د.خالد السيابي: الإنفاق في سبيل الله تعالى دلالة على ثبات الإيمان واليقين ونفي النفاق
تاريخ النشر: 16th, November 2023 GMT
وسائل التواصل أطلعت العالم على الهمجية والوحشية والعداء الموجود في قلوب الصهاينة
يسعى المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها إلى نصرة إخوانهم في فلسطين وفي غزة التي تدور فيها رحى الحرب الآن، من خلال الوسائل المتاحة لنصرة القضية العادلة في رفض الظلم ومحاربة الظالمين بالوسائل المختلفة، فما الأسباب التي جعلت المسلمين اليوم يتطلعون إلى النصر ويرجونه من الله تعالى، وما أسباب تجمع القوى الكبرى لنصرة هذا الكيان الغاصب، وكيف أحدثت وسائل التواصل الاجتماعي أثرا في هذه الحرب بحيث استطاعة إيصال صوت الحقيقة إلى أرجاء العالم، وما هي الوسائل المتاحة لنصرة إخواننا الفلسطينيين؟ كل هذه النقاط قمنا باستعراضها في حوار مع الدكتور خالد بن سالم السيابي أستاذ مساعد بكلية العلوم الشرعية ورئيس الجمعية العمانية للعناية بالقرآن الكريم.
ـ في واقعنا اليوم ومن خلال ما نراه من وقائع في غزة.. ما هي الأسباب التي إذا أخذ المسلم بها كتب الله له النصر؟ وكيف تقاس مؤشرات هذا النصر؟
هناك مجموعة من الأسباب التي أمر الله سبحانه وتعالى بها وكذلك أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم وهي موصلة بإذن الله سبحانه وتعالى وتوفيقه إلى حصول النصر ، وجعل الأمة في خانة العزة والمجد والكرامة، أولا من حيث العموم الاستجابة لأمر الله سبحانه وتعالى، لأن الله سبحانه وتعالى بجميع الأوامر التي دعا إليها وأرشد إليها إنما هي في الحقيقة أسباب عزة وأسباب نصر وتمكين ومجد للإنسان المسلم سواء كان فيما يتعلق بعلاقته مع الله وبعلاقته مع الخلق، من المسلم وغير المسلم، فالله سبحانه وتعالى يقول: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ" وقال تعالى: "وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ" هذه الآيات تبين أن التغيير الذي يحصل من الإنسان من حيث الأعمال والتوجهات والقيم، يتبعه تغيير من الله في أحوال هذا الإنسان، هذه القضية مرتبطة بأمر مهم جدا وهو التوحيد الخالص في القلب والاعتقاد اليقيني بأن الله سبحانه وتعالى هو مغير الأحوال، وبأن لله سبحانه وتعالى يدا في تغيير هذه الأحوال سواء كان بالأسباب التي نراها نحن ظاهريا أو بأسباب غيبية مطلقة، كنزول النصرة الغيبية من الله عز وجل.
ونحن كمؤمنين نعتقد أن نصرة غيبية حصلت للنبي صلى الله عليه وسلم في الكثير من أطوار حياته، منها نصرة الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم في أحداث الهجرة، ونصرته في غزوة بدر، وفي غزوة الأحزاب، وغزوة حنين، وبتتبع السيرة والاطلاع عليها نجد هذه النصرة الإلهية كنزول الملائكة وبث الرعب في قلوب الكفار والمشركين، وإنزال المطر كما ذكر الله سبحانه وتعالى في سورة الأنفال، وحتى النوم في قوله تعالى في سورة الأنفال: " إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ" الذي يغشي النعاس هو الله بقدرته هو الذي أرسل ذلك النعاس، وله سر وغاية ذكرتها الأية الكريمة، وفي ذلك نصرة غيبية، والأمثلة على النصرة الغيبية الإلهية كثيرة في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وفي أحداث وقصص صحابة النبي صلى الله عليه وسلم في كثير من المواقف والأحداث، وهذا مرتبط بقضية التوحيد بأن التغيير يأتي من الله، وأن تغيير الأحوال مرتبط بأعمال العباد، قال تعالى: " وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ" والعمل هنا الإيمان والتقوى.
