بوابة الوفد:
2025-01-27@14:00:41 GMT

كثيرة العشاق (49)

تاريخ النشر: 16th, November 2023 GMT

فرضت مصر سطوتها على خياله قبل رحلته إليها بعقود عدة، وأثناء الرحلة وفى أعقابها، كتب عنها وشعر بشوق إليها قبل أن تطأها قدماه، من خلال ما شاهده من إبداع أبنائها فى المعرض الدولى الذى أقيم فى باريس سنة 1867، وفى المتاحف والمعارض، وما عرفه عنها بفضل قراءاته الشرقية الواسعة وعندما بلغها بعد طول انتظار وشغف، تعرض لحادث حول رحلته، من « المشاء الكبير» الذى كان يعول على نظراته بقدر ما كان يعوّل على ثقافته، إلى «سفرٍ ثابت»، إذ إن إحدى ذراعيه قد تعرضت للكسر على متن السفينة، ما اضطره لمداراة ذراعه المجبرة، والاكتفاء بالتطلع إلى المدينة التى كانت تستقطب كل أحلامه من شرفة فندق «شبرد» حيث أقام.

لكن بفضل قريحة الكاتب وذكرياته عن مصر التى لطالما رآها فى أحلامه وقراءاته، تمكن الشاعر الفرنسى تيوفيل جوتييه (1811- 1872) من أن يعوض نسبياً عدم قدرته على الحركة فى طول القاهرة وعرضها كما كان دأبه فى سائر رحلاته. 

شاء القدر أن ينقل إلى أرض الفراعنة على أريكة، وخلال زيارته لصعيد مصر كتب رواية «المومياء» وبعد أن أخبر صديقه الشاعر جيرار دى نرفال قائلًا: أنا تركى، لست من القسطنطينية ولكن من مصر، يبدو لى أننى عشت بالشرق، ولما كنت أتنكر ببعض القفطان وبعض الطربوش أثناء المهرجان، بدا لى أننى أستعيد ملابسى الحقيقية، كنت دائمًا أستغرب من عدم سماعى اللغة العربية بطلاقة، لا بد أننى نسيتها، وكان كل ما يذكرنى بالموريين فى إسبانيا يثير اهتمامى بشدة وكأننى كنت ابن الإسلام وأدافع عنه. 

فى عام 1885 مول رجل الصناعة الفرنسى المثقف إيميل جيميه بعثات تنقيب عن الآثار فى صعيد مصر، نفذها «جوتيه»، وقد استمرت هذه البعثات حتى عام 1911.

نقّب «جوتيه» فى أطلال مقابر الأقباط القديمة بجوار ملوى فى المنيا، واستخرج منها آلاف القطع من الملابس وأدوات الحياة اليومية، حيث كان الأقباط يدفنون موتاهم فى ملابس جديدة، ويقومون بلف طبقات من الستائر والشيلان والمفارش ويثبتونها بالأربطة حول المتوفى بحيث يشبه شكل الجثة فى النهاية مومياوات العصور الفرعونية.

قام «جوتيه» بعرض نتاج حفرياته فى معرض باريس الدولى عام 1900، من خلال جناح عرض فيه مائة قطعة من المنسوجات القبطية فى قصر دو للأزياء.

وقد أحدث نشرها دويًا بين أوساط الفنانين والمثقفين الفرنسيين، فقد انبهروا بجمال الملابس القبطية، «التونيك القبطى» ودقة نسيجها ورقة زخارفها وموديلاتها حتى تمت إعادة إنتاج بعضها على يد مصممى ذلك العصر وصارت موضة رائجة بين سيدات الطبقة الراقية فى أوروبا وأمريكا، خاصة أنها بدأت من باريس صانعة الموضة.

كما قامت النجمة الفرنسية سارة برنارد بتفصيل فستان وشال على الطراز القبطى ظهرت بهما فى مسرحية «ثيدورا» عام 1902، وفى عام 1911 رسمت الفنانة البريطانية هلين كليمانتين دوف لوحة تصور فيها نفسها وهى مرتدية ثوبًا قبطيًا.

