الحوثية عبد الملك الحوثي تصعيدياً وجريئاً تجاه إسرائيل أكثر من سابقيه، خصوصاً بعد انتقاله إلى التهديد باستهداف السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر، لكن الوقائع تشير إلى أن التصعيد نحو الداخل أكثر منه نحو إسرائيل، دون أن يخلو الأمر من مخاطر على المحيط الإقليمي.

فبعد أن واجهت صواريخ الحوثي وطائراته المسيرة الموجهة إلى إسرائيل حملة سخرية وتهكم واسعين من عدم جدواها أو فاعليتها، لم يحدث أي رد فعل إسرائيلي يوحي بأنها مثلت خطراً كافياً يمكن الجزم معه بأن الجماعة أصبحت جزءاً حقيقياً من المعركة.

ويبدو أن التصعيد الخطابي الأخير للحوثي لم يكن في جزء كبير منه سوى ردة فعل على تساؤلات متهكمة وجادة تداولها الكثيرون على وسائل التواصل الاجتماعي وعلى وسائل الإعلام، حول تجاهل الجماعة الحوثية لوجود السفن والزوارق الإسرائيلية في البحر الأحمر، ما يجعل منها أهدافاً أقرب إلى أسلحتها التي لم تفلح في تغيير قناعات اليمنيين أن الجماعة تتخذ من مساندة الفلسطينيين غطاء لتبرير انتهاكاتها في حقهم.

فتهديد السفن والزوارق الإسرائيلية في البحر الأحمر يمكن أن يعطي المواجهات بعداً جديداً، خصوصاً أن محور إيران في المنطقة اعترف على لسان حسن نصر الله، زعيم «حزب الله» في لبنان، بأن الصواريخ والمسيرات الحوثية لا تصل إلى إسرائيل، وإن كان حاول الإيحاء بقدرتها على التأثير في المعركة، فإن زعيم الجماعة الحوثية أوجد لنفسه وجماعته مبررات لعدم الإقدام على خوض مثل هذه المغامرة.

لكن هذه المبررات تبدو واهية حين يطلقها زعيم جماعة تدعي باستمرار تطوير قدراتها العسكرية والتكنولوجية، وتقف من خلفها دولة مثل إيران التي تمدها بالسلاح النوعي والتكنولوجيا والخبراء وتدعمها مخابراتياً، بافتراض صحة مزاعم الحوثي بأن السفن الإسرائيلية تموه وجودها وتتعمد التهريب وإغلاق أجهزة التعارف، وعدم رفع العلم الإسرائيلي، وكأنه يتحدث عن سفن تجارية وليست قطع بحرية عسكرية.

انكشاف زيف الشعارات

منذ فترة أعلنت إيران أن الحديدة اليمنية أصبحت حارسة البحر الأحمر، ما يفيد بأن وجودها على الساحل الغربي لليمن أصبح حقيقة ينبغي التعاطي معها وعدم إغفالها، إلا أنها وذراعها العسكرية لم تقدم على الدخول في مواجهة حقيقية في البحر الأحمر مع أي طرف، سوى بأعمال القرصنة وزراعة الألغام، وأخيراً، إسقاط طائرة من دون طيار تابعة للبحرية الأميركية.

قالت البحرية الأميركية أواخر الشهر الماضي إنها أسقطت صواريخ وطائرات مسيرة في البحر الأحمر أطلقها الحوثيون باتجاه إسرائيل (أ.ف.ب)

في هذا الاتجاه، يصف اللواء المصري بخيت حمدي الأحداث التي يمر بها قطاع غزة وتداعياتها في المنطقة بالكاشفة التي فضحت مواقف الكثير من الأطراف والقوى، والتي تنصلت من مزاعمها وشعاراتها، وذهبت إلى الاستعراض في مناطق وأماكن بعيدة.

فالهجمات التي تنفذها جماعة الحوثي - برأيه - غير مجدية، خصوصاً أن هناك أهدافاً إسرائيلية قريبة من اليمن مثل القاعدة الإسرائيلية في إريتريا أو التجمع العسكري البحري الدولي في بحر العرب لحماية باب المندب.

