الإرث قبل حماس.. عن ماذا يبحث نتنياهو تحديداً في الحرب؟
تاريخ النشر: 16th, November 2023 GMT
مضى ما يزيد على خمسة أسابيع على الحرب الوحشية التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة. إن الكارثة الإنسانية الكبيرة التي خلفتها حتى الآن- عبر القتل العشوائي للمدنيين واستهداف المستشفيات والمنشآت السكنية ومنع دخول الأغذية والمساعدات الطبية والإغاثية للمنكوبين وإجبار سكان شمال القطاع على النزوح نحو الجنوب- تعطينا لمحةً واضحةً عن استراتيجية إسرائيل في هذه الحرب.
هذه الاستراتيجية ترتكز على ثلاثة أهداف: إخراج غزة من معادلة الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، ومعاقبة جماعية للفلسطينيين كوسيلة لإعادة ترميم مفهوم الردع الذي تصدع بعد هجوم حماس في السابع من أكتوبر، وتحويل الحرب إلى فرصة لإكمال ما عجزت إسرائيل عن فعله منذ النكبة الفلسطينية عبر محاولتها إحداث تغيير ديمغرافي كبير في الصراع من خلال التهجير في غزة، وتصعيد وتيرة عمليات الطرد الجماعي للفلسطينيين من بعض مناطق الضفة الغربية المحتلة.
إن عامل نتنياهو الشخصي يضفي بعدًا آخر على الحرب؛ لأنه يواجه مصيرًا سياسيًا مدمرًا بعد انتهاء الحرب، فهو ينظر إلى إطالة أمدها إلى أقصى مدة ممكنة
رغم أن الجرائم الإسرائيلية كانت إحدى نتائج الدعم المطلق الذي قدمه الغرب لإسرائيل في بداية الحرب بذريعة الدفاع عن نفسها، فإن بعض القادة الغربيين بدؤوا يظهرون شعورًا بالصدمة من هذه الجرائم، لكنه شعور يبدو في الغالب مصطنعًا من أجل تخفيف الضغط الداخلي والخارجي الذي تواجهه الحكومات الغربية بسبب الضوء الأخضر الذي منحته لإسرائيل لشن الحرب، ومواصلتها بهذا الشكل الوحشي، فضلًا عن الدعم السياسي والعسكري لها، مثل ما تفعله الولايات المتحدة. مع ذلك، فإن الانتقادات المتزايدة، في العواصم الغربية للحرب الإسرائيلية، لا تغير من حقيقة أن الغرب، عمومًا، غير مستعد لممارسة نفوذه من أجل وقف الغطرسة الإسرائيلية.
لا تزال الولايات المتحدة تعارض وقفًا لإطلاق النار، وكذلك تفعل ألمانيا؛ بهدف منح إسرائيل مزيدًا من الوقت لتحقيق أهدافها في غزة. كما أن المسارات الإنسانية التي يطالب بها الغرب الآن تثير الكثير من الشكوك حول دوافعها الحقيقية. فهي تبدو في جانب مصممة لتخفيف المسؤولية الأخلاقية التي يتحملها الغرب في هذه الحرب، وفي جانب آخر، لتخفيف الضغط الدولي على إسرائيل، وتمكينها من تهجير المدنيين من شمال القطاع إلى جنوبه بذريعة حمايتهم.
لكن- وكما يبدو واضحًا حتى الآن- فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مصمم على مواصلة هذه الحرب، ليس فقط من أجل القضاء على حماس، بل أيضًا من أجل تحقيق أهداف استراتيجية أخرى تتجاوز حركة حماس. يعطي التواطؤ الغربي- إلى جانب إسرائيل في هذه الحرب وعجز العالمين: العربي والإسلامي عن فعل شيء لوقفها- رسالةً واضحةً لنتنياهو بأنه قادر على مواصلة المذبحة في غزة، وإحداث نكبة ثانية للفلسطينيين دون الحاجة إلى الاهتمام بالعواقب.
إن عامل نتنياهو الشخصي يضفي بعدًا آخر على الحرب؛ لأنه يواجه مصيرًا سياسيًا مدمرًا بعد انتهاء الحرب، فهو ينظر إلى إطالة أمدها إلى أقصى مدة ممكنة، والتسبب بنكبة ثانية للفلسطينيين على أنهما وسيلتان لتأخير العقاب السياسي، وربما النجاة منه في نهاية المطاف. كتب أحد المعلقين البارزين في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية الأسبوع الماضي: إن انتظار نهاية الحرب من أجل إخراج نتنياهو من المشهد السياسي الإسرائيلي، يعني أن الحرب لن تنتهي. ويبدو محقًا في هذا التقدير؛ لأن الإسرائيليين يدركون جيدًا عقلية نتنياهو وأساليبه التي مكنته من البقاء في السلطة كل هذه السنوات.
إن مواجهة الكارثة الإنسانية الكبيرة في قطاع غزة، ووقف الحرب ينبغي أن يشكلا أساسًا للمقاربات الإقليمية والدولية. مع ذلك، يجب ألا تتجاهل هذه المقاربات حقيقة أن إسرائيل تتعامل بدرجة أساسية مع هذه الحرب من منظور الفرصة التي خلقتها لها لإخراج غزة من معادلة الصراع، وتهجير جديد للفلسطينيين من أجل القضاء تمامًا على الفرص المتبقية لإقامة دولة للفلسطينيين في المستقبل.
