موقف الشرع من اشتراط الفحص الطبي للمقبلين على الزواج
تاريخ النشر: 16th, November 2023 GMT
قالت دار الإفتاء المصرية، إن الفحص الطبي الذي يجريه الراغبون في الزواج والمقبلون عليه لاستكمال إجراءات عقد الزواج بينهما وفق ما اشترطه القانون ليس أمرًا صوريًّا، بل هو مطلوبٌ شرعًا؛ لما في ذلك من طاعة ولي الأمر، والالتزام بالقوانين المنظمة لهذه الأمور، ولما فيه من الوقاية المبكرة للزوجين وبصفة خاصة من الأمراض الوراثية والمعدية التي قد تُهدّد استقرار الأسرة وصحة أفرادها فيما بعد، بحسب كلام دار الإفتاء المصرية، فى إجابتها عن سؤال ورد اليها عبر موقعها الرسمي، مضمونة:"ما موقف الإسلام من الفحوصات الطبية للمقبلين على الزواج؟ وهل الالتزام بها أمر واجب شرعًا؟.
وأوضحت دار الإفتاء، أنه من المعلوم أنَّ الشرع الشريف قد اعتنى بالحفاظ على حياة الإنسان وصحته اعتناءً عظيمًا، فلم يترك شاردة ولا واردة يرفع بها ضررًا واقعًا أو يدفع خطرًا متوقعًا إلا ونصّ عليها بإشارة خاصة، أو انتظمها ضمن قاعدة عامة؛ فجاءت تعاليمه جَليًّة وفيَّة بكل ما يضمن سلامة الإنسان الجسدية والنفسيَّة، ويدخل في ذلك: الفحوصات الطبية اللازمة للمقبلين على الزواج عند إتمام إجراءات العقد، في ظل ما يشهده العصر الحديث من تطورٍ باهرٍ للأبحاث الطبية في مجال علم الجينات والهندسة الوراثية؛ إذ أصبح من الممكن معرفة ما إذا كانت هناك أمراض لدى الزوجين أو أحدهما، ومدى تأثير هذه الأمراض في الانتقال إلى ذريتهما، فيما يُعرف بالأمراض الوراثية.
وهو ما جعل المشرع المصري يُلزِم كلَّ مَن يرغب في الزواج: التأكد من سلامته الصحية التي تؤثر على سلامة الطرف الآخر وصحة نسلهما؛ حرصًا على مكاشفة المخطوبيْن ومصارحتهما من بداية الأمر؛ انطلاقًا من توفير بيئة آمنة وصحية للمجتمع المصري، ووقاية لأفراده وأجياله اللاحقة من الأمراض الوراثية والمعدية ما أمكن.
ولا يخفى أن الاهتمام بالوقاية في كل مراحلها وتجلياتها أبعثُ على النهضة الإنسانية، وأسرعُ في معدلات النمو المجتمعي، وأدلُّ على مستوى الرُّقيّ الحضاري.
وفي سبيل ذلك: اشترط المشرع المصري الفحصَ الطبيَّ للراغبين في الزواج والمقبلين عليه قبل الارتباط وتوثيق العقد، على أن تُحَرِّر الجهة المعنية الفاحصة شهادةً معتمدة بنتيجة الفحص، من أجل التأكد من خلوهما من الأمراض المعدية، أو الأمراض الوراثية، أو العيوب التي قد تؤثر سلبًا على صحتهما بعد العقد، أو صحة نسلهما؛ وذلك كإجراء لازم من إجراءات توثيق العقد، فقد نصَّت المادة (31 مكررًا) من قانون الأحوال المدنية المصري رقم 143 لسنة 1994م وفقًا لآخر تعديل صادر في سنة ٢٠١٨م، على أنه: [يشترط للتوثيق أن يتمّ الفحص الطبي للراغبين في الزواج للتحقق من خلوهما من الأمراض التي تؤثر على حياة أو صحة كلٍّ منهما أو على صحة نسلهما، وإعلامهما بنتيجة هذا الفحص، ويصدر بتحديد تلك الأمراض، وإجراءات الفحص، وأنواعه، والجهات المرخص لها به قرار من وزير الصحة بالاتفاق مع وزير العدل. ويُعَاقَب تأديبيًّا كلُّ مَنْ وثَّق زواجًا بالمخالفة لأحكام هذه المادة] اهـ.
