السومرية نيوز – دوليات

"إسرائيل مهددة بالزوال أو التفكك بحلول عام 2028"، لا يكاد يتفق قادة إسرائيل وخصومهم من قادة المقاومة الفلسطينية وإيران وحزب الله على شيء قدر اتفاقهم على لعنة العقد الثامن التي تطارد إسرائيل. هي اللعنة التي يقال بموجبها إنه لا يوجد أي دولة يهودية تخطت الثمانين عاماً سالمة، وإنه بحلول العقد الثامن أو قبله واجهت أقوى دولتين في تاريخ اليهود القديم في فلسطين، خطر التفكك والانهيار، وهما مملكة "داوود وسليمان"، ومملكة الحشمونيين، وإن هذه اللعنة تهدد المملكة الثالثة وهي إسرائيل.



وأعاد الملثم أبو عبيدة، الناطق باسم القسام، "لعنة العقد الثامن" للواجهة، مع إشارته إليها بعد عملية طوفان الأقصى التي صدمت الإسرائيليين واعتبرت أكبر عملية عسكرية منفردة تستهدف الدولة العبرية منذ نشأتها، وأكبر خسارة بشرية لها في يوم واحد.

وقال أبو عبيدة، إنه في قلب التقاليد اليهودية تحظى نبوءة تلمودية عمرها قرون بالتبجيل وهي تحذر من لعنة العقد الثامن على الدولة اليهودية.

قادة إسرائيل حذروا من لعنة العقد الثامن
لا تفارق لعنة العقد الثامن مخيلة قادة إسرائيل على ما يبدو، فخلال السنوات الماضية، تحدث اثنان من أهم قادة إسرائيل عنها. ورغم أنهما اختلفا في دوافعهما لهذا الحديث، لكنهما حذرا من المصير ذاته.

في أكتوبر/تشرين الأول 2019، حذر رئيس الوزراء الأطول عهداً بتاريخ إسرائيل بنيامين نتنياهو، من أن بلاده يجب أن تكون مستعدة لجميع أشكال التهديد لوجودها، وإلا فبعد ثلاثين عاماً، لن تحتفل بالذكرى المئوية لاستقلالها، حسب تعبيره.

وذكّر نتنياهو المجتمعين لدراسة التوراة في مقر إقامته بأن "الحشمونيين حكموا فلسطين لمدة تقل عن 80 عاماً".

وفي مايو/أيار 2022، ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن رئيس الوزراء إسرائيل الأسبق والقائد العسكري السابق البارز إيهود باراك الحائز على أكبر عدد من الأوسمة في تاريخها، أعرب عن قلقه من أن إسرائيل قد تختفي من الوجود قبل الذكرى الثمانين لقيامها عام 1948.

وقال: "على مدى التاريخ اليهودي، لم يحكم اليهود أكثر من ثمانين عاماً، إلا في مملكتي داوود وسلالة الحشمونائيم، وحتى في كلتا الفترتين بدأ تفككهما في العقد الثامن".

التهديد الحقيقي لإسرائيل من وجهة نظر باراك هو الكراهية بين اليهود وليس ما وصفه بـ"الإرهاب"، (في إشارة للمقاومة العربية)، وجاء كلامه قبل أكثر من عام من عملية طوفان الأقصى.

وينال وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير وأمثاله النصيب الأكبر من اللوم، ففي مقال نشره في موقع Ynet العبري يلمح باراك إلى أن لعنة العقد الثامن قد تتحقق على يدي بن غفير وأمثاله.

تكرار هذا الحديث عن اللعنة في أحاديث قادة إسرائيل وتشابهها بشكل كبير مع نظرية نشأة وسقوط الدولة

لدى المفكر العربي العبقري ابن خلدون، يجعلنا بحاجة إلى الغوص في الجذور التاريخية لنشأة هذه اللعنة، وهل تنطبق على إسرائيل في الوقت الحالي؟

اليهود وفلسطين.. ماذا يقول التاريخ؟
"أساطير الأولين"، هكذا يمكن وصف جزء كبير من تاريخ إسرائيل المستند إلى المصادر الدينية العبرية القديمة والتي شكلت وجدان الغرب رغم تشكيك العلم الحديث فيها.

تقدم الكتب المقدسة اليهودية نشأة اليهود على أنها جرت كـ"غزو مبارك" لفلسطين جرى خلاله انتزاع أرضها من سكانها الأوائل من الكنعانيين (مجموعة سامية ابنة عمومة للعرب تعتبر أول من سكن منطقة الشام من الشعوب المسجلة تاريخياً)، مع إعطاء شرعية دينية لعملية الإبادة الجماعية بحق الأعداء بمن فيهم السكان الأصليون لفلسطين، وهو أمر نراه لدى إسرائيل حالياً، وظهر أكثر من أي وقت مضى بعد طوفان الأقصى.

لكن هذه الرواية التوراتية تعني قيام الإسرائيليين بهدم بيوتهم بأيديهم، لأن هذا الغزو المزعوم الذي نفذه العبرانيون القدامى لفلسطين يؤكد عدم أحقية اليهود الحاليين في فلسطين، ويدمر واحداً من أهم مسوغات نشأة إسرائيل وهو أن اليهود سكان فلسطين الأصليين، لأنه وفقاً للرواية التوراتية نفسها، فاليهود ليسوا أقدم من سكنها بل جاءوها غزاة أول مرة كما جاءها الإسرائيليون الآن.

كان "الكنعانيون" هم أول شعب معروف استوطن فلسطين، حسب الأدلة العلمية.

وهناك مفاجأة كبرى تظهرها الدراسات الجينية، عند البحث عن أحفاد الكنعانيين الموجودين حالياً، كما يذكر تقرير لموقع Medium الأمريكي.

فبينما يحمل يهود شرق أوروبا مؤسسي إسرائيل بعض الجينات الكنعانية، فإن اللافت أن أكثر الشعوب الحالية التي تحمل الجينات الكنعانية هي السعوديون، يليهم البدو الفلسطينيون ثم الفلسطينيون، فالمصريون، ثم الأردنيون، فاللبنانيون، حسب الموقع الأمريكي.

والأدلة التاريخية تشير إلى أن الفلسطينيين الحاليين هم أحفاد كل سكان فلسطين من كنعانيين، وعبرانيين وآراميين وعرب ما قبل الإسلام، الذين اندمجوا مع الفاتحين العرب، علماً بأن كل الشعوب المشار إليها هي فروع لشعب سامي من أصل واحد.

لعنة العقد الثامن.. المملكة الأولى
كانت القدس تدعى في البداية يبوس، نسبة لقبيلة اليبوسيين -أحد البطون الكنعانية التي سكنت المدينة حوالي عام 2500 قبل الميلاد.

وهناك رسائل من الأرشيف المصري تشير إلى أن القدس كانت بالفعل دولة مدينة كنعانية تعترف بالسيادة المصرية، كما تؤكد التوراة نفسها على أن القدس كانت كنعانية قبل أن يتم غزوها.

بعد دخول بني إسرائيل إلى فلسطين تحولوا إلى ما يشبه الكونفدرالية المكونة من اثنتي عشر قبيلة لعدة مئات من السنين، حسبما ورد في الرواية التوراتية.

وتقول الرواية الدينية اليهودية إن الملكية الإسرائيلية الموحدة تأسست عام 1037 قبل الميلاد في عهد شاول، واستمرت في عهد داوود الذي وسع حدود المملكة بشكل كبير واحتل القدس بعدما سلبها من اليبوسيين الكنعانيين ثم حكم بعده ابنه سليمان.

