الحرب ودلالات تحرر الأدب والفن
تاريخ النشر: 16th, November 2023 GMT
انفعال عبر مشاعر متعددة تنسجم مع الأحداث، إن كانت فخرا أو حزنا عميقا أو غضبا أو رثاء، وجد له طريقا خلال ما أبدعت الإنسانية من أشكال الأدب والفن؛ فما أن عبر مقاومون وطنهم السليب وكان ما كان وما رأى العالم، حتى اللحظة الآن، والمشاعر متقدة، غير مقتصرة على ما بين ماء الخليج وماء المحيط، بل تجاوزت هذا الماء والتراب الى البشر، بما يملكون من صدق التضامن الفطري.
والآن الآن، تحضر هذه المشاعر المتعددة، ولكن يحضر معها التفكير، خاصة وأنا اكتب في هذا المنبر، للقراء في عُمان الحبيبة ومن تصلهم كلماتي العربية، فماذا سيكتب كاتب من هنا الى هناك غير ما يحياه من واقع، وغير ما يحياه شعب غزة، حيث فاق الواقع بلاغة الأدب والفن كثيرا، وسيركض الأدباء والفنانون كثيرا لعلهم يصلون المعنى، ولعلهم يحلقون حتى يرتقوا لا بمشاعرهم فقط، بل بالمقترح الجمالي المتوفر، باحثين وباحثات عن شكل إبداعي يلبي عمق هذا المضمون.
في البدء كانت الكلمة، واليوم صار البدء بصور وفيديوهات، وقد قيل إن الصورة تغني عن ألف كلمة، فما حالها الآن؟ ربما تفوق الآلاف من الكلمات. تدخل فنون التصوير، والجرافيك، ولكن يظل للكلمة مكان؛ فالشعر ديوان العرب، ويبدو أن ذلك سيطول كثيرا في تاريخ الأدب.
وهكذا، كان الشعر هو الشكل الأدبي الأول الذي واكب الحرب على غزة، فلم يكد ينتهي العبور حتى رأينا الشعراء هنا يحتفون بما كان من اختراق الجدر المنيعة، ثم إذا هم في شعر غاضب لما يكون، وحزن عميق، بل لعل المشاعر حضرت معها كلها، ومن يتصفح عالم التواصل الاجتماعي سيقرأ قصائد شعر تعبر عن هذا الانفعال، والذي يعيدنا الى أول الحكاية، وهكذا تكتمل حلقات الشعر هنا، من شعر ضد الاستعمار البريطاني والهجرات الصهيونية الى الشعر المواكب لنكبة فلسطين عام 1948؛ فالمتتبع والمستقصي للأدب الفلسطيني سيجد الشعر هو الأكثر حضورا، كونه الوعاء الأدبي الذي يلائم العواطف المثارة، حيث تلا السرد فيما بعد الشعر في آخر الخمسينات وعقد الستينات، بما ظهر من قصص وروايات.
والآن، ها نحن مع الشعر والتصوير الفوتوغرافي كفن وكعين لمن يشاهد ويشهد، وهنا نحن مع ما ظهر من اسكتشات فن الجرافيك من بوسترات مؤثرة تقاوم قتل الإنسانية، كذلك نحن نتابع بعض اسكتشات اللوحات التشكيلية، والتي من خلالها تظهر ما ضجّ من مشاعر لدى الفنانين وجدت طريقها الى عالم الاتصال الجماهيري، كون الفن هنا رسالة رفض للقتل وتضامن مع الشعب الذي ما زال يتعرض لأبشع حرب تجاوزت الخطوط الحمر، ضاربة بالقوانين والأعراف الإنسانية عرض الحائط.
وكون الفن هو من أكثر الأشكال تأثيرا، فنحن مع موعد عالمي يستمر فترة ليست بالقصيرة، ليقاوم هذا الغزو، وليكون فنا توثيقيا يستمر عبر الزمان معريا الجرائم، لتعانق لوحات ترسم الآن لوحة جرنيكا، ليظل كل ما جرى خالدا يدين القتلة.
وهكذا من باب ما للفن من رسالة إنسانية عبر مقترح جمالي، سنجد اصطفافا عالميا ضد الاحتلال، ومع حق تقرير المصير، حيث سيقطف الشعب المضطهد الآن وغدا تضامنا إنسانيا، تم تعميده بالدم. وإنه اختيار من الفنانين للتضامن عبر الإبداع، ليصير جرح غزة جرحا شخصيا للفنان.
في هذه الأيام، وما سوف يأتي من زمن، سنكون مع سرد القصص والروايات، حيث تلتقط حواس المبدعين والمبدعات في غزة كل هذا الوجع، لتختزنه، باحثة عن شكل جديد يستوعب هذه الشهادات الدموية.
