"أتذكر أنني كنت أمتاز عن إخوتي وأبناء عمومتي بالميل إلى الهدوء والنفور من العنف، ورغم ذلك، كان جدي مصطفى يلقبني بأبي ضرغام، ويسميني البطل".

(حمزة إبراهيم يونس، في سيرته الذاتية "الهروب من سجن الرملة")

 

عندما بدأت العصابات الصهيونية المسلحة شن غاراتها الإجرامية على القرى الفلسطينية، أثناء نكبة 1948، التي لم يكن أحد يعلم أنها ستصبح نكبة 1948، كان حمزة في السادسة من عمره.

 

قبلها كانت الحياة كأي حياة؛ بيت هادئ وسط المزرعة، تظلل ساحته أشجار التين واللوز والمشمش والجوز، وعلى بُعد أمتار قليلة، البركة التي كوّنتها المسقاة القريبة، التي تعلم فيها حمزة السباحة كسائر أطفال قريته في مرحلة الزغب الأول.

قبل اليوم الحزين الذي أتى فيه الدور على قريته "عارة"، كان حمزة يسمع عن الصهاينة وغاراتهم على القرى المجاورة، وكان أهل "عارة" يهبون لنجدتها والتصدي لهجمات العصابات، ثم يعودون للقرية ويقصون على أهلها ما رأوه، ومن حكاياتهم، تخيل حمزة الصهاينة في صورة كائنات مجهولة مخيفة بأنياب ومخالب، أشبه بالجن والغيلان.

مَن غيرهم كان ليهاجم قرى مسالمة ترعى وتزرع ويسبح أطفالها في البركة تحت ظلال أشجار التين والمشمش؟

طفولة "الكيبوتس"

انتهى كل شيء سريعا، في أيام مضت كالسنوات على حمزة وعائلته وقريته، وقبل أن يصل إلى عامه السابع، كان الجميع في فلسطين المحتلة قد أدرك أن ما كان يجري في قُراهم قد جرى في باقي القرى، وأن هجمات الغيلان طالت الكل، وأنها أصبحت، رسميا، نكبة 1948.

"تصرفات هؤلاء الغرباء تخالف كل ما تعلمته، هم إذن من نوع غريب يختلف عن الناس، وإن كانوا مثلهم شكلا؟ ليسوا من الجن ولكن ليسوا من الإنس أيضا! هم، على الأقل، ليسوا كأبناء قريتنا".

في هذه الأجواء، عاش حمزة طفلا من عرب 1948؛ العرب الذين بقوا في قراهم وبلداتهم بعد النكبة ورفضوا المغادرة، وأبقى عليهم الاحتلال للتدليل على تسامحه واستيعابه للآخر، وحملوا جوازات إسرائيلية، ولكنهم عُوملوا كمواطنين من الدرجة الثانية في أفضل التقديرات.

عاش حمزة تحت حكم العصابات الصهيونية الذين أصبحوا لاحقا ضباطا في جيش الاحتلال وقيادته العسكرية، وعندما كان بن غوريون يعلن عن قيام دولة إسرائيل، كان في الوقت ذاته يتخذ قرارا ضمنيا بأن يقضي حمزة الصغير طفولته في العمل لدى من اغتصبوا أرض أسرته في المستوطنات القريبة، يقطف الثمار ويجمع الخضار. مواطن، ولكن ليس كأي مواطن.

كانت تلك بداية احتكاك حمزة بأبناء الصهاينة في المستوطنات، ولأنهم بدوا كأي أطفال، قادته غريزته وفطرته الهادئة المسالمة إلى اتخاذ بعضهم أصدقاء، ولكن لأنهم لم يكونوا كأي أطفال، فلم تتمكن الصداقة الطفولية البريئة من شفاء النزعة العنصرية التي زرعتها فيهم الصهيونية تجاه العرب من أمثال حمزة.

رغم ذلك، تمكن حمزة من التكيف مع تلك العلاقات المسمومة، لا لسبب إلا كون هؤلاء الأطفال أفضل من "المخابيل" الذين يعيثون فسادا في الشوارع كل يوم، وما إن يختلفوا مع عربي حتى يصرخوا قائلين: "عربي! عربي!"، فيما أصبح لاحقا نداء رسميا للصهاينة المجاورين، ليتجمّعوا حوله ويوسعونه ركلا وضربا، وكان يكفيهم أن تسيل دماؤه على ملابسهم لكي تدينه الشرطة، لأنه "لوث" ثياب الصهيوني بدمائه العربية.

لماذا يُدان العربي لأنه "لوث" ثياب الصهيوني بدمه أثناء اعتداء الأخير؟ لأنه "غويم". هذه هي اللفظة العبرية التي يستخدمها الصهاينة لوصف العرب.. لا.. لحظة.. "غويم" هو كل مَن هو غير صهيوني، حتى لو كان أميركيا أبيضَ يشجع "اليانكيز" ويأكل البرغر ويكره المهاجرين واسمه "ديفيد". ما دام لا يعتنق الصهيونية عقيدة، فهو "غويم".

