طهران- منذ اندلاع عمليات طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي ومسارعة الولايات المتحدة إلى إرسال أساطيلها البحرية إلى شرق الأبيض المتوسط ووقوفها إلى جانب الاحتلال الإسرائيلي في عدوانه على قطاع غزة المحاصر، عاد التوتر إلى العلاقات الإيرانية الأميركية مجددا.

وعلى ضوء التهديدات الإيرانية بخروج الوضع في الشرق الأوسط عن السيطرة في حال تمادي إسرائيل في استهداف المدنيين الأبرياء والحديث عن إمكانية فتح جبهات جديدة لنصرة غزة، كشف وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان عن تلقي بلاده رسالتين من الجانب الأميركي بشأن تطورات المنطقة.

وبينما أعلن المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية البنتاغون باتريك رايدر، أن إرسال حاملة الطائرات جيرالد فورد إلى المنطقة "رسالة لإيران وحزب الله اللبناني بأن لا يفكرا في التدخل في المعركة بين إسرائيل وحركة حماس"، تفاجأ الرأي العام الإقليمي بموافقة واشنطن على تمديد الاستثناءات الممنوحة للعراق من العقوبات المرتبطة بالتعامل مع إيران.


احتدام التوتر

في أثناء ذلك، ذكر موقع "واشنطن فري بيكون" أن الولايات المتحدة قد تسمح للعراق بتحويل 10 مليارات دولار من الأصول الإيرانية المجمدة إلى حسابات إيران في أوروبا وعمان، من خلال تمديد إعفاء بغداد من التزام عقوبات طهران.

ويأتي ذلك تزامنا مع احتدام التوتر بين الجانبين الإيراني والأميركي إثر تموضعهما السياسي بشأن تطورات الشرق الأوسط وتزايد الهجمات على القواعد الأميركية في العراق وسوريا.

في حين يقرأ مراقبون إيرانيون زيارة كل من وزير خارجية بلادهم حسين أمير عبد اللهيان ومساعده للشؤون السياسية علي باقري كني -كلا على حدة- إلى جنيف في سياق المفاوضات غير المباشرة مع الجانب الأميركي لاحتواء التوتر في الشرق الأوسط.

وعلمت الجزيرة نت من مصدر مقرب من الخارجية الإيرانية -فضل عدم الكشف عن هويته- أن المفاوضات غير المباشرة بين طهران وواشنطن تمضي على قدم وساق منذ الأيام الأولى من اندلاع الحرب على غزة عبر 3 وسطاء إقليميين.

يرى مراقبون أن زيارة وزير الخارجية الإيراني عبد اللهيان لجنيف تهدف إلى احتواء التوتر في الشرق الأوسط (وكالة الأناضول) رسائل أميركية

وأضاف المصدر، أن الجانب الأميركي سعى في رسائله لطمأنة طهران بأنه لا يريد توسعة الحرب، ولن يسمح للحكومة الإسرائيلية بتجاوز الخطوط الحمراء في غزة منها القضاء على حركتي حماس والجهاد الإسلامية، وطالب بعدم انخراط طهران في المعركة ونزع فتيل هجمات الحركات المتحالفة معها على قواعده في المنطقة.

وتابع المصدر للجزيرة نت، أن الجمهورية الإسلامية اعتبرت في المقابل وقف العدوان شرطا لمطالبة حلفائها الإقليميين بضبط النفس وعدم مهاجمة الأهداف الأميركية، مضيفا أن طهران طالبت كذلك بخروج القوات الإسرائيلية من غزة ورفع الحصار عن القطاع.

وأكد المصدر ذاته أن "دبلوماسية الرسائل أسهمت إلى حد بعيد في تراجع الدعم الأميركي للكيان الإسرائيلي واحتواء التوتر بين طهران وواشنطن وإبعاد شبح الحرب الإقليمية التي كانت في طريقها لتشعل النار في مناطق واسعة من المنطقة، بدءا من مضيق باب المندب ثم البحرين الأحمر والأبيض المتوسط وصولا إلى فتح العديد من الجبهات بوجه العدو الإسرائيلي".

