الفاتيكان مستاء من الانقسام المسيحي - المسيحي
تاريخ النشر: 17th, November 2023 GMT
تبّلغت مراجع روحية مسيحية، وفي شكل غير رسمي، استياءً شديد اللهجة من دوائر الفاتيكان المهتمّة مباشرة بالملف اللبناني، وبالتحديد الجانب المسيحي منه. ومردّ هذا الاستياء،كما تناهى إلى أكثر من طرف سياسي، يعود إلى الانقسام الذي يسود المجتمع المسيحي، والذي يتسبّب بخسارة المواقع الرسمية التي أعطيت للمسيحيين، وبالتحديد للموارنة منهم.
ومن بين هذه المواقع المهمّة رئاسة الجمهورية، مع ما يرمز إليه هذا الموقع بالنسبة إلى الوجود المسيحي في المنطقة، باعتبار أن رئيس جمهورية لبنان، وهو من بين الأعضاء المؤسسين لجامعة الدول العربية، هو الرئيس المسيحي الوحيد من بين اثنتين وعشرين دولة عربية ملوكها وأمراؤها ورؤساؤها مسلمون. وهذا ما توافق عليه اللبنانيون عندما أرسوا في ما بينهم عرفًا قضى بأن تُسند رئاسة الجمهورية إلى ماروني، فيما تؤول رئاسة مجلس النواب إلى أحد أبناء الطائفة الشيعية، ويتولى رئاسة مجلس الوزراء مسلم سنّي. ولكي يطمئن المسيحيون إلى غدهم في هذه المنطقة العربية ذات الأغلبية المسلمة، أناط المسلمون بالطائفة المارونية أهم ثلاثة مواقع رئيسية، ومن بينها قيادة الجيش وحاكمية مصرف لبنان ورئاسة المجلس العدلي، فضلًا عن رئاسة الجمهورية. لكن الخلافات العمودية والأفقية بين الموارنة أدّت في السابق إلى إبقاء موقع رئاسة الجمهورية فارغًا لسنتين ونصف السنة، وهي تؤدّي اليوم إلى إبقاء هذا الموقع في حال من الفراغ المميت، والذي انعكست سلبياته على تفريغ حاكمية المصرف المركزي من رمزيتها المسيحية. وهذا ما يخشى أن يحصل في قيادة الجيش إذا لم يتوافق المسيحيون على فكرة التمديد لقائد الجيش الحالي العماد جوزاف عون.
وفي رأي الذين على تواصل دائم مع دوائر الفاتيكان فإن الخلافات المسيحية – المسيحية، وبالتحديد المارونية - المارونية، أفقدت الكثير من وهج الدور الذي أنيط بهم عبر تاريخهم الطويل، والذي كان له الأثر الكبير في تأسيس دولة لبنان الكبير، التي ارتبط قيامها باسم البطريرك الراحل الياس الحويك وما قام به من جهود لدى السلطات الفرنسية توصلًا إلى رسم حدود لبنان الحالية، وإلى تحديد دور المسيحيين فيه، وما يُنتظر منهم في عملية تنقية الماضي من شوائب مرّ بها اللبنانيون مرتين على الأقل سنة 1860 وسنة 1880، والتأسيس لمستقبل آمن لجميع مكونات "البازل" اللبناني، والذي انتكس أكثر من مرّة، ولا يزال. فمسؤولية المسيحيين في عدم الاستقرار السياسي والأمان الاجتماعي في لبنان كبيرة، كما تراها دوائر الفاتيكان. ومسؤوليتهم أكبر في عدم التوصّل إلى انتخاب رئيس للجمهورية، على رغم معرفتها بأن محور "الممانعة" هو الذي يعطّل هذا الاستحقاق بالمباشر. ولكنها ترى بأنه لو كانت كلمة المسيحيين موحدّة، ولا تباعد بينهم الخلافات والمهاترات، على غرار ما هو حاصل في صفوف "الثنائي الشيعي"، لما كان أحد يستطيع تعطيل أي استحقاق دستوري.
وما يُقال عن الخلافات المسيحية – المسيحية بالنسبة إلى رئاسة الجمهورية يُقال اليوم عن قيادة الجيش، إذ أن لكل من المكونات المسيحية نظرة مختلفة حيال التمديد للعماد عون. وهذا ما يجعل القرار، الذي يجب أن يُتخذ في هذا الشأن، سواء في مجلس النواب أو في مجلس الوزراء معقدًّا قليلًا، حيث يطالب رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بتوافق وطني لكي يتحمّل الجميع مسؤولية أي قرار يمكن أن يُتخذ. وفي جزء من هذا الاستياء الفاتيكاني تحميل مسؤولية ما آلت إليه وضعية المسيحيين إلى بكركي، التي كان عليها أن تتصرّف بما يتناسب وحجم خطورة الظروف التي يمرّ بها مسيحيو لبنان، الذين تحّول أكثر من نصفهم إلى مشاريع هجرة، مع استهانة فكرة تفريغ المجتمع المسيحي من شبابه.
