موقف بايدن من حرب غزة.. ضربة هائلة لمكانة أمريكا العالمية
تاريخ النشر: 16th, November 2023 GMT
سلط موقع "ريسبونسبل ستيتكرافت" الضوء على التأثير السلبي للعدوان الإسرائيلي الوحشي على الفلسطينيين في قطاع غزة على مكانة الولايات المتحدة العالمية، مشيرا إلى أن هذا التأثير يمثل خسارة أكبر كثيرا من تلك التي تتكبدها إسرائيل.
وذكر الموقع، في تقرير ترجمه "الخليج الجديد"، أن وسائل إعلام أمريكية، بينها موقع "أكسويس"، نقلت عن مصادر مطلعة أن المخاوف الأمريكية آخذة في التصاعد بشأن محاولة إسرائيل استفزاز حزب الله لبدء حرب إقليمية أوسع، من شأنها أن تشمل لبنان والدول المجاورة الأخرى، وكذلك الولايات المتحدة، وهو ما تناولته مكالمة هاتفية بين وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، ونظيره الإسرائيلي، يوآف جالانت.
وأضاف أن ما جرى يمثل تذكيرا قويا بأن سياسة إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، الحالية، والمتمثلة في الدعم غير المشروط للحرب الإسرائيلية على غزة، لا تحمل في طياتها أي إيجابيات للمصالح الأمريكية، بل سلبيات فقط.
فتجنب حرب أخرى في الشرق الأوسط يمثل أولوية أساسية لبايدن، الذي ركزت حملته الانتخابية على إنهاء "الحروب الأبدية"، وأعرب عن قلقه بشأن قدرة الولايات المتحدة على مواجهة عسكرية مستقبلية مع الصين.
وفي هذا الإطار، عبر أوستن، في مكالمته الهاتفية مع جالانت، نهاية الأسبوع الماضي، عن قلقه بشأن الهجمات الإسرائيلية في لبنان و"الحاجة إلى احتواء الصراع في غزة وتجنب التصعيد الإقليمي".
فرغم في غياب حرب شاملة، فإن دعم واشنطن للحرب يؤدي بالفعل إلى وقوع خسائر في صفوف الأمريكيين. وحتى يوم الإثنين تعرضت القوات الأمريكية لما لا يقل عن 52 هجومًا منذ 17 أكتوبر/تشرين الأول، ما أدى إلى إصابة 56 جنديًا في العراق وسوريا.
ووقعت 4 من تلك الهجمات يوم الأحد الماضي وحده؛ ردًا على الغارات الجوية الأمريكية على المنشآت المرتبطة بإيران، والتي كانت في حد ذاتها ردًا على هجمات ضد أهداف أمريكية في المنطقة بسبب دعم واشنطن لإسرائيل.
وتدرك إدارة بايدن أنه ليس هناك سوى القليل من المصالح الكبرى لأي أمة أهم من ضمان سلامة وأمن مواطنيها، لأنها استشهدت مرارًا وتكرارًا بالمواطنين الأمريكيين الذين احتجزتهم حماس كأسرى وأوضحت الأهمية التي توليها لعودتهم الآمنة.
اقرأ أيضاً
إنترسبت: الفلسطينيون في أوروبا وأمريكا يخشون على حياتهم من الدعم الغربي المتواصل لإسرائيل
ومع ذلك، لا يزال المواطنون الأمريكيون محاصرين في غزة، وحياتهم مهددة ليس فقط بسبب حملة القصف الإسرائيلية المتواصلة، بل أيضًا بسبب الحصار الذي خلق أزمة إنسانية مدمرة في القطاع، وكلما طال أمد الحرب، كلما زاد الخطر على حياة هؤلاء الأمريكيين.
وفي الوقت نفسه، يحذر مسؤولو الإدارة الأمريكية بالفعل من أن الحرب ستؤدي إلى تأجيج الإرهاب، وآلاف الأرواح وتريليونات الدولارات، وهو ما قضت الولايات المتحدة عقدين في محاولة لمكافحته.
