بوابة الوفد:
2024-10-02@02:49:08 GMT

كثيرة العشاق (49)

تاريخ النشر: 16th, November 2023 GMT

فرضت مصر سطوتها على خياله قبل رحلته إليها بعقود عدة، وأثناء الرحلة وفى أعقابها، كتب عنها وشعر بشوق إليها قبل أن تطأها قدماه، من خلال ما شاهده من إبداع أبنائها فى المعرض الدولى الذى أقيم فى باريس سنة 1867، وفى المتاحف والمعارض، وما عرفه عنها بفضل قراءاته الشرقية الواسعة وعندما بلغها بعد طول انتظار وشغف، تعرض لحادث حول رحلته، من « المشاء الكبير» الذى كان يعول على نظراته بقدر ما كان يعوّل على ثقافته، إلى «سفرٍ ثابت»، إذ إن إحدى ذراعيه قد تعرضت للكسر على متن السفينة، ما اضطره لمداراة ذراعه المجبرة، والاكتفاء بالتطلع إلى المدينة التى كانت تستقطب كل أحلامه من شرفة فندق «شبرد» حيث أقام.

لكن بفضل قريحة الكاتب وذكرياته عن مصر التى لطالما رآها فى أحلامه وقراءاته، تمكن الشاعر الفرنسى تيوفيل جوتييه (1811- 1872) من أن يعوض نسبياً عدم قدرته على الحركة فى طول القاهرة وعرضها كما كان دأبه فى سائر رحلاته. 

شاء القدر أن ينقل إلى أرض الفراعنة على أريكة، وخلال زيارته لصعيد مصر كتب رواية «المومياء» وبعد أن أخبر صديقه الشاعر جيرار دى نرفال قائلًا: أنا تركى، لست من القسطنطينية ولكن من مصر، يبدو لى أننى عشت بالشرق، ولما كنت أتنكر ببعض القفطان وبعض الطربوش أثناء المهرجان، بدا لى أننى أستعيد ملابسى الحقيقية، كنت دائمًا أستغرب من عدم سماعى اللغة العربية بطلاقة، لا بد أننى نسيتها، وكان كل ما يذكرنى بالموريين فى إسبانيا يثير اهتمامى بشدة وكأننى كنت ابن الإسلام وأدافع عنه. 

فى عام 1885 مول رجل الصناعة الفرنسى المثقف إيميل جيميه بعثات تنقيب عن الآثار فى صعيد مصر، نفذها «جوتيه»، وقد استمرت هذه البعثات حتى عام 1911.

نقّب «جوتيه» فى أطلال مقابر الأقباط القديمة بجوار ملوى فى المنيا، واستخرج منها آلاف القطع من الملابس وأدوات الحياة اليومية، حيث كان الأقباط يدفنون موتاهم فى ملابس جديدة، ويقومون بلف طبقات من الستائر والشيلان والمفارش ويثبتونها بالأربطة حول المتوفى بحيث يشبه شكل الجثة فى النهاية مومياوات العصور الفرعونية.

قام «جوتيه» بعرض نتاج حفرياته فى معرض باريس الدولى عام 1900، من خلال جناح عرض فيه مائة قطعة من المنسوجات القبطية فى قصر دو للأزياء.

وقد أحدث نشرها دويًا بين أوساط الفنانين والمثقفين الفرنسيين، فقد انبهروا بجمال الملابس القبطية، «التونيك القبطى» ودقة نسيجها ورقة زخارفها وموديلاتها حتى تمت إعادة إنتاج بعضها على يد مصممى ذلك العصر وصارت موضة رائجة بين سيدات الطبقة الراقية فى أوروبا وأمريكا، خاصة أنها بدأت من باريس صانعة الموضة.

كما قامت النجمة الفرنسية سارة برنارد بتفصيل فستان وشال على الطراز القبطى ظهرت بهما فى مسرحية «ثيدورا» عام 1902، وفى عام 1911 رسمت الفنانة البريطانية هلين كليمانتين دوف لوحة تصور فيها نفسها وهى مرتدية ثوبًا قبطيًا.

ويقول «جوتيه» فى كتابه (رحلة إلى مصر) «هناك فكرة تتبادر إلى ذهن حتى المسافر الأقل انتباها، منذ يخطو خطواته الأولى فى مصر السفلى، هذه حيث راكم النيل، منذ أزمنة سحيقة، طميه بطبقات دقيقة، منها فكرة الحميمية العميقة التى تجمع الفلاح المصرى بأرضه، فيغدو مناسبا وصفها بأنها علاقة راسخة.. هو يخرج من هذا الطين الذى يمشى فيه، وهو مصنوع منه ولا يكاد ينتزع نفسه منه، شأنه مع أرضه شأن الطفل مع ثدى المرضعة، يقلبها ويعصرها كى يجعل حليب الخصوبة ينبجس من هذا الضرع الأسمر.

يبقى الفلاح المصرى فى أرضه إلى أبد الآبدين منتبها إلى أدنى ما تحتاجه جدته العريقة، أرض كيمى السوداء، إن عطشت سقاها، وإن أزعجتها كثرة المياه خلصها منها، وكى لا يجرحها يفلحها بلا آلات تقريبا، يفلحها بيده، ولا يكاد محراثه يلمس أديمها الذى يغشى كل سنة بأديم جديد تأتى به الفيضانات».

