العقوبات الربانية المحيطة بـأعداء طوفان الأقصى
تاريخ النشر: 17th, November 2023 GMT
عبدالرحمن سلطان
منذ السابع من أكتوبر، حتى اليوم، يواجه قطاع غزة الفلسطيني، أشد أنواع الحروب الوحشية، وحروب الإبادة الجماعية، والحروب ضد الإنسانية، وأعظمها بشاعةً ودماراً عبر التاريخ الإنساني القديم والحديث، وذلك من جانب الكيان الصهيوني الغاصب، ومراكز دعمه ومساندته في جميع الدول الغربية، وبعض الدول العربية والإسلامية التي تطبعت بطباع الصهيونية الخبيثة، وشربت من ضروعها التلمودية الفاسدة.
وقد أسفرت تلك الحروب الإجرامية الباغية، عن إلحاق قطاع غزة، بأقدح الخسائر البشرية والمادية الواسعة النطاق، والتي لا يمكن القيام بمعرفتها وحصرها في الوقت الراهن، كما أسفرت أيضاً عن قيام الكيان الصهيوني الحاقد، بفرض الحصار البري والبحري والجوي الخانق على قطاع غزة، وحرمان اهله من الماء والغذاء والدواء والمأوى والكهرباء وكافة متطلبات الحياة اليومية، وذلك في ظل تخاذل الأمة العربية والإسلامية، وغياب موقفها الواضح تجاه تلك الحروب الغادرة والفاجرة، التي يتعرض لها قطاع غزة بصورة يومية.
ومن الواضح وضوح الشمس في رابعة النهار، أن القضية الفلسطينية، تعد بمثابة قضية القضايا (العربية والإسلامية والاستراتيجية والمصيرية العظمى)، بالنسبة لجميع الدول والشعوب العربية والإسلامية، وذلك نتيجةً لارتباطها الوثيق بصميم عقيدتها ومقدساتها وقيمها الأصيلة، وجوهر عزتها وكرامتها وشرفها ا لعظيم، ومصدر مجدها وتاريخها وحضاراتها الخالدة، وموئل وجودها وحاضرها ومستقبلها الواعد.
ولذلك يمكن القول أن الدول العربية والإسلامية، تتمتع اليوم بجملة من الخصائص المرموقة، والصفات العملاقة، والتي تجعل منها قوةً جبارة لا تضاهى على النطاق العلني، حيث أنها تحتوي على (57) دولة، يقطنها حوالي (2000) مليون نسمة، أي ما يعادل ربع سكان العالم، وتتوزع على ثلاث قارات وهي (آسيا وأفريقيا وأوروبا) وتبلغ مساحتها (41,707,540) كم2 وتختزن في أراضيها أعظم الثروات الطبيعية.
ولكن على الرغم من ذلك كله، فإن الدول العربية والإسلامية، بكافة قدراتها وإمكانياتها (البشرية والاقتصادية والعسكرية والجغرافية والتاريخية والحضارية …الخ) أخفقت إخفاقاً فظيعاً، وفشلت فشلاً ذريعاً طول ما يزيد عن (75) عاماً في مواجهة إسرائيل وتحرير فلسطين بما فيها القدس الشريف والمسجد الأقصى، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
ويرجع ذلك كله في حقيقة الأمر إلى قيام السواد الأعظم في الدول العربية والإسلامية، بترك عبادة الله – جل جلاله – وهجر القرآن الكريم، وإهمال السنة النبوية المطهرة، وتجاهل الوسطية الإسلامية الحكمية، وانتهاك القيم الإسلامية الأصيلة، والتخلي عن واجب الدفاع عن المقدسات الإسلامية، والتدثر بالعادات الغربية الخبيثة.
ومن هذا المنطلق يقول الله – تبارك وتعالى- (إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (الأنفال : 52) (إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ) (ص:26) (وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ) (إبراهيم: 42)
ولذلك فإن الله – سبحانه وتعال -، بجلال جلاله، وقوة عقابه، وشدة عذابه، لن يغفل ابداً، عن القيام بتعذيب الأمة العربية والإسلامية كلها، وإلحاقها بأشد العقوبات والويلات المستقبلية التالية:
1 – إحراق الأمة العربية والإسلامية كلها بنيران الحروب والصراعات والنزاعات المتفجرة، وسحقها بجحيم البراكين والزلازل والكوارث المدمرة، وتحطيمها بويلات الطوفانات والأعاصير والحرائق المهلكة، وذلك على نحو ما نشاهد بوادره الأولى في المنطقة العربية والإسلامية في الوقت الراهن.
