لجريدة عمان:
2025-04-26@21:01:39 GMT

الحرب ودلالات تحرر الأدب والفن

تاريخ النشر: 16th, November 2023 GMT

الحرب ودلالات تحرر الأدب والفن

انفعال عبر مشاعر متعددة تنسجم مع الأحداث، إن كانت فخرا أو حزنا عميقا أو غضبا أو رثاء، وجد له طريقا خلال ما أبدعت الإنسانية من أشكال الأدب والفن؛ فما أن عبر مقاومون وطنهم السليب وكان ما كان وما رأى العالم، حتى اللحظة الآن، والمشاعر متقدة، غير مقتصرة على ما بين ماء الخليج وماء المحيط، بل تجاوزت هذا الماء والتراب الى البشر، بما يملكون من صدق التضامن الفطري.

والآن الآن، تحضر هذه المشاعر المتعددة، ولكن يحضر معها التفكير، خاصة وأنا اكتب في هذا المنبر، للقراء في عُمان الحبيبة ومن تصلهم كلماتي العربية، فماذا سيكتب كاتب من هنا الى هناك غير ما يحياه من واقع، وغير ما يحياه شعب غزة، حيث فاق الواقع بلاغة الأدب والفن كثيرا، وسيركض الأدباء والفنانون كثيرا لعلهم يصلون المعنى، ولعلهم يحلقون حتى يرتقوا لا بمشاعرهم فقط، بل بالمقترح الجمالي المتوفر، باحثين وباحثات عن شكل إبداعي يلبي عمق هذا المضمون.

في البدء كانت الكلمة، واليوم صار البدء بصور وفيديوهات، وقد قيل إن الصورة تغني عن ألف كلمة، فما حالها الآن؟ ربما تفوق الآلاف من الكلمات. تدخل فنون التصوير، والجرافيك، ولكن يظل للكلمة مكان؛ فالشعر ديوان العرب، ويبدو أن ذلك سيطول كثيرا في تاريخ الأدب.

وهكذا، كان الشعر هو الشكل الأدبي الأول الذي واكب الحرب على غزة، فلم يكد ينتهي العبور حتى رأينا الشعراء هنا يحتفون بما كان من اختراق الجدر المنيعة، ثم إذا هم في شعر غاضب لما يكون، وحزن عميق، بل لعل المشاعر حضرت معها كلها، ومن يتصفح عالم التواصل الاجتماعي سيقرأ قصائد شعر تعبر عن هذا الانفعال، والذي يعيدنا الى أول الحكاية، وهكذا تكتمل حلقات الشعر هنا، من شعر ضد الاستعمار البريطاني والهجرات الصهيونية الى الشعر المواكب لنكبة فلسطين عام 1948؛ فالمتتبع والمستقصي للأدب الفلسطيني سيجد الشعر هو الأكثر حضورا، كونه الوعاء الأدبي الذي يلائم العواطف المثارة، حيث تلا السرد فيما بعد الشعر في آخر الخمسينات وعقد الستينات، بما ظهر من قصص وروايات.

والآن، ها نحن مع الشعر والتصوير الفوتوغرافي كفن وكعين لمن يشاهد ويشهد، وهنا نحن مع ما ظهر من اسكتشات فن الجرافيك من بوسترات مؤثرة تقاوم قتل الإنسانية، كذلك نحن نتابع بعض اسكتشات اللوحات التشكيلية، والتي من خلالها تظهر ما ضجّ من مشاعر لدى الفنانين وجدت طريقها الى عالم الاتصال الجماهيري، كون الفن هنا رسالة رفض للقتل وتضامن مع الشعب الذي ما زال يتعرض لأبشع حرب تجاوزت الخطوط الحمر، ضاربة بالقوانين والأعراف الإنسانية عرض الحائط.

وكون الفن هو من أكثر الأشكال تأثيرا، فنحن مع موعد عالمي يستمر فترة ليست بالقصيرة، ليقاوم هذا الغزو، وليكون فنا توثيقيا يستمر عبر الزمان معريا الجرائم، لتعانق لوحات ترسم الآن لوحة جرنيكا، ليظل كل ما جرى خالدا يدين القتلة.

