بروفيسور عبد الله محمد أحمد: رحم اللهُ رجلاً سمحاً
تاريخ النشر: 17th, November 2023 GMT
ألجأتني مِحنةُ الخرطوم الكبرى ورَحى الحربِ الدائرة فيها إلى قرية صغيرةٍ في أواسط البلاد حين فُتحت يأجوجُ ومأجوجُ فهُم من كلّ حَدَبٍ ينسلون. جيشٌ تجمَّع فيه كلُّ لسنٍ وأمةٍ فما تُفْهِمُ الحُدَّاثَ إلا التراجم، يطأون الأرضَ بأخفافٍ كأخفافِِ النَّعام لسرعتهم، وعسى أن تُسعدَ الأيامُ لأصِفَ بعضَ ما رأيتُ من استحرارِ القتل في العّزَّلِ الآمنين، شيخاً كان أو امرأةً أو طفلاً في غيرِ ما ذنبٍ جنَوه، وإن كان جلالُ الرّزء يدِقّ عن الوصف، ما هؤلاء بشرا!!
ولا تخلو تلك المنافي من العجب فالحياةُ دروسٌ وعبَر.
كان من كبار المسئولين في الدولة وكنتُ في أواخرِ سنيّ الطفولة. كان يُعدُّ لختان أبنائه فخرج ليشتريَ بعضَ الأغراض وكنتُ أثيراً لديه فاصطحبني معه ومعنا سائقُ السيارة. فقصدنا أولاً سوق النساء. كانت سوقاً لنساءٍ ترمٌْلنَ وافتقرْنَ أو فقدن الكاسبَ فتعفَّفْنَ واخترن الكسب الحلال والمطعم الطيب فانتبذن مكاناً قصياً من سوق الخرطوم الكبرى يبعن فيها المواقدَ والأطباقَ المنسوجة من سعْفِ الدوم وأنيةٌ القهوة المُزخرفة المصنوعة من الخزف والقلانس وغيرها من المصنوعات اليدوية فياخذن ما تدرّه عليهن تلك البضاعةُ المُزجاة من ربحٍ ضئيل فيغشين في أوبتهن سوق الخضارِ واللَّحمِ فيشترين ما يتبلّغن به هنّ وصغارُهن. وقفنا أمام امرأةٍ خمسينيةٍ تبيع المواقد فسألها عن الثمن فأخبرته فنقدها الثمن فوراً وأشار للسائق فوضع الموقد في صندوق السيارة. نظرتُ إليه في عجبٍ وقلتُ( لمَ لمْ تساومْها؟) فقد نشأتُ بين قوم في شرقيِّ البلاد لهم ولعٌ عجيبٍ بالمساومةِ وأذكرُ أنَّ أحد الأعراب جاء من البدوِ وهو يحملُ خطايا في ظرفٍ يريدُ أن يبعثٌ به إلى قريب له أو صديق فذهب إلى مكتب البريد وسأل الموظفََ عن ثمن طابع البريد فذكر له الثمن، فوضع الأعرابيُّ ساقاً على ساق، مُتكئاًً على عصاه وقال لموظف البريد ( ما هو آخِرُ كلامِِك؟) لِيستهلَّ المساومة فاغتاظ موظفُ البريد غيظاً شديداً وقال له ( يا أخي هذه طوابعُ بريدٍ تملكُها الدولةُ ليس فيها أوّلٌّ ولا آخِر) فانصرف الأعرابيُُّ غاضباً وأبي أن يشتري، فأينََ حلاوةُُ المساومة؟ .