كذلك أيضا العزة، وهي عمل تتدخل به إرادة الله ولكن لهذا النصر أسبابا يجعلها الله سبحانه وتعالى، عن طريق أعمال وقيم وتوجهات وقناعات بقدرة الله وعظمته، والمجاهدون الآن في سبيل الله انطلقوا من أمر الله، لأن هذه فريضة وأن القدس أمانة وأنها وقف للمسلمين إلى قيام الساعة، وأننا مطالبون شرعا بالدفاع عنها بكل ما أوتينا من قوة، فهم الآن ينطلقون بهذه المنطلقات الإيمانية القيمية القرآنية وغيرهم ينطلق من منطلقات دنيوية مادية، غيرهم يخاف ويخشى ولذلك يتردد ويخاف أن تصيبهم دائرة، فيجعلهم هذا الحال من الريب الذي غشي قلوبهم والتردد الذي تمكن من أنفسهم في عدم الإقدام والقيام بهذا الأمر.
فضعف الإيمان واليقين إما أن يصل إلى حال الشرك والكفر، وإما أن يكون في حال النفاق والشك والريب والوقوع في الذنوب والمعاصي، وهذا سبب عظيم لا بد أن تنطلق الأمة إلى القيام بالأعمال التي أمر الله سبحانه وتعالى بها، وتتفرع منه أيضا أمور كالتوبة إلى الله سبحانه وتعالى ورد المظالم إلى أهلها والاستغفار الذي يذعن به المؤمن توبة لله تبارك وتعالى وإصلاح علقته مع الله أولا وإصلاح علاقته مع الخلق.
كذلك أيضا انطلاقته بالدعاء بيقين لا يخالجه تردد، كما قال الإمام الشافي:
أتهزأ بالدعاء وتزدريه * ولا تدري بما صنع الدعاء
سهام الليل لا تخطي ولكن * لها أمد وللأمد انقضاء
هذا مع القيام بما يمكن من أشياء مادية كالإنفاق في سبيل الله تعالى دلالة على إثبات هذا الإيمان واليقين، وكما قال الله تعالى في سورة الحجرات: "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ" فشرط الجهاد بالمال أمر ضروري، وذلك لبذل الأسباب، وإعانة المجاهدين.
فهذه طائفة من الأسباب والوسائل التي لو قام بها المؤمن سيكون في طريقه للنصر.
وكذلك وجوب حضور النية، وهي أن ينوي الجهاد في سبيل الله تعالى بالنفس لو تيسر له، وينويه صدقا وأمانة وأن يطلب الشهادة الصادقة في سبيل الله تعالى، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ""من مات ولم يغزو ولم يحدث نفسه بغزو مات على شعبة نفاق" فالإنسان يتبرأ من النفاق وتكون نفسه رخيصة إن طلبها داعي الله سبحانه وتعالى في الوقت المناسب.
بالإضافة إلى عدم موالاة الكفار والمشركين، واعتقاد عدائهم، كما أمر الله في قوله تعالى: " لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ۖ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ" وقوله تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَىٰ أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ ۚ فَعَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ".
ـ كيف ساهمت وسائل التواصل في إيصال الحقيقة إلى العالم، وكشف المحتل الغاصب على حقيقته؟
بالنسبة لوسائل التواصل فهي بطبيعة الحال قد أوصلت الحقائق وأطلعت الناس على الكثير مما كان قد غاب، فمثلا عندما نقارن نكبة 48 وحرب 67 وغيرها من الحروب التي حصلت بين الكيان الغاصب وبين العرب والمسلمين، وبين حرب طوفان الأقصى، نجد أن الفرق شاسع في معرفة الناس بالحقيقة سواء كانوا من المسلمين والعرب أو كانوا من غير المسلمين، ونرى تأثير هذه الأحداث على أوروبا وأمريكا، وحتى في الكيان الغاصب في ما يسمى بتل أبيب، فكل ذلك بما يسره الله سبحانه وتعالى من هذه الوسائل، مع أن هذه الوسائل فيها الكثير من السلبيات والتحديات والأضرار لكنها على كل حال هي ظرف لما يحمل فيها، فإن كان خيرا فخير، وإن كان شرا فشر، وفي هذا الأمر كانت خيرا لأنها عرفت الناس بالحقيقة وأطلعتهم على سلوك الصهاينة وعلى تصرفاتهم وعلى الدوافع التي دفعتهم على ما فعلوه، وكذلك أطلعت العالم على الهمجية والوحشية والعداء الموجود في قلوبهم، واللا إنسانية وكأنهم فطروا عليها والعياذ بالله، وكذلك ظهرت هذه الحقيقة للمسلمين، كما أظهرت وسائل التواصل ما بينته الآيات القرآنية في كتاب الله سبحانه وتعالى فأصبحت جلية واضحة.
وأصبح ينطبق عليها قوله تعالى: "سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ۗ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ" فهذه ليست فقط في الآيات الإعجازية الكونية، وإنما أيضا كذلك في الآيات القرآنية المتعلقة بالأحكام، فبعض هذه الأحكام تظهر حقائقها واقعا.