2 – إغراق الأمة العربية والإسلامية في بحار الأزمات (السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإعلامية والثقافية والعلمية والتكنلوجية…الخ)، وإصابتها بأفدح الأضرار التي سوف تنجم عن انقطاع الأمطار، وجفاف الأنهار، ونضوب الآبار، واحتراق الأشجار، وتبدد الزروع والثمار في شتى أنحاء المنطقة العربية والإسلامية.
3 – الحاق الأمة العربية والإسلامية، بأشد العقوبات المزلزلة، التي سوف تؤدي حتماً إلى تدمير مقوماتها الاقتصادية والمالية والبترولية والغازية والمعدنية والزراعية والصناعية والتجارية والاستثمارية والسياحية وغيرها.
4 – تحطيم الأمة العربية والإسلامية، بمعاول الفساد (السياسي والاقتصادي والمالي والإداري والأخلاقي…الخ) وتقويضها بنيران الغزو الفكري الخارجي والذي يهدف إلى اختراقها وتدميرها والقضاء عليها.
5 – انهيار الأمة العربية والإسلامية، وسقوطها في جحيم الغزوات والهجمات الأجنبية الغاشمة، والتي ترمي إلى النيل من عقيدتها ومقدساتها، واحتلال أرضها وبلدانها، ونهب خيراتها وثرواتها، وسلب حريتها واستقلالها، ومصادرة حاضرها ومستقبلها.
6 – الحاق الأمة العربية والإسلامية، بأشد العقوبات السماوية الرادعة والساحقة، على غرار ما حدث عبر العصور والأزمان الماضية، تجاه أقوام (لوط وعاد وثمود وآل فرعون…الخ) وغيرهم كما جاء ذكره في القرآن الكريم.
7 – تفكك الأمة العربية والإسلامية، وتفسخ مكانتها الإقليمية والدولية، وتبدد علاقاتها المشتركة مع سائر الدول الأجنبية، وتحولها إلى أمةٍ ضعيفة وهزيلة لا قيمة لها ولا وزن في موكب التحولات العالمية الكبرى.
***
وختاماً يمكن القول، أن الأمة العربية والإسلامية، مدعوةً اليوم أكثر من أي وقت مضى، إلى أن تعود إلى الله – جل جلاله – وأن ترجع إلى القرآن الكريم، وأن تعمل بروح الفريق الواحد في سبيل الدفاع عن مقدساتها وخيراتها وثرواتها الكبرى، في موجهة الأطماع الأجنبية الغاشمة وذلك قبل فوات الأوان، وقبل أن يصبح مستقبلها مظلماً كظلمة الكهوف المغلقة، ومتفجراً كتفجر البراكين المحرقة، ومرعباً كرعب الزلازل الساحقة، وعند حدوث ذلك لن ينفع الندم في أي شيءٍ على الإطلاق، فما أكثر العبر وما أقل الاعتبار في الحياة العربية والإسلامية.
* كاتب في الشؤون الإسلامية والدولية
المصدر: الثورة نت
كلمات دلالية: الأمة العربیة والإسلامیة الدول العربیة والإسلامیة قطاع غزة
إقرأ أيضاً:
الأمة العربية.. موت يتجدد وصمت يطول
تحت الأنقاض في بيت لاهيا في قطاع غزة المحاصر بالنار والحديد طفلة لم تكمل عامها السابع تلفظ أنفاسها الأخيرة وتصعد روحها إلى السماء قبل أن تصل إليها يد الإنقاذ الرحيمة، وفي اليمن، طفل يموت جوعا بعد سنوات من الموت حسرة على مقتل والده، أمام عالم يوزّع المساعدات على من يختار ويمنعها عمن يختار.
وفي السودان فتاة تغتصب أمام والديها دون أن يعني ذلك شيئا لقوات التحرك السريع الذين يستبيحون القرية، وفي العراق وفي سوريا وفي لبنان، مدن كاملة تتلاشى بفعل الفتن والتمذهب والحروب الأهلية والانتقامية. مشاهد لم تعد تثير فينا الدهشة، بل صارت، مع الأسف الشديد، جزءا من روتين يومنا العربي الطويل. كيف وصلنا إلى هذا الحد من الموت واليأس؟ وكيف غابت عنّا كل معالم الأمل والحياة التي كانت في يوم من الأيام عنوان هذه الأمة ورمزا من رموزها؟
لا نستطيع أن نعبر عن حجم المأساة التي يعيشها الواقع العربي بالكلمات، ربما تكون الصورة، التي أصبحنا أبطالها، أكثر قدرة على التعبير عن حالنا ففيها ما لا يقال أو ما لا نستطيع قوله.
