السلاح ما زال السلاح القوي الذي يمكن ان يشهره الجماهير لإسقاط النظام الراهن. وانه لا مقاطعة الانتخابات ولا دخولها يمكن ان يكون بديلا لهذا الاضراب...
ان الديمقراطية الحقيقية لا يمكن ان تقوم الا على أنقاض النظام الدكتاتوري، ومن هنا كان رأي الحزب الشيوعي الذي أعلنه في الكتاب الأسود بمناسبة الذكرى الرابعة للانقلاب العسكري، وعلى وجه التحديد في صباح 17 نوفمبر 1962، هو ان المجلس المركزي جاء ابعد ما يكون عن تحقيق الديمقراطية، بل هو نكسة خطيرة إذا ما قورن بالمؤسسات التي حققها الشعب قبل انقلاب 17 نوفمبر 1958.
ان الذين يدعون الى مقاطعة المجالس المحلية رغم حسن نواياهم ومقاصدهم هم في رأينا يتخذون موقفا غير سليم لا يفيد قضية النضال ضد النظام الراهن...
ومع ذلك فان الحزب الشيوعي يحترم بكل اخلاص رأي الذين يدعون لمقاطعة الانتخابات رغم اختلافه معهم من حيث انهم يكشفون عن موقفهم من النظام الراهن وهذا هو الجوهر الذي نلتقي معهم فيه التقاء تاما. وعلى هذا فان الحزب الشيوعي على أتم استعداد أن يعمل عملا مشتركا خارج نطاق الانتخابات. انه على استعداد للتوقيع معهم فورا على وثيقة تطالب بإلغاء المجلس المركزي والمطالبة بتأسيس برلمان منتخب انتخابا مباشرا تكفل معه كل الحقوق والحريات الديمقراطية. وعلى اتم استعداد لوضع كل قواه في عمل إيجابي حقا وجماهيري حقا لتحقيق هذا المطلب الشعبي السليم."
هذا الموقف الثوري والعقلاني حقا يوضح القدرة والفهم العميق لمجريات الواقع السياسي، وأهمية اتخاذ التكتيكات الصائبة. فرغم الاختلاف مع الأحزاب في موقفها من المجلس المركزي، وهو الذي خرج من جبهة المعارضة، الا انه ابدى استعدادا كبيرا للعمل المشترك، ولم ينعزل عن مجرى النضال العام. ان الانعزال الحقيقي هو التقوقع في برج بعيدا عن الجماهير وإصدار التوجيهات لها، بدون النزول لها وسماع وجهة نظرها، والحوار معها بعقل متفتح. كما ان الانعزال الحقيقي هو البعد عن الأحزاب وقوى المجتمع المدني الذي اسستها الجماهير لتعبر عنها. الانعزال هو التمترس في رأي غير قابل للنقاش. وطوال تاريخ الحزب لم يعرف او ينتهج منهج الانعزال. فعندما تم حل الحزب الشيوعي، وقامت حملة ضخمة وبقيادة الحكومة آنذاك ضد الحزب، كما استخدم هذه العنف البدائي، رغم كل ذلك لم ينعزل الحزب ورشح سكرتيره العام في دائرة ام درمان الجنوبية، كمرشح مستقل، ليدخل البرلمان نائبا ليطرح ويساهم بإيجابية في عمل البرلمان.

siddigelzailaee@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: المجلس المرکزی الحزب الشیوعی ان الحزب من جبهة

إقرأ أيضاً:

نائب إطاري: الخلافات ما زالت مستمرة بشأن تعديل قانون الانتخابات

آخر تحديث: 8 يناير 2025 - 10:51 ص بغداد/ شبكة أخبار العراق- أكد النائب عن تحالف الفتح مختار الموسوي، اليوم، عدم وجود أي اتفاق سياسي على شكل قانون انتخابات مجلس النواب وقال الموسوي في حديث، إن: “الكتل والأحزاب السياسية لغاية الآن لم تتفق على شكل قانون انتخابات مجلس النواب المقبلة وكل جهة سياسية لديها رؤية تختلف عن الأخرى بشأن شكل القانون”.وأضاف، أن “الاتفاق على شكل قانون انتخابات البرلمان يتطلب وقتا كبيرا من أجل الوصول الى رؤية موحدة حول شكل القانون الجدلي”، مضيفا، أن “هذا القانون سوف لن يخلو من الخلافات السياسية وتمريره لن يكون سهلا لوجود اختلافات كبيرة في وجهات النظر بشأن الكثير من فقراته”.ومع اقتراب كل دورة انتخابية جديدة، تشهد العملية الديمقراطية التي يعيشها العراقيون منذ 2003 كثيراً من الجدل السياسي والشعبي، لتتفجر الأزمات والخلافات السياسية بين القوى المسيطرة على النظام السياسي.

مقالات مشابهة

  • تحالف جديد في تركيا: أحزاب المستقبل والديمقراطية والتقدم والسعادة تُؤسِّس حزبًا مشتركًا
  • نائب إطاري: الخلافات ما زالت مستمرة بشأن تعديل قانون الانتخابات
  • ما الذي يريد المواطن من الأحزاب؟
  • قانون الانتخابات يترنح بين الكتل.. لا اتفاق سياسي والخلافات سيد الموقف
  • جبهة المستقبل تستنكر بشدة تصريحات ماكرون
  • جبهة المستقبل يستنكر بشدة تصريحات ماكرون
  • سبقه أوباما .. ماسك ليس الوحيد الذي تدخل في انتخابات أوروبية
  • مرشح المعارضة الألمانية: الانتخابات الحالية لا تقل أهمية عن انتخابات 1949
  • الرئيس الفرنسي يتهم ماسك بالتدخل في انتخابات الدول الأخرى
  • بيان هام من المجلس السياسي الأعلى.. هاكم تفاصيله