وقد ظهرت حقيقة اليهود وظهرت خباياهم، وأنهم أشد الناس ضررا ما لم يكن متصهينا من النصارى فهو يقف مع الحقيقة، فكثير من الشعوب كانت في صف المسلمين مع القضية الفلسطينية، وهذا يدعونا إلى التأكيد على أهمية هذه الوسائل، وعدم الاستهانة بها، وكذلك ندعو إلى ضبط المحتوى والإبداع في تقديمه والتجديد فيه، ووضع ما يمكن من أفكار وطرق فنية وإبداعية للتأثير على الجماهير من خلال هذه الوسائل المتاحة للجميع.
ـ من وجهة نظرك لماذا حشدت الدول الكبرى قواتها للقتال مع المحتل الصهيوني ضد إخواننا المجاهدين في غزة؟
الدول الكبرى حشدت قواتها للقتال مع المحتل الصهيوني لعدة أسباب، فهنالك أسباب ودوافع دينية، كما صرحوا بذلك بأنفسهم، وهناك أسباب ودوافع أيضا قد تحمل جانبا سياسيا، ولا يخلو الأمر أيضا من أسباب متعلقة بتبعات انحلال هذا الكيان وعودة اليهود إلى أوروبا وأمريكا لما لهذه العودة من تبعات، فالأسباب الدينية يعتقدون أن نزول المسيح عليه السلام باعتبار أنهم هم نصارى ويريدون تحقيق هذه النبوءة المتصورة عندهم حسب كتبهم المحرّفة، فيريدون أن تستمر هذه الدولة اليهودية الصهيونية، وكله مبني على ضلال وباطل، فهم يتحركون وفق هذه النظرة، ويخشون كذلك من قيام الإسلام، فيجتهدون ويجتمعون ويتعاونون كما بين الله سبحانه وتعالى وهم لم يرضوا عن المسلمين حتى يروا فيهم الضعف والذل والهوان، ولا يريد لهم العزة والكرامة، فالله تعالى يقول: "وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ۗ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَىٰ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ۙ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ".
فالمسلم يجب عليه اليوم أن ينتبه لهذا الأمر، وأن يواجه الجهد الديني الذي يقومون به بجهد ديني وعقيدة دينية راسخة يتحرك بها هو ليصلح علاقته مع الله سبحانه وتعالى وينبه لهذه المنطلقات التي ينطلق منها.
ومن الناحية السياسية فهم يريدون هذا الكيان الغاصب الغريب عن جسم الوطن العربي الإسلامي، حتى يجدون من خلاله وسيلة للوصول إلى مطامعهم ومآربهم السياسية، وإضعاف المسلمين، ونشر البغضاء والشحناء والتفرق فيما بينهم، وهي كالذراع لهم يحققون من خلالها مطامعهم، وما يتبع هذا التوجه السياسي وهذه المصلحة السياسية من اقتصاد ونشر فكر وتغريب ونحو ذلك من الأمور، فهي بمثابة الوكيل لهم لتحقيق مقاصدهم الدنيئة.
ومن ناحية أخرى نجد أنهم يريدون الدفع باليهود وإخراجهم من بلدانهم، لما رأوه من تاريخ هذه الفئة من مكر ونشر الدسائس وخلافات ونزاعات وإيقاد نار التفرقة، فكأنهم يريدون أن يتخلصوا من هؤلاء ويجعلون شرهم بين المسلمين، واليوم تطالعنا الأخبار العالمية بالكثير من التقارير والتحليلات والاعترافات بأن هؤلاء لا يريدون اجتماع الشرق والغرب، حتى أن أحد المحللين الأمريكان حذر إسرائيل في هجماتها الشرسة والهمجية، لأنها بذلك تؤدي إلى اجتماع الطوائف والمذاهب الإسلامية، ويقول إن ما تم العمل عليه عبر عقود من السنين في التفرقة بين هذه المذاهب فإن كل ذلك الجهد سيذهب هباء منثورا، بسبب هذا الهجوم الشرس الذي تقوم به إسرائيل، فهو يقول إنه يحذرها من هذا الأمر.
ـ ما هي المتغيرات المجتمعية التي لاحظتها والتي تمثل اهتمام المجتمع بكافة أطيافه بالقضية الفلسطينية؟
التغيرات المجتمعية التي حصلت كثيرة، أبرزها رجوع القضية الفلسطينية إلى العقلية الإسلامية والعربية والعمانية، والعقلية العمانية عقلية مشبعة بالقضية الفلسطينية من الأصل، فهي مترسخة في الوجدان العماني، وهم يأخذون هذا من دينهم وما يؤكده عليهم علماؤهم ودعاتهم، وعلى رأسهم سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام لسلطنة عمان، فهو دائما يؤكد على هذه القضية، ولكنها ازدادت رسوخا وثباتا في أنفسهم وظهر هذا من خلال الكثير من المقاطع التي تبث عبر وسائل التواصل والتصاميم الإبداعية التي تدعو إلى تجييش المشاعر المناهضة للكيان الصهيوني والموالية للمقاومة والمجاهدين في سبيل الله تعالى.