ودام حكم اليهود للقدس 73 عاماً طوال تاريخها الذي امتد لأكثر من خمسة آلاف سنة.

بعد وفاة نبي الله سليمان، انقسمت الدولة في عهد ابنه رحبعام إلى دولتين هما يهوذا وإسرائيل، وجاء الانقسام بالأساس بسبب الخلافات الداخلية وليس نتيجة لخطر خارجي.

ويمثل هذا الانقسام لمملكة داوود وسليمان أول مظهر لما يعرف باسم لعنة العقد الثامن التي ستطارد دوماً الدول اليهودية.

لاحظ هنا أن وجود مملكة داوود وسليمان كمملكة يهودية موحدة أو ما يعرف باسم الملكية اليهودية الموحدة الأولى مشكوك فيه علمياً، بينما يقول المؤرخون وعلماء الآثار إن وجود مملكتين عبرانيتين وهما يهوذا وإسرائيل أمر متفق عليه.

ويتهم باحثون غربيون الكتب المقدسة العبرية بأنها دليل إرشادي للإبادة الجماعية. فوفقاً للرواية التوراتية، احتل بنو إسرائيل كنعان (فلسطين) بقيادة يشوع بن نون حيث ارتكبوا إبادة جماعية مروعة جرت بحق الكنعانيين والفلسطينيين.

وفي سفر يشوع يذكر أن "يشوع" عند اقتحامه أرض كنعان -فلسطين التاريخية- مع جيشه من بني إسرائيل، لم يُبقوا عِرقاً ينبض بالحياة في كل المدن التي اقتحموها، وأن ذلك تم بناء على أوامر إلهية.

هكذا نشأت أولى ممالك اليهود بفلسطين حسب الأدلة العلمية

تختلف الرواية العلمية كثيراً عن الرواية التوراتية في هذه المرحلة تحديداً.

تفيد أغلب المؤشرات على أن هذه المجموعة التي عرفت باسم اليهود أو الإسرائيليين كانت جزءاً من العرق الكنعاني، وليست شعباً مختلفاً، وأن العبرانيين تمايزوا سلمياً من السكان الموجودين في مرتفعات كنعان الأكثر فقراً، وفقاً لعلم الآثار الحديث.

أدى الغزو البابلي وما تبعه من نفي لجزء من اليهود لبابل فيما يعرف لدى اليهود بـ"السبي البابلي" إلى حد كبير لتشكيل الهوية اليهودية الدينية المعروفة حالياً، حيث كان المنفيون اليهود في بابل مسؤولين عن التركيز المتزايد على النقاء العرقي وقداسة اليهود، وتطوير إحساس قوي بالهوية العبرية المتميزة عن المحيط.

وفي عام 538 قبل الميلاد، سمح الفرس بعودة المنفيين اليهود إلى القدس. خلال القرن السادس وما بعده، أصبحت الآرامية (وهي واحدة من أقرب اللغات السامية للعربية الحديثة) اللغة المشتركة في فلسطين والمنطقة برمتها تدريجياً مع بقاء العبرية كلغة دينية بالأساس، حسبما ورد في تقرير لموسوعة Britannica.

لعنة العقد الثامن.. نشأة وزوال المملكة الثانية
في عام 167 قبل الميلاد، أصدر الملك السلوقي الإغريقي أنطيوخس الرابع مرسوماً يحظر ممارسة اليهودية. وكانت الانتهاكات يعاقب عليها بالإعدام، بعدما نهب القدس ومعبدها.

أدى ذلك إلى ثورة بقيادة يهوذا المكابي من عائلة الحشمونائيم، ثم أسس شقيقه سمعان سلالة الحشمونائيم في عام 141 ق.م، وتوج ابنه هيركانوس، ملكاً عام 135 قبل الميلاد، وبعد ست سنوات، أعلن الاستقلال، حسبما ورد في تقرير في موقع Israel today.

بدأت مملكة الحشمونائيم منذ عام 130 قبل الميلاد في غزو جيرانها. تم تحويل غير اليهود في الأراضي المحتلة قسراً لليهودية، أو طردهم أو إجبارهم على دفع الجزية، وأصبح الأدوميون يهوداً.

تظهر هذه الممارسات عدم صحة فكرة النقاء العرقي لليهود، فالواقع أن يهود فلسطين القدامى إضافة لكونهم على الأرجح فرعاً من الكنعانيين، فإن سلالتهم تضم شعوباً سامية أخرى.

عادت لعنة العقد الثامن لتطارد إسرائيل مجدداً، ففي عام 63 قبل الميلاد، تعرضت المملكة لغزو الجمهورية الرومانية، وتم تفكيكها وإنشاء دولة تابعة لروما، على يد (بومبي العظيم).

أي أن مملكة الحشمونائيم فقدت استقلالها بعد 78 عاماً من نشأتها، وبعد 66 عاماً من إعلانها كدولة مستقلة، وتعد هذه الواقعة التاريخية المثبتة علمياً الأكثر تمثيلاً للعنة العقد الثامن التي تقلق اليهود إلى اليوم.

أصبحت الطبقة العليا اليهودية متحالفة مع الرومان، ورغم ذلك وقعت حروب بين الرومان واليهود لأسباب متعددة. وفي عام 6 ميلادية، انتهى وجود أي كيان سياسي مستقل لليهود في فلسطين حتى في شكل حكم ذاتي.

اليهود يتحالفون مع الرومان ضد المسيحية
تعود أصول مسيحيي فلسطين بشكل كبير، إلى اليهود الذين اعتنقوا المسيحية، إضافة إلى سكان فلسطين الآخرين. في البداية تحالف رجال الدين اليهود مع الإمبراطورية الرومانية ضد المسيحيين، ولكن ازداد عدد المسيحيين في البلاد وأصبحوا تدريجياً الغالبية خاصة مع تحول المسيحية للدين الرسمي للإمبراطورية، وطرد الرومان لبعض اليهود الذين قاموا بثورات ضدهم.

في عام 613، غزا الفرس بلاد الشام، فتحالف اليهود معهم، واستولت القوات الفارسية واليهودية على القدس، ودمرت كنائسها، وذبحت سكانها المسيحيين، وسلبوا الصليب الحقيقي وآثاراً مسيحية أخرى، وسيطر اليهود على القدس.

بعد انسحاب الفرس، بناء على إصرار المسيحيين، طرد هرقل اليهود من القدس وأعدم المتورطين بالانتفاضة. وتم ذبح اليهود على يد المسيحيين الغاضبين، وفر الناجون إلى مصر.

انهارت السيطرة البيزنطية على المنطقة أمام الجيوش العربية الإسلامية في عام 637 م، حيث كانت فلسطين خالية تقريباً من اليهود.