في بث حي له على "يوتيوب"، سكوت ريتر، الضابط الأميركي السابق في "المارينز"، ومفتش الأسلحة السابق لدى الأمم المتحدة، الذي تدرب وخاض العمليات والمعارك رفقة جيش الاحتلال الصهيوني، وتحول في السنوات الأخيرة إلى انتقاد إسرائيل، أكد أن تلك اللفظة عادت للانتشار بقوة في السنوات الأخيرة، تحت سيطرة حكومة نتنياهو، بل وسادت عقب عملية السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وهي تعني ببساطة: "الأغيار"، أي العِرق الأقل، الأدنى، الأحقر.

ضابط المخابرات الأمريكية السابق سكوت ريتر
دعونا نسمي الأشياء بمسمياتها الهجوم الذي نفذته #حماس هو عسكري وليس إرهابي لتحقيق أهداف سياسية
هو أعظم إنتصار للقضية الفلسطينية في العصور الحديثة وبسبب ما فعلته #حماس هنالك أحتمال قيام دولة فلسطينية
في 6 اكتوبر لم يكن هناك فرصة والآن يوجود pic.twitter.com/6cZBZ1mdzi

— محمد علاء العناسوه (@alaa_tallaq) November 14, 2023

في الواقع، أحد المستشارين والضباط السابقين في جيش الاحتلال، "يائير انسباخر"، نشر منذ أيام تغريدة طويلة على حسابه الشخصي على "إكس" (تويتر سابقا) بدأها بتوجيه كلامه إلى "الأغيار" حول العالم، داعيا إياهم للوقوف مع "أبناء الرب" في معركتهم المقدسة، أو الاستعداد لـ"الجحيم".

A message to all the gentiles in the world:

This war, is the war of the redemption,
you have to choose now.

it doesn't matter if you are Christians, Muslims or Hindu, you still have a choice.

Are you on the side of G-d almighty who created Earth and choose the Jewish people…

— יאיר אנסבכר (@AnsbacherYair) November 10, 2023

 

"إنهم يكرهون العرب، ويطلقون على كلابهم أسماء عربية! وهؤلاء الذين يقال لهم حرس الحدود يقتلون لمجرد الرغبة في القتل ودون تمييز بين صغير وكبير! فمن أية طينة هم؟ ومن أية غابة جاءوا؟".

هذا الواقع الشيطاني فرض على حمزة، الذي صار مراهقا الآن، أن يتعلم ما يدافع به عن نفسه، بعد أن انهارت كل آماله في عقد الصداقات مع أطفال "الكيبوتس"، الذين سيكبرون قريبا، ليتحولوا إلى نسخة من "هؤلاء المخابيل" الذين سيُدينونه لدى الشرطة لو أسالت لكماتهم وركلاتهم دماءه على ثيابهم.

دم! دم!

وقع اختيار حمزة على الرياضة التي ستُمكِّنه من رد اللكمات بمثلها، وعموما، في تلك الفترة، كانت بطولات الملاكم الفلسطيني الأردني أديب الدسوقي قد ذاع صيتها في الأرض المحتلة وما حولها، وكان الكثير من الشباب العرب متأثرين بانتصاراته على البريطانيين في الحلبة قبل النكبة.

دعنا نخبرك بأمر مهم هنا. صدِّق أو لا تُصدِّق؛ الأساطير القديمة التي سمعتها عن جبن الصهاينة، ورعبهم المتجذر من المواجهة والقتال، حقيقية تماما على الأرجح. والدليل ما حكاه الرجل ذاته، سكوت ريتر، ح عندما علم أن الجنود الإسرائيليين، على عكس كل الجنود النظاميين في العالم، لا يتدربون على القتال بالحربة (Bayonet)، أو ما يسميه العرب "سونكي"، وهو النصل المدبب في مقدمة البندقية، الذي يُستخدم في المعارك الفردية (Close Combat)، لأنهم ببساطة لا يحتملون فكرة "الخصم المكافئ"؛ الاضطرار للقتال بالحربة يعني بالتبعية أن الخصم يمتلك حربة بدوره، وبالتالي هناك -مفاجأة صادمة- احتمالية للموت، والصهيوني لا يحبذ هذه الاحتمالية، بأكثر التعبيرات تهذيبا.

"ها هي سياراتهم تأتي بالجثث المجهولة، ويؤمر أهالي قريتنا بدفنها بسرعة في مقبرة القرية، بعد إغلاق مداخلها وحظر دخولها على أهالي الجوار. كانوا يجردون القتلى من أي شيء يدل على أسمائهم أو أشخاصهم".

