الحرب في الشرق الأوسط تعزز العلاقات بين موسكو وأنقرة
تاريخ النشر: 17th, November 2023 GMT
شهدت العلاقات بين روسيا وتركيا في الآونة الأخيرة فترات من التوتر على خلفية عدة تطورات، إلا أن الأحداث الأخيرة في منطقة الشرق الأوسط قد وضعت حداً على ما يبدو لتلك التوترات.
ويقول الباحث والكاتب الروسي رسلان سليمانوف، المتخصص في قضايا الشرق الأوسط في تقرير نشرته مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي أن الفترة الأخيرة من التوتر بين روسيا وتركيا قد انتهت على ما يبدو.
ومن المرجح أن تسعى موسكو وأنقرة، إلى تعزيز علاقاتهما الخاصة، ومواءمة مواقفهما بشأن القضايا الإقليمية الشائكة. لكن هذا لا يعني أن أحد الطرفين لن ينتهي به الأمر إلى اتهام الطرف الآخر بطعنه في الظهر.
واتخذ أردوغان عدة قرارات هذا الصيف كان الكرملين سيعتبرها عدائية. وخلال زيارة قام بها الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في يوليو (تموز) إلى اسطنبول، قال الرئيس التركي إن أوكرانيا "تستحق" عضوية الناتو. وبالإضافة إلى ذلك، سلم أردوغان إلى كييف خمسة قادة من فوج آزوف الأوكراني الذين كانوا في تركيا بموجب شروط تبادل الأسرى بين روسيا وأوكرانيا.
وفي تلك اللحظة، كان الكرملين مشغولاً ببدء الهجوم المضاد الأوكراني والتمرد من قبل مجموعة فاجنر الروسية الخاصة، وكان عليه أن يكتفي بالاعتراضات اللفظية التي قدمها كبار المسؤولين على النحو الواجب. وكان الرد الروسي الجاد الوحيد هو التراجع عن صفقة الحبوب في البحر الأسود على الرغم من جهود تركيا للتفاوض على التمديد، والتي تضمنت تدخلا شخصيا من قبل أردوغان.
Turkey’s President Erdogan declares Israel a terrorist state and says “your end is near.” pic.twitter.com/TFes6EoOV8
— Russian American Daily (@RussiaUSA) November 16, 2023 خطوط حمراءفي حين أدركت أنقرة أن موسكو في موقف ضعيف، كان أردوغان يختبر فقط الخطوط الحمراء لموسكو. ولم يكن يحاول إحداث تدهور في العلاقات الثنائية بشكل جذري. ووافق أردوغان على الذهاب إلى منتجع سوتشي الروسي المطل على البحر الأسود في 4 سبتمبر(أيلول) للقاء الرئيس فلاديمير بوتين، على الرغم من أن الخطة الأصلية كانت أن يذهب بوتين إلى تركيا. وعلى الرغم من التوقعات، لم تؤد المحادثات إلى إحياء صفقة الحبوب، أو في الواقع تحقيق أي نتائج مهمة. وكانت النتيجة الرئيسية إشارة إلى العالم بأن العلاقات بين موسكو وأنقرة في حالة جيدة.
ويقول سليمانوف إن البيانات الاقتصادية تقدم دليلاً حياً على الصداقة. وارتفع حجم التجارة بين روسيا وتركيا بأكثر من 80% في عام 2022 إلى 62 مليار دولار، حيث أصبحت روسيا أكبر مصدر لواردات تركيا. ومن المتوقع أن تكون أرقام هذا العام أعلى من ذلك.
ومع ذلك، كانت السياسة الخارجية دائماً نقطة شائكة، مع استمرار الخلافات حول سوريا وليبيا ومنطقة ناجورني كاراباخ المتنازع عليها في جنوب القوقاز. ومع ذلك، تمكنت روسيا وتركيا من تجنب المواجهة المفتوحة في السنوات الأخيرة. والآن، مع اشتعال الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، يجد البلدان نفسيهما في نفس المعسكر، وهو أمر لم يكن عليه الحال قط في أي قضية دولية كبرى أخرى، الأمر الذي دفع الكثيرين إلى التنبؤ بأن العلاقات بين البلدين سوف تتحسن بسرعة.
وذكر بيان للكرملين نقلاً عن مكالمة هاتفية بين أردوغان وبوتين في 24 أكتوبر (تشرين الأول) حول الحرب بين إسرائيل و "حماس" أن موسكو وأنقرة لديهما "مواقف متشابكة عمليا، تركز على تنفيذ حل الدولتين المعروف، الذي ينص على إنشاء فلسطين مستقلة تتعايش مع إسرائيل في سلام وأمن". وقد تكون مواقف الرئيسين متشابهة ، إلا أن دوافعهما مختلفة تماما. فعندما يقول ممثل روسيا لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، إن إسرائيل كقوة احتلال، ليس لها الحق في الدفاع عن نفسها، فإنه يحاول تصوير روسيا كواحدة من قادة ما يسمى بالجنوب العالمي. في المقابل، يطمح أردوغان إلى قيادة العالم الإسلامي.
