جبيل "لبنان" "أ ف ب": في حانة وسط ساحة في الهواء الطلق في مدينة جبيل شمال بيروت، يفتقد ريشار العلم الزبائن الذين غالباً ما تكتظ بهم المنطقة، منذ بدء التوتر عند الحدود مع إسرائيل على وقع الحرب في قطاع غزة.

ويقول العلم (19 عاماً) بينما يعدّ المشروبات لروّاد الحانة لوكالة فرانس برس "فتحت زجاجة الويسكي هذه منذ أسبوعين وحتى الآن لم تفرغ.

في العادة كانت تفرغ خلال يوم أو يومين".

وبعدما كان عدد الطاولات المحجوزة يتراوح بين أربعين وخمسين يومياً، بات حالياً لا يتجاوز السبع طاولات كحد أقصى، وفق العلم.

وشنت حركة حماس هجوما غير مسبوق على إسرائيل في السابع من أكتوبر، ما دفع إسرائيل الى رد عنيف بقصف مدمّر على قطاع غزة يترافق منذ أسابيع مع عمليات برية داخل القطاع. وغداة اندلاع الحرب، بدأ حزب الله ينفذ عمليات ضد أهداف عسكرية إسرائيلية وفق قوله عبر الحدود اللبنانية، دعما لحماس. وتتواصل هذه الهجمات يوميا. وتردّ إسرائيل بقصف مناطق حدودية مستهدفة ما تصفه بتحرّكات مقاتلي حزب الله وبناه التحتية قرب الحدود.

ويثير ذلك مخاوف من توسّع الحرب الى جبهة جديدة، ودعت دول عدّة بينها الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا، رعاياها الى مغادرة لبنان وعدم السفر اليه. وسلكت دول خليجية المسار ذاته.

ويوضح العلم بينما يندر دخول زبون الى المكان "منذ أن بدأت الأحداث، توقفت حركة المطار وسحبت الدول رعاياها، فتراجعت وتيرة العمل" في المدينة الساحلية التي تعتمد بشكل كبير في مواردها على زوّارها من سكان المناطق الأخرى أو السياح.

على بعد عشرات الأمتار وفي الأزقة المتعرجة في سوق المدينة القديمة، تمرّ الساعات ثقيلة على منى مجاهد (60 عاماً) التي ترتشف القهوة أمام محلها لبيع التذكارات في انتظار مجيء زبائن.

وتقول السيدة التي غزا الشيب شعرها وخلفها رفوف تضيق بالتذكارات والتحف "يعتمد عملنا بأكمله على السياحة. منذ أحداث غزة لم نبع شيئاً".

وتضيف "الوضع سيء، لا عمل ولا مال. كما ترون نشرب القهوة".

وانعكس التصعيد اليومي في جنوب لبنان حيث قتل 88 شخصاً حتى الآن، بينهم عشرة مدنيين، سلباً على حركة الإقبال على المطاعم والملاهي والأسواق، وكذلك على نسبة إشغال الفنادق مع انعدام حركة الوافدين من الخارج، من مغتربين أو أجانب.

وجاء التوتر بعد صيف شهد حركة سياحية اعتمدت بالدرجة الأولى على المغتربين اللبنانيين، بعد أربع سنوات من انهيار اقتصادي غير مسبوق، فاقمه تفشي وباء كوفيد-19 ثم انفجار مرفأ بيروت صيف 2020.

ويقول نقيب أصحاب المطاعم والملاهي في لبنان طوني الرامي لفرانس برس "كنا قد طوينا صفحة السنوات الأربع ودخلنا زخماً جديداً، لكن للأسف جاءت هذه الحرب وعكّرت كل شيء".

وكان قطاع الخدمات في لبنان يستعد لموسم جيد نسبياً مع التخطيط لتنظيم مؤتمرات ومعارض، عدا عن إجازات أعياد نهاية العام التي تشكل محطة رئيسية على المفكرة السياحية.

ويوضح الرامي "نعيش اليوم حالة قلق. لا يعرف الناس متى ستتدحرج الجبهة في الجنوب ولا يمكنها التخطيط" لإجازات، مضيفاً "حتى المغترب اللبناني سيتردد في قرار المجيء أو عدمه ولن يجازف".

وبسبب التصعيد، خفّض طيران الشرق الأوسط، الناقل الجوي الوطني في لبنان، عدد رحلاته الى النصف.

وقالت المتحدثة الإعلامية ريما مكاوي لفرانس برس إن الشركة سجّلت انخفاضاً بنسبة 54 في المئة في عدد الركاب الوافدين جواً الى بيروت من دول الشرق الأوسط، مقارنة مع العام الماضي.

وانخفض عدد المسافرين الوافدين من أوروبا بنسبة ثلاثين في المئة، والوافدين من الخليج بنسبة 39 في المئة، مقارنة مع الفترة ذاتها من العام الماضي.