في الواقع، بُنيت عقيدة جيش الاحتلال كاملة على تجنب هذا الموقف بكل الطرق، بل وتجنب المواجهة ابتداء، لذا تُهندَس العمليات العسكرية لكي تتحول إلى ما يشبه ألعاب الفيديو على حد تعبير ريتر، وتُختزل الحرب في الضغط على بضعة أزرار من حصن تحت الأرض أو كابينة طائرة، ومشاهدة الأهداف تنفجر على شاشة، ولذا يُمعنون في القصف الجوي قبيل أي عملية برية، ولو امتلكت المقاومة الأسلحة المضادة للطائرات، لامتنعوا عن القصف غالبا، ولاكتفوا بالحرب التلفزيونية.

لذا أيضا يسهل عليك أن تفهم لماذا أصبح حمزة بطل الدولة الإسرائيلية للناشئين في 1962، وبعد عام واحد فقط من التدريب المتواصل، ولِمَ لَم يحتج إلا إلى سنة أخرى لكي يصبح بطل إسرائيل الرسمي في ملاكمة وزن خفيف الوسط (63.5 كغم) في 1963.

حمزة لم يستغرق سوى عامين فقط لأن المعادلة في العالم الواقعي كانت بسيطة؛ حمزة يمتلك حربتين في ذراعيه، وهناك خصم واحد فقط بدلا من عشرات، ولا يوجد في لوائح الملاكمة ما يقضي بانتصارك لو سال دمه على ثيابك. في الواقع، لا شيء يفضح ذلك "الجبن الصهيوني" المتأصل مثل رياضة كالملاكمة، لأن العوار في منطقهم هو عوار تأسيسي، لا تستقيم معه الملاكمة، ولا حتى كرة القدم؛ تخيل أن تلعب المباريات بشرط ألا يسجل لاعبو الخصم في مرماك، أو أن يلعبوا حفاة، أو بلا حارس مرمى.

 

 

ربما هذا هو ما يفسر الفشل الرياضي الإسرائيلي عبر 75 عاما هي عمر احتلالهم؛ أن الرياضة، بطبيعتها، تقوم على -مفاجأة صادمة أخرى- التكافؤ القانوني واللوائحي، والإسرائيليون اعتادوا على تدليل القواعد لهم بدرجة تضمن الفوز طوال الوقت ودون جهد يُذكر. هذه ثقافة لا تنتج فريق كرة قدم جيدا، بل لا تنتج فريقا من الأساس، وبالقطع لا تنتج ملاكمين جيدين.

"أعضاء التحكيم كانوا يضايقونني كثيرا، لكن ما كان يضايقني أكثر هو أن الجمهور الذي يحضر مبارياتي لم يكن يكتفي بجولة اللعب، ولا بالفوز، بل كان يصيح أثناء الجولات: "دم! دم!".. أي يريدون أن تسيل الدماء!".

رغم كل ذلك، لم ييأس الصهاينة. لعل هذا هو الأمر الوحيد الذي يدعو للإعجاب في مشروعهم للسيطرة على العالم؛ أنهم لا ييأسون، ما داموا لم يدخلوا في مواجهة متكافئة طبعا.

لدفوك أت هشخوريم!

بعد سنوات من اضطهاد حمزة والتعتيم الإعلامي على إنجازاته بصفته "بطلا قوميا إسرائيليا"، سنوات لم يكن له فيها عزاء سوى تعاطف مدربه اليهودي الروماني، "يعقوب فوفتش" الذي يكره التعصب والتفرقة العنصرية، أتتهم فكرة عبقرية لمنعه من السفر مع المنتخب إلى اليونان، وهذه الفكرة كان اسمها "نسيم أشرف".

"نسيم" كان ملاكما من يهود المغرب احترف الملاكمة في فرنسا، ويلعب في وزن أعلى من وزن حمزة، وكانت الخطة تقضي بوضعه في مواجهة حمزة أثناء التصفيات لكي يقصيه من رحلة اليونان، لأنه كما يقول المثل الإسرائيلي الشهير: "إن لم تستطع إدانة الملاكم بـ"تلويث" ملابسك فلتضعه في مواجهة غير عادلة مع ملاكم أضخم وأثقل سبق له إدانة حماس في برنامج بيرس مورغان".

"صرت أتدرب في "بيت زئيف" و"مسدات زئيف"، وهما مكانان كانا مخصصين قبل 1948 لتدريب أعضاء حزب "حيروت" على قتل العرب، وما عرفته عن ماضي هذين الموقعين لم يؤثر في نفسي، ولم يجعلني أشعر بالعداء تجاه ذلك الحزب، لأنني اعتبرت ذلك مجرد فعل ماضٍ".

علم حمزة بخطة الصهاينة لاستبعاده من أحد زملائه، فقرر مواجهة الإداريين، وفي طريقه، سمع "فوفتش" يصرخ: "فقط لأنه عربي؟!".