وتبدو التهديدات الحوثية مجرد استهلاك إعلامي وفقاً للواء حمدي، فجماعة الحوثي تستطيع بالتأكيد تقدير حسابات أي عمل تقدم عليه وردود الفعل المتوقعة، فحجم القوات الأميركية والإسرائيلية في المنطقة يمنع الحوثي من التفكير بتوجيه ضربات حقيقية ومؤثرة، وقد اتضح جلياً أن أدوار إيران وأذرعها في المنطقة محددة، ولا يمكنها تجاوزها.

غير أن التصعيد الحقيقي الذي نفذته الجماعة الحوثية عسكرياً، كان داخلياً، حيث استهدفت محافظة الضالع، خلال الأيام الماضية، مطلقة سلسلة من الهجمات ومحاولات تسلل إلى المناطق المحررة، دافعة بتعزيزات بشرية كبيرة من محافظة إب المجاورة، واستهداف تلك المناطق بالمدفعية والطائرات المسيرة، بالتزامن مع أعمال مشابهة في محافظات مأرب وتعز والحديدة، بحسب بيانات الجيش اليمني.

تصعيد نحو الداخل

واصلت الجماعة الحوثية انتهاكاتها وأعمالها العدائية ضد المدنيين في اليمن، إلى جانب تصعيدها العسكري في عدد من الجبهات في محافظات تعز والضالع ومأرب، رغم الهدنة والجهود الإقليمية والدولية من أجل التوصل إلى السلام في اليمن، وراح ضحية تلك الأعمال عدد من المدنيين.

وبينما تعرض رئيس هيئة أركان الجيش الفريق الركن صغير بن عزيز، لمحاولة اغتيال شرقي مأرب، يرجح وقوف خلايا حوثية خلفها، حذر رئيس أركان محور تعز العميد عبد العزيز المجيدي من أن الجماعة تتربص بالمحافظة من خلال استقدام الحشود العسكرية بشكل مستمر، ومواصلتها الهجوم على مواقع الجيش وقصف الأحياء السكنية، وتعزيز مواقعها في خطوط المواجهة في المحافظة.

ويخلص الباحث المصري في «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» بشير عبد الفتاح، إلى أن المخطط الإيراني للاستفادة من الحرب الإسرائيلية في غزة، من خلال فرض أجواء جيوسياسية محددة في المنطقة، يصطدم بالوعي الأميركي بهذه المخططات، والذي يتضح من خلال حرص واشنطن على عدم فتح جبهات جديدة ضد إسرائيل بتوزيع عدد من قواتها في المنطقة، والإعلان عن استعدادها للتصدي بنفسها لتلك الجبهات في حال اشتعالها، ونصائحها لإسرائيل بعدم التورط في مواجهة مع «حزب الله».

فإيران تهدف إلى تحقيق أكبر استفادة ممكنة من الحرب الإسرائيلية الحالية في غزة عبر «حزب الله» و«حماس» والميليشيات في سوريا والعراق، وانضمت إليها ميليشيات الحوثي في اليمن، وذلك في سياق استراتيجيتها للهيمنة الواسعة في الشرق الأوسط، وفقاً لعبد الفتاح. وتراهن في ذلك على حماقة الإدارة الإسرائيلية التي تمضي في أعمال القتل والإبادة والعقاب الجماعي للفلسطينيين، ولا تميل إلى السلام أو تمكين إقامة دولة فلسطينية وحل الدولتين لإنهاء الصراع.

وبدورها، تصعِّد ميليشيات الحوثي خطابياً تجاه أهداف أميركية وإسرائيلية في البحر الأحمر؛ بهدف إعادة التموضع والتغطية على جرائمها في اليمن، وهو ما لن يكتب له النجاح؛ لأن خطايا الميليشيات الحوثية بحق اليمنيين وخطرها على المنطقة أكبر من أن يتم محوها، كما ينتهي عبد الفتاح في حديثه لـ«الشرق الأوسط».

