لجريدة عمان:
2025-02-03@16:26:28 GMT

الحرب ودلالات تحرر الأدب والفن

تاريخ النشر: 16th, November 2023 GMT

الحرب ودلالات تحرر الأدب والفن

انفعال عبر مشاعر متعددة تنسجم مع الأحداث، إن كانت فخرا أو حزنا عميقا أو غضبا أو رثاء، وجد له طريقا خلال ما أبدعت الإنسانية من أشكال الأدب والفن؛ فما أن عبر مقاومون وطنهم السليب وكان ما كان وما رأى العالم، حتى اللحظة الآن، والمشاعر متقدة، غير مقتصرة على ما بين ماء الخليج وماء المحيط، بل تجاوزت هذا الماء والتراب الى البشر، بما يملكون من صدق التضامن الفطري.

والآن الآن، تحضر هذه المشاعر المتعددة، ولكن يحضر معها التفكير، خاصة وأنا اكتب في هذا المنبر، للقراء في عُمان الحبيبة ومن تصلهم كلماتي العربية، فماذا سيكتب كاتب من هنا الى هناك غير ما يحياه من واقع، وغير ما يحياه شعب غزة، حيث فاق الواقع بلاغة الأدب والفن كثيرا، وسيركض الأدباء والفنانون كثيرا لعلهم يصلون المعنى، ولعلهم يحلقون حتى يرتقوا لا بمشاعرهم فقط، بل بالمقترح الجمالي المتوفر، باحثين وباحثات عن شكل إبداعي يلبي عمق هذا المضمون.

في البدء كانت الكلمة، واليوم صار البدء بصور وفيديوهات، وقد قيل إن الصورة تغني عن ألف كلمة، فما حالها الآن؟ ربما تفوق الآلاف من الكلمات. تدخل فنون التصوير، والجرافيك، ولكن يظل للكلمة مكان؛ فالشعر ديوان العرب، ويبدو أن ذلك سيطول كثيرا في تاريخ الأدب.

وهكذا، كان الشعر هو الشكل الأدبي الأول الذي واكب الحرب على غزة، فلم يكد ينتهي العبور حتى رأينا الشعراء هنا يحتفون بما كان من اختراق الجدر المنيعة، ثم إذا هم في شعر غاضب لما يكون، وحزن عميق، بل لعل المشاعر حضرت معها كلها، ومن يتصفح عالم التواصل الاجتماعي سيقرأ قصائد شعر تعبر عن هذا الانفعال، والذي يعيدنا الى أول الحكاية، وهكذا تكتمل حلقات الشعر هنا، من شعر ضد الاستعمار البريطاني والهجرات الصهيونية الى الشعر المواكب لنكبة فلسطين عام 1948؛ فالمتتبع والمستقصي للأدب الفلسطيني سيجد الشعر هو الأكثر حضورا، كونه الوعاء الأدبي الذي يلائم العواطف المثارة، حيث تلا السرد فيما بعد الشعر في آخر الخمسينات وعقد الستينات، بما ظهر من قصص وروايات.

والآن، ها نحن مع الشعر والتصوير الفوتوغرافي كفن وكعين لمن يشاهد ويشهد، وهنا نحن مع ما ظهر من اسكتشات فن الجرافيك من بوسترات مؤثرة تقاوم قتل الإنسانية، كذلك نحن نتابع بعض اسكتشات اللوحات التشكيلية، والتي من خلالها تظهر ما ضجّ من مشاعر لدى الفنانين وجدت طريقها الى عالم الاتصال الجماهيري، كون الفن هنا رسالة رفض للقتل وتضامن مع الشعب الذي ما زال يتعرض لأبشع حرب تجاوزت الخطوط الحمر، ضاربة بالقوانين والأعراف الإنسانية عرض الحائط.

وكون الفن هو من أكثر الأشكال تأثيرا، فنحن مع موعد عالمي يستمر فترة ليست بالقصيرة، ليقاوم هذا الغزو، وليكون فنا توثيقيا يستمر عبر الزمان معريا الجرائم، لتعانق لوحات ترسم الآن لوحة جرنيكا، ليظل كل ما جرى خالدا يدين القتلة.

وهكذا من باب ما للفن من رسالة إنسانية عبر مقترح جمالي، سنجد اصطفافا عالميا ضد الاحتلال، ومع حق تقرير المصير، حيث سيقطف الشعب المضطهد الآن وغدا تضامنا إنسانيا، تم تعميده بالدم. وإنه اختيار من الفنانين للتضامن عبر الإبداع، ليصير جرح غزة جرحا شخصيا للفنان.

