الديمقراطية القلقة بين السلطة والمجتمعات المضغوطة!
تاريخ النشر: 16th, November 2023 GMT
تواجه عمليات تطبيق الديمقراطية في بعض بلدان الشرق الأوسط وخاصة العراق وليبيا ومجموعة الدول التي تعرضت لتغيير أنظمتها السياسية فوقيا وبمساعدة جراحية من قبل دول عظمى، هذه الدول وفعالياتها السياسية تواجه تحديات كبيرة ومعقدة في مجتمعات تتكلس فيها عبر مئات السنين موروثات اجتماعية ودينية وامراض نفسية وسلوكية تتقاطع بل تمنع قيام مجتمع ديمقراطي على النمط الغربي.
ولعله من اخطر تلك التحديات ان النخب السياسية ذاتها من انتاج مجتمعات تعاني تاريخيا من ظواهر سلبية متكلسة وموروثات معقدة في الفكر والسلوك، ناهيك بانها ادمنت أنظمة شمولية مستبدة لعشرات السنين او ربما لمئات السنين ضمن قوقعة بدوية قبلية محافظة يحكمها الخوف المريع من السلطة المتمثلة بفرد او مجموعة، ذلك الخوف الذي عبث بسلوكيات الفرد والمجتمع وفي هذه الجزئية المهمة يتفق غالبية علماء النفس والاجتماع على أن الخوف سبب تربوي مهم في نشوء ظاهرة الكذب والعديد من أنماط السلوك غير القويم كالتدليس والانتهازية، ناهيك عن مركبات النقص التي يعاني منها الفرد أو المجموعة التي تتصف بهذه الأنماط السلوكية، وهذه الظواهر والسلوكيات تنطبق بشكل كبير على المجتمعات التي تخضع لأنظمة مستبدة تشيع الخوف والرعب بين الأهالي باستخدام العقوبات المفرطة الشدة او الاعتقالات العشوائية خارج منظومة القوانين واستخدام أساليب التعذيب والترهيب مع المعارضين او حتى مع المتهمين بمختلف أنواع الجرائم او الانحرافات.
وبسبب التشبث بالسلطة والافراط بها وبتنفيذ العقوبات وخاصة العقوبات الصارمة التي تنفذ امام الملأ انتشر الخوف والرعب بين الناس وتضاعفت ظاهرة الكذب والانتهازية والتدليس والنفاق والتزلف، وقد انعكست مظاهر الانتهازية والعدوانية على شكل التعامل بين السلطة والأهالي من جهة، وشكل البناء الاجتماعي القروي والقبلي والنظام التربوي البدائي من جهة أخرى، في التعاطي مع الفعاليات الحياتية بكل أنماطها، في السياسة والمجتمع والاقتصاد والتربية والتعليم، وحتى على مستوى العلاقات الشخصية بين الأفراد أو المجموعات، حيث تسود مشاعر الأنانية والحذر الشديد والتوجّس، إلى درجة الخوف من الآخر، بل والشعور بالعدوانية تجاهه، ففي معظم مجتمعاتنا الشرقية التي تعاني من أمية أبجدية وحضارية وثقافة قروية وسلوك بدوي، ما زال يسكن دواخل الكثير من الذين غيروا أشكالهم وديكوراتهم بإكسسوارات المظاهر دونما الالتفات إلى نوعية السلوك وتقدميته، إلا بالقدر الذي يحافظ على مصالحهم الذاتية والمظهرية، والتي تنحصر في مجملها بعقلية الربح والخسارة، يسبقها دوماً سوء النية في التعامل اليومي والتعاطي مع تفصيلات الحياة اليومية بين البشر، على خلفية البقالة المجردة من المشاعر الخلاقة.
لقد مارست الطبقة الحاكمة، سواء كانت فرداً أو حزباً أو شريحة اجتماعية، ضغوطاً هائلة على المجتمع من خلال المجموعات التابعة والملحقة بها، من المستفيدين من عطاياها وسلطنتها، الذين يشكلون خطوط حمايتها وأبواق دعايتها وسدنة حكمها ومن ثم مراكز هيمنتها وإداراتها، حيث تولّت هذه (الملحقات المعوقة) مسؤوليات إدارية واقتصادية وحتى اجتماعية مهمة في المجتمع والدولة، وخير مثال على ذلك، تلك المجاميع التي أنتجتها النظم الدكتاتورية من خلال مؤسساتها القمعية والحزبية من الأميين وأنصافهم، منذ بدء حقبة الانقلابات، في كل من العراق وسوريا والجزائر وليبيا واليمن وإيران والسودان وبقية الدول الأخرى المشابهة، وتولي الكثير منهم قيادات مهمة في الجيش وحقائب وزارية وإدارة المحافظات والمدن، وحتى في الجامعات وعماداتها، ناهيك عن عشرات الآلاف من صغار ومتوسطي الموظفين في كل مفاصل الدولة.