ولدى إشارته إلى اعتراف المسؤولين الأميركيين أنه لا دليل على ضلوع إيران في التطورات الأخيرة بالمنطقة، رأى المصدر الإيراني في مشاركة حلفاء طهران، وعلى رأسهم حزب الله اللبناني وجماعة الحوثي في معركة غزة والهجمات الأخرى على الأهداف الأميركية بالمنطقة إنما تعد رسالة واضحة تدل على تماسك محور المقاومة وموقفه من أي عدوان قد يفرض على حلفائه.

احتواء التوتر

في السياق ذاته، كشف الباحث السياسي مهدي شكيبائي، أنه منذ صفقة تبادل السجناء في أغسطس/آب الماضي بين طهران وواشنطن سعت الأخيرة سعيا حثيثا لتحريك المياه في المفاوضات النووية بغية إنقاذ الاتفاق النووي حتى قبيل رئاستها المقررة في 2024.

وفي حديثه للجزيرة نت، أكد شكيبائي أن "الكيان الصهيوني عرقل أكثر من مرة المقاربات النسبية الناجمة عن الامتيازات الأميركية للجانب الإيراني، لا سيما بشأن بيع النفط والإفراج عن الأموال المجمدة"، مضيفا أن تل أبيب ترى في معركة غزة الجارية فرصة للقضاء على أي تقارب محتمل بين إيران وأميركا، بل تسعى من أجل توريط الأخيرة في حرب مع طهران، على حد تعبيره.

ورأى في التمديد الأميركي فترة الاستثناء الممنوحة للعراق من العقوبات المرتبطة بالتعامل مع إيران 4 أشهر إضافية، وذلك في خضم الحرب الإسرائيلية على غزة والتهديدات الإيرانية بفتح جبهات جديدة، إنما رسالة تدل على عدم عزم واشنطن الانصياع للمزاعم الإسرائيلية، وأن دعمها لتل أبيب لن يكون مفتوحا في الحرب على غزة.

مهدي شكيبائي يرى أن إسرائيل تسعى لتوريط أميركا بحرب مع إيران (الجزيرة) شراء الوقت

في غضون ذلك، رأى الباحث الإستراتيجي أبوالفضل فاتح، أن الحرب الإسرائيلية على غزة قد فاقمت التوتر في المنطقة، ورفعت احتمالات توسعة رقعة الحرب، بيد أن سلوك كل من الجمهورية الإسلامية والولايات المتحدة أسهم بالفعل في احتواء التوتر وتراجع احتمالات تحول المعركة إلى حرب شاملة.

وفي مقال له تحت عنوان "لم تعد إسرائيل محصنة" نشره في صحيفة "اعتماد"، رأى أن احتمالات اندلاع معارك متفرقة في المنطقة لا تزال مرتفعة، رغم المساعي التي تبذل لاحتواء التوتر، واصفا أي تطور قد يؤدي إلى توسيع رقعة الحرب بأنه "خطير".

وأشار الباحث الإيراني، إلى أن تطورات الأحداث في الضفة الغربية وجبهة جنوب لبنان أسهمتا في وضع الكيان الإسرائيلي أمام طريق مسدود إلى جانب ردود الفعل العالمية المنددة بالهجمات الإسرائيلية على غزة.

وفي مقال آخر تحت عنوان "قيامة غزة" نشره في الصحيفة ذاتها، رأى فاتح أن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن يشتري الوقت لصالح إسرائيل، ونصح الباحث الإيراني الدول الإسلامية بعدم وضع الخيار العسكري جانبا، حتى وقف العدوان الإسرائيلي على غزة.