تأكدت المعلومة لدى فتى "عارة" المسالم الذي ينفر من العنف، فدلف إلى الغرفة، وبعد ثوانٍ من الصمت أعلن عن قراره: "أريد أن ألعب مع نسيم أشرف".

طبعا يمكنك تخيل الحوار الجانبي الذي دار بينه وبين مدربه؛ أولا، نسيم بطل محترف مارس اللعبة في أوروبا. ثانيا، مارسها بوزن أثقل، وبالتالي، لكمات أقوى. وثالثا، يمكنه القتال لخمس عشرة جولة متتالية دون تعب.

طبعا يمكنك تخيل ردود حمزة أيضا؛ أعرف، وأعرف، وأعرف. دعنا نختبر قوتنا.

أخيرا، بما أنك تخيلت ما سبق، فطبعا يمكنك توقع نهاية الحكاية؛ بنهاية الجولة الثالثة، كان "فوفتش" يقفز فرحا في الحلبة، ويرقص احتفالا بفتاه الشاب الذي هزم ملاكما محترفا مارس اللعبة في أوروبا بوزن أثقل ولكمات أقوى، ويمكنه القتال لخمس عشرة جولة متتالية دون تعب.

لا نعلم إن كنت قادرا على استنتاج ما حدث لاحقا أم لا، ولكن لا نتوقع أنه سيُدهشك؛ بينما يرقص "فوفتش"، أعلن المذيع فوز "نسيم"، ورفع حكم الحلبة ذراعه.

"جاك ليفي"، كبير الحكام والمشرف على المرشحين للسفر، كان قد أعلن فوز حمزة، ولكنَّ الحكمَيْن الآخرين خالفاه وقررا فوز "نسيم"، وهذا الإفلاس الأخلاقي مُطلق الوقاحة استفز حتى اليهود من الجمهور الحاضر، وسمع حمزة بعضهم يردد عبارة "لدفوك أت هشخوريم!"، وهي عبارة مناهضة للسود وأحيانا تقال ضد العرب، تصف فعلة الحكمين الذين قررا إعلان فوز "نسيم".

بعد الكثير من الفوضى والاحتجاجات والمشاورات، تقرر سفر الثنائي حمزة و"نسيم"، ولكن الواقعة تركت أثرها في نفوس الجميع، وتحديدا الأخير، الذي صادق حمزة وبقي يراسله لسنوات، حتى عندما أخذته الحياة لطريق لم يكن يتخيله أيٌّ منهما.

"إنت عمري"

ظل الاضطهاد الصهيوني العنصري لحمزة يلاحقه أينما ذهب؛ في رحلة اليونان، ثم في رحلة تركيا، وعندما عمل منقذا على شاطئ "نتانيا"، حتى الواقعة التي كتب الله لها أن تغير حياته.

"رد شلومو على تساؤلاتي هذه قائلا بصراحة: لم يكونوا يعرفون أنك عربي!".

في بدايات عام 1964، كان حمزة يقيم في تل أبيب رفقة أخيه محمد وبعض أصدقائه الذين كانوا يعملون بالمدينة، وزاره ابن عمه وصديقه الحميم "مكرم يونس" لقضاء بعض الأيام.

"مكرم" كان مشاغبا مستفزا، وكان يتكل على قوة لكمات حمزة وصِيْته لكي يغازل الإسرائيليات آمنا من العواقب. يقول حمزة في مذكراته إنه لم يكن يوافق ابن عمه في تصرفاته، ولكنه كان يعلم أن صلة الدم بينهما تُوجِب على حمزة التدخل لإنقاذه كل مرة، وفي إحدى تلك المرات، وأثناء العودة من إحدى الحفلات على دراجة "مكرم" النارية، توقفا لتزويدها بالوقود، ومارس "مكرم" هوايته في التغزل بإحدى الإسرائيليات، وهي، طبقا لحمزة، كانت ممارسة شائعة في ذلك الوقت.

"مكرم" كان أبيض البشرة ويتحدث العبرية بطلاقة، لذا لم تنزعج الفتاة لأنها لم تظنه عربيا، ولكن صاحب المحطة سمعه يتحادث مع حمزة بالعربية، فاستفزه الأمر وأخذ يصيح، فأتى زملاؤه الثلاثة، وعندها اتهم حمزة و"مكرم" بأنهم لا يريدون دفع ثمن البنزين.

دارت المعركة -إن جاز اعتبارها كذلك- وانتهت سريعا بالثلاثي ملقى على الأرض، وركب حمزة الدراجة خلف ابن عمه وانطلقا هاربين، ولكنه خشي أن يكون أحد الصهاينة قد أُصيب بإصابة خطيرة بعد أن لكمه في صدغه.