وهكذا من باب ما للفن من رسالة إنسانية عبر مقترح جمالي، سنجد اصطفافا عالميا ضد الاحتلال، ومع حق تقرير المصير، حيث سيقطف الشعب المضطهد الآن وغدا تضامنا إنسانيا، تم تعميده بالدم. وإنه اختيار من الفنانين للتضامن عبر الإبداع، ليصير جرح غزة جرحا شخصيا للفنان.

في هذه الأيام، وما سوف يأتي من زمن، سنكون مع سرد القصص والروايات، حيث تلتقط حواس المبدعين والمبدعات في غزة كل هذا الوجع، لتختزنه، باحثة عن شكل جديد يستوعب هذه الشهادات الدموية.

أدب جديد معاصر جدا وفن كذلك سيولد هنا، بعيدا عن اجترار ما هو تقليديّ، هكذا نتنبأ، انسجاما بما نتوقع من عالم جديد ما بعد هذه الحرب، التي كشفت الأمور الى أبعد مدى؛ فالأدب والفن من الحياة، ولها، وهما، الأدب والفن، ليسا الآن وغدا تصويرا لما يكون، بل تتجاوز الرسالة والدور الى فعل إنساني تحرريّ. وهو كما يبدو سيكون تحررا ما للكتابة والفنون من حالة الالتباس التي نعيشها هنا في فلسطين بشكل خاص، تلك الحالة المتجاذبة ما بين الأدب والفن لشعب تحت الاحتلال وبين الأدب والفن المتعولمين. وتلك قصة الأدب والفن التشكيلي بشكل خاص ما بعد اتفاقية أوسلو أوائل التسعينات، حيث تم التأثير على الفن الفلسطيني لإقصائه عن موضوع الهوية والتحرر الى موضوعات العولمة التي لا تهتم بالهوية، والتي بالطبع تبعد عن مقاومة تحكم الدول الكبرى بالدول الضعيفة.

ليس من السهل الاستمرار بما نحياه من سياقات، ومنها الفنون والآداب، فهذه الدماء الزكية للمدنيين الأبرياء ستنهض إنسانيا وإبداعيا، وطنيا وقوميا، فلسطينيا وعربيا، لذلك نحن على موعد مع فصل قادم من حياتنا الثقافية والفكرية، حيث سيكون لهذا الزلزال ارتدادات سياسية وثقافية وتربوية وإعلامية، سيكون في طليعتها الفنانون والأدباء. وهذا يتفق تاريخيا مع دور الثقافة التي دوما سبقت النهضة، بل كانت ركيزتها ومولدها، كما كان في الحضارات القديمة، وكما كان في النهضة العربية الحديثة التي تم وأدها وتحجيمها لأسباب موضوعية، ربما يكون لها مجال آخر لندلي بدلونا فيه.

وهكذا، وكوننا مسكونين بالأمل، كما ردد سعد الله ونوس طويلا، فإن للكلمة والصورة واللوحة والفيلم والمسرحية مجالا لمنحنا الأمل بل وتحقيقه. إن حاجة أبناء العروبة وبناتها، في عالم الثقافة، هو التحرر من الصيغ الجاهزة والمنمقة والنمطية، باتجاه مستقبل جميل وآمن، تلك رسالة مقدسة لأهل الفكر والأدب والفن، حتى لا تتكرر المآسي ليس فقط ما بين ماء الخليج وماء المحيط، بل في العالم بأسره، ولعل من قال يوما إن الحرب والسلام يبدأ من هنا كان على صواب، وتلك هي قيادة الطليعة المفكرة والمبدعة لسياق قومي متصالح وناهض وعصريّ.