وخلص الباحث نفسه إلى أن أي مواجهة حقيقية بين الجمهورية الإسلامية والولايات المتحدة ستكون مدمرة على الجانبين، وأنها سوف تصب في صالح الكيان الإسرائيلي فسحب، كما حث بلاده على عدم الوقوع في الفخ الإسرائيلي.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: طهران وواشنطن الشرق الأوسط التوتر فی على غزة

إقرأ أيضاً:

باريس تتهم سلطات إيران بنهب وتدمير المعهد الفرنسي للأبحاث

في تصاعد جديد للتوترات بين باريس وطهران، اتهمت مصادر دبلوماسية فرنسية السلطات الإيرانية بسرقة وتدمير المجموعة الثمينة من الوثائق والمُقتنيات التاريخية، والمُعدّات التقنية التي كانت موجودة في مباني المعهد الفرنسي للأبحاث (IFRI)، الواقع في قلب العاصمة طهران.

مُقتنيات غنية

المعهد مؤسسة ثقافية تتبع وزارة أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسية، وبالتالي السفارة الفرنسية في طهران، إلا أنّه لم يستفد من الحصانة الدبلوماسية.

وهو يُعتبر أحد سبعة وعشرين مركزاً بحثياً فرنسياً في العالم، مهمته تعزيز الأبحاث في مجالات بحوث الآثار والعلوم الإنسانية والاجتماعية.

وتضم مكتبته الغنية أكثر من 49 ألف مرجع من بينها 28 ألف كتاب، فضلاً عن قواعد بيانات ضخمة.

ويُعتبر المعهد الفرنسي للأبحاث مركزاً مرجعياً للعديد من الباحثين في العالم حيث يُقدّم لهم الدعم في دراساتهم، وقد تمّ إغلاقه في عام 2023 بعد نشر مجلة "شارلي إيبدو" الساخرة رسوماً كاريكاتوريّة للمُرشد الأعلى علي خامنئي. وتمّ وضعه تحت الإشراف القضائي من قبل السلطات الإيرانية في أغسطس (آب) 2024.

وأشارت وزارة الخارجية الفرنسية إلى أنّ المعهد كان "مكاناً رفيع المستوى للثقافة والتبادلات البحثية"، تأسس في عام 1983 إثر اندماج البعثة الأثرية الفرنسية في إيران، والتي أنشئت في عام 1897 بموجب حصول الفرنسيين على الحقوق الحصرية للتنقيب في إيران لأغراض أثرية، والمعهد الفرنسي لعلم الآثار في طهران الذي أسسه عام 1947 الفيلسوف والمُستشرق الفرنسي هنري كوربين.

#Iran | Le chargé d’affaires de l’ambassade d’Iran a été convoqué au ministère de l’Europe et des Affaires étrangères le 30 août. A cette occasion, la France a dénoncé la pose de scellés sur les portes de l’Institut français de recherche en Iran, alors que la France s’était… pic.twitter.com/btVwr9A5ad

— France Diplomatie ???????????????? (@francediplo) August 31, 2023 تدمير مُوجّه وتقاعس أمني

وفيما لم تُقدّم السلطات الإيرانية أيّ تفسير رسمي لاختفاء وتدمير محتويات المعهد، علمت السفارة الفرنسية في طهران من مصادرها في يناير (كانون الثاني) وفبراير (شباط) 2025، وفقاً للمعلومات التي جمعتها صحيفة "لوموند"، أنّ مباني المعهد تعرّضت للغزو المُنظّم في البداية من قبل مُدمنين على المخدرات. ك

ما أظهر المبنى الذي تمّ نهبه بالكامل آثار حريق، في حين تمّ تدمير المُعدّات الإلكترونية وتضرر الأثاث.

ورغم الطلبات المتكررة من السفارة الفرنسية، إلا أنّ الشرطة الإيرانية لم تتدخل للحيلولة دون تفاقم الأضرار والخسائر، وهو ما يُثير العديد من الأسئلة حول وجود دور رسمي، بما في ذلك كيفية كسر الأختام التي تُغلق المعهد. ويُصبح هذا الوضع أكثر إثارة للاهتمام نظراً لأنّ المعهد الفرنسي يقع في منطقة شديدة الحراسة، وتضم العديد من المؤسسات الإدارية والرسمية الإيرانية.