في اليوم التالي، تحققت مخاوف حمزة عندما تلا "مكرم" عليه عناوين الصحف: "مجهولان يعتديان على عامل محطة وقود يدعى فكتور، حاول مساعدة سيدة كانت تقف في المحطة، وقد نُقل إلى المستشفى حيث اتضح إصابته بارتجاج في المخ".

حينها، في صباح التاسع والعشرين من مارس/آذار عام 1964، قرر حمزة و"مكرم" الهرب إلى "عسقلان"، ومنها إلى غزة، لتنتهي حياتهما القديمة رسميا، ويبدآن رحلة جديدة مغايرة تماما.

"صادفنا نقطة لقوات الطوارئ الدولية، سألنا أحد أفرادها عمن نكون، فزعمنا أننا من غزة، وبعد أن تجاوزنا النقطة رحنا نغني في فرح: إنت عمري اللي ابتدا بنورك صباحه!".

غزة، الواقعة تحت سيطرة السلطة المصرية آنذاك، لم تكن رحيمة بحمزة و"مكرم"؛ قابلهم ضباط المخابرات المصرية بفتور، ولم يتفهموا أسباب هربهم، وطلبوا منهم العودة دون حتى أن يرشدوهم لطريق آمنة، وأدى هذا للقبض عليهم، ووُضعوا في سجن "عسقلان" في الأول من أبريل/نيسان.

بعد توجيه قائمة طويلة من الاتهامات لحمزة و"مكرم"، لا تختلف كثيرا عن اتهامات "تلويث" ثياب الصهاينة بالدماء، وليس من ضمنها الاعتداء على عامل المحطة الذي لا يعلم أحد مصيره حتى اليوم بالمناسبة، قرر حمزة أنه لن يوكل محاميا للترافع عنه، بل وسيمنع أهله من زيارته في السجن حتى.

لماذا؟ لأنه كان قد قرر الهرب بالفعل.

سأكون غدا

تمكَّن حمزة و"مكرم" من الهرب بعد خطة معقدة تحتاج إلى عدة تقارير لشرحها، ليس فقط لأنها نجحت، وليس فقط لأنها تغلبت على 152 شرطيا رافقتهم كلاب الأثر، وليس فقط لأنها أسفرت عن جلسة في الكنيست لمناقشة السياسات الأمنية للسجون، تبعها طرد مدير سجن "عسقلان" ونائبه وأربعة من الحراس، ولكن أيضا لأنها تكررت بصورتين مختلفتين في سجن "الرملة"، ثم في مستشفى "البيطار"، ليصبح حمزة إبراهيم يونس، في السنوات العشر التالية، أكثر من أفلت من قبضة الاحتلال في تاريخه لحينها.

في هذه السنوات العشر، اتجه حمزة للعمل الثوري مع المقاومة في غزة، وأصبح مقاتلا شرسا صعب المراس، أوكلت له المهام الصعبة والعمليات المستحيلة، لأنه أدرك أخيرا أن "مسالمة العدو، والنفور من العنف، والرغبة في التعايش، هي مبادئ لا تصح إلا مشتركة، تتحول عمليا إلى انتحار عندما يلتزم بها طرف واحد فقط من المعادلة".

"أمسكت يد مكرم وأقسمت أنني سأكون غدا إما في غزة وإما في المستشفى وإما في العالم الآخر".

فجأة، تحول الفتى الذي رغب في تعلم الملاكمة للدفاع عن نفسه ضد مزاج الصهاينة العنصري إلى قائد ميداني يقوده غضب الندم، وعنفوان الملاكم، والتوق للحرية، واحتقار المسكنات وأنصاف الحلول.

إبان هزيمة 1967، رفض حمزة إخلاء موقعه في غزة بناء على توصيات المخابرات المصرية، وظل يقاتل حتى نفدت ذخيرته وأُصيب في ساقه، ليُفاجَأ الصهاينة عند القبض عليه بأنه الرجل الذي ظلوا يبحثون عنه لسنوات بعد هربه من سجن "عسقلان".

بعد أيام قليلة في المستشفى هرب حمزة مجددا عائدا لقريته "عارة" ليلقي السلام الأخير على البيت والأشجار والبركة، ومنها انطلق إلى الضفة فعمّان فبيروت، وانخرط في المقاومة المسلحة مع حركة فتح، وتحديدا قوات العاصفة التي وصل بها إلى رتبة عميد.

المفارقة الكبرى وقعت في 1971، عندما قبض عليه جنود الاحتلال للمرة الأخيرة، بعد اكتشاف خليته من الضفادع البشرية، وحينها أدركوا وأدرك أن حياته السابقة في كنف الاحتلال لم تكن إلا رحلة إعداد طويلة لرسالته الحقيقية في الحياة؛ الغيلان التي اجتاحت قريته، وقوانين الاحتلال المضحكة، وحربتاه القويتان، وإنسانية "فوفتش"، واحترام "نسيم"، ومهاراته في السباحة التي اكتسبها من بركة الطفولة، تحت ظلال أشجار التين واللوز والمشمش والجوز.

