العرب وإفريقيا.. الخيار الاستراتيجي المستقبلي
تاريخ النشر: 17th, November 2023 GMT
العرب وإفريقيا.. الخيار الاستراتيجي المستقبلي
الدول الإفريقية شكّلت منذ الستينيات الظهير الرئيسي للبلدان العربية في القضايا المصيرية الكبرى.
تحديات أمنية جيوسياسية مستقبلية تفرض الانتقال من مفهوم الشراكة العربية الإفريقية إلى التكامل العضوي الذي يمكن أن يتجسد في مشاريع كبرى.
من الضروري اليوم الوقوف على الوجه الجديد لإفريقيا التي تعرف تحولات سياسية ومجتمعية جوهرية نادراً ما تنال الاهتمام المستحق من النخب العربية.
تفعيل الشراكة العربية الإفريقية شرط إعادة الروح للنظامين العربي والإفريقي، مع توسيع مجال الكتلة العربية الحيوي بينما تخضع العلاقات الدولية لتشكل متسارع وجذري.
* * *
في الوقت الذي نعيش فيه مأساة الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وما أفضت إليه من إبادة جماعية ضد سكان القطاع المحاصر، تأجل انعقاد القمة العربية الإفريقية التي كانت مقررةً في الرياض وإن عوضتها قمةٌ سعودية إفريقية التأمت قبل القمتين العربية والإسلامية الطارئتين اللتين أوجبتهما الأحداث الفلسطينية الأليمة.
لا مندوحةَ من الإقرار بأن الأفارقة، كما هي عادتهم، شاطروا المجموعة العربية تعاطفَهم العارم مع الشعب الفلسطيني، كما ظهر من التصريحات الإفريقية الرسمية ومن تصويت دول القارة في الجمعية العامة للأمم المتحدة.
ليس التضامن العربي الإفريقي بالجديد، فلا أحد يجهل أن الدول الإفريقية شكّلت منذ الستينيات الظهير الرئيسي للبلدان العربية في القضايا المصيرية الكبرى، إلا أنه من الضروري اليوم الوقوف على الوجه الجديد لإفريقيا التي تعرف تحولات سياسية ومجتمعية جوهرية نادراً ما تنال الاهتمام المستحق من النخب العربية.
ومن التحولات التي أثارت اهتمام الجميع في الآونة الأخيرة الانقلابات العسكرية التي عرفتها العديد من البلدان الإفريقية، من مالي في غرب أفريقيا إلى الغابون في وسط القارة.
وقد تركزت هذه الانقلابات في العالَم الفرانكفوني، وكان من آثارها الجلية القطيعة المتزايدة مع فرنسا ومع الغرب إجمالاً، مع الانفتاح الظاهر على روسيا والاستعانة بها عسكرياً وأمنياً في مواجهة مخاطر الجماعات الراديكالية والحركات المتمردة العنيفة.
ودون الخوض بالتفصيل في سياقات وخلفيات هذه التحولات الهامة، نكتفي بالإشارة إلى رهانين أساسيين في الحركية السياسية والاجتماعية الإفريقية الحالية:
- أولاً: تعثر تجارب الانفتاح الديمقراطي التي انطلقت في القارة مع بداية التسعينيات، وأفضت إجمالاً إلى انتقال السلطة من الأنظمة العسكرية إلى الحكومات المدنية بقيادة وجوه بارزة من المعارضة التقليدية في بعض الأحيان، كما أدت في بعض الساحات إلى تجارب ملموسة في التداول السلمي على السلطة. إلا أن الديمقراطية الإفريقية عانت إجمالاً من خللين بارزين:
فساد النخب السياسية المدنية في بلدان لا يتوفر فيها هامش استقلال فعلي للقوى الاقتصادية والأهلية عن ريع الدولة بما يعزز شبكات الولاء لأنظمة الحكم القائمة فتتفرد بكل مقاليد القرار وتلغي مساحات المعارضة الشرعية ومراكز القوة غير التابعة؛
والعجز المتفاقم عن مواجهة التحديات الأمنية التي عصفت بوحدة واستقرار العديد من البلدان خصوصاً في منطقة الساحل والصحراء.
