المفتي: الشريعة لم تقف عاجزة عن مراعاة المستجدات وليست عقبة أمام أي تقدم
تاريخ النشر: 17th, November 2023 GMT
قال الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم، إن مفهوم ولي الأمر من الموضوعات المهمة التي يجب تسليط الضوء عليها؛ لأن هناك الكثير من الثقافات الفقهية السائدة ترى أن فكرة ولي الأمر فكرة قديمة وجامدة وليست متطورة؛ إلا أن مفهوم ولي الأمر باقِ ويتطور بما يناسب كل زمن وعصر.
جاء ذلك خلال لقائه الأسبوعي في برنامج «للفتوى حكاية»، مضيفًا أن الشريعة لم تقف عاجزة عن مراعاة المستجدات، وليست عقبة أمام أي تقدم أو إنجاز أو تطور فهي تتفق وتقبل أي تطور وتقدم طالما لا يتعارضا مع أصولها ولا توجد مشكلة تستعصى على الحل أمام الشريعة أو الفقه.
ضوابط الشريعة ومنهجهاولفت المفتي إلى أن للشريعة الإسلامية منهجها الرَّصين، وضوابطها الواضحة في احتواء النوازل والمستجدات على مدى القرونِ السالفةِ، إذ أنها تعتمد على مبادئَ التيسيرِ والسماحةِ، وسهولةِ التطبيقِ، وتنزيلِ الأحكام الشرعية الثابتة في الكتاب والسنة على الواقعِ بما يوافق حالةَ الإنسان الخاصةَ وظروفَ المجتمعات بشكل عامٍّ، وهذا يُعدُّ من أهم خصائص الشريعة الإسلامية بصفة عامة، وقد أثمرَ ذلك بالضرورة صلاحيةَ هذه الشريعة لكلِّ زمانٍ ومكانٍ، ومرونتَها الكبيرة في مواجهة النوازل والقضايا التي تَستَجِدُّ؛ ذلك لأن الشريعة الإسلامية ربانيةُ المصدر، قد جاءت بواسطة الوحي من لدن الحكيم الخبير تبارك وتعالى، مراعيةً لمصالح العباد، نافيةً لجميع صور التشدد والغُلُوِّ والتضييق.
وشدد على أن الجماعات المتشددة ضيَّعت قواعد مستقرة وأمورًا ثابتة عند علماء المسلمين في تفسير النصوص، فلم تفهم هذه الجماعاتُ الغاياتِ من تصرفات النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وأفعاله، وخصوصية بعض المواقف دون غيرها، وهي مسألة جلية وضَّحها كثير من العلماء، فقد فرَّقوا بين تصرفات النبي الكريم في أنحاء أربعة، وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم قد يتصرف بمقتضى كونه مبلِّغًا عن ربه، وقد يتصرف بمقتضى كونه قاضيًا، أو كونه مفتيًا، أو كونه وليًّا وإمامًا للمسلمين في حالات أخرى، وهذه أمور كانت حاضرة وبقوة ومعروفة عند الصحابة الكرام.
ولفت مفتي الجمهورية إلى بعض المعالم البارزة التي تميزت بها معركة بدر الكبرى والتي تصرف فيها النبي صلى الله عليه وسلم باعتباره وليًّا وإمامًا؛ من إيثار السلم واستنفاد الخيارات المتاحة على الحرب، والشورى بين القائد وجنوده، كما كان حوار سيدنا الرسول الكريم مع أحد الصحابة من النقاش المتحضر عن أسباب ودوافع الحرب، وكذلك التخطيط المدروس، وأعمال الرصد والاستطلاع لخطط وخطوط العدو، تعطي دروسًا مجيدة في التعايش والسلام وتعظيم المشترك، وتمثِّل عظات بالغة في الكفاح والعزة، وهي بمجموعها كفيلة لتكون في حاضرنا نقطة انطلاق في مسيرة هذه الأمة نحو الاستقرار والتقدم، وتحقيق التكامل بينها وبين العالم والإنسانية.
وأضاف أن اختصاصات الدولة -أو فقه الدولة- كانت من الأمور الغائبة عن الذين يتصدرون المشهد من هذه الجماعات المتطرفة ظنًّا منهم أن الأحكام كلها على السواء، ولم يدرك هؤلاء أن هناك أحكامًا خاصة بالدولة، خلاًفا لما فهمه جيل الصحابة والتابعين.
وأوضح أن الفقهاء رأوا أن انتزاع الاختصاصات من ولي الأمر أو منازعته فيها أو القفز فوق سلطاته يُعد من الافتئات عليه، مما جعلهم يَنصُّون على عقوبتها؛ وهذا يعني أنهم اهتموا بحفظ كيان الدولة. أما المتابع لأقوال المجموعات المتطرفة المعاصرة وأفعالهم فيجد أنهم اعتقدوا أنهم هم وحدهم مَن يفهمون الشرع، وأنهم وحدَهم مَن يطبِّقونه، بل هم وحدهم المسلمون وغيرهم دون ذلك، فهم لم يفهموا النص الشرعي ولم يُحسنوا تطبيقه.