حتى مسالمته ونفوره من العنف في طفولته، كانا ما أكسبه هذا اليقين المطلق في فعل المقاومة المسلحة بعد هربه من السجون واحدا تلو الآخر، وإيمانه بحتمية القتال حتى آخر أنفاسه.

حمزة كان مواطنا عربيا فلسطينيا "إسرائيليا" تحت سلطة الاحتلال كما تتمناه سلطة الاحتلال؛ تعايش وسالم وعمل بجِد وتفوق في كل مجال اقتحمه، ولم يلقَ إلا كل عنصرية واضطهاد وتمييز كاد يودي بحياته في السجون، وما كان يهرب منه في طفولته ومراهقته لحق به في كهولته، بعد رحلة طويلة من النضال.

"أبحث عن مكان جديد أهرب إليه، ضاقت علي الأرض بما رحبت".

ما الفارق إذن؟ كل شيء؛ كرامته، وعزة نفسه، وحريته.

___________________________________________

المصادر:

1- الهروب من سجن الرملة؛ سرد القصة الحقيقية كاملة بقلم حمزة يونس 2- حمزة يونس؛ ضاقت بلاد العرب.. فاتسع المنفى السويدي! 3- حمزة يونس.. مقاتل هرب ثلاث مرات من سجون الاحتلال – خزائن 4- حمزة إبراهيم يونس – عريق 5- حمزة يونس.. مهندس الهروب من سجون الاحتلال – البوابة نيوز 6- تاريخ مختصر للهروب من السجن في فلسطين – الجزء الأول – باب الواد 7- سكوت ريتر: "حزب الله قد يصعد عملياته لحرب شاملة بعد اعتداءات إسرائيل على مستشفيات غزة" 8- ضابط استطلاعات المارينز السابق سكوت ريتر يكشف حقيقة حرب إسرائيل على غزة 9- سكوت ريتر: "الخطأ الضخم في حسابات حرب إسرائيل"

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: جیش الاحتلال سکوت ریتر من العنف ما کان لم یکن ن حمزة الذی ی

إقرأ أيضاً:

السياسة والعقيدة: بؤس الأيديولوجيا أم بؤس غيابها؟

* أفكر أحيانا في شكل المنحنى البياني الذي يمكن رسمه للأيديولوجيا في المنطقة العربية: لصعودها وأفول نجمها بمرور الزمن. كيف لك أن ترسم منحنى كهذا؟ لا أقصد شيئا معقدا على الإطلاق، أقصد رسما بيانيا كلاسيكيا من النوع الذي يتعرف عليه المرء أواخر المرحلة الابتدائية: محور عمودي يمثل حضور الفكر العقائدي بين الجماهير، ومحور أفقي يحاكي الزمن (منذ خروج الأتراك أوائل القرن الماضي، وحتى هذه اللحظة). سيكون رسما مفيدا يختصر تغيرات هذه القوة ويكثّفها، خصوصا لمن يحبون "رسم" المفاهيم ولا يفهمون الظواهر قبل أن يروها محشورة بين محورين على ورقة بيانية.

* لن تكون النتيجة محل اختلاف كبير لمن يحاولون تخيلها، فالأرجح أن المنحنى المنشود سيكون شكلا مقعرا، عاليا على جنبيه وغائرا في الوسط. أي أنه يعبّر عن بداية قوية للفكر العقائدي، يتلوها ضعف وانحسار، ثم عودة -بعد ذلك- للقوة الأولى. آلاف الأحداث ومئات القضايا وعشرات العقود تنطوي الآن في قوسٍ بسيط ورسمٍ معبّر. بداية المنحنى تحاكي زمن المجد العقائدي والأفكار المؤدلجة الكبرى وتنافس الأحزاب الشهيرة بوقتها (بنكهة قومية-اشتراكية غالبة)، ثم تعقب ذلك سنين الخيبات الحادّة وانهيار المشاريع الكبرى (النكسة وكامب ديفيد والاضمحلال السوفييتي ثم غزو العراق وتدميره). لكن القعر الأقصى كان حتما في الربيع العربي، ليس فقط لفشل هذا الحدث والعدمية السياسية التي ولّدها عند كثيرين بتعثّره، بل بسبب ما رافقه من تنكيل نظري في الفكر العقائدي، وتعميم أدبيات التحول الديمقراطي والليبرالية السياسية (حتى بين إسلاميين كثر).