الرواية التوراتية والأدلة العلمية تثبت عروبة فلسطين وأسباب لعنة العقد الثامن
تثبت الأدلة الأثرية والتاريخية، والرواية التوراتية أن القدس في الأصل هي مدينة كنعانية بينما تثبت الدراسات الجينية أن الشعوب الحالية الأقرب للكنعانيين هم عرب شمال الجزيرة والبدو الفلسطينيين والشعب الفلسطيني. ادعاء النقاء العرقي لليهود الذين خرجوا من فلسطين باعتبارهم نسل العبرانيين فقط لا يبدو منطقياً في ضوء الأدلة عن تحول بعض شعوب فلسطين لليهودية، وامتزاج اليهود بالشعوب الأخرى في الشتات، خاصة أن تعريف اليهودي هو من تكون أمه يهودية، كما أن ملامح يهود أوروبا الشرقية مختلفة عن سكان المنطقة الأصليين وأكثر أوروبية. هناك أدلة قوية على أن جزءاً كبيراً من اليهود الأشكناز من سكان أوروبا الشرقية من سلالة مملكة الخزر التركية التي اعتنقت اليهودية في العصور الوسطى وهو طرح يغضب اليهود بشدة. يظهر تاريخ اليهود في فلسطين، نزعة دينية تركز على فكرة الأنا مقابل "الأغيار" والتي أدت إلى حروب دائمة مع المحيط، وإلى رفض استيعاب التنوع عكس الشعوب السامية الأخرى، وأدى الطابع المغلق للطائفة ولا سيما القيود على الزواج المختلط إلى عزلة عن عملية الامتزاج التي ميزت موجات الهجرة السامية المتلاحقة على المنطقة منذ عهد الكنعانيين إلى الفتح العربي. إلى جانب ذلك كانت تظهر عادة خلافات بينية يهودية مع جهود دائمة لرجال الدين للسيطرة على الطائفة مقابل ميل الأثرياء للتحالف مع الإمبراطوريات الحاكمة.
كل ما سبق ساهم عادة في الخلافات الداخلية والتورط الدائم في الحروب الخارجية، مما أدى إلى تفكك الدول اليهودية، وخلقت ما يعرف بلعنة الثمانين عاماً التي تبدو واضحة في تاريخ في المملكتين اليهوديتين الرئيسيتين مملكتي داوود والحشمونئيم.

لعنة الجيل الرابع، هل تطيح بإسرائيل؟
اليوم، تطارد إسرائيل سلسلة من اللعنات والتي قد تتجمع وتشكل لعنة العقد الثامن:

"إن للدولة عمراً كما للبشر"، هذه المقولة الخالدة قالها المفكر العربي عبد الرحمن بن خلدون قبل نحو 600 عام، وهي تبدو تأكيداً لنظرية لعنة العقد الثامن، ولكن يرى ابن خلدون أن عمر الدولة أربعة أجيال أي نحو 120 عاماً.

وأشار باراك لنظرية أزمة تدهور الأجيال التي استفاض بها ابن خلدون، إذ يقول رئيس وزراء إسرائيل الأسبق: "يقدم البعض تفسيراً للعنة العقد الثامن لدى اليهود وغيرهم بأنه يُنظر إلى قادة الجيل المؤسس للدولة على أنهم عمالقة خارقون للطبيعة. الجيل الثاني من الفنانين. المشكلة بالجيل الثالث، الذي تعتبر إنجازات الماضي بديهية بالنسبة له، حسب تعبيره. فهل يمكن القول إن قادة إسرائيل ومسؤوليها هم في مرحلة الجيل الثالث أو حتى الرابع حسب تقسيمات ابن خلدون؟

قد يمكن إيجاد مؤشرات عدة على ذلك، تمتلك إسرائيل واحداً من أقوى جيوش العالم، ولكن هل تمتلك قادة بنفس المستوى؟ منذ حرب 1967، لم تحقق إسرائيل إنجازاً عسكرياً كبيراً، كما فعلت في حربي 48 و67، كانت نتائج إسرائيل في حرب 1973، وأداؤها بحروبها في لبنان وغزة أقل كثيراً من المتوقع من جيش يوصف بأنه من الأقوى عالمياً، ضد جيوش أقل مستوى أو حركات مقاومة غير نظامية، علماً بأن هذه الحروب جرت في ظل دعم أمريكي لم يكن موجوداً في حربي 48 و67.

عشية حرب لبنان 2006، كان أول شيء فعله رئيس أركان الجيش الإٍسرائيلي دان حالوتس، بعدما أصبحت الحرب حتمية إثر خطف حزب الله لجنود إسرائيليين هو الهرولة لبيع أسهمه بالبورصة، يبدو هذا سلوكاً نموذجياً للجيل الثالث من قادة الدول أو حتى الرابع الذي تحدث عنه ابن خلدون.

يمكن القول باطمئنان إنه لم يعد في إسرائيل قادة عسكريون أو سياسيون على مستوى بن غوريون وموشي ديان وأرئيل شارون، القادة الحاليون يبدون أكثر شراسة، كما يظهر من العدوان على غزة، ولكن أقل كفاءة وشجاعة وذكاءً.

بل إن بنيامين نتنياهو المسيطر على السياسة الإسرائيلية لعقود، والذي كان بنظر الإسرائيليين رجل الرخاء والأمن لم ينتصر في حرب واحدة، وفي عهده أصبحت إيران على شفا أن تصبح قوة نووية، وتحول حزب الله وحماس لقوى عسكرية إقليمية، حتى إن الإسرائيليين يصفون قوة حماس بأنها تعادل القوة النيرانية لدولة أوروبية صغيرة.

التقدم والثراء والتطرف.. لعنة على إسرائيل
المجتمع الإسرائيلي بات مجتمعاً ثرياً، فمتوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي فيه أعلى من ألمانيا وبريطانيا، وشركات التكنولوجيا تقود اقتصاد إسرائيل وتلعب دوراً حيوياً في قوتها العسكرية، ولكن رغم ذلك هذه التكنولوجيا أخفقت في توقع أو وقف طوفان الأقصى.

والأهم أن الطبقة الواسعة العاملة بمجال التكنولوجيا مثلها مثل الطبقات المماثلة في العالم لا تريد ترك عيشتها المرفهة لتحارب لسنوات في جبهات موحشة، الأسوأ بالنسبة لإسرائيل أن هذه الطبقة التكنولوجية مطلوبة بشدة في كافة أنحاء العالم. وتقدم العديد من الدول الغربية إغراءات قوية للعاملين في مجال التكنولوجيا.

ومنذ اللحظات الأولى لعودة نتنياهو على رأس الحكومة الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل، لم يعد فقط قطاع التكنولوجيا الإسرائيلي مهدداً بنزيف العقول، بل بنزيف الأموال أيضاً من خلال هجرة رؤوس الأموال الإسرائيلية العاملة في التكنولوجيا للخارج.

من ناحية أخرى، هناك اليهود المتشددون الذين تسببوا بسياستهم في دفع حماس لتنفيذ عملية طوفان الأقصى، وإشعال الحرب الحالية في غزة، وقبلها حرب عام 2021، يرفضون بشدة الإنضمام للجيش لخوض الحروب التي يشعلونها، مفضلين الاعتداء على المزارعين الفلسطينيين العزل.

ويهدد هذا المسلك بأزمة عميقة في الشارع الإسرائيلي، خاصة أن المتطرفين يريدون إضافة قواعد تزيد فرص عمل الشباب المتدين مقارنة بالشباب العلماني الذي يضيع عامين من عمره في التجنيد، كما أنهم يريدون جعل المتطرفين طبقة مميزة يحكمون ولا يجندون بالجيش مع تمتعهم بامتيازات مالية واجتماعية واسعة، رغم أنهم لا يسهمون في الدخل القومي لإسرائيل إلا بنسبة ضئيلة، الأمر الذي يجعلهم عبئاً حقيقياً على دولة الاحتلال، وقد يفقد ذلك جيشها ثلث جنوده.