لما اعترضتُ على عمي نظر إليَّ نظر العاتب، وقال ( أتريدُني أن أساومَ امرأةً حملتها الحاجةُ وشظفُ العيشِ على الجلوس في الأسواق وهي شرّ الأماكن لتعولََ أطيفالاً صغاراً توفي عنهم أبوهم) كان درساِ لا يُنسى كان رجلاً سمحاً اذا اشترى. قلتُ للمرأةِ( هذا طفلٌ فقد أبوه البصر واضطرته الحاجةُ وحمله العوٌزُ على أن يحملٌ أدواتِ الرجال بدلاً من حقيبة المدرسة وأنتِ تُساومينه، فهلّا صنعت مثل صنيع أبيك؟) وتذكرت قصة الصديق يوسف علي نبينا وعليه الصلاة والسلام لما كان على خزائن أرض مصر فقال لإخوته ( ألا ترونَ أني أوفى الكيلَ وانا خيرُ المنزلين) وكان كذلك هذه هي أخلاق الوزير. ولما رجعوا إليه تارةً أخرى (. قالوا يا أيها العزيز مسَّنا وأهلنا الضْرْ وجئنا ببضاعةٍ مُزجاةٍ فأوف لنا الكيل وتصدق علينا إنٌّ الله يجزي المتصدِّقين) أهي خزانةُ دولة أم منظمة خيرية!! ولكن يوسف الصديق كان أهلاً للصنيعِ الحسن في كلِّ أحواله. كان أهلاِ للوفاءِ والعفافِ حين قال لامرأة العزير ( معاذَ الله إنه ربي أحسن مثواي) وكان أهلا لعزّةِ النفس حين أبى أنْ يخرجَ من السجنِ منّاً من الملك إلّا أن تُبرَّأ ساحتُه فرد الرسولٌ الذي بعثه الملكُ قائلاً ( ارجعْ إلى ربِّك فاسألهُ ما بالُ النسوةِ اللائي قطَّعن أيديهنّ) وكان أهلاً للبرِّ والإحسانِ وهو على خزائنِِ مصر، يُكرمُ وَفادةِ التُّجَّار، سمحاً في بيعِِه وشرائه، وكان سمحاً صفوحاً حين قال لإخوته حينَ التمسوا الصفحََ ( لا تثريبَ عليكم اليوم يغفر اللهُ لكم وهو أرحمُ الراحمين )
أليس لنا في قَصَصهم عبرة؟
بروفيسور عبد الله محمد أحمد
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
ماذا لو حدث هجوم 7 أكتوبر وسليماني على قيد الحياة؟ .. بروفيسور إسرائيلي يجيب
سرايا - تساءل الأستاذ في دراسات الشرق الأوسط أماتسيا برعام حول السيناريو الذي كان سيحدث لو حصل هجوم السابع من أكتوبر والجنرال الإيراني قاسم سليماني على قيد الحياة.
ويصف مدير مركز دراسات العراق في جامعة حيفا ذاك السيناريو الذي يفترض وجود سليماني على قيد الحياة في ذلك الهجوم بـ"المرعب".
وعدد برعام في مقال في صحيفة "معاريف" العبرية مزايا سليماني العديدة وأهمها الموهبة التنظيمية، والكاريزما الشخصية، والتفكير الاستراتيجي، والاستعداد للمخاطرة.
وفي ما يأتي نص المقال:
هذا المقال هو محاولة للتخمين بما كان سيحدث في حرب 7 أكتوبر لو لم تتم تصفية الجنرال الإيراني قاسم سليماني، قائد قوة القدس التابعة للحرس الثوري.
في 3 كانون الثاني/ يناير 2020، قامت طائرة مسيرة أمريكية بتصفية سليماني بالقرب من بغداد.
كانت إسرائيل شريكاً في التخطيط، لكن بحسب ترامب، قبل يومين من التنفيذ، أصيب بنيامين نتنياهو بـ"برودة القدمين" وتراجع.
كان سليماني هو المهندس الرئيسي لـ"حلقة النار" حول إسرائيل، التي تم تفعيلها جزئياً في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
كان من المفترض أن يتم تفعيل الحلقة بالكامل عندما تهاجم إسرائيل المشروع النووي العسكري الإيراني، أو عندما تضعف إسرائيل بما فيه الكفاية.
كان سليماني قد جمع بين الموهبة التنظيمية، والكاريزما الشخصية، والتفكير الاستراتيجي، والاستعداد للمخاطرة، مع تطرف ديني شيعي وقومية إيرانية.