وظهر كذلك في طائفة كبيرة من القصائد والأشعار والأناشيد التي قدمت لأجل نصرة هذه القضية، بل كذلك باجتماع للدعاة وصلوات التهجد نصرة لإخواننا الفلسطينيين، وإضافة إلى الإنفاق النوعي الذي مثلته الشرائح العمانية عبر الكثير من المنصات ومنافذ التصدق، وكذلك شهد المجتمع العماني خطب جمعة كثيرة فيها دعوة إلى مناصرة القضية بشتى الوسائل، وكذلك المسيرات التي ظهرت في المجتمع العماني في شتى المحافظات التي تدعو إلى نصرة المستضعفين والدعاء على المعتدين الغاصبين.
وكذلك تجلى التغير المجتمعي حتى في جانب السلوك، في الالتزام بالعبادات، والإقبال على الله، والكثير من المواقف التي تدل على ذلك، فالإنسان عندما يرى إخوانه الفلسطينيين يقتلون وتهدم البيوت على رؤوسهم، فيعي يقينا أن المسلك الإسلامي هو الصحيح وأن ما دونه من مسالك غربية دخيلة من تصورات وأفكار إنما هي موجهة لانحرافه عن هذا الدين العظيم وعن كتاب الله سبحانه وتعالى، فهذا يدعوه إلى أن يعود إلى هذا الدين، والتمسك بتعاليمه.
ـ ما الوسائل المتاحة التي من خلالها نستطيع نصرة إخواننا في غزة؟
هنالك العديد من الوسائل من أهمها: الدعاء والتضرع لله سبحانه وتعالى والاجتهاد بالتوسل إلى الله لا سيما في أوقات مظنة استجابة الدعاء مثل الثلث الأخير من الليل، وأدبار الصلوات وسائر الأوقات، سواء كان هذا الدعاء فرديا أو جماعيا، والاعتقاد اليقيني أن الدعاء له أثره، فالله سبحانه هو الذي يغير الأحوال وهو الذي يكتب النصر، ويستطيع بقوته وقدرته أن يرسل ما شاء من جنوده على هؤلاء الأعداء، فعلى المؤمن أن لا تضعف همته ويقينه على ربه عز وجل، بدعائه وضراعاته لله سبحانه وتعالى، ويكثر من إخباته وتوبته وتلاوته للقرآن وصلاته ليكون هذا الدعاء بإذن الله سبحانه وتعالى له الأثر العظيم.
والوسيلة الأخرى هي الإنفاق في سبيل الله سبحانه وتعالى ما استطاع، وهذا من دلائل صدق إيمانه ويقينه، ونفي النفاق عنه، فالمؤمن ينفي النفاق عن نفسه بمولاته للمؤمنين والصالحين والمتقين والمجاهدين في سبيل الله، فالمنافقون يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف، ويقبضون أيديهم ونسوا الله فأنساهم أنفسهم، أما المؤمنون فهم على خلاف ذلك فهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله، فيجتهد في إنفاقه ويدعو غيره أيضا، ولا شك أن الحاجة داعية وملحة للإنفاق في سبيل الله سبحانه وتعالى لإخواننا المتضررين والمجاهدين. ونحن ندعو للإنفاق في منصة "السنبلات السبع" لاطلاعنا عليها وثقتنا في من يقوم عليها، وهناك منصات أخرى موجودة ومتاحة.
