الخليج الجديد:
2025-02-07@20:07:01 GMT

محاولة فاشلة لإسكات ضمير

تاريخ النشر: 17th, November 2023 GMT

محاولة فاشلة لإسكات ضمير

محاولة فاشلة لإسكات ضمير

لا شيء حقيقياً سوى مداهنة ضميري، ومحاولة إقناعه أنني أشاركهم في ما هم فيه من جهاد واستشهاد! وقد فشلت المحاولة.

أتساءل كلما أردت الكتابة مجدّدا عن الذي يحدث هناك عمّا يمكن إضافته الى ما كتبته وكتبه غيري طوال أربعين يوما مضت.

اكتشفتُ أنني وقعت في فخّ الحلول السهلة، والتي لا يمكنها أن تفعل سوى أن تجعلني أشعر بالارتياح، عندما تنتهي المشكلة المعقّدة أمامي بالموت، لأنني لا أستطيع أن أساهم بالحل.

غزّة تقاتل المحتل اليوم وتدافع عن نفسها بعد حصار طويل أنهكها، ترسم خريطة معقدة لبشرية جرّبت الحرب والسلام، والجهل والعلم، والموت والحياة، فانحازت للحرب والجهل والموت..

* * *

لا وقت ولا حاجة لزخرفة القول، ما دام الدم البريء يشاغب الحياة كلها في مدن قطاع غزّة. أتساءل كلما أردت الكتابة مجدّدا عن الذي يحدث هناك عمّا يمكن إضافته الى ما كتبته وكتبه غيري طوال أربعين يوما مضت.

لكنني لست بحاجة لإجابة، فالسؤال مستمرٌّ ومتجدّد، وتبدو الإجابة عنه نوعا من الترف في سياق الموت بكل أشكاله المتاحة؛ تحت الأنقاض، وبالرصاص وبالقصف المباشر، وبانعدام الدواء، وبالجوع والعطش، وبالضياع في متاهة الحرب التي تتّسع يوما بعد يوم بلا كهرباء ولا إنترنت، ولا تواصل مباشر وحقيقيا بين الناس هناك.

في أحد المشاهد المصوّرة في غزّة لمن اضطروا للنزوح من الشمال الى الجنوب، رأيت مجموعة من الأطفال يستقلون عربة خشبية متهالكة يجرّها حمار، ويقودها رجل لا يبدو أنه يعرفهم.. اعترضتهم، بعد قليل، سيدةٌ اتضح لاحقا أنها والدتهم. كان المشهد مأساويا وسط الفرحة الصغيرة المقتنصة لهم من بين الدمار كله في المكان والزمان.

من الصعب أن لا يكون مشهدٌ كهذا في شكله الرمزي عنوانا لما يحدُث في غياهب المتاهة. مشاهد كثيرة تصوّرها الهواتف الصغيرة لتبثّها في العالم كله نوعا من التواصل متى ما توفّر قليل من طاقة الإنترنت وطاقة الكهرباء لأولئك الذين يحاربون حكومات الغرب بكل ما توصلت إليه من تقدّم في مجال الأسلحة، ممثلة بجيش الكيان الصهيوني. هل كتبت "تقدّم"؟ يا لها من مفارقة أن يتقدّم البشر على صعيد ما يمكن أن يبيد فيهم بشريّتهم شيئا فشيئا.

غزّة التي تقاتل المحتل اليوم وتدافع عن نفسها بعد حصار سنواتٍ أنهكها، ترسم لنا خريطة معقدة للبشرية في ما يمكن أن تصل إليه، بعدما جرّبت الحرب والسلام، والجهل والعلم، والموت والحياة، فانحازت للحرب والجهل والموت.. لينجو فيها، كما تظنّ، إنسانها المختار بعنايةٍ وإتقان؛ الأبيض الأوروبي الأميركي الذي ما زال منشغلا بوضع أسس الليبرالية والتقدّمية والديمقراطية والمساواة والحرية وحقوق الإنسان.. الذي يشبهه وحسب.

نعود إلى الكتابة عن غزّة التي تمارس حياتها المستحيلة عبر قوافل الموت الكامن حتى في حاضنات الأطفال الخدّج في مستشفياتٍ أصبحت الهدف المفضل للقصف والدمار الصهيوني. شعرتُ بتأنيب ضمير فتك بأعصابي بعد لحظة ارتياح خفي انتابني عندما قرأتُ خبرا عن موت الأطفال الخدّج في تلك الحاضنات، بعدما انقطعت عنها الكهرباء، وأصبحت قبورا زجاجية لهم.

اكتشفتُ أنني وقعت في فخّ الحلول السهلة، والتي لا يمكنها أن تفعل سوى أن تجعلني أشعر بالارتياح، عندما تنتهي المشكلة المعقّدة أمامي بالموت، لأنني لا أستطيع أن أساهم بالحل.

