ثورة طوفان الأقصى والمسيرات المليونية .. بداية النهاية
تاريخ النشر: 17th, November 2023 GMT
ليس غريبا على شعب يمن الإيمان والحكمة ان يخرج بمسيرات مليونية لدعم أخوانهم في فلسطين ويقولون لهم انكم لستم وحدكم وأننا جاهزون للمشاركة معكم بالمال والنفس ومستعدون للجهاد معكم كتفا إلى كتف في جميع الجبهات رغم العدوان والحصار على مدى تسع سنوات وتبعاتها وآثارها الكارثية على اليمن أرضا وإنسانا، ولكننا جاهزون للانضمام إلى صفوفكم لخوض المعركة الكبرى والمقدسة التي سوف تعيد عزة وكرامة وشموخ الأمة الإسلامية من جديد وتعيد القدس المحتلة إلى أصحابها، وتدحر الكيان الصهيوني المغتصب، وتعتبر ثورة طوفان الأقصى بداية النهاية لوجود الكيان الصهيوني ودول الاستكبار العالمي، أي أن يوم السابع من أكتوبر هو يوم البداية للعد التنازلي لزوال الكيان الصهيوني وانتهاء الهيمنة والاستكبار للدول الاستعمارية المتمثلة بأمريكا وبريطانيا التي تدعم الكيان الصهيوني المغتصب، ولأن القضية الفلسطينية كانت وسوف تظل واحدة من أكثر القضايا العادلة للأمة العربية والإسلامية، وسوف يظل أحرار فلسطين مثالاً حياً للصمود والتضحية من أجل الحرية والعدالة واسترجاع حقهم المسلوب في أرضهم المحتلة فعملية طوفان الأقصى هي ثورة من نمط جديد ومضمونها يقول البحر ورائكم والعدو أمامكم، ومما لا شك فيه فإن قيام ثورة طوفان الأقصى هو قرار يٌعلن للعالم بشكل عام والمنطقة بشكل خاص أن حربنا على عدونا المحتل لن تتوقف ما لم يتوقف الكيان الصهيوني عن جرائمه الوحشية ويرفع يده عن كل شبر من الأرض المحتلة، ولن يكون ذلك إلا بالقوة، لأنه لا يعرف غير هذه اللغة، وأن ما أٌخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، ووفقاً لهذه المعادلة يجب على العرب والمسلمين في جميع الدول أن تعمل على تحويل عملية طوفان الأقصى إلى حرب إقليمية وعالمية ضد كيان الاحتلال الصهيوني ومن يدعمه ويقف معه ويسانده وبالأخص أمريكا ومن سار في فلكها من الدول الغربية، فعملية طوفان الأقصى تٌعتبر بركاناً وثورة مزلزلة لانتزاع الحقوق المسلوبة، وتٌعتبر حراكاً شعبياً وثورياً لطرد الوجود الإسرائيلي والأمريكي من المنطقة العربية وهذا يعني أن من لا يشارك في هذه المعركة المقدسة بالنفس والمال من أجل التحرير ومن أجل استعادة الحقوق والحريات والثروات المنهوبة فإنه وبلا شك يخضع خضوعاً تاماً للعدو الأمريكي والصهيوني، وجميع الشواهد تقول أن هذه المعركة قد بدأت فعلاً في يوم السبت السابع من أكتوبر بقيام عملية طوفان الأقصى، علما بأن هذه العملية الاستراتيجية ليست لزمن محدد أو لمرحلة معينة بل هي حرب مستمرة بإرادة قوية وصادقة وإدارة سليمة وناجحة من فصائل المقاومة الفلسطينية ومن سيلحق بها من دول محور المقاومة ورعاية وعناية من الله العزيز الحكيم، قال تعالى “أٌذن للذين يٌقاتلون بأنهم ظٌلموا وأن الله على نصرهم لقدير” صدق الله العظيم.