لقد عاد الفتى الأيديولوجي العاقّ بعد أن تاب و"تمشيخ"، ونفض عن نفسه غبارا كثيرا. ليس القصد عودة حركة بعينها أو تنظيم دون سواه، وإنما عودة الإيمان الواسع بالفكرة العقائدية وقدرتها على التغيير. الأمر ليس ميلادا معجزا من الفراغ ولا انبثاقا بدأ ببيان عسكري للقائد العام أعلن فيه انطلاق طوفان الأقصى. العقائدية الإسلامية (أو أي مسمى آخر لهذه الظاهرة) كانت اللاعب الأثبت -وإن لم تكن الأقوى- في الساحة العربية
* لكن لعل أهم ما في المنحنى هو آخِره، والذي يمكن تأريخه بالسابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، حين انعكست الآية وعادت أسهم الأيديولوجيا لتصعد من جديد. ليس الأمر غريبا، فقد ثبت يومها -بالبرهان العسكري القاطع- أن الإسلام الأيديولوجي قادر على اجتراح اختراقات هائلة، عسكريا وسياسيا على السواء.

* لقد عاد الفتى الأيديولوجي العاقّ بعد أن تاب و"تمشيخ"، ونفض عن نفسه غبارا كثيرا. ليس القصد عودة حركة بعينها أو تنظيم دون سواه، وإنما عودة الإيمان الواسع بالفكرة العقائدية وقدرتها على التغيير. الأمر ليس ميلادا معجزا من الفراغ ولا انبثاقا بدأ ببيان عسكري للقائد العام أعلن فيه انطلاق طوفان الأقصى. العقائدية الإسلامية (أو أي مسمى آخر لهذه الظاهرة) كانت اللاعب الأثبت -وإن لم تكن الأقوى- في الساحة العربية منذ نشوء هذه الساحة، ولولا حضورها ولولا نَفَسها الطويل لما كانت هذه المعركة ممكنة من الأساس. ما صنعه الطوفان هو تصعيد كمّي هائل لقوةٍ كانت تعتمل دوما على الأرض.

* كيفما قلّبت هذا الموضوع، فإن "إسرائيل" في قلبه. أحد المهتمين الأمريكيين بالشأن العقائدي والفكر السياسي (يدعى إريك هوفر) كتب مرة أن الأيديولوجيا لا تحتاج إلها تعبده؛ بقدر ما تحتاج شيطانا تحشد الناس لحربه. من زاوية كهذه، فإن "الشيطان" الذي كانته الدولة اليهودية فريد من نوعه وجليل في قيمته. 74 عاما و"إسرائيل" ترسم -مباشرة وبالمواربة- ملامح النظام الرسمي العربي، وتفرض سقفا علميا وصناعيا على محيطها باستخدام ذراعها العسكرية الطويلة. ورغم هذا كله، بل ربما تحديدا بسببه، فإن "إسرائيل" غربلت -من حيث لم تقصد- كل من تجرؤوا على مواجهتها، سياسيا وعسكريا وفكريا. أمام قوتها العسكرية الماحقة ونفوذها الدولي الهائل، تمايزت صفوف المتقدّمين لقتالها، وتطورت مقارباتهم في محاولة مستمرة لردم فارق القوة أمام كيان هو الغرب الاستعماري بأكمله مركّزا في دولة واحدة. وها نحن اليوم أمام ما وصلته عملية الغربلة هذه، حيث حركات المقاومة الإسلامية تتصدر الصفوف.

* يخطر ببالي تصوير متفلّت لكنه حريٌّ بأن يقال: إن ما جرى في مواجهة "إسرائيل" منذ القرن الماضي وحتى اليوم هو تطور دارويني لصراع العقائد -واللاعقائد- في المنطقة العربية؛ تطورٌ أفضى بالنهاية لانتخابٍ تاريخي وطبيعي لأقدر الأفكار على الصمود والاستمرار: الفكرة الإسلامية. أدرك طبعا أن قراءة الإسلام داروينيا تحمل قدرا من الرعونة وأنها ستكون محط استهجان عند إسلاميين ودراوينيين على السواء، لكن الفكرة الكامنة في كل هذا تبقى جديرة بالاعتبار.

* ما يدركه كثيرون اليوم هو أن مواجهة عربية جادّة لهذا الوحش العسكري يستلزم مزيجا صعبا من الإيمان الغيبي المطلق والتنظيم "الدنيوي" الصارم الذي لا يحتمل الخطأ. قيمة العنصر الغيبي تتعلق بشيء دنيوي بحت: أنه يتجاوز السد الذي ترسمه العقلانية في مواجهة خصم كهذا، وتسمح بالقفز فوق فارقِ قوةٍ يستحيل عبوره بحسبة الأرقام والوقائع. ما منشأ الشلل والموات السياسي قبل طوفان الأقصى إلا هذا الركوع أمام الاستحالة العقلانية لمواجهة إسرائيل؟

