الجزائر "العُمانية": ترصد الروائيّة د. سامية بن دريس، في عملها السّردي الذي يحمل عنوان "الفرائس تكتب تاريخها"، مسيرة مجموعة من الشخصيات المتخيّلة، في قالب اجتماعي، تتخلّله لمحاتٌ تاريخيّة وفلسفية.

وتؤكّد سامية بن دريس، في تصريح لوكالة الأنباء العُمانية، أنّ روايتها تتناول ثيمات، مثل الصداقة، والحب، والموت، بطلتها "علياء جيلالي"؛ وهي امرأة في منتصف الأربعينات، تتمحور حولها مختلف التحوُّلات الاجتماعية والسياسية التي عرفتها الجزائر، بدءًا بمرحلة التسعينات، عندما كانت بطلة الرواية تلميذة واعدة تعشقُ الكيمياء، وتُجسّد صراع قوّتين خفيّتين هُما، أستاذ الفلسفة صاحب الميول الاشتراكية، و"فريد" أستاذ الفيزياء صاحب النزعة الرأسمالية، وبفعل مؤامرة دنيئة من صديقة طفولة علياء، وزوجة "فريد" لاحقا، يتمُّ اغتيال طموحاتها وحبّها بتزويجها من أحد عُمّال "فريد"، وهو شخصية بأعراض مرضيّة تُلقّب بـ "الجرْو"، وتتفنّن في تعذيب "علياء".

وينتهي المطاف بعلياء عاملة في مصنع للحلوى لتعيل ابنتها الوحيدة "كراميلا"، غير أنّ هذا المصنع يشهد جرائم سرّية تنتهي بوفاة عاملة شابة في الطابق السفلي.

بعد ذلك تُطرد "علياء" من عملها، لتفتتح مشروعًا صغيرًا يتمثل في إعداد وجبات منزلية بمساعدة أستاذها السابق "سليم"، وأخيها -السجين السابق- "عصام"، قبل أن تسافر إلى إسبانيا للمشاركة في حفلة شبابية كمغنيّة، لدعم القضية الفلسطينية، وهناك يُدركها الحجرُ الصحيُّ بسبب انتشار وباء كورونا، لتواصل حياتها معتنية بالأشجار التي ستتعرّض لحريق، فتدخل في حالة من الاكتئاب.

وتعتبرُ د. سامية بن دريس أنّ "أكثر الروائيّين الجزائريين يميلون إلى المزج بين التاريخ والتخييل التاريخي؛ لأنّ الكاتب -في العادة- يقول ما أهمله التاريخ، بتعبير آخر قد يعتمد الروائيُّ الإطار التاريخي العام، كأن يتناول مرحلة أو شخصية تاريخيةً ما، لكنّه يؤثّثُها بأفكاره ورؤيته وخياله".

وتُشير صاحبة "الفرائس تكتب تاريخها" إلى أنّ هناك أزمة قراءة في الجزائر بصورة عامة، إذ تقول "من وجهة نظري، الروايات التي تحظى بمتابعة القارئ الجزائري بصورة عامة، تتمثّل في تلك التي يُصدرُها كتّابٌ معروفون، ومكرّسون، وهي الأكثر انتشارا، لأنّ الذائقة الأدبيّة أصبحت في أزمة، وأسبابُها كثيرة، منها المدرسة، التي لا تُفعّل مهارة المطالعة، باعتبارها الدعامة الأساسية في التعليم، إضافة إلى قلّة المتابعات النقدية والصحفية للأعمال الروائيّة الجيّدة، ناهيك عن عوامل أخرى، مثل غياب تقاليد القراءة، ولذلك أفرز الواقع الجديد أعمالًا روائية متوسطة، وقرّاءَ متوسّطين يُكرّسون هذا التوجُّه".

يُشار إلى أنّ الروائيّة، د. سامية بن دريس، حاصلة على شهادة الدكتوراة في الأدب الحديث والمعاصر، وتشتغل أستاذة بالمركز الجامعي عبد الحفيظ بالصوف بولاية ميلة (شرق الجزائر)، ولها العديد من الإصدارات، أبرزُها "الأسلوبية الإحصائية لدى سعد مصلوح" (دراسة نقدية)، و"رائحة الذئب" (رواية/ 2015)، و"أطياف شهرزاد" (قصص/ 2016)، و"شجرة مريم" (رواية/ 2016)، و"بيت الخريف" (رواية/ 2017).

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

أزهار شهاب تكتب: 470 يوما غيّرتني.. وللحياة بقية يا غزة

470 يوماً مرت علىّ كأنها قرون، أيام حملت فى طياتها صرخات لم تسمعها إلا الجدران، ودموعاً لم تجفّفها إلا رياح اليأس.. «يا عالم أغيثونا.. يا شعوب الأرض اسمعونا» صرخات ارتفعت من حناجر أطفال وشيوخ ونساء ورجال، لم تجد سوى صمت مطبق، كأن العالم أصم أو متواطئ، كنت أشعر بالعجز، وأتساءل دائماً ما الذى يجب علىّ فعله؟

فى تلك الأيام، حفظت الشوارع التى كانت يوماً تعج بالحياة، فتحولت إلى خرائب، والحوارى التى كانت تزخر بالضحكات، فأصبحت مسرحاً للدماء.. «بيت حانون، بيت لاهيا، حى الدرج، حى الزيتون، الشجاعية، مواصى رفح وخان يونس، حى التفاح، دير البلح، النصيرات، المغازى..» أسماء صارت جراحاً تنزف فى الذاكرة كلما ذُكرت.شاب شعر الرأس، وشاخت روحى.