وبدلاً من تكريس الحياة المدنية ونقلها إلى الريف والقرية وإحداث تغييرات اقتصادية واجتماعية ترتقي بها من تلك الأنظمة المغلقة والمحدودة والمقيدة بنظام العبودية للشيخ والآغا، وأحياناً كثيرة لرجال الدين القرويين أشباه الأميين، إلى مستويات أعلى وأكثر تطوراً، بربط تلك المناطق بمنظومة من الطرق والاتصالات والخدمات والمناهج التربوية التي تحدث تغييرات مهمة في بنائها التحتي، عملت كل الانقلابات التي هيمنت على السلطة وادّعت تغيير النظام السياسي والاجتماعي، وأحياناً كثيرة الاقتصادي السابق لها، إلى نظام جمهوري مدني اشتراكي، لا إلى نقل المدينة إلى الريف، بل حصل العكس بنقل الريف وتهجيره إلى المدن، مما أضاع فرصة ثمينة لتطوير الريف والمدينة، بل عمل على مسخ هوية المدن وإغراقها بأنماط قروية وقبلية في السلوك والتصرّف.
وخلال عقود قليلة، تحوّلت تلك الأفواج من القرويين إلى مجموعات منقادة اخترقت كل أنظمة المجتمع والدولة، وبخاصة مؤسسات الجيش والشرطة والتعليم الأوسع انتشاراً من غيرها في الهيكل الوظيفي للدولة، هذه المجموعات التي أفرزتها تلك الأنظمة المستبدّة، سواء ما كان منها على دفة الحكم أو ما كان منها على شكل منظومة عادات وتقاليد اجتماعية استبدادية، وهي بالتالي تشكل العمق الاجتماعي للأنظمة السياسية المستبدة، حيث بساطة التفكير وسذاجته وعقلية القطيع، التي سهلت مهمة الأنظمة في السيطرة على هذه المجموعات، التي نقلت معها كل سلوكيات القرية والبداوة إلى مراكز المدن، بحثاً عن العمل أو الارتزاق خلف أنظمة سياسية استبدادية، تستغلّ سذاجتها، لاستخدامها أدوات سلطوية وقمعية في أجهزتها الخاصة، كما تفعل معظم أنظمتنا السياسية هنا في الشرق الأوسط، في الاعتماد على مجاميع من القرويين والقبليين في حماية النظام ورموزه ومؤسساته العسكرية والأمنية، حتى وصلت إلى مفاصل مهمة في مراكز القرار في الدولة والمجتمع، مما تسبب في ظهور عوق اجتماعي كبير هو ما نسميه بالنفاق الاجتماعي والانتهازية المقيتة، ويبدو ذلك اكثر وضوحا في كل من ايران والعراق وسوريا ولبنان حيث استخدم الدين والمذهب كأداة غاية في الخطورة لتخدير الأهالي واستكانتهم.
إننا اليوم في ظل أنظمة تمارس نمطا ديمقراطيا قلقا لإنتاج دكتاتوريات مرنة في مجتمعات مضغوطة بالخوف والرعب والإرهاب، نواجه تحديا خطيرا في معظم البلدان التي ذكرتها، وخاصة في بلادنا حيث أقحم الدين والمذهب في العملية السياسية وتم تفعيل النظام القبلي وتسخيره كأداة مساعدة في الحكم، مما عقد مسيرة بناء مجتمع ديمقراطي باستخدام أدوات ديمقراطية مفرغة من معانيها الحقيقية كالانتخابات المضللة ومؤسساتها التشريعية والتنفيذية والقضائية التي هيمنت عليها قوى شمولية تمارس الديمقراطية من طرف واحد تحت مظلة دكتاتورية مرنة بعيداً عن إحداث أي تغييرات اجتماعية وتربوية جذرية، وبخاصة ما يتعلّق بإزالة هواجس الخوف المنتجة لكثير من مظاهر العوق الاجتماعي في الكذب والتدليس والسلبية في التعاطي مع الآخر، كل هذه المحاولات تصطدم بكم هائل من الصراعات التاريخية سواء كانت دينية مذهبية او قومية عرقية ناهيك عن الصراع الازلي بين الطبقات، وما لم يعاد النظر بالجغرافية السياسية للمكونات والتحول من نظام الدولة المركزية الى نظام فيدرالي حقيقي كخطوة أولى في تقزيم وانهاء الصراعات المذهبية والقومية لن تتوفر أي فرصة لتقدم البلاد والتفرغ لتحديث المجتمع تعليميا وتربويا معاصرا بما يؤهله للانتقال الى نظام ديمقراطي حقيقي.
المصدر: شفق نيوز
كلمات دلالية: العراق هاكان فيدان تركيا محمد شياع السوداني انتخابات مجالس المحافظات بغداد ديالى نينوى ذي قار ميسان اقليم كوردستان السليمانية اربيل نيجيرفان بارزاني إقليم كوردستان العراق بغداد اربيل تركيا اسعار الدولار روسيا ايران يفغيني بريغوجين اوكرانيا امريكا كرة اليد كرة القدم المنتخب الاولمبي العراقي المنتخب العراقي بطولة الجمهورية الكورد الفيليون الكورد الفيليون خانقين البطاقة الوطنية مطالبات العراق بغداد ذي قار ديالى حادث سير الكورد الفيليون مجلة فيلي عاشوراء شهر تموز مندلي
إقرأ أيضاً:
الحكومة حسمت الأمر.. هل يتم إقرار حزم اجتماعية جديدة؟
إقرار حزم اجتماعية جديدة.. حسمت الحكومة هذا الأمر خلال الساعات القليلة الماضية وحددت الحالة التي يتم فيها التطبيق.