- ثانياً: تراجع التأثير الغربي (الفرنسي على الأخص) لدى النخب السياسية والفكرية التي أصبحت أكثر ميلا لأدبيات الاستقلال الحضاري والنزعة الشعبوية الإفريقية في إطار المفهوم الجديد للجنوب الشامل الذي دخل بقوة إلى أجندة العلاقات الدولية. إن هذا التحول هو الذي يفسر مواقف المجموعة الإفريقية من الملفات العالمية الراهنة، مثل الحرب الأوكرانية الروسية، كما يفسر التقارب الإفريقي الروسي والدور الصيني المتزايد في القارة.
وإذا كانت النزعة القومية الإفريقية التقليدية التي بلورها في السابق زعماء معروفون مثل نكروما ولوموبا وسيكو توري قد انحسرت، فإن بعض الزعامات الشعبوية الجديدة في القارة بدأت تطرح هذه النزعة من منطلق مغاير يتسم أساساً بالهجوم على الهيمنة الغربية والدعوة إلى استراتيجيات التنمية والحكامة السياسية من منظور مستقل.لكن ما تأثير ذينك الرهانين على طبيعة الشراكة العربية الإفريقية؟
لا بد من التنبيه هنا إلى أن العلاقة بين المجالين، العربي والإفريقي، ليست علاقة ارتباط بين كتلتين منفصلتين، إذ غني عن البيان أن جل المساحة الإجمالية للعالم العربي توجد في أفريقيا، وأن أغلب العرب أفارقة، كما أن اللغة العربية هي إحدى اللغات الأكثر انتشاراً في القارة.
ولا شك في أن التحديات الأمنية الجيوسياسية المستقبلية تفرض الانتقال من مفهوم الشراكة العربية الإفريقية إلى مستوى التكامل العضوي الذي يمكن أن يتجسد في مشاريع كبرى، نكتفي هنا بالإشارة إلى نموذجين منها.
المشروع الأول هو مبادرة تكتل البلدان المطلة على البحر الأحمر، الذي يشمل بالإضافة إلى دول القرن الإفريقي المؤثرة (ولا بد من إضافة إثيوبيا لها) بلداناً عربية من شبه الجزيرة والمشرق العربيين تتداخل جغرافياً واستراتيجياً مع المجموعة الإفريقية.
أما المشروع الثاني فهو تحويل اتحاد المغرب العربي إلى مبادرة استراتيجية جديدة تجمع بلدان الساحل والصحراء التي تتكامل من حيث المقومات الجغرافية والبشرية وتواجه نفس التحديات الأمنية الجيوسياسية.
ما نريد أن نخلص إليه، هو أن تفعيل أو دفع الشراكة العربية الإفريقية قد يكون هو الشرط الضروري لإعادة الروح للنظامين العربي والإفريقي، مع توسيع المجال الحيوي للكتلة العربية في مرحلة تخضع فيها العلاقات الدولية لإعادة بناء متسارعة وجذرية.
*د. السيد ولد أباه كاتب وأكاديمي موريتاني
المصدر | الاتحادالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: العرب أفريقيا الشراكة العربية الإفريقية القومية الإفريقية الحرب الإسرائيلية قطاع غزة الشراکة العربیة الإفریقیة فی القارة
إقرأ أيضاً:
وزارة الشباب والرياضة: الدولة المصرية ستظل داعما رئيسيا لمسيرة كرة القدم الإفريقية
شهد الدكتور أشرف صبحي وزير الشباب والرياضة، اجتماع الجمعية العمومية غير العادية الـ 14 للاتحاد الإفريقي لكرة القدم "الكاف"، بحضور السيد/ جياني انفانتينو رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم، والدكتور باتريس موتسيبي رئيس الاتحاد الافريقي لكرة القدم، المهندس هاني أبو ريده رئيس الإتحاد المصري لكرة القدم، وأعضاء مجلس الفيفا، وأعضاء المكتب التنفيذي للاتحاد الافريقي، رؤساء الاتحادات أعضاء الجمعية العامة.