470 يوماً غيّرت حياتى، قلبت نظرتى للكون رأساً على عقب، كنت شخصاً مرحاً، محباً للحياة، مقبلاً عليها بكل تفاصيلها، لكن الواقع صدمنى، فتح عينى على مشاهد لم أكن أتخيلها، هاتفى امتلأ بصور الشهداء وأشلائهم، وأصوات الأمهات الثكالى والوجوه التى شاخت قبل أوانها، ما زالت تُدوى فى أذنى «والولاد اللى ماتوا بدون ما ياكلوا».. «حطى قلبك على قلبى أحس فيكى يا ما».. أصوات تذكّرنا بأننا ما زلنا أحياء، رغم كل شىء.

والأم التى تهرول: «الولاد وين؟»، والشيخ الصامد الذى كان يشد من أزر الآخرين بعد استشهاد أبنائه: «تعيطش يا زلمة، كلنا شهداء».

صورة «يوسف أبوشعر كيرلى» لم تفارقنى، ولا «عم خالد» وحفيدته «ريم»، ولا «الدحدوح» وابنه «حمزة»، ولا «هند» ذات الست سنوات.. الجثث التى نهشتها الكلاب فى الشوارع كانت تؤرق نومى، تلاحقنى فى أحلامى، تذكرنى بأن العالم قد فقد إنسانيته.

كلما جلست لتناول الطعام، أتذكر ذلك الطفل الهزيل الذى كان يمضغ أصابعه من شدة الجوع، وتلوح فى خيالى صورة تلك الأم الباسلة التى كانت تطحن أعلاف الحيوانات لتصنع منها خبزاً، تحاول أن تخدع جوع صغارها الذين يحدقون إليها بعيون واسعة، وذلك الشيخ الباحث عن ورق الشجر ليصنع منه وجبة «مسلوقة» لأطفاله الذين لا يعرفون طعم الشبع إلا فى أحلامهم.

فى تلك اللحظات، تختلط دموعى بـ«لقمة العيش» بين يدى، فأتراجع عنها، وكأنها جمرة تتقد فى كفى، تشمئز نفسى، وتثور معدتى رفضاً لأى طعام يدخلها، والصغار فى خيامهم الباردة يصرخون بصمت، وجوعهم يصرخ فى أعماقى.نصحنى الطبيب ألا أشاهد، أن أغادر مجموعات السوشيال ميديا التى تنقل الواقع الأليم، لكننى شعرت أن الهروب خيانة.

470 يوماً لم أرَ فيها سوى فلسطين.. حساباتى على «تويتر، واتس آب، فيس بوك، تليجرام، إنستجرام..» كلها كانت نوافذ تطل على المأساة لحظة بلحظة.. لم أعتد المشاهد، لكنى لم أستطع أن أغلق عينى، فى كل مرة، الألم نفس، الحسرة نفسها.هذه الحرب غيّرت مفاهيمى تماماً.. الغرب الذى كنت أظنه ملجأ الحقوق والديمقراطيات، كشف عن وجه آخر.. 470 يوماً أغلق عينى على مشاهد المجازر، وأستيقظ على كابوس مجزرة أخرى.

470 يوماً لم أشهد فيها نومة هنيئة، أتصفح هاتفى فى الصباح، أطالع آخر الأخبار، وليلاً أغلق عينى على صور الدمار.. بكاء وصرخات متواصلة، أسئلة لا تجد إجابة: «ما هذا العالم؟ ما كل هذه الخيانة؟ كيف فقد البشر إنسانيتهم؟ كيف تكالبوا جميعاً عليهم؟ أليس فيهم بشر واحد يقول: كفى! 470 يوماً «صحيوا الناس وما ناموا» إلا بهدنة تعلن أن للحياة بقية.

مقالات مشابهة

  • «الخط المباشر».. استجابات سامية بـ «جرّة قلم»
  • حكاية الرُحل في المغرب.. فطرة سليمة وذكاء اجتماعي في مواجهة قساوة الصحراء
  • علياء القاسمي تطلع على جهود أكاديمية الفجيرة للفنون الجميلة
  • الروائي حسن كمال: معرض القاهرة للكتاب عيد ثقافي .. وجوائز الأدب تسلط الضوء على الإبداع
  • الروائي خليل الجيزاوي: معرض الكتاب التظاهرة الثقافية الأكبر في العالم العربي
  • أزهار شهاب تكتب: 470 يوما غيّرتني.. وللحياة بقية يا غزة
  • المدير العام للخطوط الجوية التركية بلال أكشي: يسعدنا أن نستأنف رحلاتنا بعد انقطاعٍ إلى دمشق التي يعود تاريخها إلى آلاف السنين وهذه العودة تسهم بخدمة سوريا وشعبها وشعوب المنطقة
  • هند عصام تكتب: الملكة نيت حتب
  • محلية النواب تناقش تأخر تسليم 13 ألف وحدة إسكان اجتماعي للشباب في كفر الشيخ
  • 400 وظيفة جديدة للإناث في المحافظات.. تأمين اجتماعي وطبي