التمسك بالأمل والاجتهاد في العمل.. الأوقاف تحدد خطبة الجمعة المقبلة
تاريخ النشر: 16th, November 2023 GMT
خطبة الجمعة.. حددت وزارة الأوقاف، خطبة الجمعة القادمة، الموافق 17 نوفمبر 2023، تحت عنوان «التمسك بالأمل والاجتهاد في العمل وقت الأزمات».
وفي هذ الإطار تقدم «الأسبوع» لزوراها ومتابعيها نص الخطبة التي أعلنت عنها وزارة الأوقاف، ويأتي هذا ضمن خدمة مستمرة تقدمها لقرائها، في كافة الموضوعات المتنوعة، ويمكنكم المتابعة من هنــــــــــا.
نص الخطبة
الحمدُ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونتوبُ إليهِ ونستغفرُهُ ونؤمنُ بهِ ونتوكلُ عليهِ ونعوذُ بهِ مِن شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، ونشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له، وأنَّ سيِّدَنَا مُحمدًا عبدُهُ ورسولُهُ ﷺ. أمَّا بعدُ:
أولًا: دعوةُ الإسلامِ إلى الأملِ.إنَّ الإسلامَ يحثُّ أفرادَهُ على الأملِ بمستقبلٍ مشرقٍ، فالأملُ أساسُ الحياةِ، وكلُّ إنسانٍ لهُ أملٌ في الحياةِ.
فمثلًا: ما الذي دفعَ الطلابُ إلى الجدِّ والاجتهادِ وسهرِ الليالِي؟ إنّهُ الأملُ في التفوقِ والنجاحِ!!
وما الذي دفعَ التجارُ يقطعونَ المسافاتِ عبرَ الطرقِ والأنهارِ بالليلِ والنهارِ؟ إنَّهُ الأملُ في الربحِ والكسبِ الحلالِ!
وما الذي دفعَ المريضُ إلى أخذِ الأدويةِ المرّةِ والحقنِ المؤلمةِ مع كراهتِهِ لهَا؟ إنَّه الأملُ في الشفاءِ!!
وما الذي دفعَ الجنديُّ إلى السهرِ بالليلِ والمخاطرةِ بنفسِه وحياتِه؟ إنّهُ الأملُ في حمايةِ الوطنِ والنصرِ أو الشهادةِ!
وما الذي دفعَ الفلاحُ إلى المشقةِ في الحرثِ والغرسِ؟ إنّهُ الأملُ في الحصولِ على معيشةٍ رغدةٍ ورزقٍ وفيرٍ!!
وما الذي دفعَ الشابُ إلى العملِ والسفرِ للكسبِ هنَا وهناكَ ليجهزَ مسكنَهُ وجهازَهُ؟ إنَّهُ الأملُ في إعفافِ نفسِه وإحصانِ فرجِه، وإنجابِ ذريةٍ يرفعونَ ذكرَهُ بعدَ موتِه!! وهلُمَّ جرًا في كلِّ المجالاتِ والمهنِ والوظائف.
فينبغي على كلِّ فردٍ أنْ تكونَ حياتُهُ كلُّهَا مفعمةً بالأملِ، ولا يتركُ مجالًا لليأسِ أو القنوطِ أو الكسلِ أو الخمولِ.
وإنّنَا لو نظرنَا إلى حياةِ الأنبياءِ عليهمُ السلامُ لوجدناهَا كلَّهَا مفعمةً بالأملِ، فلم يكنْ لديهم مجالٌ لليأسِ أو القنوطِ، مع ما لاقوهُ مِن كفرٍ وعنادٍ ونفاقٍ وبلاءٍ، ولنضربْ أمثلةً مِن الأملِ في حياتِهِم عليهمُ السلامُ.
نبي الله نوحفنوحٌ عليهِ السلامُ دعَا قومَهُ ألفَ سنةٍ إلّا خمسينَ عامًا فلم يستجيبوا، ومع ذلك لم ينتابهُ اليأسُ والقنوطُ، {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ }.(العنكبوت:14).