واختتم حواره بالتأكيد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اجتهد في بعض الأمور التي لم ينزل فيها نص قطعي واجتهد في أخرى لحين نزول الوحي الشريف مصححًا أو مؤيدًا، وكان أغلبها مؤيدًا لاجتهاده. وكان اجتهاده عليه السلام بحضرة الصحابة لتكون سنَّة حسنة لعلماء الأمة من بعده. وكذلك ترك عليه السلام للصحابة الكرام رضوان الله عليهم مساحة للاجتهاد ودرَّبهم تدريبًا عمليًّا على الاجتهاد حتى يستطيعوا مواجهة الحياة وتغيراتها من بعده، وتصرفاته صلى الله عليه وسلم ينبغي أن تسند لمؤسسات الدولة حاليًا ويجب ألا يقوم بها فرد بحجة اتّباع أو تقليد النبي صلى الله عليه وسلم.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: المفتي الشريعة شوقي علام النبی صلى الله علیه صلى الله علیه وسلم ولی الأمر
إقرأ أيضاً:
«المفتي»: الأمن شرط أساسي لتحقيق البناء والإعمار
أكد الدكتور نظير عياد، مفتي الديار المصرية، أن القرآن الكريم قد ربط بشكل واضح بين الأمن وشرط تحقيق البناء والإعمار في العديد من الآيات، مؤكدًا أن الأمن يعد من المقاصد الأساسية التي تحقق الاستقرار والتنمية.
وقال مفتي الديار المصرية، خلال حوار مع الدكتور عاصم عبد القادر، ببرنامج "مع المفتي"، المذاع على قناة الناس، اليوم الجمعة: "الله تعالى ذكر في القرآن مثالًا لقريه كانت آمنة مطمئنة، يأتيها رزقها رغداً من كل مكان، ثم كفرت بأنعم الله، وهذا الربط بين الأمن والبناء هو أمر جوهري في رؤية الشريعة الإسلامية".
وأضاف مفتي الديار المصرية أن الشريعة الإسلامية تهدف إلى تحقيق الأمن والاستقرار لأنهما ركيزتان أساسيتان في عملية البناء والتشييد، لافتا إلى أن الإنسان خلقه الله ليعمر الأرض ويحقق الخير في مجتمعه، ولتحقيق ذلك لابد من توفير أمرين أساسيين: الغذاء والأمن، فالأمن يعني الاستقرار، والاستقرار هو ما يسمح للبشر ببناء المجتمعات وتشييد الحضارات.
وأشار إلى أنه لا يمكن تصور البناء والتشييد دون وجود الأمن: "عندما بعث النبي صلى الله عليه وسلم ودعا الناس إلى عبادة الله، وجد أن بيئة مكة في ذلك الوقت لم تكن مناسبة للبناء، فسمح للصحابة بالهجرة إلى الحبشة، وقال لهم: 'إذهبوا إلى أرض الحبشة، فإن فيها ملكًا لا يُظلم عنده أحد'، وهذه المقولة تعكس العلاقة الوثيقة بين الأمن والبناء، فالظلم والتشويش يؤديان إلى الاضطراب والخراب، في حين أن الأمن هو أساس التشييد والإعمار.
وتابع: "الإسلام لم يهتم فقط بالجوانب المادية للبناء، بل اهتم أيضًا بالجوانب المعنوية، فالأمن ليس فقط في الحفاظ على الممتلكات والمقدرات، بل في توفير بيئة نفسية ومعنوية تحفز الناس على الإنتاج والعمران، الجانب المعنوي في الشريعة الإسلامية يتمثل في تشجيع التعاون والعدل، ومكافحة الظلم".
وتطرق المفتي إلى كيفية تأثير القوانين الشرعية على الأمن والبناء، مشيرًا إلى مبدأ القصاص في الإسلام كأحد الأمثلة التي توازن بين الجوانب المادية والمعنوية، لافتا إلى أن القصاص في الإسلام هو أداة للحفاظ على الأمن الاجتماعي، لأن القتل فعل مادي يؤثر في الواقع، ولكن الشريعة قد وضعت عقوبات للحد من هذه الأفعال، بل وجعلت من القصاص وسيلة لاستعادة توازن المجتمع، ففي قوله تعالى: 'ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب'، نجد أن القصاص ليس مجرد عقوبة، بل هو حفاظ على حياة المجتمع بأسره، معنويًا وماديًا.
وشدد الدكتور نظير عياد على أن الأمن لا يمثل مجرد غياب للتهديدات، بل هو عنصر أساسي في البناء والتشييد الذي يشمل جميع جوانب الحياة الإنسانية، مضيفا أن الإسلام يعزز الأمن ليس فقط من خلال القوانين، ولكن من خلال تعزيز القيم الأخلاقية التي تبني مجتمعات مستدامة وقوية.