نظرة سوسيولوجية لتجربة محمد الأمين الفنية
تاريخ النشر: 17th, November 2023 GMT
فُجِع غالب أهل السودان برحيل الفنان محمد الأمين، فقد ظل الأستاذ ومنذ زمن طويل نجم لامع في سماء الإبداع الغنائي.. ويكاد المرء يشعر بتفرد أعماله الغنائية من حيث الكلمات والألحان الموسيقية. فهو واحد من قلة قليلة من المغنين الذين ينطبق عليهم مصطلح موسيقار Musician ذلك لأنه يمتلك خاصية فريدة في التلحين وصياغة الجُمل الموسيقية، فضلاً عن إجادته العزف على آلة العود.
سيظل إرث الأستاذ الموسيقي واللحني محط إهتمام دارسو الموسيقى من الأجيال القادمة على درب الأكاديميا... غير أنه يظل محل إهتمام تخصصات أكاديمية أخرى فمن منظور علم الإجتماع على سبيل المثال، فإن الأستاذ يشكل مادة لدراسة ظاهرة المبدع الملتزم بقضية الفن وما يحمله الفنان من رسالة تنويرية وجمالية ووطنية ومن قيم تسهم في المعمار الثقافي الكلي لأمة قيد التشكل.. فبرغم أن كاتب هذا المقال لديه مآخذ على موقف الأستاذ السلبي من ديكتاتورية نظام الإنقاذ، بل ومؤاخذة حارقة في أنه لم يحتف حتى بسقوطها الداوي في أعظم ملحمة ثورية في تاريخ السودان الحديث قياساً بما قدمه من إبداعات ملهمة عند سقوط الديكتاتوريات الفجة في أكتوبر 1964م ومارس - أبريل 1985، ومع ذلك يمثل الأستاذ الراحل ظاهرة فنية مبدعة وملهمة في آن معاً... فهو إنسان مجد وملتزم بمعيار يكاد يتطابق بمستوى الكلمات إن كانت تخاطب الوجدان رومانسياً أو تدفع نحو ذلك الشعور الطاغي الذي يحرك الإنسان للتحرر من اغلال الديكتاتورية فهو يجهد نفسه في أن تجد تلك الكلمات قوالب لحنية تناسب معانيها.. وفي ذلك جانب مهم من نجاح تجربة الأستاذ الفنية غير أن هنالك جانب أكثر أهمية في البُعد المجتمعي وهو معنيٌ بالشكل والمظهر العام، فالأستاذ كشخصية فنية لم يكن يظهر إلا في هندام كلاسيكي محترم يليق ويتناسب ومكانته كأحد أبرز وجوه الغناء السوداني في الوقت الذي حافظ فيه على الهيئة التي خلقه الله بها. وهنا قد تبدو مفارقة غريبة أن يكون الفنان أصلع الرأس. (فالصلعة) عند أهل الفن وخاصة المغنين تشكل لهم هاجساً ومنغصاً وخصماً على شكل الإطلالة التي يرومون الظهور بها أمام جمهورهم.. غير أن الأمر عند الأستاذ أبو الأمين فيما كان واضحا لم تشكل له هاجسا وفيما يبدو أنه لم يحفل بها كما حفل بتقديم نوع راقي من الفن.. وهذه واحدة من أهم الدروس الصامتة التي قدمها الأستاذ لأجيال الفنانين من بعده... فقد أخذ نفسه بمنهج صارم لتقديم نفسه كما يحب أن يراه الناس فناناً مبدعاً ملتزماً رسالة مجتمعية ترقى وترتقي بالذوق العام.
إن سيرة ومسيرة هذا المبدع من المنظور السيوسولجي تُقاس بما أحدثه من أثر وما خلفه من إرث تحتفي به الأجيال في تعاقباتها التاريخية المتصلة وهذا ما أفلح فيه الأستاذ أبو الأمين تماماً إذ يمكن النظر الي أن من أُعجبوا بفنه هم جيل آباء وأجداد اليوم ممن كانوا شباب في عقود الستينات والسبعينات والثمانينات وأبناؤهم من الجيل الصاعد الحالي الشباب الذين يتزاحمون على حفلاته العامة. وعند تعاقب الأجيال بتوارث الإعجاب والمحبة بأثر مُلهِمات الفنان الغنائية تتجمع روافد الخلود والبقاء بسر إلهي غريب في مسيرة لا نهائية، لا يقطع إنتظام سريانها الرقراق إرتحال الفنان المبدع من الوجود فتتحقق فيه مقولة (الراحل المقيم).
على عموم الأمر وسط الهرج والمرج الذي أخذ يتسيّد الساحة الفنية من ظهور يحتفي بوجه الفنان وتسريحة شعره، وكم الزخارف والكريمات والمساحيق التي تضفي على البشرة لوناً غير ذلك الذي فُطرت عليه، وعمليات الحَقْن تبرز معالم غير تلك التي ورثها الشخص من جِبلّته وأجداده الأولين المُستكنّة في شفرتهم الوراثية... فالفنان أو الفنانة على عهد الهرج والمرج السائد يتحور أو تتحور في غضون أعوام معدودة لهيئات مختلفة هيهات أن تفرز منها صاحب أو صاحبة الوجه الأصلي عند ظهوره/ها الأول.. في حين أن تطور المسيرة الفنية لهم لا يكاد يُرى له أثراً إلا بما يُقاس بملْكَةٍ غاية في البؤس قوامها هزُّ الأجساد وتسميم الأرواح.
د.محمد عبد الحميد
wadrajab222@gmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
مع نظرة مستقرة.. موديز ترفع تصنيف السعودية الائتماني إلى Aa3
أعلنت وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني أنها رفعت تصنيف المملكة العربية السعودية إلى "Aa3" من "A1"، الجمعة، مشيرة إلى جهود البلاد لتنويع اقتصادها بعيدا عن النفط.
وتستثمر المملكة، أكبر مصدر للنفط في العالم، مليارات الدولارات لتحقيق خطتها "رؤية 2030"، التي تركز على تقليل اعتمادها على النفط وإنفاق المزيد على البنية التحتية لتعزيز قطاعات مثل السياحة والرياضة والصناعات التحويلية.
وتعمل السعودية أيضا على جذب المزيد من الاستثمارات الخارجية لضمان بقاء خططها الطموحة على المسار الصحيح.
وقالت موديز في بيان: "التقدم المستمر من شأنه، بمرور الوقت، أن يقلل بشكل أكبر من انكشاف المملكة العربية السعودية على تطورات سوق النفط والتحول الكربوني على المدى الطويل".
كما عدلت الوكالة نظرتها المستقبلية للبلاد من إيجابية إلى مستقرة، مشيرة إلى حالة الضبابية بشأن الظروف الاقتصادية العالمية وتطورات سوق النفط.
وفي سبتمبر، عدلت وكالة "ستاندرد اند بورز" نظرتها المستقبلية للسعودية من مستقرة إلى إيجابية، وذلك على خلفية توقعات النمو القوي غير النفطي والمرونة الاقتصادية.