وهذا نبيُّ اللهِ أيوبُ - عليهِ السلامُ - ابتلاهُ اللهُ سبحانَهُ وتعالى في نفسِه ومالِه وولدِه، إلّا أنَّه لم يفقدْ أملَهُ في أنْ يرفعَ اللهُ الضرَّ عنه، وكان دائمَ الدعاءِ للهِ، يقولُ تعالَى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ }، ( الأنبياء:83 )، فلم يُخَيِّبْ اللهُ أملَهٌ، فحققَ رجاءَهٌ، وشفاهُ اللهُ وعافاهُ، وعوَّضَهُ عمّا فقدَهُ.
وهذا يعقوبُ - عليهِ السلامُ - يغيبُ عنهُ أحبُّ الأبناءِ إليهِ أكثرَ مِن أربعينَ عامًا، ومع ذلك يخاطبُ أبناءَهُ بروحٍ متفائلةٍ خلّدَهَا القرآنُ فقالَ:{يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ } (يوسف: 87). ويعودُ إليهِ يوسفُ مرةً أُخرَى كما سجّلَ ذلك القرآنُ الكريمُ.
وهذا خاتمُ الأنبياءِ والمرسلين ﷺ يشتدُّ بهِ وبأصحابِه الإيذاءُ والاضطهادُ والتعذيبُ، وبمجردِ أنْ اشتكَى بعضُهُم مِن شدةِ التعذيبِ، يأتي الرسولُ ﷺ مرةً أخرى ليبعثَ فيهم الأملَ والتفاؤلَ مِن جديدٍ.
شكوى خباب بن الأرتفعَنْ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ، قَالَ: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الكَعْبَةِ، قُلْنَا لَهُ: أَلاَ تَسْتَنْصِرُ لَنَا، أَلاَ تَدْعُو اللَّهَ لَنَا؟ قَالَ: «كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ، فَيُجْعَلُ فِيهِ، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرَ، حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ، لاَ يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ، أَوِ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ». ( البخاري ).
كما أرشدَنَا الحبيبُ ﷺ إلى الأملِ والتفاؤلِ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:” كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُحِبُّ الْفَأْلَ الْحَسَنَ، وَيَكْرَهُ الطِّيَرَةَ “. (أحمد بسند حسن ). فإذا أردتُم حياةً سعيدةً فعليكُم بالأملِ والتفاؤلِ، وما أجملَ مقولةَ الزعيمِ الراحلِ مصطفى كامل: لا يأسَ مع الحياةِ، ولا حياةَ مع اليأسِ.
فعليكُم بالأملِ والتفاؤلِ في جميعِ مجالاتِ حياتِكُم العمليةِ، وإياكُم واليأسَ والقنوطَ، فقد ندَّدَ القرآنُ بالقنوطِ واعتبرَهُ قرينَ الضلالِ، فقالَ تعالَى: { قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ }
ومنها: أملُ المريضِ في الشفاءِ: فلا ييأسُ مريضٌ مِن عدمِ الشفاءِ مهما كان مرضُهُ عضالًا، فعليهِ أنْ يأخذَ بأسبابِ التداوِي مع التعلقِ بحبلِ اللهِ في الشفاءِ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: “مَا أَنْزَلَ اللَّهُ دَاءً إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً”.(البخاري). ولنا في أيوبَ عليهِ السلامُ أسوةٌ، يقولُ تعالَى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ}.(الأنبياء: 83، 84). ومع ذلك للأسفِ كثيرٌ مِن المرضَى يسخطُ ويوهمُ نفسَهُ بالموتِ والهلاكِ.