وأصدرت وزارة الخارجية الأمريكية تنبيهًا، في وقت مبكر من الحرب، بأن هناك "احتمالًا متزايدًا لهجمات إرهابية أو مظاهرات أو أعمال عنف ضد المواطنين والمصالح الأمريكية".
وحذرت نشرة استخباراتية مسربة في نفس الوقت تقريبا من أن حزب الله والجماعات التابعة لتنظيم القاعدة يدعون إلى شن هجمات على المواطنين والمصالح الأمريكية، وأن القصف الإسرائيلي للمستشفى الأهلي المعمداني بمدينة غزة، في 17 أكتوبر/تشرين الأول، من المرجح أن تستمر في إثارة ردود فعل شعبية منظمة، خاصة أن الجيش الإسرائيلي هاجم، منذ ذلك الحين، وبشكل متكرر، عدة مستشفيات في غزة.
وحذرت وزارة الأمن الداخلي من أن الولايات المتحدة أصبحت "في بيئة تهديد متزايدة" نتيجة للحرب في غزة، وقال مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي، كريس راي، للكونجرس إن "العديد من المنظمات الإرهابية الأجنبية دعت إلى شن هجمات ضد الأمريكيين والغرب".
وأضاف أن "الحرب المستمرة في الشرق الأوسط رفعت التهديد بشن هجوم ضد الأمريكيين في الولايات المتحدة بشكل عام".
وقال رئيس هيئة الأركان المشتركة بالجيش الأمريكي، تشارلز براون، إن المعدل غير المسبوق لمذابح المدنيين من المرجح أن يؤدي إلى مزيد من المسلحين الذين ينخرطون في عضوية حماس.
اقرأ أيضاً
تحليل: العدوان الإسرائيلي على غزة يغير الديناميكيات السياسية في الشرق الأوسط وأمريكا
وفي الوقت نفسه، تلحق الحرب ضرراً عميقاً بسمعة الولايات المتحدة، وفقاً لمسؤولين من المنطقة وداخل الإدارة نفسها.
وذكرت برقية دبلوماسية، حصلت عليها شبكة CNN أن الدبلوماسيين الأمريكيين في الدول العربية حذروا مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض، ووكالة المخابرات المركزية CIA، ومكتب التحقيقات الفيدرالي FBI من أن دعم بايدن للحرب "يفقدنا نحن الشعوب العربية لجيل كامل".
وحذرت مذكرة معارضة، وقعها موظفون بوزارة الخارجية الأمريكية، من أن فشل الولايات المتحدة في انتقاد الانتهاكات الإسرائيلية علنًا "يساهم في التصورات العامة الإقليمية بأن الولايات المتحدة جهة فاعلة متحيزة وغير نزيهة"، وهو ما لا يعمل على تعزيز المصالح الأمريكية في جميع أنحاء العالم، بل يضر بها.
وأوردت صحيفة "واشنطن بوست" مؤخرًا، بناءً على كلمات المحللين والمسؤولين العرب، أن الدعم الأمريكي لتصرفات إسرائيل "يخاطر بإلحاق ضرر دائم بمكانة واشنطن في المنطقة وخارجها".
وفي السياق، يقول نائب الرئيس التنفيذي لمعهد كوينسي لفن الحكم المسؤول، تريتا بارسي: "يشعر المسؤولون العرب والجنوب العالمي بالحيرة من لامبالاة بايدن بشأن الكيفية التي يؤدي بها عرقلة وقف إطلاق النار إلى تدهور مكانة أمريكا على المستوى العالمي".
وأضاف: "أخبرني المسؤولون العرب أن بايدن ألحق ضرراً بمكانة الولايات المتحدة في المنطقة أكبر مما ألحقه جورج دبليو بوش بغزوه غير القانوني للعراق".
وقال أحد كبار دبلوماسيي مجموعة السبع لصحيفة "فايننشال تايمز" في وقت مبكر من الحرب: "لقد ضاع كل العمل الذي قمنا به مع الجنوب العالمي فيما يتعلق بأوكرانيا. انسوا القواعد، وانسَوا النظام العالمي. لن يستمعوا إلينا مرة أخرى".
