إسرائيل عاجزة عن تمويل قوات الاحتياط وتدرس تقليصها
تاريخ النشر: 17th, November 2023 GMT
تدرس إسرائيل تقليص عدد أفراد قوات الاحتياط في الجيش الذين تم استدعاؤهم للحرب على قطاع غزة، وذلك بسبب التكلفة الاقتصادية المرتفعة، وفق ما أفادت هيئة البث الإسرائيلية.
وقالت الهيئة (رسمية) اليوم الجمعة إن جهاز الأمن الإسرائيلي يدرس إمكانية تقليص عدد قوات الاحتياط التي تم استدعاؤها مع اندلاع الحرب الحالية ضد حركة حماس وتسريح قسم من قوامها.
وأضافت أن ذلك يأتي بسبب التكلفة الاقتصادية المرتفعة والأضرار التي لحقت باقتصاد البلاد جراء تغيب عناصر تلك القوات عن منازلهم وأماكن عملهم.
وكانت إسرائيل أعلنت في بداية الحرب على قطاع غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي استدعاء 360 ألف جندي من قوات الاحتياط، وأشارت الهيئة إلى أنه حتى الآن تم حشد أكثر من 200 ألف جندي من هذه القوات.
وقالت الهيئة إن التكلفة المباشرة لمرتبات جنود الاحتياط حوالي 5 مليارات شيكل (1.3 مليار دولار) شهريا تضاف إليها تكلفة فقدان أيام العمل لهؤلاء الجنود، والتي تقدر بنحو 1.6 مليار شيكل (427 مليون دولار).
وأضافت أنه تتم دراسة إمكانية اتباع المرونة في ما يخص خدمة جنود الاحتياط، بحيث يسمح لهم بالعودة إلى مزاولة أعمالهم لفترات طويلة.
واستدركت الهيئة الرسمية بأن الأمر "لا يزال قيد الدراسة رهنا بالاحتياجات الأمنية والواقع الميداني المتغير".
وكانت إسرائيل أعلنت على لسان أكثر من مسؤول فيها أن الحرب على غزة ستكون طويلة، لكن بعضهم قالوا إنها ستكون أطول مما توقعوا نظرا للمقاومة الشرسة التي يلقاها جيش الاحتلال خلال توغله البري.
وإضافة الى غزة فإن الجيش الإسرائيلي يحشد قواته عند الحدود الشمالية مع لبنان تحسبا لحرب مع حزب الله، كما يخشى أنه تفجر الأوضاع في الضفة الغربية أيضا.
خسائر متزايدةويبدو أن اقتصاد الرفاه الذي روجت له إسرائيل على مدى العقود الماضية قد يصبح جزءا من الماضي.
وتظهر الأرقام تكبد تل أبيب خسائر اقتصادية كبيرة بسبب الحرب التي تشنها على قطاع غزة، فقد تهاوت أغلب المؤشرات، من البورصة إلى العقارات والمصارف، فضلا عن تراجع الشيكل وسوق العمل وأداء شركات التكنولوجيا.
ومنذ 42 يوما يشن الجيش الإسرائيلي حربا مدمرة على غزة خلّفت أكثر من 11 ألفا و500 شهيد -معظمهم من النساء والأطفال- فضلا عن نحو 30 ألف مصاب ودمار هائل للأحياء السكنية والمرافق الحيوية والمستشفيات.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: قوات الاحتیاط
إقرأ أيضاً:
عامان من حرب السودان: لم ينجح أحد
في مايو (أيار) 2023 كتبت مقالاً بهذه الصحيفة، وكان بعنوان: «حرب السودان: من يخسر أكثر؟». وبعد عامين من الحرب لم يتغير الموقف والرؤية للحرب؛ فهي سباق في الخسارة والفقدان. ربما تتراوح الخسائر في الحجم، لكن إجمالاً لم ينجح أحد.
لو نظر الإنسان للخسائر البشرية والمادية فلن يجد لها سقفاً؛ آلاف الشباب من أبناء السودان فقدوا أرواحهم في الحرب، من كل أنحاء السودان وجهاته، ومن كل المهن والوظائف، عسكرية كانت أو مدنية، ونزح الملايين من مدنهم وقراهم، ولجأ مئات الآلاف لدول الجوار. دُمّرت البنيات الأساسية؛ مصانع ومساكن، طرق وجسور، مطارات، ومحطات كهرباء ومياه، جامعات ومدارس ومستشفيات... ولا يوجد تقدير دقيق لحجم الخسائر المادية، لكنه بالتأكيد بمليارات الدولارات.