وخروج الملايين من أبناء الشعب اليمني في العاصمة صنعاء وجميع المحافظات كان في أول يوم من عملية طوفان الأقصى، كما يأتي في يوم عصر يوم الجمعة تلبية لنداء اخواننا في غزة وتنفيذا لتوجهيات القيادة الثورية والسياسية في إعلان التعبئة العامة والاستنفار للتكاتف يداً بيد وفي صف واحد مع دول محور المقاومة لتحرير فلسطين من الكيان الصهيوني الغاصب ونصرة لأبناء غزة، وقد بعث المتظاهرون في هذه المسيرات المليونية عدة رسائل مفادها أن هذه الثورة لفصائل المقاومة في فلسطين هي بداية مرحلة جديدة لزوال الكيان الصهيوني، فعملية طوفان الأقصى قد يكون معناها الطوفان والزوال للكيان الصهيوني المغتصب للأرض والحق الفلسطيني، وقد تكون بداية لطوفان أعظم وأوسع يٌنذر بزوال دول الاستعمار والاستكبار العالمي وكل الاحتمالات واردة حتى تعود الحقوق المسلوبة لأهلها في فلسطين ويعود القدس من جديد لحضن الأمة الإسلامية، ولا شك أن استمرار هذا الطوفان سوف يٌرهق العدو الصهيوني ويزرع في قلبه الرعب والذلة ويعجّل من نهايته، كما يٌعتبر هزيمة استراتيجية ساحقة تلقاها الكيان الصهيوني في عقر داره، وبناء عليه فإن تبعات وارتدادات هذه الهزيمة على مستقبل هذا الكيان ستكون كبيرة جدا، فما قبل طوفان الأقصى ليس كما بعده، وبالتالي لن تبقى سمعت هذا الكيان كما كانت عليه من قبل في أنه الجيش الذي لا يقهر رغم امتلاكه أكبر ترسانة عسكرية وأكبر منظومة مالية واقتصادية، ولكنه انهزم وانهار سياسياً وعسكرياً وأخلاقياً واقتصادياً من أول مواجهة، وأعلن استسلامه رغم الإمكانيات العسكرية والمالية المتواضعة لفصائل المقاومة الفلسطينية.
وبناء على ذلك فمن أهم الرسائل التي أوصلتها الحشود المليونية التي خرجت في صنعاء وبقية المحافظات لجميع الدول العربية والإسلامية أننا أمام لحظة محورية وفارقه يمكن التحرك والبناء عليها لعهد جديد يٌعيد قوة وعظمة الإسلام كما كانت في العهود السابقة، وهذا لن يكون إلا لو تضافرت الجهود واتحدت الساحات واجتمعت الدول والمكونات في محور واحد، فلو حدث هذا فعلاً في هذه المرحلة الحاسمة ستكون الأمة الإسلامية بإذن الله تعالى أمام نصر كبير لم يحدث من قبل.
وكيل وزارة المالية – كاتب وباحث في الشأن الاقتصادي
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
لماذا تصرّ الحكومات العربية على تضييع الفرصة منذ طوفان الأقصى؟!
آخر تعاطف عربيّ رسميّ واضح مع الفلسطينيين كان في بدايات انتفاضة الأقصى (أواخر العام 2000)، نقلت القنوات العربية الرسمية المشهد الحيّ لاستشهاد الطفل محمد الدرّة وهو في أحضان أبيه الذي يصرخ "مات الولد"، ورصاص الجنديّ الإسرائيلي يقصد قطعا قتل الولد! كان المشهد كاشفا للطبيعة الإسرائيلية؛ التي تنعكس في ملاحقة جنودها للفلسطينيين وكأنّهم طرائد صيد. لم تكن المقالات بعدُ تُدبّج في مديح الإسرائيليين وذمّ الفلسطينيين "المغامرين المضيّعين لفرص السلام مع حمامته الأليفة إسرائيل"، في هذه الأجواء اشتهرت الأغنية العربية الجماعية "الحلم العربي" التي أخذت تبثها القنوات العربية بكثافة بالرغم من إصدار الأغنية في وقت سابق، وذهبت بعض الحكومات العربية إلى ما هو أكثر من ذلك بجمع التبرعات للفلسطينيين في غمرة الحرب من على قنواتها التلفزيونية الرسمية.
لم تكن الحكومات العربية في وارد دعم الفلسطينيين حتى النهاية في مقاومتهم لتحقيق إنجاز سياسيّ يستثمر في الانكشاف الإسرائيلي الإجرامي في مطالع انتفاضة الأقصى، بعدما أخذت "إسرائيل" تحصد المتظاهرين الفلسطينيين العزل على حواجزها التي تُقطّع بها جغرافيا الضفة الغربية، ولا في الملحمية الفدائية الفلسطينية التي تكثفت في تلك الانتفاضة. مياه كثيرة جرت أسفل الجسر العربي منذ غزو صدام حسين للكويت (1990/ 1991)، والاندفاعة العربية الجارفة للتصالح مع "إسرائيل" من بعد مؤتمر مدريد (1991) وتوقيع اتفاقية أوسلو (1993)، ثمّ ما تلا من زحف تطبيعي مثير أخذ أشكالا متعددة بين معاهدات السلام إلى المكاتب التمثيلية والتجارية إلى فتح المجال للقاءات الرسمية أو السياحة المقننة طوال عقد التسعينيات.
