بوابة الوفد:
2025-03-06@03:20:16 GMT

كثيرة العشاق (49)

تاريخ النشر: 16th, November 2023 GMT

فرضت مصر سطوتها على خياله قبل رحلته إليها بعقود عدة، وأثناء الرحلة وفى أعقابها، كتب عنها وشعر بشوق إليها قبل أن تطأها قدماه، من خلال ما شاهده من إبداع أبنائها فى المعرض الدولى الذى أقيم فى باريس سنة 1867، وفى المتاحف والمعارض، وما عرفه عنها بفضل قراءاته الشرقية الواسعة وعندما بلغها بعد طول انتظار وشغف، تعرض لحادث حول رحلته، من « المشاء الكبير» الذى كان يعول على نظراته بقدر ما كان يعوّل على ثقافته، إلى «سفرٍ ثابت»، إذ إن إحدى ذراعيه قد تعرضت للكسر على متن السفينة، ما اضطره لمداراة ذراعه المجبرة، والاكتفاء بالتطلع إلى المدينة التى كانت تستقطب كل أحلامه من شرفة فندق «شبرد» حيث أقام.

لكن بفضل قريحة الكاتب وذكرياته عن مصر التى لطالما رآها فى أحلامه وقراءاته، تمكن الشاعر الفرنسى تيوفيل جوتييه (1811- 1872) من أن يعوض نسبياً عدم قدرته على الحركة فى طول القاهرة وعرضها كما كان دأبه فى سائر رحلاته. 

شاء القدر أن ينقل إلى أرض الفراعنة على أريكة، وخلال زيارته لصعيد مصر كتب رواية «المومياء» وبعد أن أخبر صديقه الشاعر جيرار دى نرفال قائلًا: أنا تركى، لست من القسطنطينية ولكن من مصر، يبدو لى أننى عشت بالشرق، ولما كنت أتنكر ببعض القفطان وبعض الطربوش أثناء المهرجان، بدا لى أننى أستعيد ملابسى الحقيقية، كنت دائمًا أستغرب من عدم سماعى اللغة العربية بطلاقة، لا بد أننى نسيتها، وكان كل ما يذكرنى بالموريين فى إسبانيا يثير اهتمامى بشدة وكأننى كنت ابن الإسلام وأدافع عنه. 

فى عام 1885 مول رجل الصناعة الفرنسى المثقف إيميل جيميه بعثات تنقيب عن الآثار فى صعيد مصر، نفذها «جوتيه»، وقد استمرت هذه البعثات حتى عام 1911.

نقّب «جوتيه» فى أطلال مقابر الأقباط القديمة بجوار ملوى فى المنيا، واستخرج منها آلاف القطع من الملابس وأدوات الحياة اليومية، حيث كان الأقباط يدفنون موتاهم فى ملابس جديدة، ويقومون بلف طبقات من الستائر والشيلان والمفارش ويثبتونها بالأربطة حول المتوفى بحيث يشبه شكل الجثة فى النهاية مومياوات العصور الفرعونية.

قام «جوتيه» بعرض نتاج حفرياته فى معرض باريس الدولى عام 1900، من خلال جناح عرض فيه مائة قطعة من المنسوجات القبطية فى قصر دو للأزياء.

وقد أحدث نشرها دويًا بين أوساط الفنانين والمثقفين الفرنسيين، فقد انبهروا بجمال الملابس القبطية، «التونيك القبطى» ودقة نسيجها ورقة زخارفها وموديلاتها حتى تمت إعادة إنتاج بعضها على يد مصممى ذلك العصر وصارت موضة رائجة بين سيدات الطبقة الراقية فى أوروبا وأمريكا، خاصة أنها بدأت من باريس صانعة الموضة.

كما قامت النجمة الفرنسية سارة برنارد بتفصيل فستان وشال على الطراز القبطى ظهرت بهما فى مسرحية «ثيدورا» عام 1902، وفى عام 1911 رسمت الفنانة البريطانية هلين كليمانتين دوف لوحة تصور فيها نفسها وهى مرتدية ثوبًا قبطيًا.