ماذا يعني أن أستمرّ في الكتابة، المملّة أحيانا، عما يحدُث؟ أو أن أعيد نشر ما يكتبه الآخرون في وسائل التواصل الاجتماعي بحماسةٍ وإلحاح؟ أو أن ألتقط صورا لأطفال العائلة وهم يرتدون الكوفية الفلسطينية، ويلوّنون خدودهم بألوان العلم الفلسطيني؟

أو أن أصفق لهم وهم يردّدون الإجابات النموذجية عندما أسألهم عن فلسطين وعاصمتها ومدنها؟ أو أن أدخل في معارك عابرة، وتافهة أحيانا، مع الذين انحازوا للعدو بكل صفاقة منذ اليوم الأول للمعركة؟ أو أن أحضر ندواتٍ ومحاضراتٍ وفعالياتٍ عما يحدُث تعقد في ظروفٍ مثالية لألتقط الصور في سياق فلسطيني خالص؟

أو أن أشجّع على جمع التبرعات، رغم أنني أعرف صعوبة أن تصل كما نشتهي شكلا وزمنا ومضمونا؟ أو أن أزيح والديّ وأخي الراحلين قليلا عن مقدّمة دعائي في صلاتي الليلية لأضع أطفال غزّة بدلا منهم؟

لا شيء حقيقياً سوى مداهنة ضميري، ومحاولة لإقناعه أنني أشاركهم في ما هم فيه من جهاد واستشهاد! وقد فشلت المحاولة.

*سعدية مفرح كاتبة وصحفية وشاعرة كويتية

المصدر | العربي الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: فلسطين غزة الاحتلال المعركة الكوفية البشرية الليبرالية الأطفال الخد ج

إقرأ أيضاً:

5 سنوات مفاوضات فاشلة.. أصالة تتعرض لتهديد جديد من طارق العريان

أكد طارق العريان، المخرج والمنتج الشهير، أنه السبب وراء حذف أغنية «60 دقيقة حياة»، بعد أن أثبتت منصة «يوتيوب» أحقيته وملكيته للعمل من حيث الإنتاج وحقوق النشر والتوزيع.

جاء ذلك بعد أن قدم أوراقًا رسمية تثبت ذلك، ما دفع شركة يوتيوب بحذف الأغنية تلقائيًا.

وقال «العريان» إنّه خلال الخمس السنوات الماضية حاول حل النزاعات الفنية بينه وبين أصالة مع الجهات والفنانين المعنيين لكن دون جدوى مع تجاهل تام لحقوقه بشأن عشرات الأغنيات والأعمال الفنية التي أنتجها من دون أن يحصل على أي من حقوقه الأدبية والإنتاجية، من بينها أغنية «60 دقيقة حياة» التي حولها الجدل حاليًا.

وذكر أيضا «خانات الذكريات»، و«الورد البلدي»، من ألبوم «60 دقيقة حياة» إلى جانب ألبومي «مهتمة بالتفاصيل» و «شخصية عنيدة» أنهم من بين الأغاني المتنازع عليها.

وأكد أن حذف أغنية «60 دقيقة حياة» هي الشرارة الأولى لحذف عشرات الأغاني القادمة، إلى أن تعود ملكيتها وأرباحها بشكل رسمي إليه ولشركة إنتاجه الخاصة أيضا.

وأنهى بيانه موضحًا أنه اضطر إلى إعلان التفاصيل الكاملة عبر بيان رسمي، وذلك بسبب تلقيه لهجوم واسع عبر مواقع التواصل الاجتماعي وخروج شائعات كثيرة ضده دون معرفة ما وراء الموضوع، مؤكدًا أنه لن يتخلى عن مطالبه بحقوق أعماله الغنائية وأنه سيكمل في الاجراءات القانونية، ما دامت الحلول الودية لم تأتي بفائدة.

وكان قد تم الانفصال بين أصالة والعريان في عام 2020، بعد زواج دام لحوالي 13 عامًا.

اقرأ أيضاًطارق العريان يكشف لـ«الأسبوع» حقيقة حذفُه لأغنية «60 دقيقة حياة» لـ أصالة

حذف أغنية أصالة «60 دقيقة حياة» يثير الجدل.. وشكوك حول طارق العريان

مقالات مشابهة

  • أعشق الفلسفة.. ياسمين الخيام: أنا فاشلة في الرياضيات وهذه عقدتي
  • بين الحياة والموت: مخاطر عبور ليبيا في رحلات الهجرة من بنغلاديش إلى أوروبا
  • قفز من الخامس.. لص الشقق السكنية بالعجوزة هرب من الأهالي فأصبح بين الحياة والموت
  • أمة لها ضمير
  • نور الغندور : صار معروف عني أنني 24 ساعة أسوي تجميل ..فيديو
  • عتبات الفرح للكاتبة هديل حسن: لعلها عتبات الكتابة أيضا
  • 5 سنوات مفاوضات فاشلة.. أصالة تتعرض لتهديد جديد من طارق العريان
  • سلام من دار الفتوى: أكدت للمفتي دريان أنني أعمل على الإسراع في تشكيل الحكومة
  • مخططات استعمارية فاشلة
  • الكتابة الطِعمة