تحتفل سلطنة عُمان بيومها الوطني الثامن عشر من نوفمبر لعيدها الوطني الثالث والخمسين المَجيد، رابطة وطنيَّة، وملحمة بناء متواصلة؛ شاقَّة طريقها نَحْوَ المستقبل، ولعلَّ ما يعنيه هذا اليوم في تأريخ النهضة العُمانيَّة الحديثة، وما يسطِّره من أمجاد حاضر عُمان ومستقبلها، وما يُعبِّر عَنْه في فكر وقلب وقناعة وعقيدة كُلِّ مواطن عُماني، يجعل مِنْه نقطة تحوُّل لقراءة المستقبل، وصناعة الفارق، وإحداث التغيير ومحطَّة للتقييم والمراجعة والتقاط الأنفاس، وإعادة توجيه بوصلة العمل الوطني لمزيدٍ من الأداء المَجيد والممارسة المبتكرة، محطَّة تستجلي من الإرث الخالد لباني نهضة عُمان الحديثة حضرة صاحب الجلالة السُّلطان قابوس بن سعيد ـ طيَّب الله ثراه ـ وما قدَّمه من أجْلِ عُمان، واستعراض إنجازاته العظيمة ومآثره الخالدة الَّتي ستبقى مفاخر وطنيَّة لعُمان الغالية، حاضرًا ومستقبلًا ومصدر إلهام للأجيال القادمة يستلهمون مِنْها الإخلاص والتَّفاني في خدمة الوطن، والحفاظ على قِيَمه ومكتسباته وصون أمِنْه واستقراره والإسهام في نمائه وازدهاره.