في هذه الأيام، وما سوف يأتي من زمن، سنكون مع سرد القصص والروايات، حيث تلتقط حواس المبدعين والمبدعات في غزة كل هذا الوجع، لتختزنه، باحثة عن شكل جديد يستوعب هذه الشهادات الدموية.

أدب جديد معاصر جدا وفن كذلك سيولد هنا، بعيدا عن اجترار ما هو تقليديّ، هكذا نتنبأ، انسجاما بما نتوقع من عالم جديد ما بعد هذه الحرب، التي كشفت الأمور الى أبعد مدى؛ فالأدب والفن من الحياة، ولها، وهما، الأدب والفن، ليسا الآن وغدا تصويرا لما يكون، بل تتجاوز الرسالة والدور الى فعل إنساني تحرريّ. وهو كما يبدو سيكون تحررا ما للكتابة والفنون من حالة الالتباس التي نعيشها هنا في فلسطين بشكل خاص، تلك الحالة المتجاذبة ما بين الأدب والفن لشعب تحت الاحتلال وبين الأدب والفن المتعولمين. وتلك قصة الأدب والفن التشكيلي بشكل خاص ما بعد اتفاقية أوسلو أوائل التسعينات، حيث تم التأثير على الفن الفلسطيني لإقصائه عن موضوع الهوية والتحرر الى موضوعات العولمة التي لا تهتم بالهوية، والتي بالطبع تبعد عن مقاومة تحكم الدول الكبرى بالدول الضعيفة.

ليس من السهل الاستمرار بما نحياه من سياقات، ومنها الفنون والآداب، فهذه الدماء الزكية للمدنيين الأبرياء ستنهض إنسانيا وإبداعيا، وطنيا وقوميا، فلسطينيا وعربيا، لذلك نحن على موعد مع فصل قادم من حياتنا الثقافية والفكرية، حيث سيكون لهذا الزلزال ارتدادات سياسية وثقافية وتربوية وإعلامية، سيكون في طليعتها الفنانون والأدباء. وهذا يتفق تاريخيا مع دور الثقافة التي دوما سبقت النهضة، بل كانت ركيزتها ومولدها، كما كان في الحضارات القديمة، وكما كان في النهضة العربية الحديثة التي تم وأدها وتحجيمها لأسباب موضوعية، ربما يكون لها مجال آخر لندلي بدلونا فيه.

وهكذا، وكوننا مسكونين بالأمل، كما ردد سعد الله ونوس طويلا، فإن للكلمة والصورة واللوحة والفيلم والمسرحية مجالا لمنحنا الأمل بل وتحقيقه. إن حاجة أبناء العروبة وبناتها، في عالم الثقافة، هو التحرر من الصيغ الجاهزة والمنمقة والنمطية، باتجاه مستقبل جميل وآمن، تلك رسالة مقدسة لأهل الفكر والأدب والفن، حتى لا تتكرر المآسي ليس فقط ما بين ماء الخليج وماء المحيط، بل في العالم بأسره، ولعل من قال يوما إن الحرب والسلام يبدأ من هنا كان على صواب، وتلك هي قيادة الطليعة المفكرة والمبدعة لسياق قومي متصالح وناهض وعصريّ.

لذلك سيكون لما نعيشه الآن من معنى وعزاء في آن واحد، وهو التحرر الفعلي من ذواتنا المسيطرة الى سلام داخلي وخارجي، يقرب من السلام وينفّر من الحروب، تلك إذن هي الوجودية الملتزمة، ووقتها سينام الشهداء بأمان وراحة وسكينة بأنهم لم يقضوا عبثا.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الأدب والفن ما کان

إقرأ أيضاً:

غايا تسلم جوائز مسابقاتها الإبداعية وتكرم نجوم الفكر والفن بالأوبرا

سلمت مؤسسة غايا للإبداع، جوائز مسابقاتها الإبتكارية فى دورتها الأولى، كما كرمت عدد من نجوم الفكر والفن وذلك على مسرح الأوبرا الصغير، وذلك تحت رعاية الدكتور أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة.

وفى كلمته التى تضمنتها مطبوعات الحفل، قال الدكتور أحمد فؤاد هنو وزير الثقافة: "في عالمٍ يتسارع فيه التغيير وتتزايد فيه التحديات، يبقى الإبداع هو النور الذي يضيء الطريق نحو مستقبلٍ مشرق ويأتي تكريم المبدعين من الشباب وتبنيهم كضرورة مجتمعية، تتكاتف فيها وتتضافر جهود جميع الجهات الرسمية وغير الرسمية.