لكن على أيّة حال بقي قدر ما من التعاطف الظاهر، يمليه الموقع العميق للقضية الفلسطينية في الضمير العربي، والذي ولا بدّ وأن تعبّر عن الحكومات العربية بشيء من البلاغة الشكلية. إلا أنّ هذا الجانب التعاطفي في أبعاده الإنسانية والعروبية والدينية، بدأ بالسقوط، مع عمليات 11 أيلول/ سبتمبر 2001؛ بعدما تبيّن أنّ منفذيها الـ19 ينحدرون من البلاد العربية (15 من السعودية، واثنان من الإمارات، وواحد من مصر، وآخر من لبنان)، وهكذا كان لا بدّ للحكومات العربية أن تنحني للعاصفة الأمريكية التي أعلنت عزمها تغيير الشرق الأوسط، وتحوّلت هذه الانحناءة إلى عقيدة ثابتة، والثمن المدفوع، كما العادة، لكسب ودّ واشنطن، هو من القضية الفلسطينية.
حالة المقاطعة العربية لـ"إسرائيل" انتهت، وبعض الصور للانتقال عنها، كانت في الاتفاقيات الإبراهيمية، المبرمة في ولايتي ترامب ونتنياهو السابقتين والمتزامنتين. وإذا كانت هذه الاتفاقيات قد أظهرت موقفا تحالفيّا بين حكومات عربية و"إسرائيل" تتخلّص به تلك الحكومات نهائيّا من أيّ التزام، ولو في الحدود الخطابية، تجاه القضية الفلسطينية، فقد صار لكلّ حكومة ممّا تبقى من الحكومات العربية تواصلها الخاص بـ"إسرائيل"، وبعبارة أخرى: صار التواصل مع "إسرائيل" الأمر العاديّ الطبيعي، ودعم الفلسطينيين الأمر الاستثنائي الغريب.
"طوفان الأقصى" كما هو الحال مع أيّ حالة نضالية وكفاحية للفلسطينيين، كان على الضدّ من ذلك تماما، ربما حتّى الوجود الفلسطيني في ذاته محلّ تضادّ مع هذا المسار العربي العميق في التخلّص من فلسطين وأهلها، ومن ثمّ، وفي حين أنّ "طوفان الأقصى" وفّر فرصة جادّة لموقف عربي أفضل إقليميّا ودوليّا، فإنّه من غير المتوقع أن تُرحبّ الحكومات العربية بفرصة لمسار غير مألوف لها نفسيّا وعقليّا.
مسار فيه لغة جديدة، غير تلك اللغة التي ظلت الحكومات العربية تحترفها منذ مطالع التسعينيات، حتى اتحدت بها تماما، ولم تعد قادرة على رؤية العالم إلا من خلالها، لغة ليس فيها أيّ مفردة للمواجهة والصمود، ولو في مستويات التحدّي السياسي والدبلوماسي لا غير، ولو بالثبات خلف المبادرة العربية للسلام، المجحفة لا شكّ بالفلسطينيين. حتى هذه المبادرة لم تعد حاضرة في التداول السياسي العربي.
من هذا المسؤول العربي الذي يرغب في أن يصدق أنّ "إسرائيل" يمكن هزيمتها؟! ومن هذا المسؤول العربي، على الأقل في النخبة العليا في الحكومات وصناع القرار الأساسيين فيها، الذي يرغب في أن تعود الدول العربية إلى الالتزام بالقضية الفلسطينية ولو حتى التزاما خطابيّا من شأنه أن يعبئ مجتمعاتها من جديد بتبنيها، بعدما أنفقت بعض هذه الحكومات الكثير في تمويل الدعايات المشيطنة للشعب الفلسطيني كلّه، كما ظهر في الحملات الإلكترونية والصحفية منذ العام 2017؟!
هذه الحملات اضطرت أخيرا لأن تُراعي لحظة الإبادة، فتحصر هجومها على الفلسطينيين في حماس والمقاومة الفلسطينية، في تباك كاذب على الشعب الفلسطيني، فمن اتهم الفلسطينيين من قبل بلا استثناء "ببيع أرضهم لليهود" و"نكران الجميل" و"تخريب البلاد العربية"، ومن زاد على ذلك بتبني السردية الصهيونية للصراع، أو الحطّ من المكانة الدينية للمسجد الأقصى، هل هو متعاطف بالفعل مع الشعب الفلسطيني غير أنّ مشكلته فقط مع حماس "التي جلبت الإبادة لشعبها بمغامرتها غير المحسوبة"؟! وإن كان هذا هو الموقف الحقيقي لهذه الحكومات لماذا لم تفعل أيّ شيء جادّ لوقف الإبادة؟! أم أنّ ما كشفه بوب ودورد في كتابه "الحرب" صحيح، من حيث إنّ عددا من الحكومات العربية دعمت القضاء على حماس؟! وقد تبين أن طريق القضاء عليها هو إبادة شعبها.