#Erdogan is very impressed with close ally (#Putin). I wonder if he is not going to buy planes from #Russia ????
The West should not sell any aircraft to #Turkey, because they are #PutinsPuppets ????
Where are the planes٫said they have built and become competitors of everyone????????? pic.twitter.com/nieRLs1HFc
ويرى سليمانوف أن دعم روسيا المفتوح لحماس هو ظاهرة حديثة نسبياً، ونتيجة مباشرة للغزو واسع النطاق لأوكرانيا. وعلى وجه التحديد، أدى الغزو إلى فتور العلاقات مع إسرائيل ودفء العلاقات مع إيران، الراعي الرئيسي لحماس. وقبل هجوم 7 أكتوبر (تشرين الأول) على إسرائيل، كان من الممكن تفسير مشهد وفود "حماس" في موسكو على أنه سعي روسيا للتوسط بين الفصائل الفلسطينية. ومع ذلك، تنظر إسرائيل الآن إلى مثل هذه الاتصالات بشكل مختلف تماماً.
ومن ناحية أخرى، لطالما دعم أردوغان حماس، وسمح لمقاتلي الحركة بالإقامة في تركيا ومنحهم جوازات سفر تركية. وخرج الرئيس التركي نفسه من عباءة الدوائر الإسلامية، ودعم حماس مهم من الناحية الأيديولوجية بالنسبة له. وفي الأيام الأولى من الحرب الحالية، حاول أردوغان التنقل ذهاباً وإياباً بين إسرائيل وحماس وألمحت بعض التقارير إلى أنه طرد قادة حماس من اسطنبول. لكنه سرعان ما تخلى عن هذا التكتيك وقرر تقديم دعمه الكامل "للأشقاء" الفلسطينيين.
ودفعت الطرق المختلفة موسكو وأنقرة إلى اتخاذ القرار نفسه بالتضحية بالعلاقات مع تل أبيب، مما يعني أنه لا يمكن لأي منهما أن يكون وسيطا في الصراع الحالي. ويبدو أن اقتراح تركيا الأخير بإنشاء مجموعة من الضامنين لتسهيل التوصل إلى حل للقتال غير قابل للتحقيق. حتى موسكو لم تكن متحمسة للفكرة.
وفي الوقت نفسه، لم تكن تفاعلات أي من البلدين مع "حماس" فعالة بشكل خاص. وعلى الرغم من التنسيق مع القيادة السياسية للجماعة، لم تحقق روسيا ولا تركيا تحرير أي رهائن. وهذا يتناقض مع الجهود الأكثر نجاحاً التي تبذلها مصر وقطر، على سبيل المثال، وهما على اتصال مع الجناح العسكري لحماس في غزة. ومع ذلك، فإن نهجهما يسمح لروسيا وتركيا بتوجيه انتقادات متكررة إلى الغرب، وهو أمر مهم لجماهيرهما المحلية.
ومن خلال اتهام الولايات المتحدة بتأجيج الفوضى في الشرق الأوسط، يعزز بوتين روايته بأن الغرب هو مصدر كل المحن في روسيا والعالم الأوسع. وبنفس الطريقة، فإن انتقاد أردوغان للغرب لمحاولته بدء حرب بين المسيحية والإسلام يروق لمشاعر قوية مناهضة لحلف شمال الأطلسي في تركيا. ومع ذلك، فإن مثل هذا الخطاب من أردوغان لا يعني أنه يريد تدمير علاقاته مع الناتو. ولم يكن من قبيل المصادفة أنه قبل يومين فقط من إلقاء خطاب غاضب لدعم حماس، قدم أردوغان مشروع قانون إلى البرلمان من شأنه أن يوافق على عضوية السويد في الحلف العسكري الغربي، وهو أمر قاومته تركيا في السابق.
ويقول سليمانوف إنه لذلك من غير المرجح أن يتمكن الكرملين من تجنيد تركيا في حملته المناهضة للغرب نيابة عن الجنوب العالمي. وإذا احتاج أردوغان إلى إظهار الولاء لشركائه في الناتو "كما هو الحال مع تصويت عضوية السويد"، فسوف يفعل ذلك دون حتى إلقاء نظرة إلى الوراء على موسكو.
وختم سليمانوف تقريره بالقول إن الاتفاق حول الصراع بين إسرائيل وحماس يعني أن التعاون الدبلوماسي بين روسيا وتركيا حول جنوب القوقاز وسوريا على سبيل المثال سوف ينمو. لكن أي دفء في العلاقات سيكون ظرفيا، ولن يكون هناك أي ضمان على الإطلاق ضد الخلافات المستقبلية.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان سلطان النيادي مانشستر سيتي غزة وإسرائيل الحرب الأوكرانية عام الاستدامة موسكو أنقرة بین روسیا وترکیا العلاقات بین الشرق الأوسط موسکو وأنقرة على الرغم من ومع ذلک یعنی أن
إقرأ أيضاً:
2024 .. عام لا كالأعوام !
يمكن القول ان التداعيات الجيوسياسية التي حدثت في النصف الثاني من العام المنصرم (2024) تعتبر من أخطر التداعيات في المنطقة العربية والشرق الأوسط، وهي تداعيات من نوع استراتيجي سيخلف في عالم السياسة والمحاور والمعادلات التي تحكم المنطقة العربية؛ اهتزازات ذات تأثير كبير في هذه المنطقة.