* على هامش المشهد العام، تجد مفارقات تفيض بالرمز وتستحق التأمل. وعموما، فأزمنة التحولات الكبرى هي جنة المفارقات ونبعٌ دفّاقٌ لها. قبل أشهر، دعا المفكر الأمريكي نورمان فنكلشتاين أن يُمنح "الحوثيون" جائزة نوبل للسلام، والدافع طبعا هو الحصار البحري الذي فرضه أنصار الله دعما لقطاع غزة. من كان يتخيل شيئا كهذا: أن يدعو باحث أمريكي يهودي مرموق لمنح أرفع جائزة سلام دولية لرجل من صعدة يقود حركة شعارُها: "الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام"؟ أمضى الليبراليون العرب ردحا طويلا وهم يهندسون خطابهم على مقاس الحساسيات الغربية، وحاضروا فينا طويلا حول فشلنا العربي في مخاطبة الغرب باللغة التي يفهمها (رغم أنهم أكثر من تسيّد صياغة هذا الخطاب). وفجأة، ينكشف العكس تماما؛ أن محاولة استمالة الآخر لا تستميل الآخر، وأن تسوّل ودّ الغربيين لا يأتي بودّهم. ها هُم من يهتفون بالموت لأمريكا ولا يأبهون كثيرا بالحساسيات ويتحركون بوحي إيمانهم العقَدي، ها هُم يَنفذون في الوعي الأمريكي مسافة لم يقدر عليها ليبرالي من قبلهم. هذه صنائع الأيديولوجيا و"خطابها المتخشب".

لا يبدو أن التاريخانية بالبؤس الذي وصفه السيد بوبر، بل لربما يكون العكس تماما ما نشهده الآن، حيث سادة المشهد هم المؤدلجون العقائديون، المؤمنون بالسُّنَّة التاريخية الثابتة، والقانون الراسخ الذي تدور عقارب الزمان على وقعه
* قبل قيام دولة الكيان بأربع سنوات، صدر كتاب بعنوان "بؤس التاريخانية"، كتبه عدو الفكر المؤدلج، كارل بوبر. الكتاب لا يهاجم الأيديولوجيا لكنّه يهاجم فكرة لصيقة بها: فكرة السنن الكونية المتواترة التي تحكم التاريخ، وفكرة القوانين الراسخة التي تدور عقارب الأحداث على وقعها. هذه هي التاريخانية التي لا ينقدها كارل بوبر وحسب، بل يكاد يبدي تقززا وجدانيا منها. هذا كتاب ليبرالي بامتياز، لا قياسا على هوى كاتبه وانحيازاته، وإنما قياسا على مزاج الأفكار الواردة فيه. مزاج كهذا يصحّ أن يسمّى بالمزاج "الذرّي"، فهو يريد تقسيم القضايا لوحدات صغرى، ليدرس كل وِحدة على انفراد، ولذلك فهو يتحسس من أي نظرة شاملة للعالم والتاريخ. ماذا يحصل عندما يتسرب تفكير كهذا لمنطقتنا ووعينا ويتجاوز إطاره الأكاديمي ليصبح مزاجا سياسيا عاما؟ النتيجة واضحة لأنها ماثلة أمامنا منذ سنين: تذرير المشهد العربي، ورفض وجود قضية مركزية، ورفع شعار "بلدي أولا"، والتأكيد المتصاعد على الفردانية وأهمية تحقيق الذات، والتسفيه المستمر بفكرة التضحية في سبيل أفكار كبرى تتجاوز الإنسان تحت ذريعة القول بأنه "ما من قضية أهم من الإنسان". اليوم، بعد سبع عقود على صدور هذا الكتاب (ونشوء هذا الكيان) لا يبدو أن التاريخانية بالبؤس الذي وصفه السيد بوبر، بل لربما يكون العكس تماما ما نشهده الآن، حيث سادة المشهد هم المؤدلجون العقائديون، المؤمنون بالسُّنَّة التاريخية الثابتة، والقانون الراسخ الذي تدور عقارب الزمان على وقعه.

مقالات مشابهة

  • إسرائيل تواصل  حربها على غزة.. أونروا: الظروف المعيشية في القطاع باتت لا تطاق!
  • أبو حمزة .. هذا ما فاجأ الاحتلال وأربك حساباته
  • السياسة والعقيدة: بؤس الأيديولوجيا أم بؤس غيابها؟
  • كابوس النزوح القسري يلاحق العائلات في خان يونس.. أوامر إخلاء جديدة (شاهد)
  • كيف تستخدمين قطن مزيل المكياج لروتين جمالي لا يقاوم؟
  • غــــــزة تتحــــول إلى «مقبرة مفـــــتوحة»
  • باحث سياسي: إسرائيل في حالة فوضى تزداد بمرور الوقت
  • جامعة الملاكمة تعلن عن البطلات اللواتي سيمثلن القفاز المغربي في الأولمبياد
  • حرب لبنان.. إسرائيل: 25 فريق إطفاء يخمدون حرائق بـ 10 بؤر
  • أبو حمزة يكشف “مفاجأة”.. ما فعله أسرى إسرائيل بعد معاملتهم بالمثل