كان قادة حزب الله، والمليشيات العراقية، وحتى الحوثيون المتمردون، يعظمونه ويخشونه.
في إيران، كان الشخص الأكثر تأثيراً على الزعيم الأعلى، آية الله علي خامنئي.
منذ عام 1997، عندما تم تعيينه قائدًا لقوة القدس، كان هو المصمم الرئيسي للاستراتيجية الإيرانية في الخارج.
بعد تصفيته، خلفه إسماعيل قاآني، ضابط بلا كاريزما وبدون تأثير.
منذ عام 1979، أعلنت طهران علنًا وباستمرار أن هدفها هو القضاء على إسرائيل.
كان سليماني شريكًا كاملاً في هذه الأيديولوجية المتطرفة.
لكن قبل 7 تشرين الأول/ أكتوبر، حتى سليماني لم يكن ليقترح حربًا شاملة بعد.
كان النظام الإيراني قد رصد الاحتجاجات في إسرائيل ضد الإصلاحات القضائية باعتبارها علامات على تفكك المجتمع الإسرائيلي. كانوا يعتقدون أيضًا أن الجيش الإسرائيلي بدأ يتفكك ولاحظوا التباعد المتزايد بين القدس وواشنطن.
ومع ذلك، فقد كان الردع الإسرائيلي التقليدي لا يزال قائمًا.
كان حزب الله والعراقيون والحوثيون في انتظار الضوء الأخضر من طهران.
يحيى السنوار لم ينتظر. لو كان سليماني على قيد الحياة وفي منصبه، ربما لم يكن السنوار ليهاجم بدون إذن، لكن من المحتمل أنه كان سيفعل ذلك على أي حال.
ما الذي كان سيحدث في مثل هذه الحالة؟
وفقًا لأنماط عمل سليماني، فإنه حالما تتبين الفوضى والشلل في الجيش الإسرائيلي، وهو ما تبين خلال ساعات، كان سيدفع للاستفادة من الفرصة.
حتى لو كانت إيران تستطيع، فهي لم تكن لتسعى للقضاء الفوري على إسرائيل بسبب الفهم بأنه حتى التنين الإسرائيلي المحتضر قادر على توجيه ضربة نووية لها. لذلك، كان هدف "حلقة النار" دائمًا "فقط" إلحاق ضرر فظيع بإسرائيل، والذي كان سيؤدي إلى هروب جماعي.
كان سليماني سيأمر حزب الله بإطلاق كل صاروخ وقذيفة.
كانت قوة الرضوان المدربة ستغزو الجليل عندما يكون الجيش الإسرائيلي غير مستعد.
كانت إيران ستطلق مئات الصواريخ والطائرات المسيرة على قواعد سلاح الجو، عندما تكون إسرائيل غير مهيأة لذلك بعد.
في النهاية، كان سليماني سيأمر العراقيين والحوثيين بقصف مدن إسرائيل بكل قوتهم. ماذا كان سيفعل السوريون والمصريون حينها؟ كانت إسرائيل ستنجو، لكن بثمن كارثي.
الاستنتاج: كان قرار ترامب بتصفية سليماني هو القرار الصائب. كان قرار إسرائيل بعدم المساعدة في تصفيته، ثم عدم تصفية السنوار، قرارًا خاطئًا.
الدرس: إذا كانت هناك فرصة، يجب تصفية أي قائد عدو يجمع بين الموهبة والنية المعلنة لتدميرنا.
تابع قناتنا على يوتيوب تابع صفحتنا على فيسبوك تابع منصة ترند سرايا
طباعة المشاهدات: 726
1 - | ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه. | 12-03-2025 05:03 PM سرايا |
لا يوجد تعليقات |
الرد على تعليق
الاسم : * | |
البريد الالكتروني : | |
التعليق : * | |
رمز التحقق : | تحديث الرمز أكتب الرمز : |
اضافة |
الآراء والتعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها فقط
جميع حقوق النشر محفوظة لدى موقع وكالة سرايا الإخبارية © 2025
سياسة الخصوصية برمجة و استضافة يونكس هوست test الرجاء الانتظار ...