وخلال كلمته، قال وزير الشباب والرياضة: "أسمحوا لي أن أنقل لسيادتكم تحيات السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس جمهورية مصر العربية وترحيب فخامته بكم ضيوفاً أعزاء على أرض مصر، وتمنيات سيادته لاجتماعاتكم بالتوفيق والسداد، بما يثمر في تطوير كرة القدم الافريقية والعالمية، هذا الاجتماع الذي يجمع نخبة من قادة كرة القدم الإفريقية، هنا في أرض الكنانة، مصر، التي كانت وستظل داعماً رئيسياً لتطوير الرياضة في قارتنا الحبيبة".
أضاف وزير الشباب: "إن اجتماعنا اليوم يأتي في ظل مرحلة حاسمة تشهدها كرة القدم الإفريقية، حيث تتزايد الطموحات وتتسع الآفاق نحو تحقيق المزيد من الإنجازات والنجاحات على المستويين القاري والدولي، إن كرة القدم لم تعد مجرد رياضة، بل أصبحت صناعة متكاملة تساهم في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتعد أداة فعالة لتعزيز التقارب بين الشعوب، وهو ما تسعى مصر دائماً إلى ترسيخه من خلال دعمها الدائم لمسيرة الرياضة في القارة السمراء".
وتابع وزير الرياضة: "إن مصر، تحت قيادة فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي، تولي اهتماماً بالغاً بالرياضة وكرة القدم، وتدرك دورها الكبير في تعزيز الروابط بين شعوب إفريقيا، ومن هذا المنطلق، نؤكد التزامنا المستمر بدعم كافة الجهود الرامية إلى تطوير كرة القدم الإفريقية، من خلال التعاون المشترك، وتبادل الخبرات، وتوفير أفضل الإمكانيات التي تضمن لأنديتنا ومنتخباتنا الإفريقية التطور والوصول إلى أعلى المستويات العالمية، وفي هذا السياق، نفتخر بكون مصر دولة المقر للاتحاد الإفريقي لكرة القدم "كاف"، حيث نحرص على تقديم كل سبل الدعم والتسهيلات لضمان نجاح أعمال الاتحاد، وتوفير بيئة مثالية تساهم في تحقيق أهدافه وتطلعاته المستقبلية".
وأكد صبحي أن البنية التحتية الرياضية الحديثة والمتطورة التي تمتلكها مصر، من ملاعب ومنشآت رياضية عالمية، تمثل فرصة عظيمة يجب تسخيرها لخدمة الكرة الإفريقية، لافتاً إلى ترحيب مصر بجميع المنتخبات والأندية الإفريقية للاستفادة من هذه الإمكانيات المتاحة، سواء من خلال استضافة المباريات، أو المعسكرات التدريبية، أو الاستفادة من البرامج التأهيلية والتطويرية، بما يسهم في تعزيز مستوى كرة القدم في القارة.
أشار "صبحي" إلى أن مصر نجحت في استضافة العديد من البطولات الإفريقية الكبرى، والتي شهدت نجاحاً تنظيمياً باهراً، يعكس قدرتنا على تقديم نموذج رياضي متميز يحتذى به، مؤكداً أن أبواب مصر ستظل مفتوحة دائماً لاستقبال الفرق والمنتخبات الإفريقية، وتقديم كافة أوجه الدعم الفني والإداري واللوجستي بما يخدم تطلعات كرتنا الإفريقية نحو مستقبل أكثر إشراقاً.
وفي ختام كلمته، قال:" أجدد ترحيبي بكم جميعاً في مصر، متمنياً لاجتماعنا هذا كل التوفيق والنجاح، وأن يكون خطوة جديدة نحو تحقيق المزيد من الإنجازات لكرة القدم الإفريقية، وتعزيز مكانتها على المستوى الدولي".
وتشهد الجمعية العمومية غير العادية الـ 14 للاتحاد الإفريقي لكرة القدم "الكاف"، انتخاب رئيساً جديداً لـ "الكاف"، حيث يتم انتخاب رئيس "الكاف"، الدكتور باتريس موتسيبي، المُرشح الوحيد لفترة ثانية بالتزكية، إلى جانب انتخاب بعض أعضاء اللجنة التنفيذية لـ"الكاف"، وانتخاب 6 ممثلين لإفريقيا في مجلس الاتحاد الدولي لكرة القدم "الفيفا".