حفظ الله مصر وأهلها

[email protected] 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: ندى صلاح صيام مصر

إقرأ أيضاً:

عدوان برعاية أمريكية

شرع الجيش الإسرائيلي، اليوم يعمل فى رحاب الحماية الأمريكية، في استخدم كل الأساليب القذرة فى ترويع المدنيين الفلسطينيين، وتهجيرهم وارتكاب المذابح في صفوفهم ليجرى هذا تحت رعاية وحماية الولايات المتحدة الأمريكية. ولقد رأينا مؤخرا كيف تنامت لدى الجيش الإسرائيلى العقيدة الإرهابية لتصبح عقيدته الأصلية فى القتل والترويع واستهداف المدنيين الفلسطينيين. وهى الجرثومة التي تنامت لدى"نتنياهو" كرئيس للوزراء منذ عام 1996 لتصبح عقيدته، ويتزامن هذا مع صعود التيارات الدينية المتطرفة، وظهور الجيش الإسرائيلى كأسوأ جيش فى العالم حيث قام بقتل المدنيين، واستخدم سلاح التجويع، وقام بالتمثيل بالجثامين، وارتكاب المذابح ليل نهار على مرأى من العالم كله.

لم يكن غريبا أن رأينا هذا الجيش يعمل تحت الرعاية الأمريكية، فهى الضامن والسند والمدافع عنه، وظهر هذا فى التداعيات الأخيرة مع فتح جبهة صراع جديدة مع حزب الله فى لبنان، وهو أمر جد خطير يؤدي بالقطع إلى تأزيم الموقف. ومن ثم بات من الضرورى اليوم وقف التصعيد الحادث فى الصراع بين إسرائيل وحزب الله، وهو الصراع الذى جعل المنطقة تعيش فوق سطح صفيح ساخن منذ السابع من أكتوبر الماضى. كما بات من الضروري وقف إسرائيل لعدوانها على غزة، وهو العدوان غير المسبوق، والذي يغذى بنية الصراع والتصعيد فى المنطقة. ويحدث هذا فى ظل توجهات اليمين الإسرائيلي الحاكم بزعامة " نتنياهو" الذى يسعى لإشعال الحرائق عمدا فى المنطقة لاعتبارات سياسية داخلية تصب فى صالحه، ومن أجل تحقيق بغيته فى تصفية القضية الفلسطينية، وذلك بوضع العراقيل والعقبات أمام أى مساعٍ تُبذل من أجل الوصول إلى وقف لإطلاق النار.

وهذا ما شهدناه اليوم مع فتح جبهة جديدة فى لبنان الذى يواجه تحديات كثيرة، ولا يتحمل اندلاع حرب جديدة. ولقد رأينا كيف تواطأت الولايات المتحدة الأمريكية مع إسرائيل. وبدلا من أن تعلي صوت الحكمة والعقل وتتحرك بفاعلية لنزع فتيل الأزمة قبل أن تنفجر وتصعب السيطرة عليها تماهت مع إسرائيل فى الرغبة المحمومة فى تصعيد الموقف وتفجيره فى المنطقة من خلال وضع المزيد من العقبات أمام محاولة الوصول إلى إنهاء الاحتلال، والبدء فى إطلاق مسار المفاوضات، الذى يفضى إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من يونيو 67 وعاصمتها القدس الشرقية. ويجرى هذا فى إطار حل الدولتين، وهو السبيل الوحيد لوقف الصراع وتحقيق الأمن والاستقرار فى منطقة الشرق الأوسط.

بيد أن إسرائيل اتخذت منحى آخر من شأنه أن يُشعل الصراع فى المنطقة أكثر وأكثر عندما بادرت وفتحت جبهة جديدة فى لبنان، وعمدت إلى إشعال الموقف والتصعيد مع حزب الله، وهو ما رأيناه عندما جرى تفجير أجهزة الاتصال، واغتيال عدد من قادة الحزب، وتبادل القصف الصاروخى بين قوات الاحتلال وحزب الله، الأمر الذى فاقم الموقف وبات ينذر بمخاطر اندلاع حرب شاملة، حرب إذا وقعت ستكون لها تداعيات خطيرة، ليس على السلم والأمن فى المنطقة وحسب وإنما أيضا على لبنان تحديدا الذى يواجه الآن الكثير من التحديات، ولن يكون بمقدوره تحمل اندلاع شرارة حرب جديدة.

مقالات مشابهة

  • المرشود: مكتسبات النصر كثيرة في مباراة اليوم .. فيديو
  • وطنك لا يخذلك
  • الظلم ظُلمات
  • السوبر الإفريقى زمالكاوى
  • عدوان برعاية أمريكية
  • حرب١٥/ابريل هي بداية النهاية لأخطاء كثيرة ارتكبتها قيادة البلاد منذ الاستقلال
  • نائب: العراق داعم للبنان وغزة ليس عبر البيانات فقط.. اتخذ خطوات عملية كثيرة - عاجل
  • فولسبورغ الألماني: “نتمنى أهدافا كثيرة لعمورة”
  • فولسبورغ الألماني: “نتمنى أهداف كثيرة لعمورة”
  • خريج أكاديمية الشرطة: حصلنا على دورات تدريبية كثيرة لصقل مهاراتنا