سعى القادة البارزون الذين حكموا إسرائيل إلى ترك إرثهم الخاص بهم. وغالبًا ما كان إحداث أقصى قدر من الكوارث بالفلسطينيين وبقضيتهم هو المعيار الأساسي الذي يحدد ما إذا كان هذا الإرث يستحق أن يدون في الصفحات الأولى من التاريخ الإسرائيلي. وعلى الرغم من أن أسوأ انتكاسة تعرضت لها إسرائيل منذ حرب عام 1973 حصلت في فترة حكم نتنياهو، وعلى الرغم من أنه تسبب بانقسام داخلي عميق وغير مسبوق في تاريخ إسرائيل، فإنه ينظر إلى إلحاق نكبة ثانية بالفلسطينيين على أنها الإرث الذي يجب أن يتركه.
ومع أن الأهداف المعلنة لنتنياهو في الحرب القضاء على حماس، إلا أنه يبحث عن الإرث قبل حماس. إنه يريد أن يذكر في التاريخ الإسرائيلي بأنه الزعيم الذي استطاع بعد ثمانية عقود من نكبة الفلسطينيين الأولى أن يحدث لهم نكبة ثانية، وأن يتوج التغييرات الديموغرافية التي أحدثها- في فلسطين التاريخية خلال فترة حكمه من خلال التوغل الاستيطاني في الضفة الغربية- بتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، وإطلاق العنان للحركة الاستيطانية بتصعيد عمليات التهجير في المنطقة المصنفة "ج" في الضفة، والتي يتصورها المجتمع الدولي على أنها جوهر مشروع الدولة الفلسطينية.
لذلك، فهو يسعى، من الآن، إلى فرض تصوراته لليوم التالي لانتهاء الحرب من خلال إعلان أن إسرائيل ستتولى السيطرة الأمنية على غزة بعد القضاء المفترض على حماس، ورفض عودة السلطة الفلسطينية إلى القطاع، ومعارضة المقترح الأميركي بإشراك دول المنطقة في إدارة الترتيبات الأمنية في غزة بعد الحرب. وعلى الرغم من أن التبريرات التي يقدمها نتنياهو تنبع في العلن من اعتبارات أمنية، فإنها في الواقع تتجاوز هذه الاعتبارات. يعتقد نتنياهو أن إعادة احتلال غزة يساعده في المستقبل في إعادة نشر المستوطنات في القطاع، وأن السماح بعودة السلطة الفلسطينية إلى إدارة غزة أو نشر قوات أجنبية فيها سيضعف ذلك قدرة إسرائيل على مقاومة مشروع حل الدولتين للصراع، خصوصًا أن هذا المشروع عاد ليأخذ زخمًا كبيرًا في السياسات الإقليمية والدولية تجاه الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي.
لقد أظهرت إدارة الرئيس جو بايدن رفضًا صريحًا لإعادة احتلال إسرائيل قطاع غزة، وتعطي انطباعًا قويًا بأنها تريد أن تنتهي هذه الحرب بإعادة إطلاق عملية سلام جادة بين الفلسطينيين والإسرائيليين تفضي إلى حل الدولتين. لكن الحقيقة التي سيتعين عليها مواجهتها الآن؛ هي أن الأهداف الكبرى لنتنياهو في الحرب، هي تدمير أي فرصة متبقية للسلام.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: نکبة ثانیة هذه الحرب قطاع غزة فی غزة من أجل
إقرأ أيضاً:
السنوار 2.. من هو الأسير الذي يخشى الاحتلال إطلاق سراحه؟
تبدي أوساط في حكومة الاحتلال تخوفها من إطلاق سراح أحد الأسرى الفلسطينيين، في إطار صفقة مرتقبة لتبادل الأسرى، خشية ان يتحول إلى "سنوار جديد".
وفي الوقت الذي تتصدر فيه صفقة إطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين مقابل أسرى فلسطينيين، النقاش العام في "إسرائيل"، طرح مسؤول إسرائيلي؛ إسما من بين الأسرى الأمنيين الذين يقضون أحكامًا طويلة السجن، وحذر من أنه يمكن أن يتحول إلى قائد جديد، كبديل لرئيس حركة حماس في غزة، يحيي السنوار.
ونقلت صحيفة "معاريف" عن اللواء دوفيدو هراري، رئيس قسم جمع المعلومات في وحدة الاستخبارات بمصلحة السجون، قوله، إن "بين الشخصيات البارزة من حركة حماس، الأسير إبراهيم حامد، رئيس الجناح العسكري لحماس في الضفة الغربية في الانتفاضة الثانية، والمُدان بعشرات أحكام السجن المؤبد".
كما يشير هراري إلى الأسير عباس السيد من طولكرم، الذي قاد الهجوم على فندق بارك في نتانيا، والأسير حسن سلامة من غزة، المسؤول عن الهجمات الكبرى في القدس في التسعينيات، إضافة إلى محمد عرمان، الذي كان وراء الهجوم في مقهى مومنت في القدس.
ومن جانب حركة فتح، يبقى مروان البرغوثي الشخصية الرمزية الأكثر أهمية في الشارع الفلسطيني، وإلى جانبه يُذكر ناصر عوف من نابلس، الذي كان شخصية قيادية في فترة الانتفاضة الثانية. وفق المسؤول الإسرائيلي.
ووفقًا لبيانات مصلحة السجون، يوجد حاليًا نحو 10 آلاف أسير "أمني" فلسطيني، 40% منهم ينتمون إلى فتح، و40% آخرين إلى حماس، وحوالي 10% إلى الجهاد الإسلامي، والبقية ينتمون للجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية.
ولفت هراري إلى التغيير داخل السجون والتشديد الكبير ضد الأسرى قائلا: "منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر حدث تغيير دراماتيكي، فلقد فصلنا بين الأسرى، وقطعنا كل قدرتهم على إدارة أي نوع من بناء القوة في السجون، وكل قدرة نقل الرسائل، الهواتف، الزيارات، كل قدرة لتوجيه أسرى آخرين، وإدارة عمليات القيادة والانتخابات داخل السجن".