لعنة الانقسامات الداخلية قد تكون الأخطر على الدولة العبرية، فكما يظهر تاريخ اليهود القديم في فلسطين، كانت الانقسامات إحدى أسباب لعنة الثمانين عاماً. وقبل طوفان الاقصى، وصلت إسرائيل إلى ذروة غير مسبوقة في تاريخها للخلافات الداخلية.

فاليهود المتطرفون المتحالفون مع نتنياهو لا يريدون فقط الاستيلاء على الأقصى وضم الضفة، ولكنهم ينظرون لليهود العلمانيين كخصوم، ويريدون سيطرة دائمة على السلطة، والأخطر مشروع إيتمار بن غفير لتأسيس حرس وطني ليكون ميليشيات يهودية متطرفة تحت قيادته، إلى جانب سعيهم لإكساب الحياة العامة في إسرائيل طابعاً يهودياً دينياً متطرفاً، يتم فرضه على اليهود العلمانيين.

ويثير هذا الصراع تساؤلاً: هل تتحول إسرائيل إلى مملكة بطبقتين حاكمتين أم تنقسم لمملكتين كما حدث لمملكة داوود وسليمان، حسب الرواية التوراتية.

إذ يمكن أن نرى مملكة لليهود المتدينين تقوم على أراضي المستوطنات في الضفة والقدس ومستوطنات غلاف غزة، وأخرى لليهود العلمانيين في الساحل تتمحور حول تل أبيب.

وفي الوقت الحالي، يوزع الاحتلال السلاح على المستوطنين بهدف إيذاء سكان الضفة الغربية بالأساس، ولكنه قد يُستخدم يوماً ما ضد الحكومة أو اليهود العلمانيين.

لقد وصل هذا الانقسام لدرجة خطيرة بتهديد جنود الاحتياط الإسرائيليين برفض التطوع في الخدمة قبل طوفان الأقصى. وكأن إسرائيل الحالية مثلها مثل الممالك اليهودية القديمة في فلسطين، محكوم عليها إما أن تكون في حالة حرب مع الأغيار أو في حالة حرب داخلية.

هل تزول الخلافات بعد انتهاء الحرب الحالية أم تزداد حدتها؟
بالطبع أدى طوفان الأقصى إلى تعليق مؤقت لهذه الانقسامات، ولكن عاجلاً أو لاحقاً ستعود على الأرجح.

في حال تنفيذ إسرائيل لأهدافها بالقضاء على حماس أو طرد سكان غزة، سيكون هناك تنافس على اقتناص المكاسب، وسيحاول اليهود المتشددون توجيه السياسية الإسرائيلية لتكون أكثر راديكالية، وهو أمر لن يقع ضرره على الفلسطينيين وعلى الدول العربية المجاورة فقط، بل أيضاً على اليهود العلمانيين الذين قد يتم تهميشهم.

كما أنه مع صعود الأجندة المتطرفة التي تطالب بضم الضفة، وهو خيار سيعني أنه حتى لو طردت إسرائيل بعض الفلسطينيين إلى مصر والأردن، فإنها ستضم كتلة فلسطينية كبيرة، سيجعل ذلك عدد الفلسطينيين داخل حدود إسرائيل أكبر من عدد اليهود، ما يعني إقامة دولة عنصرية يهودية بأغلبية فلسطينية وبالتالي توجه الفلسطينيين لفكرة الدولة الواحدة الديمقراطية ولو رفضت إسرائيل، وسوف تفعل، فإنها توصم نفسها بالعنصرية رسمياً.

في المقابل، فإنه في حال إخفاق إسرائيل في تحقيق أهدافها، فإن الطرفين سيتبادلان إلقاء اللوم، وقد بدأ ذلك بالفعل، كما سيؤدي التوتر الأمني والاقتصادي لتزايد تيار هجرة للعلمانيين، وضعف موقفهم، ما يعزز الاستقطاب العلماني الديني في البلاد، وفقدان النخبة التكنولوجية.

من هنا تظهر لنا ما تسمى "لعنة جواز السفر الثاني" التي قد تنفجر في حال استمرار التدهور الأمني والاقتصادي. إذ يودّ معظم المواطنين الإسرائيليين الحصول على جواز سفر أجنبي، والمزيد يسعون للحصول على جنسيات إضافية، فنحو 17% من الإسرائيليين لديهم جواز سفر أجنبي، و56% يريدونه، حسب استطلاع على 500 إسرائيلي نشرت نتائجه صحيفة the Times of Israel، في عام 2016.

وبعد أزمة التعديلات القضائية يبدو أن الظاهرة قد تزايدت، حيث تم تسجيل زيادة كبيرة في عدد المواطنين الإسرائيليين الذين يسعون للحصول على جوازات سفر أجنبية أو تأشيرات إقامة مع تشجيع دول أوروبية لهذا التوجه، حسب تقرير لموقع "واي نت نيوز" الإسرائيلي نشر في أغسطس/آب 2023.

كما أن هناك إقبالاً على الشركات العاملة بمجال نقل الأصول المالية من إسرائيل للخارج، وإنشاء حسابات مصرفية وشراء عقارات بأوروبا والولايات المتحدة، حسب تقرير لموقع "الجزيرة.نت".

في حال تدهور الوضع الاقتصادي والأمني، سواء لأسباب داخلية أم خارجية، فإن احتمال تحول ذلك لهجرة دائمة سوف يتزايد. وهناك تقارير عن مغادرة واسعة بعد عملية طوفان الأقصى، لا سيما من الإسرائيليين مزدوجي الجنسية.

هذه الهجرة تذكّر بحقيقة تاريخية مرتبطة بذبول الوجود اليهودي القديم في فلسطين، وهي أن إحدى الأسباب الرئيسية للهجرة اليهودية ليست فقط الخلافات الداخلية وقمع الإمبراطوريات المسيطرة على فلسطين، ولكن أيضاً البحث عن الفرص الاقتصادية بالخارج من قبل مجتمع في الأصل ذي طابع تجاري يحقق أفراده أرباحاً أكثر من خلال العيش في المهجر، وليس من خلال منافسة بعضهم بعضاً.

تهديدات خارجية على دولة إسرائيل
مشكلة زوال إسرائيل لن ترتبط فقط بأزماتها الداخلية، لكنها ترتبط أيضاً بتهديدات توجد وتنمو في محيطها الإقليمي.

1- لعنة الأرحام الفلسطينية
معركة الأرحام التي يخوضها الفلسطينيون تعد واحدة من أكثر المسائل التي تقلق بيني موريس، أحد أبرز المؤرخين الإسرائيليين، حيث شجعت القيادات الفلسطينية تاريخياً شعبها على التوسع في الإنجاب لزيادة عدد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة والشتات.

وقال موريس عام 2019: "لا أرى كيف سنخرج من هذه الأزمة، عدد العرب اليوم أكبر من عدد اليهود بين البحر المتوسط ونهر الأردن. وستتحول المنطقة بأكملها حتماً لدولة واحدة ذات أغلبية عربية؛ لأن الوضع الذي نحكم فيه شعباً محتلاً ليس له أي حقوق لا يمكن أن يستمر بالقرن الحادي والعشرين".

2- لعنة التهديد النووي الإيراني
معظم الأدبيات الإسرائيلية لا ترى في البرنامج النووي الإيراني خلال مناقشتها الداخلية خطراً وجودياً، وتؤمن بأنه حتى لو امتلكت طهران أسلحة نووية، فإنها لا يمكن أن تستخدمها ضد إسرائيل في ظل تفوق الأخيرة الجوي الساحق، وامتلاكها لنحو أربع طبقات من الدفاع الجوي يفترض أنها قادرة على إسقاط صواريخ إيران. كما أن الإيرانيين حريصون على الوصول للعتبة النووية دون تخطيها.