ومع ذلك، فقد وضع بايدن وغيره من المسؤولين الأمريكيين مراراً وتكراراً أولوية قصوى للدفاع عن هذا النظام العالمي وإعادة بنائه، والذي تقول الإدارة إنه يدعم أمن الولايات المتحدة وازدهارها.
ويخلص التقرير إلى أن الإدارات الأمريكية لطالما بررت الدعم الثابت لإسرائيل على أساس أنه، يحمل فوائد لمصالح الولايات المتحدة أكثر من العيوب، على الرغم من كل الانتقادات الموجهة إلى الولايات المتحدة بشأنه، لكن من المستحيل تقديم هذه الحجة لدعم إدارة بايدن للحرب الحالية التي تخوضها إسرائيل، والتي تلحق ضررا عميقا بسمعة الولايات المتحدة وتخاطر بوفاة أعداد لا حصر لها من الأمريكيين.
اقرأ أيضاً
حرب غزة.. أمريكا تخسر في اختبار توازن المصالح بين العرب وإسرائيل
المصدر | ريسبونسبل ستيتكرافت/ترجمة وتحرير الخليج الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: لويد أوستن بنيامين نتنياهو الولايات المتحدة غزة إسرائيل حزب الله لبنان جو بايدن الولایات المتحدة فی غزة
إقرأ أيضاً:
إلى الحرابلة في مأزق لا للحرب: المستقبل يُبنى في الحاضر
وسط النزاع الدامي الذي يعيشه السودان، اختارت مجموعة من القوى السياسية والمجتمعية تبني موقف "لا للحرب"، وعرفت باسم "الحرابلة". ورغم أن هذا الموقف يبدو مبدئياً وشجاعاً، إلا أنه يواجه تحديات حقيقية، لا سيما في ظل التعقيد العسكري والسياسي الحالي. فرفض الحرب وحده لا يكفي، بل يتطلب تقديم بدائل عملية مقنعة تمهد لمستقبل أكثر استقراراً وعدالة.
الغضب الشعبي وانتهاكات الدعم السريع
يواجه الحرابلة معضلة كبرى تتعلق بالغضب الشعبي المتصاعد بسبب الانتهاكات الوحشية التي ارتكبتها قوات الدعم السريع في مختلف المناطق، وكذلك قام الجيش والمليشيات المتحالفة معه بجرائم وهي أيضاً مدانة، إلا أن جرائم مليشيا الدعم السريع كانت ممنهجة ومتكررة وكبيرة العدد بحيث أصبح من الاستحالة حصرها، وبعضها في مناطق ليس فيها تواجد حتى لنقطة شرطة، هذه الجرائم دفعت الآلاف من المدنيين للاستنفار وحمل السلاح دفاعاً عن أنفسهم واستعادة منازلهم وأراضيهم، ما يجعل دعوات وقف الحرب تبدو منفصلة عن واقع الضحايا ومعاناتهم. فكيف يمكن للحرابلة إقناع المتضررين بموقفهم دون أن يظهروا بمظهر الحياد البارد؟
معضلة السلطة الصفرية
الحرب الدائرة في السودان قائمة على معادلة صفرية، حيث يسعى كل طرف لإلغاء الآخر عسكرياً أو سياسياً تحت ذرائع مختلفة كاذبة، سواء كانت هدم دولة ٥٦ والقضاء على الكيزان وجلب الديمقراطية او حرب كرامة. في ظل هذه المعضلة، يصبح الحديث عن السلام دون تفكيك هذه المعادلة مجرد ترف سياسي. فكيف يخطط الحرابلة للتعامل مع هذا الواقع؟ وهل لديهم رؤية واضحة تضمن عدم تكرار تجارب الفشل السابقة التي بنيت على تقاسم السلطة مع العسكريين دون مساءلة ومحاسبة على الإنتهاكات؟. وفي خطاب رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك حول رؤية "صمود" لإيقاف الحرب دعا للقاء يجمع البرهان وحميدتي وهو ما يوحي بتفصيل دور سياسي لهم بعد الحرب ويقول المثل "من جرب المجرب حاقت به الندامة"