يأتي ذلك بالتزامن مع المراجعة الرابعة لصندوق النقد الدولي وزيارة مديرة الصندوق كريستالينا جورجييفا إلى مصر، أول أمس الأحد.
المتحدث باسم الحكومة يطمئن المصريين قبل اجتماع المراجعة مع صندوق النقد.. تفاصيل اطمئنوا مفيش أعباء إضافية.. متحدث الحكومة يحسم الجدل قبل مراجعة صندوق النقد إقرار زيادة جديدة في أسعار الغاز الطبيعي.. الحكومة ترد الحكومة حسمت الأمر.. هل تزيد أسعار الكهرباء بعد زيارة مديرة صندوق النقد؟ 6 حزم اجتماعية في 4 سنواتجدير بالذكر أن الحكومة، قد أقرت 6 حزم للحماية الاجتماعية لمجابهة ارتفاعات الأسعار، خلال آخر 4 سنوات، بإجمالي أكثر من 600 مليار جنيه، كالآتي:
الحزمة الأولى: 100 مليار جنيه تم إقرارها لمساندة القطاعات المتأثرة من جائحة فيروس كورونا.
الحزمة الثانية: 78 مليار جنيه تم إقرارها في أبريل عام 2022 لمواجهة تداعيات الأزمة الأوكرانية والتغيرات الاقتصادية.
الحزمة الثالثة: 67.5 مليار جنيه تم إقرارها في شهر سبتمبر ونوفمبر 2022 لمساندة فئات المجتمع المختلفة لمواجهة الآثار المترتبة على الأزمة الاقتصادية لاستيعاب زيادة الأسعار والارتفاع في نفقات المعيشة.
الحزمة الرابعة: 150 مليار جنيه تم إقرارها في شهر أبريل عام 2023 لمساندة فئات المجتمع المختلفة لمواجهة الآثار المترتبة على الأزمة الاقتصادية لاستيعاب زيادة الأسعار والارتفاع في نفقات المعيشة.
الحزمة الخامسة: 60 مليار جنيه تم إقرارها في شهر أكتوبر عام 2023 لمساندة فئات المجتمع المختلفة لمواجهة الآثار المترتبة على الأزمة الاقتصادية لاستيعاب زيادة الأسعار والارتفاع في نفقات المعيشة.
الحزمة السادسة: تم العمل بها اعتبارًا من مارس 2024 لمساندة فئات المجتمع المختلفة لمواجهة الآثار المترتبة على الأزمة الاقتصادية لاستيعاب زيادة الأسعار والارتفاع في نفقات المعيشة.
هل تقر الحكومة حزم اجتماعية جديدة؟قال المستشار محمد الحمصاني، المتحدث الرسمي باسم مجلس الوزراء، إن مديرة صندوق صندوق النقد الدولي، أكدت تقديرها لما تحمله الشعب المصري من ضغوط في ظل عملية الإصلاح والتحديات التي يواجهها الاقتصاد المصري، وهي مدركة لمأتم تحقيقه والأعباء الملقاة على كاهل المواطنين.
وأشار خلال مداخلة هاتفية ببرنامج “اقتصاد مصر”، الذي يقدمه الإعلامي أحمد أبو طالب على قناة” أزهري”، إلى أن رئيس الوزراء أكد أنه لن يكون هناك ارتفاع في أسعار الوقود لـ 6 أشهر، وسيم مراعاة عدم إضافة أي أعباء جديدة على المواطنين.
وأوضح أنه تم إقرار حزم من الحماية الاجتماعية بناء على توجيهات رئيس الجمهورية، على مدار الفترات السابقة، والدولة تراعي وتأخذ في الاعتبار ما يواجهه المواطنين من أعباء”.
وأضاف: “إذا ارتأى أن هناك حاجة للمزيد من الدعم وتدخل الدولة سنقوم بذلك.. والأمر محل نظر من الحكومة “.
الدعم الاجتماعي في الموازنةتتبنى الحكومة، سياسة اقتصادية تجمع بين تطبيق إصلاحات اقتصادية صارمة لتحقيق نمو اقتصادي مستدام، وفي الوقت نفسه تطبيق الحماية الاجتماعية للفئات محدودي الدخل والأولى بالرعاية، وعدم اتخاذ أي إجراءات تؤثر سلبًا على هذه الفئات مثل المتعلقة بالتحرير الكامل لسعر صرف الجنيه أمام الدولار.
يظهر ذلك في تخصيص مبلغ 529.7 مليار جنيه للدعم والمنح والمزايا الاجتماعية في الموازنة العامة للدولة 2023/2024.