ويقول «جوتيه» فى كتابه (رحلة إلى مصر) «هناك فكرة تتبادر إلى ذهن حتى المسافر الأقل انتباها، منذ يخطو خطواته الأولى فى مصر السفلى، هذه حيث راكم النيل، منذ أزمنة سحيقة، طميه بطبقات دقيقة، منها فكرة الحميمية العميقة التى تجمع الفلاح المصرى بأرضه، فيغدو مناسبا وصفها بأنها علاقة راسخة.. هو يخرج من هذا الطين الذى يمشى فيه، وهو مصنوع منه ولا يكاد ينتزع نفسه منه، شأنه مع أرضه شأن الطفل مع ثدى المرضعة، يقلبها ويعصرها كى يجعل حليب الخصوبة ينبجس من هذا الضرع الأسمر.

يبقى الفلاح المصرى فى أرضه إلى أبد الآبدين منتبها إلى أدنى ما تحتاجه جدته العريقة، أرض كيمى السوداء، إن عطشت سقاها، وإن أزعجتها كثرة المياه خلصها منها، وكى لا يجرحها يفلحها بلا آلات تقريبا، يفلحها بيده، ولا يكاد محراثه يلمس أديمها الذى يغشى كل سنة بأديم جديد تأتى به الفيضانات».

حفظ الله مصر وأهلها

[email protected] 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: ندى صلاح صيام مصر

إقرأ أيضاً:

من الرصيف الهادئ إلى مسرح الجريمة.. مدخل عقار يتحول أكوام مخالفات خطيرة

فى خضمِّ زحمة الحياة اليومية وأمام ناظرى الجميع، كان ذلك الرصيف الهادئ فى حى الزيتون بالقاهرة، الذى أصبح فجأة مسرحًا لعمليةٍ غريبة تخللتها الحيلة والمخالفات، فبينما كان المارة يخطون خطواتهم العادية فوق الأرصفة، كانت هناك يد خفية تمتد لتستأثر بالمكان.

 

منشورٌ على وسائل التواصل الاجتماعى كان بمثابة شعلة أضاءت زوايا الحكاية، حيث كشف عن تأجير المدخل والرصيف الخاص بإحدى العقارات للباعة المتجولين مقابل مبلغ مالى، لتتحول تلك المساحة العامة إلى سوقٍ غير شرعي.

 

لكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل كشف الفحص عن خيوط جريمة أخرى كانت تتسلل ببطء عبر الأركان: سرقة المياه.


لم يكن الهدف غسل الوجوه أو سقى الأشجار، بل كان غسل الدراجات النارية التى تبدو للوهلة الأولى وكأنها جزء من المشهد العادى، لكن الحقيقة أن وراء هذا النشاط العشوائى كان هناك شخصٌ محتال، استغلّ حاجات الناس وأدى بهم إلى قاعٍ من المخالفات بسرعة، كانت أجهزة وزارة الداخلية قد حلت اللغز، وتمكنت من تحديد هوية مرتكب الجريمة، الذى كان عاطلًا عن العمل ويقيم فى دائرة القسم.

 

فى لحظة المواجهة، اعترف الرجل بكل شيء، وكأن الكلمات كانت تندلع من فمه مثل نيرانٍ محمومة، مُدليًا باعترافاته التى أكدت ارتكابه للمخالفات الواردة.

 

توجهت الشرطة إلى اتخاذ كافة الإجراءات القانونية اللازمة، كما تم إزالة جميع المخالفات، ليعود الهدوء من جديد إلى أزقة الزيتون.







مشاركة

مقالات مشابهة

  • أوزين : قانون الإضراب جاء بإيجابيات كثيرة وعدم التصويت عليه من قبل البعض مزايدة سياسية
  • من الرصيف الهادئ إلى مسرح الجريمة.. مدخل عقار يتحول أكوام مخالفات خطيرة
  • يقوي المناعة و يمنع الإمساك .. فوائد كثيرة للعرقسوس
  • موعد الحلقة الخامسة من مسلسل جودر2
  • ملك الأردن: حل الدولتين هو السبيل الوحيد لتحقيق السلام
  • مبارك الفاضل: مغالطات وادعاءات والمصدر واحد
  • أستاذ علوم سياسية: نتنياهو يعلم أن انتهاء الحرب يجبرهم على الإجابة على إخفاقات كثيرة مضت
  • الرقب: نتنياهو يعلم أن انتهاء الحرب يجبرهم على الإجابة على إخفاقات كثيرة
  • وزير الكهرباء ردا على طلب المناقشة أمام الشيوخ: صناعة السيليكون تمر بمراحل كثيرة
  • العنب: فوائد كثيرة ثمارًا وأوراقًا