واليوم، تأتي المسابقة التي تنظمها مؤسسة (غايا) تكريمًا للمبدعين الشباب الذين يخطون خطواتهم الأولى في عالمٍ رحب من الإبداع، أو الذين أضاءوا الساحة الثقافية والفنية في مصر بإبداعاتهم، إنها تجسد روح العمل المشترك بين الدولة، المجتمع المدني، والقطاع الخاص من أجل تحقيق هدف سامٍ يتمثل في دعم شباب المبدعين وتشجيعهم على إطلاق طاقاتهم الخلاقة.

ومن هنا، نؤمن أن الاستثمار في الإبداع الثقافي والفني هو استثمار مباشر في مستقبل مصر النابض بالأفكار الجديدة. كما يعبر عن التنوع والتميز الذي يميز شعبنا. فطالما كانت الثقافة في قلب عملية التنمية والنهضة؛ فهي القوة الناعمة التي تعزز هوية المجتمع وتدفعه نحو مستقبلٍ أفضل.

إن وزارة الثقافة تفتح الباب على مصراعيه لجميع الجهات الداعمة لبناء الإنسان، وتسعى دائمًا إلى توفير بيئة محفزة للإبداع. وتؤكد أن هذه الشراكات هي دليل واضح على أن التكاتف بين الجهات المختلفة يمكن أن يحقق نتائج باهرة، ويمنح شبابنا فرصًا حقيقية للتعبير عن أنفسهم وإبراز مواهبهم ، نحن نؤمن بأن كل شاب لديه القدرة على أن يكون مبدعًا، وأن كل فكرة جديدة يمكن أن تكون بداية لشيءٍ عظيم.

وفي هذه المناسبة، أود أن أتقدم بخالص الشكر والتقدير لمؤسسة (غايا) على جهودها المتميزة، ولكل من ساهم في تنظيم هذا الحدث الذي يحمل في طياته رسالة أمل وإصرار. كما أهنئ جميع المكرمين؛ فهم ليسوا فقط مصدر إلهام لنا، بل أيضًا نموذج يُحتذى به للأجيال القادمة. إن قصص نجاحهم تذكرنا بأن الإبداع يحتاج إلى الشجاعة والمثابرة، وأن كل إنجاز يبدأ بفكرة.

أدعو الجميع إلى مواصلة هذا النهج الداعم للإبداع، والعمل معًا على ترسيخ ثقافة الابتكار التي تليق بمكانة مصر التاريخية والحضارية. فالإبداع هو الأساس الذي نبني عليه أحلامنا، والمبدعون هم الركيزة التي تدفعنا إلى الأمام. علينا أن نكون جميعًا جزءًا من هذه المنظومة الداعمة لنخلق معًا بيئة خصبة للإبداع والابتكار".

كما وجه مراد ماهر رئيس مجلس إدارة مؤسسة غايا للابداع الشكر للدكتور أحمد فؤاد هنو وزير الثقافة على رعاية الحفل ولجميع الحضور من الفنانين والمبدعين الذين باتوا جزء أصيل من كيانها سواء بأعمالهم أو بقدرتهم على صناعة الإبداع.

وأضاف أن مؤسسة غايا تستكمل الطريق المعلن منذ شهور قليلة، ملتزمة بأهدافها ومؤمنة بالحلم الذى ولدت من اجله، وأكد أن مصر تمتلك عباقرة يحملون فكرا وطنيا يسعون لزيادة الوعي وحماية العقول وتاكيد الانتماء.

وأشار إلى أن الهدف الرئيسي لمؤسسة غايا، هو نشر الوعي والذى يعد حائط الصد الأول ضد محاولات النيل من مقدرات الوطن وتاريخه ومستقبله.

وتابع أن الإبداع نور للعقل ونافذة هامة على مستقبل الأجيال الجديدة باعتبارها وقود لاستقرار وحماية الوطن، وأعلن الفخر بنجاح الدورة الأولى من مسابقات غايا للإبداع والذى تؤكده إعداد المبدعين والأعمال التى تقدمت للمنافسة على الجوائز مما يعكس المصداقية المكتسبة  للمؤسسة في وقت قصير.

ونوه بأن تطوير آليات الانتقاء والوكالة والرعاية الإبداعية جزء أصيل من أهداف في غايا إلى جانب المساهمة في تطوير الحراك الإبداعي المصري ومواكبة التقنيات الحديثة في التعامل مع تصدير وتسويق الإبداع بكل أشكاله فهى تجربة استثنائية وشديدة الخصوصية قام بها مجموعة من العقول المبدعة والمخلصة واهبون وقتهم وأفكارهم وأحلامهم لخلق كيان إبداعي يلعب دورا ملموسا وغير مسبوق بالتعاون مع المؤسسات الحكومية والكيانات الخاصة على ارض مصر في تغيير الواقع الثقافي والإبداعي للأفضل.