وكان المعهد مركزاً رئيسياً للدراسات حول العلوم الإنسانية والاجتماعية والأبحاث الأثرية حول إيران، والتي تُغطّي الفترة من عصور ما قبل التاريخ إلى العصر الحالي. ولم يقتصر مجال بحثه على حدود الجمهورية الإسلامية الإيرانية، بل كان يمتد إلى جميع الثقافات في مُحيطها الإقليمي.

L’Iran ferme un institut français après la publication par « Charlie Hebdo » de caricatures https://t.co/FRRjX32q4S

— Le Monde (@lemondefr) January 5, 2023 مُساومة إيرانية

وكثيراً ما تتهم طهران فرنسا والغرب بالتدخل في شؤونها الداخلية. وقد بقي المقر الرئيسي للمعهد، الذي يقع في وسط طهران، مُغلقاً لسنوات عديدة، إلى أن أعيد افتتاحه في عهد الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني (2013-2021) كإشارة إلى تحسّن العلاقات بين باريس وطهران حينها، قبل أن يتم إغلاقه مُجدّداً منذ نحو سنتين.

يُذكر أنّ أسبوعية "شارلي إيبدو" الفرنسية الساخرة، وفي إطار دعمها "الإيرانيين الذين يُناضلون من أجل حريتهم"، أطلقت مُسابقة في عام 2023 لاختيار رسوم كاريكاتورية حول الأوضاع الداخلية في إيران، وذلك في أعقاب تصاعد احتجاجات الشعب الإيراني على وفاة الشابة مهسا أميني أثناء احتجازها لدى الشرطة في سبتمبر (أيلول) 2022.

L'Iran menace la France après la publication de caricatures de Khamenei dans "Charlie Hebdo" https://t.co/Cs4rA1veXH

— Marianne (@MarianneleMag) January 5, 2023

وعلى إثر ذلك دعت السلطات الإيرانية باريس إلى ما أسمته "مُحاسبة مُرتكبي هذه الكراهية والعنصرية" واصفة تلك الرسوم بـِ "المُهينة".

وأغلقت طهران المعهد الفرنسي للأبحاث كردّ على رفض الحكومة الفرنسية تقديم أيّ تنازلات ضدّ حرية الصحافة والرأي.

وكان من بين مهام المعهد، تنظيم ودعم المؤتمرات الدولية من خلال الرعاية المالية والدعم الاستراتيجي، والتعاون مع الجامعات ومراكز الأبحاث الإيرانية. وشكّلت مكتبته وقواعد بياناته، والخدمات المُتنوّعة التي كان يُقدّمها، مُلتقى نادراً للحياة الفكرية والبحثية للإيرانيين والفرنسيين والأجانب.

مقالات مشابهة

  • مجدداً..هل تستعد إسرائيل لضرب نووي إيران؟
  • البرهان يدعو إلى احتواء الأزمات بالبحث… والصفوة في شغل عنه (1-2)
  • في إيران.. إقامة مراسم تأبين لنصرالله وصفي الدين
  • توتر.. هذا ما يشهده مخيم البداوي
  • باريس تتهم سلطات إيران بنهب وتدمير المعهد الفرنسي للأبحاث
  • بعد أسابيع من زيارة الرئيس الإيراني موسكو.. وزير الخارجية الروسي في طهران
  • تعويلٌ على تشييع نصرالله... هل بدأت إيران بخسارة لبنان؟
  • اعتقال بريطانيين في إيران.. سياقات التصعيد وانعكاساته
  • رغم التوتر.. المعادن الاستراتيجية على طاولة كييف وواشنطن
  • رغم النفي الإيراني.. وفد من واشنطن سيصل بغداد قريبا لبدء مفاوضات مع طهران - عاجل