حدود سلطة الحاكم في تقييد المباح
قد تقرر شرعًا أنه يجوز لولي الأمر التدخل بتقييد المباح بما يحقّق المصلحة ويدفع المفسدة؛ خاصة أن اشتراط إجراء هذه الفحوصات الطبية جاء بعد التوصيات المتخصصة القائمة على الدراسات والإحصاءات المستقرأة للواقع في هذا الشأن.
فتحقيق مصالح العباد في أنفسهم لن يتحقق إلا بطاعتهم لأولياء أمورهم؛ إذ لو ترك الأمر دون حاكم مطاع لكثر الفساد، وضاعت الحقوق، ولذا فنحن مأمورون شرعًا بطاعة ولي الأمر -الذي أصبح شخصًا اعتباريًّا يتمثل في مؤسساتٍ تشريعيةٍ، وقضائيةٍ، وتنفيذيةٍ- فيما يحقق مصالح الخلق: العامة والخاصَّة؛ وذلك لِعِظَمِ ما قد يؤول ترك العمل بها من مفاسد، وكذلك لكون طاعة ولي الأمر من طاعة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم؛ قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء: 59]، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللهَ، وَمَنْ يُطِعِ الأَمِيرَ فَقَدْ أَطَاعَنِي، وَمَنْ يَعْصِ الأَمِيرَ فَقَدْ عَصَانِي، وَإِنَّمَا الإِمَامُ جُنَّةٌ يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ وَيُتَّقَى بِهِ، فَإِنْ أَمَرَ بِتَقْوَى اللهِ وَعَدَلَ: فَإِنَّ لَهُ بِذَلِكَ أَجْرًا، وَإِنْ قَالَ بِغَيْرِهِ: فَإِنَّ عَلَيْهِ مِنْهُ» أخرجه البخاري في "الصحيح".
موقف الشرع من اشتراط الفحص الطبي للمقبلين على الزواج
على ذلك: فالفحص الطبي الذي يجريه الراغبون في الزواج والمقبلون عليه لاستكمال إجراءات عقد الزواج بينهما وفق ما اشترطه القانون ليس أمرًا صوريًّا، بل هو مطلوبٌ شرعًا؛ لما تقدم ذكره، ولما فيه من الوقاية المبكرة للزوجين وبصفة خاصة من الأمراض الوراثية والمعدية التي قد تُهدّد استقرار الأسرة وصحة أفرادها فيما بعد، وقد تقرّر في قواعد الفقه أن "الدفع أسهل من الرفع"؛ كما في "الأشباه والنظائر" للعلامة السبكي (1/ 127، ط. دار الكتب العلمية).
فالمراد بالدفع هنا: الاحتياطُ للمرض وتَوَقِّيه، والعملُ على تجنُّبِه وتَلَافيه، وأما الرفع: فهو إزالتُه بعد نزوله، ومحوُه بعد حلوله، فدفع المرض (وقايةً) يكون قبل ثبوته ابتداءً، والرفع (علاجًا) يأتي بعد وجوده انتهاءً؛ امتثالًا لقول الله تعالى: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة: 195].
قال الإمام الشاطبي في "الموافقات" (2/ 260-261، ط. دار ابن عفان): [المؤذيات والمؤلمات خلقها الله تعالى ابتلاءً للعباد وتمحيصًا.. وفُهِمَ من مجموع الشريعة: الإذنُ في دفعها على الإطلاق؛ رفعًا للمشقة اللاحقة، وحفظًا على الحظوظ التي أذِنَ لهم فيها، بل أذن في التحرز منها عند تَوَقُّعِها وإن لم تَقَعْ.. فمن ذلك: الإذنُ في دفعِ ألم الجوع والعطش، والحر والبرد، وفي التداوي عند وقوع الأمراض، وفي التَّوَقّي من كلِّ مؤذٍ؛ آدميًّا كان أو غيرَه، والتحرُّزِ من المتوقَّعات حتى يُقدِّم العُدَّة لها، وهكذا سائر ما يقوم به عيشُه في هذه الدار؛ من درء المفاسد وجلب المصالح.. وكونُ هذا مأذونًا فيه: معلومٌ من الدين ضرورة] اهـ.