ولكن الأمر أعقد من ذلك، فحتى لو تخترق إيران العتبة النووية حالياً، فإنها قريبة لتكنولوجيا تصنيع الأسلحة النووية، واحتمال أن تصنعها حتى لو بعد سنوات أعلى كثيراً من احتمال ألا تفعل.

وخلال هذه السنوات، فإن إيران ستكون قد طورت الأسلحة الحاملة للرؤوس النووية لتصبح أكثر دقة وفاعلية، كما قد تطور أنظمة مضادة للطائرات والصواريخ الإسرائيلية وصواريخ متعددة الروؤس مثلما فعلت كوريا الشمالية.

ورغم أن الحرب بين قوتين نوويتين دائماً أمر مستبعد، ولكن قد يقع تراشق نووي بالخطأ، وفي هذه الحالة إسرائيل بمساحتها ومدنها الصغيرة ستكون أكثر تضرراً مقارنة بإيران الشاسعة، كما أن طهران النووية قد تؤدي لانتشار نووي مضاد بالمنطقة.

3- صمود المقاومة وتطورها
السيناريو الأخطر لإسرائيل، وهو ما يمكن تسميته بـ"ديمقراطية التكنولوجيا العسكرية"، حيث بات في إمكان حركات المقاومة تطوير أسلحة فعالة أو تهريبها من الخارج رغم الحصار، كما أظهر طوفان الأقصى.

"بالخناجر"، بدأت المقاومة الفلسطينية نشاطها المسلح في الانتفاضة الأولى بالثمانينيات، ثم انتقلت لصواريخ بدائية عام 2006، والآن تمطر إسرائيل بوابل من الصواريخ. قد يعني ذلك أن المقاومة قد تنقل الصراع إلى مستوى غير متوقع أكثر مما شاهدناه في طوفان الأقصى.

فأخطر عدو على إسرائيل هو الطموح المثير للدهشة لما يمكن تسميته بالمجمع العلمي العسكري في غزة، الذي يجمع بين الحماسة الدينية والدأب العلمي الراغب في بناء منظومة عسكرية محلية على غرار الدول مع الاحتفاظ بمرونة حركات المقاومة.

وأظهرت عملية طوفان الأقصى تطوراً تسليحياً وتدريبياً وتخطيطياً غير مسبوق في تاريخ الصراع العربي الفلسطيني، وهو تطور إذا استمر بالوتيرة نفسها، قد يغير المعادلة في السنوات القادمة، خاصة إذا حازت المقاومة أو صنعت أسلحة مضادة للطيران، وهي نقطة تفوق إسرائيل الرئيسية، وطورت أسلحتها المضادة للدبابات، فإن ذلك سيجعلها أكثر قدرة على مهاجمة إسرائيل مع توفير حماية نسبية لغزة، مع احتمال انتقال هذه التكتيكات والأسلحة للضفة (وهذا هدف دائم لحماس والجهاد حالياً).

لا يمكن تصور حدود لما يمكن أن تصل إليه المقاومة بغزة، وهو ما ثبت جلياً في عملية طوفان الأقصى التي فاقت أسوأ كوابيس القادة الإسرائيليين، وأحلام القادة السياسيين لحركات المقاومة الفلسطينية أنفسهم، وحتى المقاومين المشاركين في العملية.

لماذا تطارد لعنة العقد الثامن إسرائيل؟
أحد الأسئلة التي تثيرها لعنة العقد الثامن هو: لماذا تطارد هذه اللعنة إسرائيل أكثر من غيرها من الدول؟ إجابة هذا السؤال تأتي من الفارق بين الدولة والأمة، الأمم غالباً ما تكون خالدة، والدول مرتبطة دوماً بزمن أو سلالة أو جماعة أو عقيدة دينية أو أيديولوجيا.

الأمة كيان متنوع وعملاق وليس أحادي الأصل، الأمم تزدهر وتكبر بقدر تعدد أصولها واستيعابها للسكان الأصليين والوافدين وحتى للمستعمرين، الأمم قد لا يكون لها دول في بعض الأزمنة ولكنها لا تزول.

على عكس الأمة، فإن الدول المشابهة لإسرائيل، في الأغلب، مشروع يقوم على العصبية الخاصة بجماعة أو قبيلة أو طائفة دينية أو حزب، كما يشير ابن خلدون. والطائفة الدينية يمكن أن تفقد إيمانها، والقبيلة يمكنها أن ترحل أو تتفكك، والجماعة يمكن أن تُحل أو تهاجر.

إسرائيل اليوم وكذلك الممالك اليهودية القديمة تقودها أيديولوجيا دينية تركز على كراهية الأغيار وضرورة القضاء عليهم، ولذا تستهلك طاقتها هذه محاربة المحيط، خالقة موجات متتالية من العداء إلى أن تتعرض للهزيمة، ولأنها لم تترك لنفسها باباً للعودة، وبالنظر إلى أنها جماعة دينية تجارية مغلقة أكثر منها كشعب طبيعي، فإنه في حال الهزيمة تكون الهجرة هي الحل.

"لو لم تكن إسرائيل موجودة لكان على أمريكا أن تخلق إسرائيل". هذه الكلمات قالها الرئيس الأمريكي جو بايدن عندما كان سيناتوراً قبل 40 عاماً، وكررها خلال زيارته الأخيرة لإسرائيل، وهي تظهر هشاشة الدولة العبرية التي تبدو بالأساس مشروعاً استثمارياً غربياً، لا ينطبق عليها مفهوم الأمة الطبيعية.

فالدول يمكن أن يتم تصنيعها مثلما صنع الاستعمار دولاً عبر تقطيع الأمة العربية بخرائط وضعها ضباط إنجليز وفرنسيون لا يفقهون شيئاً عن المنطقة.

ولكن الأمم لا تصنع، وأكبر حدث قد يؤدي إلى لعنة العقد الثامن أن تفقد الدولة العبرية اليوم دورها لدى الغرب كدولة وظيفية ووكيل استعماري أو بديل لعشر حاملات طائرات، كما وصفها الدكتور عبد الوهاب المسيري، بالتزامن مع عمل عربي فلسطينيي لكسر نير الاحتلال.

ويبدو الإسرائيليون مصرين على تحقيق هذه اللعنة عبر الإيغال في دماء العرب وتذكير الأجيال الجديدة منهم بأنهم كيان غريب معتدٍ.

وكأن إسرائيل تخلق بنفسها أجيالاً جديدة من المقاومين، وتساهم أكثر من أي طرف في تحقيق هذه اللعنة التلمودية. 