أدب جديد معاصر جدا وفن كذلك سيولد هنا، بعيدا عن اجترار ما هو تقليديّ، هكذا نتنبأ، انسجاما بما نتوقع من عالم جديد ما بعد هذه الحرب، التي كشفت الأمور الى أبعد مدى؛ فالأدب والفن من الحياة، ولها، وهما، الأدب والفن، ليسا الآن وغدا تصويرا لما يكون، بل تتجاوز الرسالة والدور الى فعل إنساني تحرريّ. وهو كما يبدو سيكون تحررا ما للكتابة والفنون من حالة الالتباس التي نعيشها هنا في فلسطين بشكل خاص، تلك الحالة المتجاذبة ما بين الأدب والفن لشعب تحت الاحتلال وبين الأدب والفن المتعولمين. وتلك قصة الأدب والفن التشكيلي بشكل خاص ما بعد اتفاقية أوسلو أوائل التسعينات، حيث تم التأثير على الفن الفلسطيني لإقصائه عن موضوع الهوية والتحرر الى موضوعات العولمة التي لا تهتم بالهوية، والتي بالطبع تبعد عن مقاومة تحكم الدول الكبرى بالدول الضعيفة.
ليس من السهل الاستمرار بما نحياه من سياقات، ومنها الفنون والآداب، فهذه الدماء الزكية للمدنيين الأبرياء ستنهض إنسانيا وإبداعيا، وطنيا وقوميا، فلسطينيا وعربيا، لذلك نحن على موعد مع فصل قادم من حياتنا الثقافية والفكرية، حيث سيكون لهذا الزلزال ارتدادات سياسية وثقافية وتربوية وإعلامية، سيكون في طليعتها الفنانون والأدباء. وهذا يتفق تاريخيا مع دور الثقافة التي دوما سبقت النهضة، بل كانت ركيزتها ومولدها، كما كان في الحضارات القديمة، وكما كان في النهضة العربية الحديثة التي تم وأدها وتحجيمها لأسباب موضوعية، ربما يكون لها مجال آخر لندلي بدلونا فيه.
وهكذا، وكوننا مسكونين بالأمل، كما ردد سعد الله ونوس طويلا، فإن للكلمة والصورة واللوحة والفيلم والمسرحية مجالا لمنحنا الأمل بل وتحقيقه. إن حاجة أبناء العروبة وبناتها، في عالم الثقافة، هو التحرر من الصيغ الجاهزة والمنمقة والنمطية، باتجاه مستقبل جميل وآمن، تلك رسالة مقدسة لأهل الفكر والأدب والفن، حتى لا تتكرر المآسي ليس فقط ما بين ماء الخليج وماء المحيط، بل في العالم بأسره، ولعل من قال يوما إن الحرب والسلام يبدأ من هنا كان على صواب، وتلك هي قيادة الطليعة المفكرة والمبدعة لسياق قومي متصالح وناهض وعصريّ.
لذلك سيكون لما نعيشه الآن من معنى وعزاء في آن واحد، وهو التحرر الفعلي من ذواتنا المسيطرة الى سلام داخلي وخارجي، يقرب من السلام وينفّر من الحروب، تلك إذن هي الوجودية الملتزمة، ووقتها سينام الشهداء بأمان وراحة وسكينة بأنهم لم يقضوا عبثا.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الأدب والفن ما کان
إقرأ أيضاً:
الفنان عبد الرحيم حسن: السينما والفن عوامل تساعد في تربية الأبناء
قال الفنان عبد الرحيم حسن، إن الأب لابد أن يكون صديق لأبنائه وأخ، بشرط ألا يكون أبًا متسلطًا، علاوة على ذلك فإنه يجب أن يتسم الأب بسمات معينة، تعمل على الحد من زيادة الفجوة التي تكون بين الأبناء والآباء وتتمثل أهمها في الحنية.
وأضاف «حسن» خلال لقائه ببرنامج «الحياة أنت وهي» المذاع عبر قناة «الحياة» من تقديم الإعلامية راندا فكري، أن جيل الفترة الحالية تحكمه العديد من الأمور خلال فترة تربيته لا تقتصر على الأسرة فقط، بل تتعدى إلى ما أكثر من ذلك.
الهواتف الذكية والإنترنت يشركان في تربية الأبناءولفت إلى أن الهواتف الذكية والإنترنت يشاركا في تربية الأبناء في الفترة الحالية، فضلا عن أن السينما والفن باتوا عوامل تساعد في التربية.
وتابع: «الأسلوب الذي اتبعه مع أحمد ابني في هذه الفترة، الأسلوب الذي كان ينتهجه معي والدي، فضلا عن أن والدي لم يضربني غير مرة واحدة، ولكن عقابه كان في غاية الخطورة لاسيما حين كان يخاصمنا، إذ أنها كانت بمثابة عقوبة إعدام بالنسبة لي ولأخوتي».