لذلك سيكون لما نعيشه الآن من معنى وعزاء في آن واحد، وهو التحرر الفعلي من ذواتنا المسيطرة الى سلام داخلي وخارجي، يقرب من السلام وينفّر من الحروب، تلك إذن هي الوجودية الملتزمة، ووقتها سينام الشهداء بأمان وراحة وسكينة بأنهم لم يقضوا عبثا.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الأدب والفن ما کان

إقرأ أيضاً:

جلسة نقدية تبحث تجليات السرد الشعبي في الأدب العُماني

أقامت مبادرة مجلس رواق الأدب ضمن فعاليات معرض مسقط الدولي للكتاب جلسة حوارية بعنوان "تجليات الحكاية الشعبية في الأدب العُماني"، والتي هدفت إلى تسليط الضوء على دور الحكاية الشعبية في تشكيل ملامح الأدب العُماني المعاصر. الجلسة التي أدارها الدكتور يونس النعماني، شارك فيها كل من الكاتب عمر النوفلي، والكاتبة فتحية الفجرية، إلى جانب الدكتورة غنية الشبيبية. ناقشت الجلسة الفروقات بين الحكاية الشعبية، والخرافة، والأسطورة، من حيث البناء والوظيفة، كما استعرضت الأثر الجمالي والمعرفي الذي تركته الحكاية في النصوص العُمانية، خاصة على مستوى الرواية والقصة القصيرة. وتطرقت النقاشات إلى نماذج إبداعية وظّفت الحكاية الشعبية في شكلها الحديث، مثل رواية درب المسحورة، وحفلة الموت، وكتاب حدس قديم، وغيرها من التجارب التي جمعت بين الذاكرة الشفاهية وتقنيات السرد المعاصر.

وأكدت الدكتورة غنية الشبيبية في مداخلتها أن الحكاية الشعبية تتجذر في ذاكرة المجتمع العُماني كفنٍّ سردي شفاهي موغل في القدم، يُمارَس في المجالس، ويعكس الوعي الجمعي والقيم الثقافية للناس. وأوضحت أن هذا النوع من الحكايات غالبًا ما يتأرجح بين الثبات، نتيجة تناقله بين الأجيال، والتحول، بسبب اختلاف الرواة وما يضيفونه من تفاصيل. وأشارت الشبيبية إلى أن الرواية العُمانية الحديثة استفادت من هذا الإرث الشفاهي، حيث أعادت توظيف الحكاية في بنى سردية جديدة، كما في رواية درب المسحورة التي استلهمت حكاية وردت في كتاب "تحفة الأعيان" لنور الدين السالمي، وكذلك في رواية حفلة الموت لفاطمة الشيدي، التي تغور في المخيال الشعبي المتصل بعوالم السحر والمغايبة. وتوقفت الشبيبية عند تجربة الكاتبة فتحية الفجرية، مشيدة بكتابها حدس قديم الذي ضم حكايات مستوحاة من المرويات الشفوية لنساء الساحل، واصفة إياه بأنه مخزون أنثروبولوجي وثقافي يحفظ هوية المكان والإنسان. كما تناولت حكاية سكان البيت بوصفها نموذجًا ناجحًا لتحويل الحكاية الشعبية إلى نص حديث متماسك، يوظف تقنيات القصة القصيرة، ويستدعي رموزًا ميثولوجية تعبّر عن علاقة الإنسان بالقوى الغيبية. وأشارت كذلك إلى أعمال أخرى مثل حكايات من نخل لخالد الكندي، التي تناولت حكايات محلية تحمل أبعادًا إنسانية وأخلاقية، وتوثّق العادات المجتمعية والبيئية، إضافة إلى توظيف الحكاية في الشعر، كما في قصيدة قلعة نزوى للشاعر هلال الحجري، التي استلهمت حكاية شعبية محلية ونسجت منها رمزًا للقوة والصمود في وجه التحديات.