المصدر: السومرية العراقية

كلمات دلالية: عملیة طوفان الأقصى لعنة العقد الثامن الدولة العبریة قادة إسرائیل تاریخ الیهود قبل المیلاد إسرائیل فی ابن خلدون فی فلسطین فی تاریخ یمکن أن أکثر من ما یعرف حتى لو إلى أن فی عهد فی عام فی حرب کما أن على أن فی حال

إقرأ أيضاً:

في رحاب يوم القدس العالمي.. رؤية الشهيد القائد لمواجهة أمريكا و”إسرائيل”

يمانيون/ تقارير

التاريخ يعيد نفسه، والمواجهة مستمرة، لكن البصائر التي أرساها الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي في محاضرته “يوم القدس العالمي” تكشف عن رؤية استراتيجية تمتد عبر الزمن، لتكون منهاجًا للأمة في صراعها مع الهيمنة الأمريكية والصهيونية. من منطلق إيمانه بأن قضية القدس ليست قضية الفلسطينيين وحدهم، بل معركة الأمة الإسلامية جمعاء، وضع الشهيد القائد أسسًا فكرية واضحة لكيفية التعامل مع المشروع الاستعماري الذي تقوده الولايات المتحدة لحماية “إسرائيل”، مؤكدًا أن التحرك الجاد، والوعي العميق، والاستعداد الدائم للمواجهة، هي مفاتيح الانتصار على المشروع الصهيوني الأمريكي.

 

القدس ليست قضية جغرافية.. بل مقياس لموقف الأمة

تُعدّ القدس في الفكر الاستراتيجي للشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي مقياسًا لموقف الأمة الإسلامية تجاه الهيمنة والاستعباد العالميين. فهي ليست مجرد أرض متنازع عليها، ولا صراعًا محصورًا بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بل هي عنوان لمعركة أوسع بين المشروع الاستعماري الأمريكي-الصهيوني وبين الأمة الإسلامية بأسرها. إن القضية الفلسطينية تمثل جوهر الصراع بين الحق والباطل، حيث تسعى قوى الاستكبار العالمي إلى جعل “إسرائيل” كيانًا طبيعيًا في المنطقة، وإلى دفع المسلمين نحو التخلي عن أحد أهم مقدساتهم الدينية والتاريخية.

يؤكد الشهيد القائد أن الكيان الصهيوني ليس مجرد محتل غاصب، بل هو رأس الحربة في المشروع الاستكباري الذي يهدف إلى تفكيك الأمة الإسلامية وإضعافها سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا. ففي محاضرته (يوم القدس العالمي)، يُحذر من خطورة التواطؤ مع هذا المشروع عبر التطبيع أو التقاعس عن دعم القضية الفلسطينية، حيث يقول:

((قضية إسرائيل ليست قضية تخص الفلسطينيين, إنها قضية المسلمين جميعاً، حتى لو اعترف الفلسطينيون أنفسهم بإسرائيل، حتى لو رضوا بأن يكونوا عبارة عن مواطنين داخل “دولة إسرائيل”، فإنه لا يجوز للمسلمين أن يقروهم على ذلك، ولا يجوز للمسلمين أن يتخلوا عن جهادهم في سبيل إزالة هذه [الغدة السرطانية] كما أطلق عليها الإمام الخميني (رحمة الله عليه).”

وعلى أرض الواقع، نجد اليوم أن العديد من الدول العربية والإسلامية قد انخرطت في مشاريع التطبيع مع الكيان الصهيوني، متجاهلة التاريخ والجغرافيا والعقيدة التي تفرض عليها التصدي لهذا الكيان الغاصب. فقد شهدنا خلال الأعوام الأخيرة توقيع اتفاقيات “إبراهام” بين إسرائيل ودول عربية، ما أضفى شرعية زائفة على الاحتلال، وفتح له أبوابًا جديدة للتوسع الاقتصادي والعسكري في المنطقة. في الوقت نفسه، تستمر “إسرائيل” في تنفيذ مشاريع تهويد القدس، والتعدي على المقدسات الإسلامية والمسيحية، وسط صمت دولي وإقليمي مخجل.

إزاء هذه التطورات، يؤكد الشهيد القائد أن التخلي عن القدس هو تخلٍّ عن الإسلام ذاته، وأن التهاون في نصرة القضية الفلسطينية يعكس حالة من الانهيار الأخلاقي والروحي الذي أصاب بعض الشعوب والحكومات. وهذا ما نشهده اليوم في غياب مواقف حازمة من بعض الدول الإسلامية تجاه الجرائم الصهيونية المتكررة في غزة والضفة الغربية، بل إن بعضها قد انخرط في تحالفات أمنية واقتصادية مع العدو، بدعوى المصالح المشتركة، والسلام والاستقرار غير مدركين إن “إسرائيل” كيان طامع، وهذا ما أكده الشهيد القائد وأثبتته الأحداث أن الصهاينة لا يمكن تحقيق السلام معهم: “إسرائيل ليس من الممكن المصالحة معها, ولا السلام معها, ولا الوفاق معها, ولا أي مواثيق أو عهود تبرم معها. إنها دولة يهودية، إنها دولة يهودية طامعة، ليس فقط في فلسطين, وليس فقط في أن تهيمن على رقعةٍ معينةٍ تتمركز فيها، بل إنها تطمح إلى الهيمنة الكاملة على البلاد الإسلامية “.

إذن، فإن قضية تحرير فلسطين تمثل ميزانًا أخلاقيًا وسياسيًا يُحدد مدى التزام الأمة بمبادئها، ومدى استعدادها لتطهيرها من المغتصبين.

إن الوقوف مع القضية الفلسطينية ليس خيارًا سياسيًا بقدر ما هو التزام ديني وتاريخي، يفرض على الأمة الإسلامية عدم التخاذل، وعدم الرضوخ لمشاريع تصفية القضية عبر المؤامرات والمساومات والتطبيع.

 

الولايات المتحدة.. الراعي الأول للصهيونية ومصدر الفتن

لم يكن الدعم الأمريكي للكيان مجرد دعم عابر، بل هو جزء لا يتجزأ من الاستراتيجية الأمريكية الكبرى للسيطرة على المنطقة الإسلامية، وإضعاف أي قوة يمكن أن تعارض المشروع الصهيوني. فالولايات المتحدة لا تكتفي بتقديم الدعم العسكري والمالي للكيان، بل تتبنى بشكل كامل سياسات الاحتلال، وتعمل على تأمين التفوق الإسرائيلي على جميع الأصعدة، مع قمع أي حركة تحررية تسعى لمقاومة هذا المشروع.

في هذا السياق، يكشف الشهيد القائد عن الدور الأمريكي في إدارة الحروب والصراعات داخل العالم الإسلامي، من خلال إشعال الفتن الطائفية والمذهبية، ودعم الأنظمة الديكتاتورية، والتلاعب بالاقتصاد والسياسة لخدمة “إسرائيل”. حيث يقول:

“أمريكا هي وراء إسرائيل”

فهي ليست مجرد حليف لإسرائيل، بل هي الراعي الأول للمشروع الصهيوني، وهي التي تدير مخططات استعباد الأمة الإسلامية، عبر الهيمنة الاقتصادية والثقافية والعسكرية.

وما نراه اليوم يؤكد هذا التحليل، فالإدارة الأمريكية لم تكتفِ بدعم “إسرائيل” سياسيًا في المحافل الدولية، بل إنها تقود بنفسها معركة قمع المقاومة الفلسطينية واللبنانية، سواء من خلال تمويل آلة الحرب الإسرائيلية، أو عبر فرض العقوبات والحصار و الحروب على الدول الداعمة للمقاومة مثل إيران، وسوريا -سابقا-، واليمن. كما تعمل واشنطن على إضعاف حركات المقاومة من خلال تصنيفها ضمن “المنظمات الإرهابية”، في محاولة لشرعنة العدوان الصهيوني، وتجريم أي تحرك مشروع لمواجهة الاحتلال.