وخلال الأسبوعين الأولين من الحرب في غزة، ألغيت كل الحجوزات في فندق كافالييه في منطقة الحمرا في غرب بيروت.

ويقول أيمن ناصر الدين (41 عاماً) الذي يدير الفندق ذا الأربعة نجوم لفرانس برس "انخفضت نسبة الإشغال بشكل كبير جداً" مضيفاً "ليست لدينا حجوزات جديدة.. الوضع سيكون كارثياً إذا استمر على ما هو عليه".

وبعدما كان أكثر من نصف غرف الفندق البالغ عددها 65 محجوزاً خلال شهر نوفمبر، بات عدد الحجوزات اليوم يترواح بين خمسة و12 غرفة كحد أقصى، وفق ناصر الدين الذي يوضح أن الفندق كان محجوزاً بالكامل طيلة شهر ديسمبر قبل بدء التصعيد.

ويخشى القيمون على القطاع الفندقي في لبنان أن تطول تداعيات التصعيد، حتى لو ساد الهدوء على الحدود الجنوبية.

ويشرح نقيب أصحاب الفنادق والمؤسسات السياحية في لبنان بيار الأشقر لفرانس برس أن نسبة الإشغال في الفنادق تتراوح بين صفر وسبعة في المئة، بعدما كانت نحو 45 في المئة قبل بدء التصعيد.

ويضيف "تم الغاء كافة الحجوزات لشهرين أو ثلاثة الى الأمام، سواء من أفراد أو مجموعات سياحية أو مؤتمرات ومعارض".

ويشرح أنه حتى لو توقف التصعيد غداً "يجب أن ننتظر لشهر أو شهرين حتى ترفع الدول الحظر عن المجيء الى لبنان وننطلق من جديد".

ورغم الصعوبات والتحديات، يرى الأشقر أن بإمكان القطاع الفندقي والخدمات أن يلتقط أنفاسه متى عاد الاستقرار، في بلد اعتاد على مر العقود الحروب وعدم الاستقرار السياسي.

ويقول "نحن شعب لديه إرادة، شعب ولد في الحرب وعاش الحرب وما زال يقاتل"، متابعاً بتهكم "لولا لدينا خبرة طويلة الأمد في إدارة الأزمات، لكن القطاع أفلس منذ أمد".

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فی لبنان فی المئة

إقرأ أيضاً:

تقرير يكشف عن حصيلة مأساوية ومحجوبة لضحايا النزاع في السودان

أكد تقرير حديث، أن تأثير النزاع على حياة السودانيين كان كبيراً وغير موثق بشكل كافٍ.

التغيير: وكالات

توقع تقرير حديث، أن نسبة أكثر من 90% من الوفيات في ولاية الخرطوم لم يتم الإبلاغ عنها، مما يشير إلى أن حصيلة الوفيات في بقية السودان أعلى بكثير من الأرقام المتوفرة.

تم ّ إعداد هذا التقرير من قبل باحثين وباحثات من كلية لندن للصحة والطب الاستوائي (LSHTM)، ويُعتبر الأول من نوعه في وصف أنماط الوفيات خلال فترة الحرب في السودان.

كما يقدم تقديراً تحليليا ً لحالات الوفاة في السودان ومسبباتها خلال الأشهر الأربعة الأولى من النزاع، بما في ذلك الأسباب الطبيعية، والنزاع، والأمراض، والمجاعة.

زيادة 50%

تشير التقديرات إلى وفاة أكثر من 61,000 شخص في ولاية الخرطوم وحدها بين أبريل 2023 ويونيو 2024م مما يعكس زيادة بنسبة 50% في معدل الوفيات مقارنة بما قبل الحرب.

وفي نفس الفترة، قدر عدد الوفيات الناتجة عن العنف المتعلق بالحرب بأكثر من 26.000 حالة في ولاية الخرطوم، وهو رقم يفوق عدد الوفيات المسجلة نتيجة العنف على مستوى البلاد بكثير والذي بلغ 20.178 حالة وفقاً لبيانات مشروع أحداث النزاعات المسلحة (ACLED).

وكانت نسب الوفيات الناتجة عن العنف هي الأعلى في منطقتي كردفان (80%) ودارفور (69%)، مما يشير إلى استمرار العنف الممنهج في هذه المناطق التي عانت من نزاعات تاريخية.

كما تقترح الدراسة أن نسبة أكثر من 90% من الوفيات في ولاية الخرطوم لم يتم الإبلاغ عنها سواء كانت بسبب العنف المتعلق بالحرب أو لأسباب أخرى، مما يشير إلى أن حصيلة الوفيات في باقي مناطق السودان هو أعلى بكثير من الأرقام المتوفرة. كما أظهرت الدراسة أن الأمراض التي يمكن الوقاية منها والمجاعة كانت الأسباب الرئيسة للوفيات في معظم أنحاء البلاد خلال نفس الفترة.