والأصل في الوقاية بصفة عامة: أنها مرحلة استباقية لمنع وصول الداء إلى الجسد في الابتداء، فهي خط الدفاع الأول ضد المرض، فإذا وصل الداء للجسد كان العلاج هو خط الدفاع الثاني؛ ولذلك كانت الوقاية المتمثلة في إجراء الفحوصات الطبية للمقبلين على الزواج وبيان حالتهم الصحية مقدَّمةً على الآثار الناجمة من اكتشاف الأمراض محل الفحص بعد إتمامه؛ لأنها آمَنُ منه خطرًا، وأيسرُ تبعةً، وأقلُّ تكلِفةً، وتتماشى مع جهود الدولة الهادفة إلى تحقيق حياة كريمة متكاملة لمواطنيها.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: للمقبلین على الزواج الأمراض الوراثیة الفحوصات الطبیة الفحص الطبی ن فی الزواج من الأمراض الله تعالى ى الله
إقرأ أيضاً:
حكم الصلاة على النبي لطلب الشفاء من الأمراض.. الإفتاء توضح
أكدت دار الإفتاء المصرية، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو رحمةُ الله للعالمين؛ فهو سببُ وصولِ الخير ودفْع الشر والضر عن كل الخلق في الدنيا والآخرة، وكما أنه صلى الله عليه وآله وسلم شفيعُ الخلائقِ؛ فالصلاةُ عليه شفيعُ الدعاء؛ فبها يُستجاب الدعاء، ويُكشف الكرب والبلاء، وتُستنزَل الرحمة والعطاء، وقد أخبر النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم -وهو الصادق المصدوق- أنَّ الإكثار منها حتى تستغرق مجلس الذكر سببٌ لكفاية المرء كلَّ ما أهمه في الدنيا والآخرة.
وأضافت دار الإفتاء، عبر موقعها الإلكتروني، أن الصلاة على النبي وردت آثارُها عن السلف والأئمَّة بأنها سببٌ لجلب الخير ودرء الضر، وعلى ذلك جرت الأمَّةُ المحمديةُ منذ العصر الأول، وتواتر عن العلماء أن عليها في ذلك المعول؛ حتى عدوا ذلك من معجزات النبي صلى الله عليه وآله وسلم المستمرَّة بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى، وتواترت في ذلك النقول والحكايات، وألفت فيه المصنفات، وتوارد العلماء على النص على مشروعية الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم والإكثار منها في أوقات الوباء والأزمات؛ فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو رحمة الله تعالى لكل الكائنات.
حكم الصلاة على النبي لطلب الشفاء من الأمراضوأشارت دار الإفتاء إلى أن الأخبار تواترت عن الأئمَّة الأخيار عبر الأعصار والأمصار بأنَّ الصلاة على المختار هي أعظمُ ما تُدرأ به الأخطار، وتوضع به الآصار والأوزار، وتُستَدْفَع به نوائب الأقدار، والملمات والمضار، حتى نقلوا في ذلك ما تتنوَّر به الصفحات، وتتعطر به الكتب والمصنفات، من متواتر الوقائع والكرامات، في تفريج الكربات، وجلاء الأزمات، ودفع الملمات، ببركة الصلاة والسلام على خير البريات، وسيد أهل الأرض والسماوات، ما عدُّوه من عظيم المعجزات المستمرة لنبينا صلى الله عليه وآله وسلم بعد الممات.
وذكرت دار الإفتاء أقوال عدد من الفقهاء حول هذه المسألة ومنهم:
قال الإمام الحافظ أبو عمرو بن الصلاح (ت643هـ) في "أدب المفتي والمستفتي" (ص: 210، ط. مكتبة العلوم والحكم) وهو يتكلم عن معجزات النبي صلى الله عليه وآله وسلم: [فإنها ليست محصورةً على ما وجد منها في عصره صلى الله عليه وآله وسلم، بل لم تزَلْ تتجدَّد بعده صلى الله عليه وآله وسلم على تعاقب العصور؛ وذلك أنَّ كراماتِ الأولياء من أُمَّته صلى الله عليه وآله وسلم وإجابات المتوسلين به في حوائجهم ومغوثاتهم عقيب توسلهم به في شدائدهم براهين له صلى الله عليه وآله وسلم قواطع، ومعجزات له سواطع، ولا يعدها عد ولا يحصرها حد، أعاذنا الله من الزيغ عن ملته، وجعلنا من المهتدين الهادين بهديه وسنته].