وعلى المستوى الإقليمي، تواصل الولايات المتحدة فرض سياسات التطبيع، ودعم الأنظمة العربية الموالية لها، لإضعاف أي تحرك شعبي ضد الاحتلال. فقد رأينا كيف عملت أمريكا على إجهاض ثورات الربيع العربي التي كانت تحمل في بعض مراحلها شعارات دعم القضية الفلسطينية، من خلال نشر الفوضى، ودعم الأنظمة القمعية، وتحويل وجهة الشعوب عن القضية الجوهرية نحو صراعات داخلية.

وفي مواجهة هذا المشروع الأمريكي، يجب أن تفهم  الأمة وأن تعي أن معركتها مع “إسرائيل” ليست منفصلة عن معركتها مع أمريكا، وأن مقاومة النفوذ الأمريكي في المنطقة هو جزء أساسي من مقاومة الاحتلال الصهيوني. وهذا يتطلب عدم الارتهان للهيمنة الغربية، ورفض كل المشاريع التي تسعى إلى ربط اقتصادنا وأمننا وسياساتنا بمصالح أمريكا و”إسرائيل”.

إن الولايات المتحدة ليست وسيطًا في الصراع، بل هي العدو الحقيقي الذي يُحرك أدواته في المنطقة لخدمة الكيان، ومن يتعامل مع أمريكا على أنها طرف محايد فهو واهم، لأن كل سياساتها تصب في صالح الاحتلال.

إن إدراك هذه الحقيقة يُشكل حجر الأساس في أي استراتيجية مقاومة فعالة، لأن المواجهة ليست فقط مع كيان استيطاني صغير، بل مع مشروع استعماري عالمي تقوده الولايات المتحدة. وبالتالي، فإن التحرر من هذه الهيمنة، وإفشال المشاريع الأمريكية في المنطقة، هو جزء من معركة تحرير القدس، التي لن تتحقق إلا بإرادة سياسية قوية، واستعداد دائم لمواجهة قوى الاستكبار العالمي بكل الوسائل الممكنة.

 

المقاطعة الاقتصادية.. سلاح بيد الشعوب لا يقل عن المقاومة المسلحة

في خضم الصراع مع الهيمنة الصهيونية الأمريكية، يبرز السلاح الاقتصادي كأحد الأدوات الفعالة التي تمتلكها الشعوب الإسلامية لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي وداعميه. يدرك الشهيد القائد أن الحروب ليست فقط معارك عسكرية، بل هي أيضًا حروب اقتصادية، حيث يسعى العدو إلى استنزاف موارد الأمة، وإبقائها في حالة تبعية دائمة، ما يجعل المقاطعة الاقتصادية أداة فعالة في عرقلة تمدد المشروع الصهيوني.

ولهذا رأينا الشهيد القائد يحث الناس على المقاطعة الاقتصادية بل جعلها أحد أبرز المواقف في مشروعه القرآني إلى جانب شعار الصرخة: “المقاطعة الإقتصادية, المقاطعة للبضائع مهمة جداً ومؤثرة جداً على العدو، هي غزو للعدو إلى داخل بلاده, وهم أحسوا أن القضية عندهم يعني مؤثرة جداً عليهم, لكن ما قد جرأت الحكومات العربية إلى الآن أنها تعلن المقاطعة، تتخذ قراراً بالمقاطعة, لأن الأمريكيين يعتبرونها حرباً، يعتبرون إعلان المقاطعة لبضائعهم يعتبرونها حرباً؛ لشدة تأثيرها عليهم.”

والاقتصاد الصهيوني لا يقوم فقط على الدعم الحكومي من الدول الغربية، بل يعتمد بشكل كبير على الاستثمارات والشركات العالمية الأمريكية و اليهودية التي تعمل في الأسواق الإسلامية، ما يعني أن كل دولار يُصرف في هذه الشركات يُترجم إلى رصاصة تُطلق على أبناء فلسطين والمجاهدين في ساحات القتال.

إن ما نشهده اليوم من تصاعد الدعوات لمقاطعة المنتجات والشركات الداعمة لـ”إسرائيل” يؤكد مدى أهمية هذا السلاح. فمنذ اندلاع العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة، شهد العالم الإسلامي حراكًا واسعًا لمقاطعة العلامات التجارية التي تُتهم بتمويل الاحتلال، مثل بعض الشركات الأمريكية والأوروبية التي تُضخ ملايين الدولارات سنويًا لدعم الكيان عسكريًا واقتصاديًا. هذا الحراك الشعبي أدى إلى تراجع مبيعات بعض هذه الشركات بشكل ملحوظ في الأسواق الإسلامية، ما يدل على أن الوعي بضرورة المقاطعة بات أكثر انتشارًا وتأثيرًا.

لكن الشهيد القائد لا يكتفي بالدعوة إلى المقاطعة، بل يؤكد على أهمية بناء اقتصاد مستقل، بحيث لا يكون المسلمون مرهونين لاقتصادات الأعداء، ما يجعلهم عرضة للضغوط السياسية والاقتصادية في أي لحظة.  فالاعتماد على المنتجات الأمريكية أو المدعومة يجعل الأمة ضعيفة، وغير قادرة على اتخاذ مواقف حاسمة ضد العدو، خوفًا من العقوبات الاقتصادية أو الضغوط الخارجية.

واليوم، ومع تصاعد الهيمنة الاقتصادية الأمريكية على العالم الإسلامي، عبر المؤسسات المالية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، يصبح من الضروري إعادة النظر في البنية الاقتصادية للأمة، والسعي نحو الاستقلال المالي والاعتماد على الموارد المحلية، لتقليل التأثيرات السلبية التي تفرضها الشركات الكبرى المرتبطة بالمشروع الصهيوني.

ويشدد الشهيد القائد على أن المقاطعة الاقتصادية لا يجب أن تكون مجرد استجابة لحالة غضب مؤقتة، بل يجب أن تتحول إلى ثقافة دائمة في حياة المسلمين، بحيث يدرك كل فرد أن قراراته الشرائية لها تأثير مباشر على معركة الأمة ضد الاستكبار العالمي.”نحن هنا في اليمن كمثال ناهيك عن بقية الدول العربية، والمسألة هي واحدة: طعامنا، لباسنا، أدْوِيَتُنا، مختلف الكماليات التي نستخدمها، الصابون، الشامبو مختلف المشروبات، مختلف العطور، الأشياء الكثيرة جداً جداً التي نستهلكها، معظمها شركات أجنبية بأيدي اليهود.

هم لا يريدون أن يصل الناس إلى مستوى أن يصنعوا لأنفسهم، أن يكتفوا بأنفسهم في مجال الزراعة, في مختلف شؤون الحياة، لا يودون لنا أي خير. يريدون منا أن نظل سوقاً استهلاكية نستهلك منتجاتهم”.

ولهذا، فإن العمل على توعية الشعوب بأهمية المقاطعة، وتعزيز البدائل الاقتصادية المحلية، يُعَدان من أهم خطوات المواجهة ضد المشروع الصهيوني الأمريكي.

 

المقاومة العسكرية.. الخيار الذي لا يمكن التخلي عنه

في سياق المواجهة الشاملة ضد الكيان الصهيوني، يُعد العمل الجهادي أحد أهم الأدوات التي لا يمكن للأمة أن تتخلى عنها في معركتها ضد الاحتلال الإسرائيلي وداعميه. يؤكد الشهيد القائد أن “إسرائيل” ليست كيانًا يمكن أن يُواجه بالمفاوضات أو التسويات السلمية، بل هي كيان قائم على القتل والدمار، ولا يفهم إلا لغة القوة. ولهذا، فإن المقاومة المسلحة ليست خيارًا ثانويًا، بل هي الخيار الأساسي الذي أثبت فعاليته عبر العقود في مواجهة الاحتلال.