أملُ العقيمِ في الإنجابِ: فإنْ كنتَ عقيمًا لا تنجبٌ فلا تيأسْ مِن رحمةِ اللهِ وفيضِ عطائِه، فهذه امرأةُ إبراهيمَ عليهِ السلامُ قد بشرتْهَا الملائكةُ بالولدِ على كبرِ سنِّهَا، وهذا ما أثارَ إعجابهًا قائلةً: { يَا وَيْلَتَى آلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ} (هود: 72، 73).
ومنها: أملُ المهمومِ والمغمومِ في كشفِ الهمومِ والكربِ: أيْ إذا نزلَ بكَ همٌّ أو غمٌّ أو كربةٌ، لا تتأففْ ولا تتضجرْ، فبابُ الأملِ مفتوحٌ وموجودٌ، فالجأْ إلى اللهِ بالدعاءِ، كما كان يفعلُ حبيبُنَا وقدوتُنَا ﷺ، فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَقُولُ عِنْدَ الْكَرْبِ:” لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَرَبُّ الْأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ.” (مسلم).
اقرأ أيضاًالحق في الحياة بين الشرائع السماوية والمواثيق الدولية.. موضوع خطبة الجمعة اليوم
الأوقاف: «الحق في الحياة والمواثيق الدولية».. موضوع خطبة الجمعة اليوم
الأوقاف: خطبة الجمعة المقبلة تتناول مفهوم المصالح المعتبرة
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: وزارة الأوقاف خطبة الجمعة أثناء خطبة الجمعة خطبة خطبة الأوقاف خطبة وزارة الأوقاف خطبة الجمعة
إقرأ أيضاً:
الأمل بالله وتأثيره على حياتنا
الأمل هو الرجاء، الاعتقاد والظنّ بحصول ما فيه خير وسعادة، ونصر على الأعداء، وجبر لكسر النّفس، على الرّغم من كلّ المظاهر التي تدعو لليأس وتُثقل كاهلنا بالأحمال، وقد خُلقت النّفس البشريّة بطبيعتها على الأمل، وجعله الله سبحانه وتعالى مُلازمًا لنا في كلّ مراحل حياتنا، فيشتعل الرأس شيبًا، ويبقى القلب بالأمل شابًا، وقد أكّد على هذا الرسول الكريم -صلّى الله عليه وسلم- ع في حديث عن أبي هريرة قال: "سمعت رسول الله -صلّى الله عليه وسلم- يقول: لا يزال قلب الكبير شابًّا في اثنتين: في حبّ الدنيا وطول الأمل".[٢]
ذكر نبوي لقضاء الديون: دعاء يعينك على التوفيقوجهان لعملة
الأمل هو الحياة، وجهان لعملة واحدة لا ينفصلا عن بعضهما، مَن منّا يستطيع العيش بدون أمل؟، لو تأمّلنا قليلًا في حالنا لوجدنا أنّنا نحيا على الأمل في أن الساعة القادمة ستحمل بُشرى تُسعد قلوبنا، وأنّ الغد سيحمل معه أطنانًا من الفرح، نحيا على أمل أنّنا سنكون أفضل وأحسن، وأنّ القادم سيكون أجمل من الفائت، وهذا ما يجعلنا نعيش، الأمل يزرع الورد بداخلنا، يجعل قلوبنا تزهر، فنُصبح أشخاصًا إيجابيّين مُقبِلين على الحياة.
دعاء نزول المطر المستحب والمنقول من السنةلو طالَتنا خيبة الأمل وتمكّنتْ منّا فسنحتاج حينها وقتًا كبيرًا للاستشفاء؛ لأنّ الآثار الجانبيّة التي ستتركها لن نتخلّص منها بسهولة، ففقدانه سيؤثّر علينا من الناحية النفسيّة ويُصيبنا بنظرة سلبيّة تجاه كلّ ما هو جميل، وهذا سيجعل داوخلنا هشّة لا تَقْوى على الوقوف والاستمرار في الحياة، لذا فخيبة الأمل هي السلاح الوحيد الذي يمُكنه قتلنا حقًّا ونحن على قيد الحياة