تنصل من الاستحقاقات المحلية

لكن هذه التحركات الحوثية تأتي ضمن مساعي إيران لاستغلال مناخ المعركة لتمكين أذرعها في عدد من دول المنطقة من التنصل من الالتزامات والاستحقاقات الداخلية، من خلال هذه الأعمال الاستعراضية، وإثبات أنها ومحورها الجهة الوحيدة التي تقف في صف الشعب والمقاومة الفلسطينيين، حسبما يرى الباحث المصري المختص بالشؤون الإيرانية إسلام المنسي في حديث لـ«الشرق الأوسط».

ولم تيأس إيران من فشل وانكشاف مصداقية وجدية شعاراتها حول وحدة الساحات المزعومة، وفقاً للمنسي، ولذلك كان دخول الميليشيات الحوثية على خط المواجهة في توقيت التوغلات البرية الإسرائيلية في قطاع غزة، لإضفاء مزيد من الاستعراض الدعائي الذي يوحي بأن هناك تصعيداً ينفذه المحور الإيراني بشكل منظم ومنسق، خصوصاً أن هذا المحور أعلن أن تدخله سيأتي حين يحدث التوغل البري والتدخل الأميركي.

فإيران، وفقاً للمنسي، تسعى إلى استغلال مناخ المعركة لتمكين أذرعها في عدد من دول المنطقة من التنصل من الالتزامات والاستحقاقات الداخلية من خلال هذه الأعمال الاستعراضية، وإثبات أنها ومحورها الجهة الوحيدة التي تقف في صف الشعب والمقاومة الفلسطينيين.

غير أن باحثاً يمنياً يرى أن التصعيد الحوثي تجاه إسرائيل، سواء أكان جاداً أو للاستهلاك الإعلامي والتغطية على ممارسات الجماعة داخلياً، قد يأتي بنتائج وخيمة على البلاد.

فنحن، طبقاً للباحث الذي طلب حجب بياناته لإقامته في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، أمام ميليشيات رعناء، وإن كانت تمارس انتهازية ومتاجرة بالقضايا والمآسي الإنسانية، فإن طبيعة تكوينها المتطرفة تكفي لتدفعها نحو مغامرات غير محسوبة تدخل البلاد في جحيم جديد.

ونبه الباحث اليمني إلى أن هذه الميليشيات تمتلك أسلحة نوعية وخطيرة على الداخل والمحيط الإقليمي والعالم، ولا يمكن التعويل على أن هناك تفاهمات بينها والقوى الدولية؛ لأنها في المحصلة مجرد عصابات قد يتم التغاضي عن ممارستها حيناً من الزمن، ثم يأتي الوقت للتخلص منها بأساليب تأتي بالكوارث على كل ما تسيطر عليه من جغرافيا وبشر.

المصدر: مأرب برس

إقرأ أيضاً:

هآرتس: لماذا تغطي الشرطة الإسرائيلية أعين المشتبه بهم العرب؟

قالت صحيفة هآرتس إن الفترة القصيرة التي تولى فيها إيتمار بن غفير منصب وزير الأمن القومي فقدت فيها الشرطة طريقها، مشيرة إلى الممارسة المهينة المتمثلة في تغطية عيون المعتقلين بقطعة قماش.

وأوضحت الصحيفة -في تقرير بقلم عميد الشرطة السابق إران كامين- أن بن غفير نشر صورة، تم تداولها على نطاق واسع من قبل وسائل الإعلام الرئيسية ووسائل التواصل الاجتماعي، لمدرّسة أوائل أكتوبر/تشرين الأول 2024، تم اعتقالها بمدينة طمرة شمال إسرائيل للاشتباه بها في التحريض، وهي في عربة لنقل الأرز وعيناها معصوبتان.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2مجلة نيوزويك: مرتزقة من دولة في الناتو متورطون بحرب الكونغو الديمقراطيةlist 2 of 2شهادات ناجين من هجوم الغوطة الكيميائيend of list

وقال قائد المنطقة الذي اعتقلها في مقابلة إعلامية إنه لا يتذكر هل سلطة عصب العينين موجودة بموجب القانون أم تطلب لها الموافقة، علما أنه لا يوجد مثل هذا القانون وقال "إنني أمارس حكمي كقائد بناءً على خطورة الجريمة. وأنا أخبر ضباط الشرطة بما يجب عليهم فعله بالضبط".