التدخلات الخارجية والموقف الانتقائي
لا يمكن فهم الحرب في السودان دون النظر إلى التدخلات الخارجية التي تغذيها. وبينما يركز البعض على الدعم الذي يتلقاه الجيش، يتم تجاهل الدعم الإماراتي الواسع لمليشيا الدعم السريع. هذا الانتقائية في الطرح تضعف مصداقية تيار "لا للحرب"، فهل يملكون الجرأة على رفض جميع أشكال التدخل الخارجي بوضوح؟. كذلك دعا حمدوك في خطابه بتاريخ ٤ مارس حول رؤية "صمود" لإيقاف الحرب لتشكيل قوة أفريقية و/أو دولية لحفظ السلام، وهذا أمر يبدو بعيد المنال في ظل تقليص الولايات المتحدة دورها الخارجي في أفريقيا وبالتالي دعم قوات حفظ السلام وهي الممول الأكبر لها. كما أن اعتقال ياسر عرمان في كينيا وإطلاق سراحه في تحليلي يبدو بايعاز من كفيل الدعم السريع لكينيا لتوجيه رسالة ل"صمود" لرفضهم مساندة حكومة مليشيا الدعم السريع، أكثر من تنفيذ مذكرة إعتقال حمراء للانتربول والشواهد كثيرة.
الانقسامات الداخلية وخطر التفكك
مع تصاعد الخلافات داخل تيار "لا للحرب"، بدأت بعض مكوناته تدعم مشاريع سياسية مرتبطة بمليشيا الدعم السريع، بل وظهرت كيانات موالية له في مناطق سيطرته. هذا التوجه يثير تساؤلات حول ما إذا كان التيار لا يزال معارضاً للحرب، أم أصبح غطاءاً سياسياً لمشاريع إعادة تشكيل السودان وفق أمر واقع جديد؟. وهل كان هذا الإنحياز للمليشيا يؤثر على مواقف تقدم قبل إنقسامها وتسبب في تضارب رسائلها الإعلامية للسودانيين؟
الضعف الإعلامي وغياب الرسالة الموحدة
تعاني قوى "لا للحرب" من ضعف إعلامي واضح، إذ تفتقر إلى خطاب موحد ومؤثر يصل إلى الشارع السوداني. عليهم تقديم رؤية تخاطب مخاوف المواطن البسيط. فهل يدركون أن مجرد رفع شعار "السلام" دون ربطه بحلول واقعية ويعالج تفكير المواطن البسيط لن يكسبهم تأييد الشارع؟.
غياب الشفافية وإرث المرحلة الانتقالية
كثير من قادة هذا التيار كانوا جزءاً من المشهد السياسي بعد سقوط البشير، ولم يلبوا تطلعات الشارع حينها. هذا الإرث السياسي يضعف الثقة في خطابهم الحالي، لا سيما في ظل غياب بيانات واضحة منهم في كثير من المواقف أثناء الحرب، بل وتضاربها أحياناً. كذلك لم يوضحوا جهودهم وخططهم لوقف الحرب للشارع السوداني.
"لا للحرب" وحدها لا تكفي
في ظل هذه التحديات، يظل السؤال مفتوحاً كيف يمكن تحقيق السلام دون معالجة الغضب الشعبي الناجم عن الانتهاكات؟ وهل لديهم تصور عملي لنزع سلاح المليشيات مع الطرفين التي باتت أمراً واقعاً؟ إذا كانوا يرفضون التدخلات الخارجية، فلماذا يتجاهلون دعم الإمارات للدعم السريع وهي خطر عليهم أيضاً حيث ترفض وتعيق أي تحول ديمقراطي؟ وأخيراً، إذا انتهت الحرب بسيطرة الطرفين كل على جزء من البلاد، فما هو موقفهم من المستقبل، أم أن "لا للحرب" مجرد شعار لا يتجاوز هذه المرحلة؟
mkaawadalla@yahoo.com
محمد خالد