 واحتفاء بالعمالقة من رموز الإبداع كرمت غايا مجموعة من الفن والادب هم اسم المفكر محمود امين العالم وتسلمتها ابنته شهرت، اسم الاديب يحيى الطاهر عبد الله وتسلمتها ابنته اسماء، اسم الروائى والمؤلف اسامة انور عكاشة، اسم الفنان ابو بكر عزت، أسرة أبو عوف، وتسلمتها الدكتورة ميرفت أبو عوف، الكاتب والسيناريست عبد الرحيم كمال، المخرج والمصمم وليد عونى، الفنان أحمد أمين - الفنانة حنان مطاوع وتسلمه عنهما عبد الرحيم كمال، الفنانة ليلى عز العرب.

وتم تكريم كل من عايدة أبو سالم وفاطمة أبو عيشة كنماذج للمرأة المصرية الوطنية التى تعمل على اعداد اجيال مثقفة وواعية .     

وكانت الدورة الأولى من المسابقة شملت ثلاثة مجالات رئيسية هي القصة القصيرة وتقدم لها 585 عمل من مختلف الدول العربية وحملت اسم الكاتب الكبير يحيى حقي، وجائزة التصوير الفوتوغرافي باسم الفنان الكبير محمد بكر وتنافس على جائزتها 104 مصور تقدموا ب 480 صورة ، وجائزة صناعة المحتوى والتى تجملت باسم الكاتب الكبير إبراهيم أصلان وتقدم لها 21 متسابق ، وقد خضعت الأعمال المقدمة لمراجعة دقيقة من قبل لجان تحكيم متخصصة في كل مجال لاختيار أفضل مستويات الابتكار وجاءت نتائجها كالتالى: 

التصوير الفوتوغرافي : فاز بالمركز الأول أميرة عادل وقيمته المالية 25000 الف جنيه ، وحصل على المركز الثاني محمد عهدي شحاتة وقيمته المالية 15000 جنيه ونال المركز الثالث علي محسن علي وقيمته المالية 10000 جنيه . 

صناعة المحتوى: فاز بالمركز الأول مي مجدي وقيمته المالية 25000 الف جنيه، وحصل على المركز الثاني أحمد رحيمة وقيمته المالية 15000 جنيه، ونال المركز الثالث ميرفت أمين وقيمته المالية 10000 جنيه. 

وفاز بالجائزة الكبرى للقصة القصيرة نيرمين الشرقاوى وقيمتها المالية 100 الف.

كما يحصل الفائزون على عقد نشر ووكالة أدبية إلى جانب اشتراك مجانى فى تطبيق أبجد لمدة 3 أعوام للفائزين بالمراكز الأولى وعامين للفائزين بالمراكز الثانية وعام واحد للفائزين بالمراكز الثالثة. 

وكان الحفل قد بدأ باوبريت بعنوان أصل الحكاية كلمات محمد مناع، ألحان محمد آدم توزيع، رفيق يوسف، مهندس الصوت محمد السيد، اداء محمود شبل، هاجر هاني، إسراء الخطيب، تلاه فيلما تسجيليا بعنوان مصر تتنفس ابداعا وتضمن مجموعة من المشاهد التى تصور الريادة الحضارية للوطن.

مقالات مشابهة

  • هذه أبرز النزاعات التي تواجه العالم في عام 2025.. حروب ترامب من بينها
  • الكاتب محمد قراطاس: الشعر أكثر كرمًا وإيثارًا من جميع أنواع الكتابات الأدبية
  • غايا تسلم جوائز مسابقاتها الإبداعية وتكرم نجوم الفكر والفن بالأوبرا
  • الأدب والفن بين الدمار والإبداع
  • زي النهارده.. توقيع معاهدة سلام تورون التي أنهت الحرب البولندية الليتوانية التوتونية
  • ‏«الشعر الآن.. مشكلات ومساءلات».. معرض الكتاب يجمع ‏شاعرين من إنجلترا وكندا
  • "الشعر الآن.. مشكلات ومساءلات".. معرض الكتاب يجمع شاعرين من إنجلترا وكندا
  • الشعر الآن.. مشكلات ومساءلات.. معرض الكتاب يجمع شاعرين من إنجلترا وكندا
  • أول رد مصري على "الصورة المثيرة" بين السيسي ورئيسي: تهديد ودلالات خطيرة
  • أوربان: واشنطن تسعى الآن من أجل السلام في أوكرانيا وبروكسل تسعى لاستمرار الحرب