والحديث عن إنسانيَّة النَّهضة العُمانيَّة أكبر من أن تحيطَه الأفهام، أو تختصرَه الكلمات، فقَدْ تجلَّى الإنسان في كُلِّ تفاصيلها، إذ إنَّ الإنسان وتنميته وتطويره كان ولا يزال هو الغاية والهدف، وهو الأداة الَّتي تُنفَّذ بها برامج التنمية، فمع تعقُّد الظروف والمتغيِّرات والأحداث الَّتي قامت عَلَيْها النَّهضة في الثالث والعشرين من يوليو من عام 1970، وحالة البؤس والفقر والتخلُّف والشَّتات والفُرقة الَّتي عاشها الإنسان العُماني، إلَّا أنَّ رؤية القيادة الحكيمة لباني نهضة عُمان الحديثة ـ طيَّب الله ثراه ـ كانت تتخطى الزمان، وتتجاوز الظواهر الوقتيَّة والأحداث العابرة؛ لأنَّه أراد أن يصنعَ أُمَّة عظيمة، ودَولة عصريَّة بكُلِّ المقاييس، وهو ما تحقَّق لها بفضل الله وعزيمة السُّلطان الراحل وإخلاصه وتفانيه من أجْلِ عُمان وشَعبها ورفعة شأنها وتقدُّمها، وكان أن أنتجَ هذا العمل الجادُّ والمُخلِص والمُتدفِّق شغفًا وثقةً وإيمانًا، تحوُّلات كبيرة في بناء الدَّولة العُمانيَّة، وتهيئة البنى الأساسيَّة والخدمات الحديثة والمتطوِّرة في كافَّة رُبوع الوطن، فوحَّد الدَّولة العُمانيَّة، ووجَّه الولاء نَحْوَ الوطن وجلالة السُّلطان، وعزَّز من دَوْر التعليم والصحَّة والرعاية الاجتماعيَّة في سبيل بناء المواطن القادر على المساهمة الفاعلة في بناء الوطن، والمشاركة السِّياسيَّة الواعية، وهو يمتلك أدوات التغيير وأساليب العمل، كما عزَّز من روح التعاون والتكاتف والمشاركة المُجتمعيَّة في بناء الوطن، وتعميق حضور مختلف أطياف المُجتمع ومؤسَّساته في تشكيل صورة عُمان المستقبل.
لقَدْ ظلَّت هذه المعطيات والأحداث المرتبطة بموقع العُماني في برامج التنمية وأبجديَّات الخطط التنمويَّة حاضرة في أولويَّات جلالة السُّلطان واهتماماته فكرًا تنمويًّا بنَّاء، ومنهج عمل محكم الأدوات واضح الأُطُر، عزَّز من روح التغيير، وأصَّل لِفِقْه العمل من أجْل عُمان الوطن والدَّولة والإنسان، وأعاد لعُمان موقعها وحضورها وأمجادها الحضاريَّة وسِيرتها المُشرِقة الَّتي عُرفت بها «یانًا حضاريًّا فاعلًا، ومؤثِّرًا في نماء المنطقة وازدهارها، واستتباب الأمن والسَّلام فيها، تتناوب الأجيال، على إعلاء رايتها، وتحرص على أن تظلَّ رسالة عُمان للسَّلام تجوب العالَم، حاملةً إرثًا عظيمًا، وغاياتٍ سامية، تبني ولا تهدم، وتقرِّب ولا تباعد»، محطَّات حملت معها مشاعل النور، والعمل المُخلِص والأداء الفعَّال والبنَّاء والتطوير والتحديث المستمر الَّذي لامس كُلَّ مجالات الحياة، وعايش بناء الدَّولة العصريَّة، فـ»لقَدْ بدأت النهضة العُمانيَّة من الصفر وأنتُم أيضًا تعرفون ذلك والآن هي أرقام نفخر بها ويفخر بها شَعبنا الَّذي تعاونَ معنا حتَّى أصبحت بلادنا ملء السمع والبصر وحضن وحصن المواطن العُماني وكُلِّ مَنْ يعيش فيها أو يزورها».
من هنا شكَّل العُماني أولويَّة في فِكْر القيادة الحكيمة، فهو الغاية والهدف والوسيلة والطريق لبناء عُمان المستقبل، وهو أداة النَّهضة للمحافظة على مراحل التطوُّر والتقدُّم، والمكاسب الَّتي ضمنت لسلطنة عُمان الشموليَّة في التنمية والعدالة، وكان الاهتمام بالإنسان في كُلِّ أحواله، وبكُلِّ الطُّرق والأساليب الَّتي تحفظ له كرامته وفِكْره ونَفْسَه وعقله ومكانته ومنزلته وكيانه وحقَّه في العيش والوجود، وتقديره والثِّقة في قدراته عَبْرَ إتاحة الفرصة للمواطن للمشاركة وتحمُّل مسؤوليَّة الوطن والمواطن، فهو حجر الزاوية لأيِّ مشروع تنموي، لذلك جاءت رؤية القيادة الحكيمة في أن تتفاعلَ وتتواكبَ برامج التنمية الشاملة في البلاد مع حاجات المواطنين، وأن تسعى هذه البرامج والمشاريع والخطط في مختلف المجالات الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة والثقافيَّة والتعليميَّة والسِّياحيَّة والفِكريَّة والتقنيَّة وغيرها إلى جعل المواطن هو مدار عملها، وتحقيق مصلحته والارتقاء بقدراته هو هدف إنشائها، وأن يسلكَ العُماني مسلك العمل الجادِّ المنتِج، القائم على الاعتماد على النَّفْسِ، وسعة الأُفق في التفكير، وحكمة التصرف في إدارة القضايا والأحداث والتفاعل مع المعطيات، وأدركت القيادة الحكيمة أنَّ تحقيق هذه المسؤوليَّات المتعاظمة، يتطلب أن تكرَّسَ جهود التنمية الشاملة لخدمة الوطن والمواطن وتحقيق مصالحه ورعايته والعناية به من خلال مدِّه بالتعليم والرعاية الصحيَّة والجسميَّة والفِكريَّة والرياضيَّة والثقافيَّة والاجتماعيَّة والعلميَّة، والعمل والاهتمام بالمرأة والطفولة وذوي الاحتياجات الخاصَّة، وغيرها من عناصر البناء الإنساني الفعَّال، وقَدْ أثمرت عمليَّة الاهتمام بالإنسان نتائج إيجابيَّة ملموسة، ما كان لها أن تتحقَّقَ لولا أولويَّة الاهتمام بالإنسان، وأن ينجزَ هذا الاهتمام بناء على قاعدة الاعتماد على غرس الثِّقة في نفوس الأجيال القادمة، بأنَّ صناعة المستقبل تتطلب العِلْم والمعرفة والوعيَ، والتوازن بَيْنَ البناء الوجداني والفِكري والمهاري لهذا الإنسان بما يُسهم في تعزيز التكامل بَيْنَ القدرات والمهارات والاستعدادات والرغبات والسِّياسات والخطط والبرامج لتحقيق الغايات، والوصول إلى تحقُّق الأهداف المطلوبة من الإنسان نَحْوَ ذاته ووطنه وسُلطانه، وقَبل ذلك نَحْوَ دينه وعقيدته.