ويقول «جوتيه» فى كتابه (رحلة إلى مصر) «هناك فكرة تتبادر إلى ذهن حتى المسافر الأقل انتباها، منذ يخطو خطواته الأولى فى مصر السفلى، هذه حيث راكم النيل، منذ أزمنة سحيقة، طميه بطبقات دقيقة، منها فكرة الحميمية العميقة التى تجمع الفلاح المصرى بأرضه، فيغدو مناسبا وصفها بأنها علاقة راسخة.. هو يخرج من هذا الطين الذى يمشى فيه، وهو مصنوع منه ولا يكاد ينتزع نفسه منه، شأنه مع أرضه شأن الطفل مع ثدى المرضعة، يقلبها ويعصرها كى يجعل حليب الخصوبة ينبجس من هذا الضرع الأسمر.

يبقى الفلاح المصرى فى أرضه إلى أبد الآبدين منتبها إلى أدنى ما تحتاجه جدته العريقة، أرض كيمى السوداء، إن عطشت سقاها، وإن أزعجتها كثرة المياه خلصها منها، وكى لا يجرحها يفلحها بلا آلات تقريبا، يفلحها بيده، ولا يكاد محراثه يلمس أديمها الذى يغشى كل سنة بأديم جديد تأتى به الفيضانات».

حفظ الله مصر وأهلها

[email protected] 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: ندى صلاح صيام مصر

إقرأ أيضاً:

داليا عبدالرحيم تكتب: الدرس

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

عام بعد عام تتكشف حقائق جديدة حول ما حدث في ٢٥ يناير ٢٠١١، أربعة عشر عامًا كاملة مرت على أكبر وأخطر محاولة لهدم الدولة المصرية، كان التخطيط كبيرا، استغل أصحابه طموحات وأحلاما مشروعة لقطاع من الشباب يحمل نوايا طيبة، ليقفزوا على أحلامه ويستغلوا غضبه، مستخدمين مجموعات ارتبطت ارتباطا مباشرا بهم تدريبا وتمويلا لينفذوا مخططهم الشيطانى.

لم يكن الهدف النهائي تغيير نظام الحكم، بل كان ذلك خطوة أولى نحو تحقيق الهدف الأكبر، إسقاط الدولة المصرية وإعادة تقسيمها، ولم يكن بالطبع لمخطط كذلك أن يمر إلا عن طريق هدم المؤسسات الوطنية للدولة، وفى مقدمتها مؤسسة الشرطة المصرية، ظلوا سنوات عديدة يسعون لتعميق الفجوة بين المواطن البسيط ومؤسسته الأمنية، التى تحميه، من خلال إطلاق الشائعات وتعميقها حول وجود سجون سرية لأجهزة أمنية تستخدم للتعذيب، وحول قتل خارج إطار القانون، وأشياء كثيرة من هذا القبيل، ربما كان هناك بعض الأخطاء والممارسات الفردية التى وقعت بالفعل فى ذلك الوقت.

ولكنها لم تكن أبدا بهذا الحجم الذى صوروه عن طريق حملاتهم الإعلامية الداخلية والخارجية المسمومة والمفبركة- والتى اكتشف الشعب المصرى زيفها فيما بعد- عندما بدءوا فى إشعال الحرائق الصغيرة والحرائق الكبيرة، ثم اقتحموا السجون، وهدموا المبانى الحكومية، وأحرقوا أقسام الشرطة، وسرقوا السلاح، واعتدوا على الرجال والنساء وخطفوا الأطفال.ساعتها فقط استفاق المصريون وعرفوا حجم الجريمة التى سمحوا بها، فسرعان ما علت المطالب بعودة رجال الشرطة وهيبة القانون والأمن، وكم كانت الفرحة كبيرة، ونحن نستقبلهم بالورود فى الشوارع والميادين، لنعقد معهم ذلك العقد الاجتماعى الجديد الذى أقسمنا على ألا ينفك أبدا ما حيينا.