اعتمد الباحثون على طريقة إحصائية تُعرف بـ”تحليل الالتقاط وإعادة الالتقاط” (capture-recapture analysis) لتقدير عدد الوفيات الناتجة عن جميع الأسباب والعنف المتعلق بالحرب (الإصابات المتعمدة). تعتمد هذه الطريقة على مقارنة البيانات من مصادر متعددة لذا تُعتبر فعالة للحصول على تقديرات دقيقة خصوصا ً في حالات نقص البيانات المسجلة.

مصادر الدراسة

شملت المصادر في هذه الدراسة استبياناً عاماً نُشر على منصات التواصل الاجتماعي، واستبياناً خاصاً تم تداوله بين المجتمعات السودانية، بالإضافة إلى المعلومات الموجودة على صفحات وسائل التواصل الاجتماعي التي تضمنت نشرات نعي نشرها أفراد الطوارئ والمستجيبون على الخطوط الأمامية. وقد تركّز جمع البيانات بشكل رئيسي في ولاية الخرطوم، حيث تم الإبلغ عن إجمالي 6715 حالة وفاة عبر جميع المصادر المذكورة.

أجرى الفريق البحثي تحليلاً لهذه المعلومات لتوفير بيانات دقيقة وفي الوقت المناسب حول معدل الوفيات الذي يعتبر مؤشراً رئيساً يعكس مدى خطورة الأزمة، ويمكن له أن يحفز الجهود الإنسانية ويحشدها بشكل فعال لدعم مساعي حل النزاع، وتوثيق السجل التاريخي لضمان المساءلة ومحاسبة المتورطين في انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب.

تأثير غير مرئي

وأظهرت الدراسة أن تأثير النزاع على حياة السودانيين كان كبيراً وغير موثق بشكل كافٍ، حيث أن معظم هذه الوفيات كان يمكن تجنبها، مع اختلافات كبيرة بين المناطق. مما يسلط الضوء على أهمية توسيع نطق الاستجابة الإنسانية للحد من تأثير الحرب.

وأشارت الدراسة إلى أن الوفيات بين المجموعات القاطنة في الأرياف وذات الدخل المنخفض تكون أقل توثيقاً بسبب انقطاع الاتصالات والكهرباء. كما أن أغلب الوفيات التي تم تسجيلها في الاستبيانات العامة والخاصة جاءت من الخرطوم (60% و70% على التوالي) مما دفع الفريق إلى تركيز التحليل الأحصائي على ولاية الخرطوم فقط باستخدام طريقة الالتقاط وإعادة الالتقاط.

وذكرت الدكتورة ميسون دهب، المؤلفة الرئيسية في كلية لندن للصحة والطب الاستوائي (LSHTM): “تكشف النتائج التي توصلنا إليها عن التأثير الشديد وغير المرئي إلى حد كبير للحرب على حياة السودانيين، وخاصة الأمراض التي يمكن الوقاية منها والمجاعة. المستوى الهائل من عمليات القتل إن الجهود المبذولة لوقف المزيد من الخسائر في الأرواح على نطاق واسع تعتمد بلا شك على جهود دبلوماسية وإنسانية نشطة لإنهاء الحرب ومعالجة عواقبها جرائم الحرب التي تغذي الصراع في جميع أنحاء البلاد.

يتم تمويل الدراسة من أموال الحكومة الأمريكية من خلال الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية/ مكتب المساعدة الإنسانية (BHA) ومراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) والتنمية الدولية البريطانية من حكومة المملكة المتحدة (FCDO).

الوسومالأرياف التنمية الدولية البريطانية السودان النزاعات المسلحة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية حرب السودان كلية لندن للصحة والطب الاستوائي ميسون دهب ولاية الخرطوم

مقالات مشابهة

  • تقرير: الحرب تزيد المخاوف من اندلاع أزمة طائفية في لبنان
  • ارقام مفزعة.. البنك الدولي يكشف حجم خسائر لبنان من الحرب
  • تقرير لـMiddle East Eye يكشف.. حزب الله أعاد بناء نفسه
  • تقرير يكشف عن حصيلة مأساوية ومحجوبة لضحايا النزاع في السودان
  • تقرير جديد للبنك الدولي بشأن لبنان.. كم بلغت كلفة الأضرار جرّاء الحرب؟
  • 857 ألف نازح وخسائر 8.5 مليار دولار.. تقرير البنك الدولي عن أوضاع لبنان جراء الحرب الإسرائيلية
  • لبنان.. مشاهد مرعبة لحظة سقوط صاروخ إسرائيلي في الضاحية الجنوبية (فيديو)
  • تصاعد أعمدة الدخان جراء الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية بلبنان
  • كاتس: لن نوقف إطلاق النار في لبنان ولن نقبل تسوية دون تحقيق أهداف الحرب
  • مباشر. الحرب بيومها الـ404: قصف عنيف على قطاع غزة وتحقيقات تشير إلى علم مكتب نتنياهو مسبقًا بهجوم 7 أكتوبر