إنَّ ما يحمله النُّطق السَّامي لحضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ في قوله: فــ»إنَّ بناء الأُمم وتطوُّرها مسؤوليَّة عامَّة يلتزم بها الجميع ولا يُستثنى أحَد من القيام بِدَوْره فيها، كُلٌّ في مجاله وبقدر استطاعته؛ فقَدْ تأسَّست عُمان وترسَّخ وجودها الحضاري بتضحيات أبنائها، وبذلهم الغالي والنَّفيس من أجْلِ الحفاظ على عزَّتها ومنعتها، وإخلاصهم في أداء واجباتهم الوطنيَّة، وإعلائهم لمصالح الوطن على المصالح الشخصيَّة… كما أنَّ شراكة المواطنين في صناعة حاضر البلاد ومستقبلها دعامَّة أساسيَّة من دعامات العمل الوطني»؛ محطَّات تستجلي في النَّفْس تلك الإرادة العظيمة الَّتي حملها العُماني على مرِّ العصور، فكان نموذجًا للعمل المُخلِص والأداء الفعَّال، في التزامه قِيَم الصبر والتحمُّل والإيجابية والإرادة الذَّاتيَّة؛ باعتبارها الطريق لبلوغ الغاية وتحقيق النتيجة، وهو ما يتطلب في المقابل أن يكُونَ العُماني على استعداد لتحمُّل المسؤوليَّة وقيادة الأمانة، وحفظ نتائج ما تحقق مِنْها من مكتسبات، بالعمل الجادِّ المتقَن النَّابع من الحسِّ الذَّاتي القائم على الفَهْم العميق لمجريات عمل النَّهضة، وسُبل تحقيق مستهدفاتها التنمويَّة ممثَّلةً في رؤية «عُمان 2040» وعَبْرَ رفع درجة قدرته على الاستيعاب لمستجدَّاتها، وإبقائه بصورة دائمة في حالة من اليقظة الفكريَّة والتوازن النَّفسْي في معالجة الأمور، والواقعيَّة في قراءة مجريات الأحداث، والتحليل العلمي المنطقي والتفكير السَّليم والتخطيط الدقيق، وهي جميعها قدرات واستعدادات يتطلب تحقُّقها في الفرد ذاته، وجود إرادة قويَّة وقناعة ذاتيَّة وإحساس بالمسؤوليَّة وتعلُّم ذاتي مستمرٍّ من تجارب الحياة، كما يتطلب تحقُّقها تعظيم مسار الثِّقة في الكفاءة العُمانيَّة الَّتي ستكُونُ سواعد البناء، لِتحقيقِ توجُّهات النَّهضة نَحْوَ العُماني من خلال توفير سُبل العيش الكريم له، وأنماط الحياة الَّتي تُحقِّق له السَّعادة والتطوير والنَّماء؛ ولِتقرأَ في مَسيرة البناء الوطني محطَّات قوَّة في قدرتها على صناعة المواطن النموذج القادر على أن يقرأَ واقعه في ظلِّ استيعاب ما يَدُور حَوْلَه من أحداث، ومع كُلِّ الَّتيارات الفكريَّة والظروف الاقتصاديَّة والمتغيِّرات والظواهر الَّتي بدت في تأثيرها خطرًا يُهدِّد التنمية والإنسان والبيئة، وأدركت القيادة الحكيمة بأنَّ تحقيق نتائج مستدامة في تصحيح الوضع المالي والوصول إلى مؤشِّرات تنافسيَّة مُعزّزة للاستدامة الاقتصاديَّة والاستثمار، يضع في الاعتبار تلك المساحة من الشعور المشترك الَّذي يبنيه السُّلطان مع أبنائه خاصَّة وشَعبه ـ أبناء سلطنة عُمان وبناتها عامَّة ـ في الانتقال بعُمان إلى طموحات أبنائها، وهو الأمْرُ الَّذي نعتقد جازمين في ظلِّ شواهد ثابتة ومؤشِّرات رصينة على الأرض بأنَّه تَحقَّق اليوم على الأرض العُمانيَّة بجدارة عالية.
أخيرًا، فإنَّ ما عزَّزته الدَّولة العُمانيَّة من مبادئ، ورسَّخته في سياستها الداخليَّة والخارجيَّة من قناعات وأُسُس يشهد بثباتها وواقعيَّتها مواقف عُمان الحكيمة مع قضايا المُجتمع الدولي، شواهد إثبات تقرأ واقعيَّة هذا التناغم الَّذي انعكس على الإنسان العُماني في الداخل سلامًا ذاتيًّا وأمنًا وأمانًا، فإنَّ استلهام أجيال عُمان المستقبل لهذا المنجز الحضاري والإرث الخالد، وتعظيم حضوره في تحقيق أولويَّات رؤية «عُمان 2040» في محور الإنسان والمُجتمع؛ تُلقي على المواطن العُماني مسؤوليَّة المحافظة على هذه المكتسبات ورفع مستوى حضوره في القادم مِنْها، وأن يبتكرَ من الوسائل والأساليب ما يُعزِّز كيان النَّهضة، ويؤكِّد استمراريَّة البناء، ويقوِّي من رباط الانتماء للوطن، ويقف مع قيادته الحكيمة في رؤيتها السَّديدة وغاياتها الَّتي هي حُب عُمان وشَعبها الأبي.
د.رجب بن علي العويسي
Rajab.2020@hotmail.com

المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: القیادة الحکیمة الع مانی ع مانی

إقرأ أيضاً:

اللحظات الأولى من الحادث.. تفاصيل سقوط شاب من الطابق الثامن داخل مول شهير بمدينة نصر

شهد مول شهير في منطقة مدينة نصر حادثًا مأساويًا في ثالث أيام عيد الفطر المبارك، حيث ألقى شاب بنفسه من الطابق الثامن، مما أدى إلى إصابته بجروح بالغة وعلى الفور، تم نقله إلى المستشفى لتلقي العلاج، لكنه لفظ أنفاسه الأخيرة متأثرًا بإصاباته.

وتلقت مديرية أمن القاهرة إخطارًا من غرفة عمليات النجدة يفيد بسقوط شاب من الطابق الثامن داخل المول، فور تلقي البلاغ، انتقلت الأجهزة الأمنية برفقة سيارة إسعاف إلى موقع الحادث، حيث تم فرض كردون أمني حول المكان، وتم نقل الشاب إلى المستشفى على وجه السرعة.

وأفاد شهود العيان، بأنهم رأوا الشاب يقف لفترة وجيزة على السور الزجاجي للطابق الثامن قبل أن يُلقي بنفسه فجأة، مما أدى إلى سقوطه مباشرة في الطابق الأرضي.

تحقيقات وتحريات الأجهزة الأمنية 

وكشفت التحريات الأولية التي أجرتها فرق المباحث بالقاهرة أن الحادث لم يكن نتيجة دفع، بل أن الشاب ألقى بنفسه من الطابق الثامن، ما يرجح احتمالية إقدامه على الانتــ.ــحار.

جار مراجعة كاميرات المراقبة داخل المول لتحليل اللحظات التي سبقت السقوط، كما يجري استجواب شهود العيان والعاملين بالمول لفهم ملابسات الحادث بشكل دقيق.

وتم إخطار النيابة العامة التي تولت التحقيق وأمرت بانتداب الطب الشرعي لتشريح الجثمان وتحديد سبب الوفاة.

وفاة الشاب متأثرًا بإصاباته

رغم جهود الطاقم الطبي، إلا أن الشاب توفي متأثرًا بإصاباته الخطيرة وأكد التقرير الطبي أن الإصابات شملت كسورًا متعددة ونزيفًا داخليًا حادًا نتيجة السقوط من ارتفاع شاهق.

ردود الفعل وحالة الفزع بين رواد المول

وأثار الحادث حالة من الذعر بين رواد المول الذين تجمعوا حول موقع السقوط في صدمة شديدة.

سارع رجال الأمن إلى إخلاء المنطقة المحيطة بموقع الحادث، بينما انتشرت مشاهد الحادث على منصات التواصل الاجتماعي، مما زاد من تفاعل الجمهور مع الواقعة.

استمرار التحقيقات لكشف الدوافع

تعمل الأجهزة الأمنية والنيابة العامة على استكمال التحقيقات لمعرفة أسباب ودوافع الشاب وراء إقدامه على القفز من الطابق الثامن.

مقالات مشابهة

  • اللحظات الأولى من الحادث.. تفاصيل سقوط شاب من الطابق الثامن داخل مول شهير بمدينة نصر
  • سيف العامري .. رائد فن الجرافيك ورمز التجديد في الفن التشكيلي العُماني
  • وفاة الشاب المصاب في حادث مول شهير بمدينة نصر
  • مشاجرة دامية بمطعم مصري بسبب الفاتورة
  • لم يمت! شاب يلقي بنفسه من الطابق الثامن داخل مول في القاهرة
  • رمى نفسه من التامن.. إصابة شاب في ظروف غامضة بمول سيتي ستارز بمدينة نصر
  • سقوط شاب من الطابق الثامن بمول سيتى ستارز
  • سقوط شاب من الطابق الثامن لمول شهير في مدينة نصر
  • الإمارات: إعدام 3 متهمين بقتل حاخام إسرائيلي في أبوظبي
  • في لفتة أبوية إنسانية.. الرئيس السيسي يقابل ابنة الشهيد رقيب أحمد حبيب "بناء على رغبتها"