لكن ما الفرصة التي أتاحتها السابع من أكتوبر؟!
ما كشفته عملية حماس في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، عن محدودية القوّة الإسرائيلية، كان من شأنه أن يقوّي موقف الدول العربية حتى في علاقتها بـ"إسرائيل" علاوة على موقعها (أي الدول العربية) في السياسات الأمريكية الإقليمية والدولية، بحيث يكون لهذه الدول شرطها وكلمتها، وبما يوفّر لها مساحة للاستفادة من القضية الفلسطينية، من خلال مستويات من الدعم تحيي القضية الفلسطينية، وتعيد العرب للحديث باسمها، مما يسمح بأن يكون هذا الموقف المستأنف أداة ضغط وتحسين للشروط والمواقع في العلاقات الدولية والإقليمية.
وإذا كانت دعاية الحكومات العربية خلال العقدين الأخيرين، تُقدم فلسطين بوصفها موضوعا للاستثمار الإيراني، فقد كان يمكن لهذه الحكومات قطع الطريق على إيران، بالتقدم لمزاحمتها في العودة لتبني القضية الفلسطينية، وإذا لم يكن ذلك بغرض مبدئيّ، فليكن بغرض مصلحي متبادل بين الفلسطينيين والحكومات العربية!
أخيرا، وبعدما تأكّدت صحة الرؤية التي ترى في "إسرائيل" الخطر الحقيقي المركزي القابع في قلب المنطقة العربية، وأن الغفلة عنه والتحالف معه، حوّله إلى وحش متعاظم، لا يُفكّر إلا بمنطق الهيمنة، والتي تأخذ في بعض صورها شكل الاحتلال المباشر، ولا تخفي أطماعها في الأراضي العربية القريبة منها، فقد تأكد في نتيجة لذلك، أنّ مقاومة الفلسطينيين وحدها المتراس الأوّلي لصدّ الخطر الإسرائيلي، ومن ثمّ تصبح هذه المقاومة جزءا من خطة الأمن القومي العربي، وفي الوقت نفسه موضوعا لتحسين المواقع والشروط السياسية العربية.
الذي يحصل الآن غير ذلك تماما، فمن جهة، وبعد الهجوم الدعائي لعدد من الحكومات العربية على بنيامين نتنياهو، الذي دعا ساخرا لإقامة دولة للفلسطينيين في المملكة العربية السعودية، والرفض الظاهر لخطة ترامب لتهجير سكان قطاع غزّة، تعود الحكومات العربية للهجوم على حركة حماس، والتخطيط لإقصائها عن المشهد الفلسطيني، وهذا راجع لسببين اثنين:
السبب الأوّل استنتاجها الخاطئ، على الأقل بعضها ولا سيما في الخليج، من التحوّلات الإقليمية، باعتقادها أنّ إيران الخاسر الوحيد من هذه التحولات بعد الحرب في لبنان وسقوط نظام الأسد في سوريا، وهو ما يكشف عن فهم مشوّه لديها عن القضية الفلسطينية، التي هي موجودة بشعبها ومقاوماتها المتصلة والعابرة للزمان والتوازنات الإقليمية وحتى للتيارات السياسية والأيديولوجية الفلسطينية، وهذا يعني أنّ هذه الحكومات لا تنظر للقضية الفلسطينية قضية قائمة بنفسها معبّرة عن مظلومية شعبها، وإنما تنظر إليها بوصفها مادة للاستثمار الإيراني لا غير، وفي حين أنّ ضمور النفوذ الإيراني ينبغي أن يُخلّص هذه الحكومات من وهم إمكان التحالف مع "إسرائيل" لمواجهة إيران، فإن استنتاجها معاكس تماما.
السبب الثاني؛ هو ما سبق ذكره، فهذه الحكومات بنخبها العليا نشأت خلال الثلاثين سنة الأخيرة، على التطبع الكامل مع الوجود "الإسرائيلي" والسعي الحثيث للتخلص من القضية الفلسطينية، وقد ترسخت على أساس ذلك سياسات وعلاقات وتحالفات ومصالح سرّية وعلنية. والمؤكد أن طول أمد هذا المسار، يحوّل السياسة إلى ما يشبه العقيدة، بحيث يصعب التخلص من حضورها العميق المهمين على العقل والقلب، وبما يجعل التحوّل نحو مواجهة "إسرائيل" مسألة تحتاج فائض عقل وشجاعة وأخلاق ورؤية طموحة، وذلك كلّه ذوّبته العقود الثلاثة الأخيرة حتى لا يكاد يُرى منه شيء.
x.com/sariorabi