علي جمعة: تعدد أسماء النبي في القرآن دليل على عظمة مكانته
هل يجوز إضافة لفظ سيدنا عند ترديد الصلاة على النبي؟.. الإفتاء تجيب
علي جمعة: تعظيم النبي أمر إلهي وليس اختراعا بشريا
ما حكم ترديد الصلاة على النبي أثناء الصلاة؟.. الإفتاء تجيب
وقال الحافظُ السخاوي في كتابه الماتع "القول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع" (ص: 442، ط. دار الريان) صلى الله عليه وآله وسلم: [ومن تشفَّع بجاهه صلى الله عليه وآله وسلم، وتوسَّل بالصلاة عليه، بلغ مراده، وأنجح قصده، وقد أفردوا ذلك بالتصنيف، ومن ذلك: حديث عثمان بن حنيف رضي الله عنه الماضي وغيره، وهذه من المعجزات الباقية على ممر الدهور والأعوام، وتعاقب العصور والأيام، ولو قيل: إن إجاباتِ المتوسلين بجاهه عقب توسلهم يتضمَّن معجزاتٍ كثيرةً بعدد التوسلات، لكان أحسن؛ فلا يطمع حينئذٍ في عد معجزاته حاصر، فإنه ولو بلغ ما بلغ منها حاسر قاصر، وقد انتدب لها بعض العلماء الأعلام فبلغ ألفًا، وايم الله إنه لو أمعن النظر لزاد منها آلافًا تُلفَى، صلى الله عليه وآله وسلم تسليمًا كثيرًا، وحسبك قصة المهاجرة التي مات ولدها ثم أحياه الله عز وجل لها لما توسَّلت بجنابه الكريم، ويدخل هنا حديث أبي بن كعب رضي الله عنه وغيره من الأحاديث الماضية في الباب الثاني؛ حيث قال فيها: «إِذن تُكْفَى هَمَّكَ، وَيُغْفَرُ ذَنْبُكَ»، ولله الحمد].
وأفرد الأئمة كتبًا في تفريج الكروب، بالصلاة على الحبيب المحبوب صلى الله عليه وآله وسلم، كما صنع الإمام الحافظ المنذري (ت656هـ) صاحب "الترغيب والترهيب" في رسالته "زوال الظما، في ذكر من استغاث برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الشدة والعمى"، والإمام أبو عبد الله بن النعمان المراكشي (ت683هـ) في كتابه "مصباح الظلام في المستغيثين بخير الأنام، في اليقظة والمنام"، والعلامة نور الدين الحلبي الشافعي (ت1044هـ) في كتابه "بغية ذوي الأحلام، بأخبار مَن فُرِّجَ كربُه برؤية المصطفى عليه الصلاة والسلام في المنام"، والإمام العارف بالله أحمد بن سليمان الأروادي الخالدي النقشبندي (ت1275هـ) في كتابه "مفرج الكروب، بالصلاة على النبي المحب المحبوب" صلى الله عليه وآله وسلم.. وغيرهم.
ومن ذلك: ما ذكره العلامة الفيروزآبادي (ت817هـ) في كتابه "الصِّلَات والبُشَر، في الصلاة على خير البشر" (ص: 169-170، ط. سماح للنشر)؛ قال: [فمنها ما أخبرني العلامة أبو عبد الله محمد بن يوسف بن الحسن، محدث مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مشافهة، قال: نقل الإمام عمر بن علي اللخمي المالكي قال: أخبرني الشيخ الصالح موسى الضرير: أنه ركب في مركب في البحر المالح، قال: وقامت علينا ريح تسمَّى "الإقلابية" قلَّ مَن ينجو منها من الغرق، فضجَّ الناس خوفًا من الغرق، قال: فغلبتني عيناي فنمتُ، فرأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو يقول: قل لأهل المركب يقولوا ألف مرة: اللهم صلِّ على سيدنا محمَّد وعلى آل سيدنا محمد صلاةً تنجينا بها من جميع الأهوال والآفات، وتقضي لنا بها جميع الحاجات، وتطهرنا بها من جميع السيئات، وترفعنا عندك بها أعلى الدرجات، وتبلغنا بها أقصى الغايات، من جميع الخيرات في الحياة وبعد الممات. قال: فاستيقظتُ وأعلمتُ أهل المركب بالرؤيا، فصلينا نحو ثلاثمائة مرة، ففرَّج الله عنا، هذا أو قريبًا منه. قال أبو عبد الله: وأخبرني الشيخ الصالح الفقيه حسن بن علي بن سيد الكل المهلني الأسواني رحمه الله تعالى بهذه الصلاة، وقال: من قالها في كل مهم ونازلة ألف مرة فرج الله عنه وأدرك مرامه].