لن ينسى المصريون أبدًا مشهد عودة يوسف القرضاوى، مفتى قطر وحلف الناتو، وهو يعود متمثلا الخمينى ليصلى فى ميدان التحرير وليؤم صلاة (الثوار) فيه، بل ويدعو أبناء الوطن من المصريين والمسيحيين للصلاة خلفه!هنا أدرك المصريون بشكل واضح حجم الخدعة، لقد قفزت جماعة الإخوان الإرهابية على المشهد متسربلة برداء المدنية والحرية واعدة الشباب بتحقيق آمالهم وطموحاتهم، لقد نجحوا فى اقتناص السلطة بمساعدة شرذمة من السياسيين معدومى الضمير.

لقد كان العام الذى حكم فيه الإخوان بالفعل، أسوأ عام فى تاريخ مصر، عاش فيه الشعب المصرى أسوأ أيامه، ولكن الحقيقة سرعان ما بدأت تظهر وتتكشف، فأين السجون التى ادعى الإخوان وحلفاؤهم وجودها تحت الأرض؟ ولماذا لم يتم الإعلان عن واحد منهم؟ وأين الضباط الذين طالما ادعت جماعة الإخوان الإرهابية أنهم يقومون بتعذيب كوادرهم أثناء التحقيقات؟ ولماذا لم يقدم واحدًا منهم للمحاكمة وقد كانت الجماعة فى قمة السلطة آنذاك؟إنه الكذب والتدليس الذى انطلى على بعض البسطاء وقتها.لقد اتضحت المؤامرة بكل تفاصيلها أمام أعين المصريين، فهبوا مرة أخرى، لكن هذه المرة فى وجه حكم المرشد وجماعته وأكاذيبهم.

وذهبت الجماعة إلى مزبلة التاريخ وذهبت خطط أعداء مصر وأهل الشر أيضا إلى مزبلة التاريخ، ولكن ظل الدرس شاخصا أمامنا، نعلمه لأبنائنا وأحفادنا جيلا بعد جيل، وطن بدون درع تحمى شعبه فى الداخل وتبعث روح الطمأنينة والأمان هو وطن قابل للانهيار وقابل للعبث به من قبل ألد أعدائه، وطن بدون درع تحمى مقدراته وحدوده الخارجية وأمنه القومى هو وطن لا يستحق أن يوجد أصلا. لقد تعلمنا جميعا الدرس، أن الجيش والشرطة هما درع الوطن وحماته وعموده الفقرى، وأن أى مساس بهما سيكون على جثتنا كمصريين.

تعلمنا أن الغضب يجب أن يُقنِّن من خلال أطر قانونية ودستورية وأن التغيير يجب أن يتم وفقا لآليات سلمية حددها الدستور والقانون.لقد وعى المصريين الدرس جيدًا، ولن يستطيع أحد أيًّا كان أن يُغرِّر بهم أو يخدعهم مرة أخرى، مهما كانت شكل الشعارات أو حجم الأشخاص. 

تحية إعزاز وتقدير، فى العيد الثامن والستين للشرطة المصرية، لكل شرطى مصرى فى أى بقعة على أرض الوطن يعمل بكل طاقته للحفاظ على أمن بلده وحمايتها.

ونعدكم دومًا أن تظلوا محل احترام وتقدير فى عيون المصريين جميعا، نفخر بكم وبجهودكم فى حماية الأمن الداخلى للوطن، ودمتم حراسا مؤتمنين، وكل عام وأنتم بخير.

مقالات مشابهة

  • لا جديد تحت الشمس
  • فى محبة الغيطانى
  • "أخلاقنا".. التى كانت
  • سرقات ونهب وحرق أقسام.. أحمد موسى: 2011 شهدت أحداث فوضى كثيرة
  • «عوض بكاب».. مهندس الدبلوماسية الشعبية فى السودان: «شكرًا مصر»
  • المضاعفات الطبية ومخاطر العمل الطبى
  • داليا عبدالرحيم تكتب: الدرس
  • المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي: مقتل 841 جنديا والإصابات كثيرة جدا.. وسنواصل الحرب على كل الجبهات
  • الشعب والجيش مع البرهان
  • درس 25 يناير