أخطر الخسائر حدث في النفوس، متمثلاً في القيم والأخلاق الإنسانية والانقسام الحدي للمجتمع لدرجة لا يمكن تصورها. شهدنا حرباً قدمت أقصى صور البشاعة، حتى صارت الجرائم والانتهاكات الواضحة والظاهرة يتم الالتفاف عليها والبحث عن تبرير لها، بل أكثر من ذلك تُقدم باعتبارها صوراً للبطولة والانتصار. لا يتم استنكار الفعل لأنه منافٍ للقيم الإنسانية والطبيعة البشرية والقانون الدولي الإنساني، بل بوصف من ارتكبه، ويعتمد الأمر على الانتماء العرقي والقبلي والجغرافي. إذا قتلت «قوات الدعم السريع» المدنيين في ود النورة والتكينة والجموعية، تأتي التبريرات من مؤيديهم بأن هذه طبيعة الحرب، وأن المدنيين في دارفور تعرضوا لهذه المعاملة ذاتها من قبل، أو أن هؤلاء المدنيين حملوا السلاح للدفاع عن أنفسهم وأسرهم وممتلكاتهم، وكأن هذه جريمة. وإن قصف سلاح الطيران القرى والأسواق في دارفور يتم التبرير لذلك بأن هذه حواضن اجتماعية لـ«الدعم السريع». وإن تمت تصفية مدنيين في المناطق التي استعادها الجيش، تأتي التبريرات بأن هؤلاء كانوا متعاونين مع «الدعم السريع» حين احتلت قراهم ومناطقهم، ومن بينهم بائعات الأطعمة والشاي. الأقسى من كل ذلك أن يتورط صحافيون وسياسيون وكتّاب في الترويج لهذه الجرائم، ويسموا الطيارين الحربيين «صنّاع الكباب»، في إشارة للجثث المحترقة بعد القصف!
في الأسبوع الماضي هاجمت «قوات الدعم السريع» معسكر «زمزم» للنازحين في ضواحي مدينة الفاشر الذي عسكرت القوات المشتركة في بعض أجزائه. وكعادة «قوات الدعم السريع»، لم تفرق بين عسكري ومدني، ولا بين رجل وامرأة وطفل؛ كان الجميع هدفاً للرصاص المنهمر من كل ناحية، والحرائق التي أحالت المساكن المؤقتة إلى خراب. من بين كل الضحايا برزت صورة الطبيبة الشابة هنادي النور التي رفضت الخروج وظلت مع أهالي المدينة، تعالج أمراضهم وجراحاتهم، وتحمل السلاح أحياناً إن دعت الحال. هز موتها القلوب، وكتب عنها الناس ونعوها. بغض النظر عن الموقف السياسي، رأى فيها البعض رمزاً للمقاومة، ورأى البعض الآخر فيها نموذجاً للشباب الغض الذي راح ضحية للحرب، وفيهم من قدم الموقف السياسي قبل كل شيء، ورأى أنها مقاتلة كانت مع الصف الآخر، وبالتالي تستحق الموت!
تحاصر «قوات الدعم السريع» مدينة الفاشر منذ فترة طويلة، وتعيش المدينة ومعسكرات النازحين القريبة منها أوضاعاً إنسانية وصفتها المنظمات الدولية بالكارثية، ويقع مئات الآلاف من السكان الذين بقوا فيها في خط تقاطع النيران بين «قوات الدعم السريع» من جهة، والقوات المشتركة لحركات دارفور مع وحدات من الجيش تتمترس داخل المدينة. كانت هناك فرصة أن تبقى المدينة بعيداً عن الحرب أضاعتها الحركات المسلحة التي أعلنت دخولها الحرب بعد فترة من الحياد، ومنذ ذلك الوقت لم ترَ المدينة يوماً واحداً هادئاً.
بعد عامين من الحرب لم يربح أحد؛ خسر الجميع، وإن أنكروا ذلك، جهلاً أو مكابرة. خسرنا إنسانيتنا التي أهدرناها في الميدان، حين تمت استباحة دماء وعروض المدنيين على أساس قبلي وجهوي، وحين أمسك مقاتل شاب بلحية شيخ طاعن في السن محاولاً إذلاله، وحين تجمع رجال ونساء وأطفال ليشهدوا تصفية «متعاون» في الشارع العام وسط الزغاريد والتهليل. كما أهدرناها على صفحات «السوشيال ميديا» التي تتقيأ يومياً سموم الكراهية والتحريض القبلي والجهوي، وتوزع نتانتها على الجميع!
بعد عامين من الحرب، يقف أكثر من نيرون على قمة ركام وجبال من الخراب والدمار في الخرطوم أو في الفاشر، ليغني للانتصار، وتقف من خلفه أسراب البوم والغربان لتردد أناشيد الموت والدم، وفيهم سياسيون وكتّاب ومثقفون كبار، ويا للأسف!
فيصل محمد صالح