وفي مداخلتها، تطرقت الكاتبة فتحية الفجرية إلى مفهوم "المرجعية في الأدب العُماني"، مشيرة إلى أن الحكاية الشعبية تمثل إحدى أهم المرتكزات التي يُعاد توظيفها في الكتابة السردية الحديثة. وأوضحت أن النصوص الأدبية لا تنشأ من فراغ، بل تُبنى على مرجعيات ثقافية وفكرية وتاريخية تُعيد تشكيلها ضمن بنى فنية معاصرة. وقالت إن المرجعية في النص الإبداعي هي بمثابة نصٍّ موازٍ، يسهم في بلورة الفكرة وتكوين الشخصيات ورسم الرموز والدلالات، مشيرة إلى أن الروايات مثل حدس قديم ودرب المسحورة وحفلة الموت، تمثّل نماذج واضحة لكتابات انطلقت من المرويات الشفاهية الشعبية، وخاصة تلك التي تدور حول عوالم السحر والمغيّبين، لتُعاد صياغتها بأساليب سردية حديثة تُبرز البعد الأنثروبولوجي وتستدعي الذاكرة الجمعية بوصفها مادة خامًا قابلة للتحول الأدبي.

من جانبه أشار الكاتب عمر النوفلي إلى أن الحكاية الشعبية تمثل تمثُّلًا إنسانيًا عميقًا لوعي الجماعة وثقافتها الجمعية، معتبرًا إياها نصًا إثنوغرافيًا يتكئ على اللغة والكلام في تشكّل القيم والأخلاق. وبيّن النوفلي أن الحكاية الشعبية، رغم حضورها التاريخي العريق، تُعدّ مفهومًا حديثًا في سياق الأدب المقارن والدراسات النقدية، نظراً لتداخل أجناس الحكاية القصصية، وصعوبة حصرها ضمن نسق أدبي محدد. واستعرض الفروقات المفاهيمية بين الحكاية والخرافة والأسطورة، موضحًا أن الحكاية الشعبية هي خبر أو قصة منزوعتا الزمان والمكان، تتناقلها الألسن عبر الرواية الشفوية، مما يجعلها عرضة للتحوير والانزياحات الدلالية.

وأكد على غنى الحكاية الشعبية بالمعنى الأدبي المحتمل والمؤجل، فهي مادة قابلة للتشكّل داخل فضاءات السرد الحديث، وتُسهم في تأسيس لذة نصيّة تفتح أفق التأويل، مشيرًا إلى أثر السماع والخطاب الشفهي في ارتسام الصور الذهنية داخل المخيال الأدبي، كما تطرّق إلى دور الحكاية في بناء التصوّر الأخلاقي والاجتماعي، وتوظيفها كعلامة سيميائية ضمن السياق الثقافي العُماني.

وربط "النوفلي" بين الحكاية الشعبية والجانب البلاغي، مستندًا إلى تصورات حازم القرطاجني وابن سينا حول المعاني والصور الذهنية، مستعرضًا كذلك البعد التواصلي والتأثيري والجمالي الذي تحققه الحكاية ضمن سيرورة إنتاجها. كما استشهد بتعريف جوليا كريستيفا للنص كحقل لتفاعل نصوص سابقة ومتزامنة، مستعرضًا البعد الشكلاني في دراسات فلاديمير بروب، وعدد من الدراسات العُمانية التي اشتغلت على الحكاية الشعبية من زاوية بنيوية وسيميائية، من بينها أبحاث عائشة الدرمكية وعبدالعزيز الراشدي وآسية البوعلي، مشيدًا بجهودهم في توثيق هذا الإرث السردي المهم.

مقالات مشابهة

  • شكسبير واليوم العالمي للإنجليزية
  • جلسة نقدية تبحث تجليات السرد الشعبي في الأدب العُماني
  • جلسة تبحث تجليات المسكوت عنه في النص والحياة
  • موقع الحرب الأمريكي: ما هي الدفاعات الجوية التي يمتلكها الحوثيون في اليمن فعليًا؟ (ترجمة خاصة)
  • المرور تحرر 47 ألف مخالفة متنوعة خلال 24 ساعة
  • الإعلام السوداني والتحديات التي تواجهه في ظل النزاع .. خسائر المؤسسات الاعلامية البشرية والمادية
  • سامح قاسم يكتب | فتحي عبد السميع.. الكتابة من الجهة التي لا يلتفت إليها الضوء
  • المرور تحرر 46 ألف مخالفة مرورية خلال 24 ساعة
  • قصة التوتر التي تحدث الآن بين الهند وباكستان
  • سامح قاسم يكتب | رنا التونسي.. شاعرة الحافة التي تنزف جمالًا