وتساءلت الصحيفة من أين يستمد هذا القائد السلطة إذا لم يكن هناك ترخيص لا في القانون ولا في لوائح الشرطة، وتساءلت أيضا إذا كانت خطورة الجريمة هي التي تقتضي استخدام عصابة العينين، فلماذا تستخدم مع العرب المشتبه في إخلالهم بالنظام العام لا مع اليهود الذين يرتكبون جرائم خطيرة؟

إعلان

 

ثقافة التبييض

وتعامل قادة الشرطة بشكل متأخر ومتناقض مع حكم قائد المنطقة، بعد نحو شهر من إلقاء القبض على المعلمة وتعصيب عينيها، أعدت وحدة الدوريات التابعة لقسم العمليات في الشرطة توجيها يقول إن العصابات التي تغطي العينين شكل من أشكال استخدام القوة، وبالتالي لا يمكن استخدامها إلا في الحالات القصوى.

وتابع التوجيه أنه سيتم السماح باستخدام العصابات على العينين عندما يشكل المعتقل تهديدا ولا يمكن تحقيق غرض الاعتقال بأي طريقة أخرى، وقالت أيضا إنه لا ينبغي استخدام العصابات على أعين النساء دون موافقة ضابط كبير، ولكنها بدلا من اتخاذ إجراءات تأديبية ضد قائد المنطقة، اكتفت بهذا التوضيح.

وعلق الكاتب بأنه لا أحد -ولا حتى حكماء الشرطة- سيتمكن من تبرير حجة قائد المنطقة بشأن خطورة الجريمة، وتساءل ما هو الخطر الذي يمنعه تعصيب عيني المعتقل، وقال متهكما ما الذي يخشاه قائد المنطقة وقيادات الشرطة على وجه التحديد؟ أهو أن يتمكن المعتقل من تنويمهم مغناطيسيا أم ممارسة السحر عن طريق توسيع حدقة عينه، أم أنهم يسعون لمنع النظرة الثاقبة التي يسأل فيها المعتقل بصمت عن سبب اعتقاله؟

وخلص الكاتب إلى أن إدخال السمات المميزة للعمليات العسكرية في تعامل الشرطة مع الجرائم الجنائية العادية يعد علامة سيئة لكل من الشرطة والديمقراطية، وأوضح أن اكتفاء الشرطة بإصدار توجيه مرتجل وتغيير أنظمتها بدلا من إطلاق إجراءات تأديبية، دليل على ثقافة التبييض، خاصة أن استخدام العصابات أثناء الاعتقالات مخصص للمجتمع العربي، ويرمي إلى إسعاد وزير عنصري، لا أكثر.

مقالات مشابهة

  • هآرتس: لماذا تغطي الشرطة الإسرائيلية أعين المشتبه بهم العرب؟
  • مكتب حقوق الإنسان بالدريهمي يكشف عن انتهاكات حوثية خلال يناير 2025
  • القائد الشهيد السيد حسين بدر الدين الحوثي .. باعث العرفان العملي
  • مليشيا الحوثي تُجبر وجهاء آل مسعود على حضور دورات طائفية
  • إحباط محاولة تسلل حوثية جديدة بمأرب
  • معهد أمريكي: تهديدات صنعاء على “إسرائيل” وأمريكا لن تنتهي بتوقف الحرب في غزة
  • ميليشيات الحوثي تستحدث مواقع عسكرية .. تشق الطرقات وتدفع بالتعزيزات العسكرية الى جنوب اليمن
  • قراءة فكرية في التغيرات الكبرى التي صنعها السيدُ حسين بدرالدين الحوثي
  • إسرائيل تتحدث عن التسوية التي أدت إلى الإفراج المبكر عن ثلاثة أسرى
  • سفن تجارية تبدأ باختبار العودة إلى البحر الأحمر