ذلك أن بدايات التغيير الجيوسياسي الكبير وغير المسبوق الذي حدث في النصف الثاني من العام المنصرم ستتداعى معه سياسات ومعادلات تحكم وسيطرة ظلت لأكثر من4 عقود تأخذ بخناق المنطقة العربية ضمن سياق بدا من الواضح اليوم أنه كان خصما عن استقرارها.
وإذا كان العام قبل الماضي هو الذي انطلقت معه شرارة التحولات عبر حدث 7 أكتوبر الذي انطلق من غزة تحت اسم عملية «طوفان الأقصى» فإن ما جرى بعد ذلك من تطورات في فلسطين وسوريا ولبنان هو تغيير سيطبع آثاره لفترة طويلة في المنطقة. إن ما حدث في العام قبل الماضي والعام المنصرم، من تطورات ينبئ بالمزيد منها ومن تلك النوعية ذات الأثر الثقيل، وهي تطورات لها علاقة عضوية بالمحور الذي انهارت فيه قوى وحركات وأنظمة «الممانعة» في كل من فلسطين ولبنان وسوريا، بحيث يمكننا القول أن هناك المزيد من أثر التحولات سيطال منطقة المشرق العربي، وربما تطور الوضع المرتبط بمحور الممانعة إلى آفاق تغيير كبرى في الشرق الأوسط.
ستأتي سياسات الإدارة الأمريكية الجديدة في ظل قيادة ترامب بترتيبات عرف العالم ضرباً منها خلال ولاية ترامب السابقة بين عامي 2016 - 2020 وكان من أهم ملامح تلك السياسات التي سنها ترامب في الشرق الأوسط؛ اغتيال شخصية كان لها أثر كبير في المنطقة العربية ضمن محور الممانعة (الجنرال قاسم سليماني) وكذلك انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الذي أبرمته مع إيران برعاية دولية، أي اتفاق عام 2015 إلى جانب خطوات أخرى خطيرة وغير مسبوقة أحدثها ترامب في علاقته مع اسرائيل، مثل؛ نقل سفارة الولايات المتحدة في اسرائيل من تل أبيب إلى القدس، والاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان، وغيرها من خطوات بدت أكثر من جريئة في سياسات رؤساء الولايات المتحدة السابقين.
التحولات الجيوسياسية الكبيرة التي حدثت في النصف الثاني من العام المنصرم في هذه المنطقة على خلفية عملية طوفان الأقصى يبدو أنها كانت بالنسبة لإسرائيل بمثابة لحظة مؤاتية انتظرتها طويلا لإطلاق يدها في تطبيق مخططات كانت تحتاج إلى لحظة استراتيجية.
ما حدث في العام الماضي، ستليه أحداث أخرى في هذا العام الجديد، لكن من المؤسف القول أن طبيعة هذه التحولات الجيوسياسية في المنطقة العربية هويتها الدراماتيكية لم تكن تعبيرا جديدا عن نظرية الساحة التي ظلت تمثلها المنطقة العربية وتتلقى الضربات التحويلية فيها من فاعلين إقليميين ودوليين لاتزال حتى اليوم لهم القدرة على الإمساك بالمصير السياسي للمنطقة من خارجها!
بمعنى آخر، قد لا تبدو التغييرات التي حدثت في سوريا ولبنان وغزة من تداعيات عملية طوفان الأقصى بمثابة تعبير إرادي للدخول في مرحلة جديدة بقدر ما هي تداعيات فرضتها معادلات جديدة شكلتها قوى إقليمية ودولية مؤثرة.
ربما نشهد في العام الجديد تداعيات أخرى في أكثر من منطقة بالشرق الأوسط، وإذا صح ذلك، يمكننا القول ان الجانب الذي نتوقع أنه بقي من مرحلة استكمال التغيير الجيوسياسي في منطقة الشرق الأوسط هو الجانب الذي سيكون أكثر تأثيرا في المنطقة. ذلك أنه قد بدا من الوضوح بمكان أن تأثيرات تداعيات قضية الشرق الأوسط من ناحية، والحرب الأوكرانية الروسية من ناحية ثانية، وتداعي نفوذ ماسمي بمحور الممانعة من ناحية ثالثة، هي التأثيرات التي قد يترتب على حسم بعضها - على الأقل - في هذا العام الكثير من عوامل صنع الاستقرار في المنطقة والعالم.
وإذا صح أن الرئيس ترامب يريد، هذه المرة، أن يكون أكثر خبرةً من سنوات ولايته الماضية حيال الملفات الثلاثة السالفة، فإن في تاريخ الرجل من القدرة على اتخاذ القرارات العملية ما قد يلعب دورا كبيرا في الاستفادة من التغييرات الجيوسياسية التي حدثت في النصف الثاني من العام المنصرم؛ باتجاه إحلال الأمن والسلم في أكثر من منطقة، لاسيما في الملف الأكثر استعصاءً ؛ قضية الشرق الأوسط!