غزة التي ظننا أنها آمنة تُدفن من جديد تحت قصف الاحتلال الإسرائيلي الغاشم دون أن يتحرك الضمير العالمي الذي يدّعي الدفاع عن حقوق الإنسان، وكنا نحسبه ذات وهم أنه صادق.
وسوريا التي كانت قلبا للعروبة يستبيحها الاحتلال الصهيوني فيما هي منشغلة بأوهام النصر الكبير وتصفية حسابات أحقاد سنوات طويلة من القهر. أما العراق فقد أصبح رهينة الانقسامات والطائفية المقيتة. ولبنان الذي كان منارة ثقافية وحلما من أحلام اليوتوبيا العربية يضمد جراح الاعتداءات الصهيونية من جهة ويحاول انتشال نفسه من الفوضى والفساد من جهة أخرى ولا يكاد يستطيع شيئا أبدا. واليمن، البلد الذي كان سعيدا ذات يوم كما تقول الأدبيات العربية، يعيش أسوأ أيامه على الإطلاق ويترقب اجتياحا أو ربما احتلالا صهيونيا في أي وقت فيما العرب منشغلون بمشاريع أخرى لا تنتمي لمستقبلهم ولا لماضيهم ولا تستطيع أن تحفظ حتى كرامتهم.
ورغم مشهد الموت الواسع، والإبادة التي لا مثيل لها في تاريخنا القريب إلا أن جوهر المشكلة تكمن في حالة الانسداد الحضاري والفكري التي نعيشها.. لم يعد هناك مشروع ثقافي أو معرفي يساهم في إخراج أمتنا من متاهتها الطويلة وينتشلها من كل ما هي فيه. التعليم في حالة تدهور، والمؤسسات الثقافية غائبة عن دورها الحقيقي، والقيم تتآكل بسرعة مخيفة والاقتصاد في الغالب الأعم منهار تماما والجوع والعوز في كل مكان في هذه الأمة إلا من رحم الله.
أما المثقف العربي، أحد أهم الرهانات التي كان يعول عليها في إحداث التغيير، فقد اختار الصمت الطويل أو تم تهميشه بعيدا عن أي دور، فلم يعد قادرا على القيام بدوره في صناعة الوعي وقيادة الأمة نحو الخروج من حالة اليأس والركود. وليس من اليأس القول إن الأمة على هامش التاريخ إن لم تكن خارجه تماما، فلا مشاريع يمكن أن تعطي أملا في تغيير ولا طريق واضحة المعالم يمكن الصراع من أجل السير فيها نحو مستقبل مختلف.
والأكثر ألما، وربما سخرية من أقدار هذه الأمة، أننا لم نعد نكتفي بالصمت، بل صارت الأمة تتآمر على بعضها البعض. دول عربية أصبحت شريكة في مشاريع استعمارية أو وظيفية تتقاطع مع الأجندة الصهيونية بشكل مباشر أو غير مباشر. وبدل أن يشعر الجميع بعظم اللحظة التي تمر بها الأمة وبالمسؤولية التاريخية الملقاة على عاتق الجميع بالنظر إلى المآلات التي تنتظر الأمة وبالتالي تنتظر الجميع، نرى بوضوح تام بعض الدول تحرّض على دول تحاول التمسك بمبادئها الإنسانية وبالدعوة إلى السلام والاستقرار وتقوم بدورها التاريخي تجاه الأمة، وتحاول الحفاظ على متانة قوتها الداخلية. ويدفع أولئك في سبيل تشظية المشهد وتكسيره ملايين طائلة كان الأولى أن يغاث بها المنكوبون في غزة وفي اليمن وفي السودان.. وكأن هناك قرارا ضمنيا بعدم السماح للعرب أن يخرجوا من دائرة الموت والضعف.. ولكن بأيديهم وبأموالهم قبل أيدي أعدائهم.
ويبقى السؤال الكبير اليوم: هل سنظل رهائن اليأس إلى الأبد؟ هل كُتب على هذه الأمة أن تعيش وتموت دون أن تحاول حتى تغيير واقعها؟ ماذا لو قررنا أن نتحرر من هذا الصمت، وأن نعترف أولا بحقيقة واقعنا المؤلم؟
تقع المسؤولية على عاتق الجميع، وأول تمظهراتها تكمن في تعرية الواقع وكشف زيفه، وتسمية الأسماء بمسمياتها وإلا فإن الأمة ذاهبة إلى حتفها. وعلى المثقفين أن يستعيدوا دورهم التاريخي في بناء الوعي وإنقاذ ما تبقى من قيم وحضارة وكرامة. والتاريخ لن يرحم من صمتوا، ولن يغفر لمن اختاروا أن يكونوا أدوات في مشاريع الانهيار كما هو حادث الآن.