فإذا استمرّ القادة المسيحيون، وبالأخصّ الموارنة منهم، في مناكفاتهم السياسية وحساباتهم الشخصية فإنهم سيجدون أنفسهم خارج المعادلات والتوازنات للتركيبة اللبنانية. المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: رئاسة الجمهوریة من بین
إقرأ أيضاً:
في الذكرى السادسة للعدوان على طرابلس: ليبيا إلى السلام أم الانقسام؟
في الرابع من أبريل عام 2019، دقّت طبول الحرب على أبواب العاصمة الليبية طرابلس. لم تكن مجرد معركة عسكرية، بل كانت منعطفًا تاريخيًا حاسمًا، كشف هشاشة العملية السياسية، وأكد أن السلاح لا يزال أداة الفصل الحقيقية في ليبيا، رغم كل الشعارات عن التوافق والديمقراطية.
هجوم قوات خليفة حفتر على العاصمة، الذي جاء عشية انعقاد الملتقى الوطني الجامع، لم يكن مفاجئًا بالكامل لمن تابع تحركاته في الجنوب الليبي خلال الأشهر السابقة. لكن المفاجأة كانت في التوقيت والرسالة: لا مكان لتسوية سياسية إن لم تمر أولًا عبر فوهات البنادق.
خلال الشهور التي تلت، عاشت طرابلس إحدى أطول معارك الاستنزاف في تاريخ البلاد الحديث. لم تكن حربًا خاطفة، بل صراعًا مريرًا على خطوط تماس جنوبية، تحوّلت إلى رموز للصمود والتدمير في آن. في عين زارة، الخلاطات، والسواني، تعلّم الليبيون من جديد أن الحرب، حين تُدار بعقيدة سياسية مشوشة وتحالفات خارجية متناقضة، لا تنتج إلا الخراب.
أطلقت حكومة الوفاق عمليتها المضادة، “بركان الغضب”، وبدأ فصل آخر للحرب. لكن الحقيقة التي لا يمكن إنكارها هي أن ما يحدث على الأرض كان أكبر من الأطراف الليبية. كانت، بكل وضوح، مسرحًا لصراع إقليمي ودولي بأدوات محلية: مقاتلون روس على الأرض ودعم إماراتي ومصري على الخطوط الخلفية لصالح حفتر ومواقف غربية باهتة لا ترقى لمستوى الأزمة، بينما دعمت دول مثل قطر وتركيا الشرعية الدولية المتمثلة في حكومة الوفاق آنذاك.
تدخل تركيا كان نقطة التحوّل الحاسمة. مع توقيع مذكرتي التفاهم، دخلت أنقرة بثقلها، وبدأت موازين القوى تتغير تدريجيًا. بعد سقوط الوطية وترهونة، تراجعت قوات حفتر، وأُعلنت هدنة هشّة في أغسطس 2020. لكن هل كانت نهاية الحرب حقًا؟ أم مجرد هدنة بين جولات صراع مؤجلة؟
اليوم، بعد ست سنوات على اندلاع تلك الحرب، ما الذي تغيّر؟ ليبيا لم تتوحد. المرتزقة لا يزالون في مواقعهم. المؤسسات منقسمة. الانتخابات مؤجلة إلى أجل غير مسمى. واللاعبون أنفسهم مازالوا يتصدرون المشهد، كأن شيئًا لم يكن.
المؤسف أن الكلفة الإنسانية الهائلة لم تكن كافية لفرض مراجعة شجاعة للمسار. مئات الآلاف شُرّدوا، الآلاف سقطوا بين قتيل وجريح، العاصمة أنهكت، والعدالة لم تتحقق. لم يُحاسب أحد على جرائم القصف العشوائي، ولا على استقدام المرتزقة، ولا على تدمير حياة الناس.
في الذكرى السادسة، لا بد أن نطرح السؤال المؤلم: ما جدوى تلك الحرب على طرابلس؟ وهل ما بعد الحرب يقودنا حقًا إلى سلام دائم، أم إلى انقسام مستدام تُديره تسويات مؤقتة وصفقات خلف الأبواب؟
الليبيون يستحقون أكثر من مجرد وقف إطلاق نار. يستحقون مسارًا سياسيًا يحترم تضحياتهم، ويُعيد إليهم دولتهم المختطفة. السلام ليس مجرد هدنة، بل مسار شجاع نحو العدالة والمصالحة والوحدة. أما دون ذلك، فإننا نعيش فقط في استراحة محارب، بانتظار الجولة القادمة من الصراع.
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي القناة وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً
الكاتب عبد القادر أسد