والوسيلة الثالثة المشاركة الفاعلة الإيجابية في وسائل التواصل، من مقاطع ومنشورات وتصاميم ونحو ذلك، وترجمة بعض هذه المقاطع إلى اللغات الأجنبية الحية، هذا بحد ذاته مشاركة في النصرة والتغيير، وجعل الكفة تميل وترجح في نصرة إخواننا المجاهدين في غزة وفي فلسطين، وعلى المسلم أن يستخدم كل الوسائل المتاحة في خدمة هذه القضية، والإنسان لا يستقل أي عمل يقوم به، وهذه الوسائل التي ذكرتها ما هي إلا نماذج وإلا فالباب مفتوح والمجال مشرع، والحاجة داعية إلى المزيد من الأفكار والوسائل التي يكون فيها إثبات لهذه النصرة المقدسة.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: النبی صلى الله علیه وسلم صلى الله علیه وسلم فی الله سبحانه وتعالى القضیة الفلسطینیة فی سبیل الله تعالى الوسائل المتاحة وسائل التواصل الکیان الغاصب الأسباب التی هذه الوسائل هذه القضیة الکثیر من هذا الأمر سواء کان تعالى فی أمر الله من خلال من الله فی غزة
إقرأ أيضاً:
بيان فضل العفو والتجاوز عن المعسر رغبة في الثواب
قالت دار الإفتاء المصرية إن مطالبة الإنسان بحقِّه في الشرع الشريف أمر مباح وليس بواجب، ما دام أن ذلك الحق المطلوب هو حقه الشخص وحده، لا يتعداه لغيره، مؤكدة أن الأصل أنه يطالب الإنسان بحقوقه.
بيان فضل العفووأوضحت الإفتاء أن أراد الإنسان العفو عن حقه والمسامحة فيه لتعسر المدين أو حاجته أو لرغبة فيما وراء العفو من الثواب والأجر، فإن ذلك من محاسن الأخلاق التي ندب الشرع إليها وحثَّ عليها؛ لما فيه من التآلف بين القلوب وتوطيد العلاقات الإنسانية بين الإنسان وأخيه.
وأضافت الإفتاء أنه تكاثرت الأدلة التي تحث على ذلك من القرآن الكريم والسنة المطهرة:
يقول الله تعالى: ﴿وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 280]، وقال تعالى: ﴿الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [آل عمران: 134].
قال الإمام القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (3/ 374، دار عالم الكتب): [﴿وَأَن تَصَدَّقُوا﴾.. ندب الله تعالى بهذه الألفاظ إلى الصدقة على المعسر، وجعل ذلك خيرًا من إنظاره] اهـ.
وقال أيضًا (4/ 207): [العفو عن الناس أجلُّ ضُرُوب فعل الخير؛ حيث يجوز للإنسان أن يعفو وحيث يتجه حقه] اهـ.
وقال الإمام أبو محمد مكي بن أبي طالب في "الهداية إلى بلوغ النهاية" (10/ 6320، ط. جامعة الشارقة): [ومعنى: ﴿فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ﴾ [الزمر: 18]، أي: يتبعون ما أمر الله به الأنبياء من طاعته؛ فيعملون به؛ أي: يستمعون العفو عن الظالم والعقوبة، فيتبعون العفو ويتركون العقوبة وإن كانت لهم.
وإنما نزل ذلك فيما وقع في القرآن في الإباحة فيفعلون الأفضل مما أبيح لهم؛ فيختارون العفو على القصاص والصبر على الانتقام اقتداء بقوله تعالى: ﴿وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأمور﴾ [الشورى: 43]] اهـ.
وقال العلامة ابن رشد الجد في "المقدمات الممهدات" (3/ 425، ط. دار الغرب الإسلامي): [فأما في الدنيا: فالعفو والصفح عن الظالم أولى من الانتصار منه بأخذ الحقِّ منه في بدنه أو ماله؛ لقول الله عزَّ وجلَّ: ﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾ [الشورى: 40]، وقوله: ﴿وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [آل عمران: 134]، وقوله: ﴿وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ﴾ [الشورى: 43]، ولا يعارض هذا قوله عزَّ وجلَّ: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ﴾ [الشورى: 39]؛ لأن المدحة في ذلك وإن كانت متوجهة بهذه الآية لمن انتصر ممن بغي عليه بالحق الواجب ولم يتعد في انتصاره وكان مثابًا على ذلك لما فيه من الردع والزجر: فهو في العفو والصفح أعظم ثوابًا بدليل قوله بعد ذلك: ﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾] اهـ.
وقال الإمام القرافي في "الفروق" (4/ 293، ط. عالم الكتب): [الأحسن للمظلوم الصبر والعفو عن الظالم لقوله تعالى: ﴿وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ﴾ أي: من معزومها ومطلوبها عند الله تعالى.
وتابعت الإفتاء قائلة: فإن زاد في الإحسان على ذلك بأن دعا له بالإصلاح والخروج عن الظلم؛ فقد أحسن إلى نفسه بمثوبة العفو وتحصيل مكارم الأخلاق، وإلى الجاني بالتسبب إلى إصلاح صفاته، وإلى الناس كافة بالتسبب إلى كفايتهم شره] اهـ.
وأكملت: بل إنَّ المسامحة هنا وهي من المندوبات تفضل الواجب في هذه المسألة؛ وهو الإنظار إلى ميسرة لاستيفاء هذه الحقوق.