ويؤكد الشهيد القائد أن التجارب السابقة أثبتت أن كل المفاوضات التي أُجريت مع العدو لم تؤدِّ إلا إلى مزيد من التنازلات، بينما كانت المقاومة هي الخيار الوحيد الذي حقق إنجازات حقيقية على الأرض.

وتتجلى صحة هذه الرؤية بوضوح في الأحداث الجارية، حيث أثبتت فصائل المقاومة الفلسطينية، مثل كتائب القسام وسرايا القدس، أن الكيان الصهيوني ليس قوة لا تُقهر، بل هو كيان هش، يعتمد على الدعم الخارجي، وأنه يتراجع عسكريًا كلما تصاعدت عمليات المقاومة. ففي كل مواجهة مع الاحتلال، كانت العمليات العسكرية تُرغم “إسرائيل” على إعادة حساباتها، وتجعلها عاجزة عن فرض إرادتها بالكامل.

لكن الشهيد القائد لا ينظر إلى المقاومة فقط من الزاوية العسكرية، بل يرى أنها يجب أن تكون جزءًا من استراتيجية شاملة، تشمل المقاومة السياسية، والثقافية، والاقتصادية، بحيث يكون العمل العسكري أحد أدوات المواجهة، وليس الأداة الوحيدة. ولهذا، فإنه يُشدد على أن دعم المقاومة يجب أن يكون على كافة المستويات، سواء من خلال الدعم المالي، أو الإعلامي، أو السياسي، لأن أي انتصار تحققه المقاومة في الميدان العسكري، يحتاج إلى غطاء شعبي وسياسي يحميه ويعززه.

وفي ظل استمرار الجرائم الإسرائيلية بحق الفلسطينيين، كما يحدث اليوم في غزة والضفة الغربية، يُصبح من الواضح أن الرهان على أي تسوية سلمية مع الكيان الصهيوني هو رهان فاشل، وأن الخيار الوحيد أمام الأمة هو تعزيز خيار المقاومة، ودعم الفصائل التي تقف في وجه الاحتلال، لأنها تمثل خط الدفاع الأول عن كرامة المسلمين ومقدساتهم.

 

يوم القدس العالمي.. نقطة التحول في المواجهة

يرى الشهيد القائد أن يوم القدس العالمي يجب أن يكون أكثر من مجرد مناسبة سنوية، بل يجب أن يتحول إلى نقطة انطلاق لعمل مستمر، بحيث يتم استثماره في تعزيز الوعي بالقضية الفلسطينية، وتصعيد العمل المقاوم ضد الاحتلال الإسرائيلي. فهو ليس فقط لتذكير الناس بالقضية، بل هو فرصة لإعادة توجيه البوصلة، وتصحيح الأولويات، وتحفيز الشعوب الإسلامية للتحرك الجاد لمواجهة العدو الصهيوني الأمريكي.

ويقول الشهيد القائد في هذا الشأن:

“فيوم القدس هو يوم أن تتجه الشعوب نفسها حتى لا تبقى متأثرة بإعلام اليهود، ولا متأثرة بالإعلام الذي يبرر للدول التي تحكم المسلمين تبرر قعودهم”.

ويشدد على أن الاحتفاء بيوم القدس يجب أن يكون فعّالًا، من خلال تنظيم الفعاليات، والمظاهرات، والندوات، وحملات التوعية، والتأكيد على أن قضية القدس ليست قضية موسمية، بل هي محور الصراع الدائم الذي يجب أن يبقى حاضرًا في وجدان الأمة.

 

فلسطين هي القضية والمواجهة مستمرة

قدم الشهيد القائد خصوصا في محاضرته (يوم القدس العالمي ) خريطة طريق استراتيجية لمواجهة المشروع الصهيوني الأمريكي، حيث تتجاوز رؤيته نطاق الشعارات التقليدية إلى أسس عملية لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي وحلفائه على كافة الأصعدة. فمن خلال تحليله لطبيعة الصراع، يوضح أن “إسرائيل” ليست مجرد كيان محتل، بل رأس حربة لمشروع استعماري عالمي، تقوده الولايات المتحدة، ويهدف إلى إخضاع الأمة الإسلامية، وإبقائها في حالة ضعف وتبعية دائمة.

في هذا الإطار، يؤكد الشهيد القائد أن المعركة مع “إسرائيل” وأمريكا ليست مجرد معركة عسكرية، بل هي حرب شاملة تستهدف الأمة في كافة الجوانب السياسية، والاقتصادية، والإعلامية، والثقافية، ما يستوجب تبني استراتيجية مواجهة متكاملة تشمل المقاومة المسلحة، المقاطعة الاقتصادية، والتحرك الشعبي والإعلامي المستمر. وهذه الرؤية تتجلى في قوله:

“إسرائيل لم تعد تلك البقعة التي تهيمن عليها داخل فلسطين. الثقافة، الرأي العام، الهيمنة الإعلامية، الهيمنة الثقافية أصبحت بأيدي اليهود، فنحن بحاجة إلى أن نواجه اليهود، وليس فقط إسرائيل، اليهود تأثيرهم يصل إلى كل مكان”.

 

ضرورة التحرك الشعبي المستمر

إن ما نشهده اليوم من جرائم الاحتلال الصهيوني في فلسطين، والمجازر المستمرة في غزة ولبنان والضفة الغربية وفي اليمن، يثبت صحة ما أكده الشهيد القائد حول أن العدو لا يفهم إلا لغة القوة، وأن التخاذل أو الرهان على المفاوضات لن يؤدي إلا إلى مزيد من الإجرام والتهويد والعدوان. وفي مواجهة هذا الواقع، تصبح المسؤولية الجماعية للأمة الإسلامية أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى، بحيث لا تبقى قضية القدس مجرد قضية فلسطينية، بل تتحول إلى قضية مركزية لكل مسلم.

ولهذا، فإن يوم القدس العالمي ليس مجرد يوم رمزي، بل هو محطة للتحرك العملي، ودعوة لكل الشعوب الإسلامية لرفع صوتها، والتحرك ضد الاحتلال الإسرائيلي بكل الوسائل الممكنة.

 

دور الوعي في إفشال المخططات الأمريكية والصهيونية

من الجوانب المهمة التي تناولها الشهيد القائد، أن العدو الصهيوني وحلفاءه في الغرب لا يعتمدون فقط على القوة العسكرية في إخضاع الأمة، بل يعملون على إضعاف الأمة من الداخل، عبر نشر الفتن الطائفية، والترويج لثقافة الاستهلاك، وإشغال المسلمين بصراعات جانبية، حتى ينسوا قضيتهم الكبرى.

وما نراه اليوم من حملات إعلامية ضخمة، تهدف إلى تشويه المقاومة الفلسطينية، وإظهار إسرائيل ككيان ديمقراطي في المنطقة، يؤكد خطورة الحرب النفسية التي يشنها العدو، وضرورة التصدي لها عبر نشر الوعي، وكشف الأكاذيب، وتعزيز ثقافة المقاومة في المجتمعات الإسلامية.

عندما قال الله سبحانه وتعالى عن اليهود: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا}(المائدة: من الآية82) يريد منا أن نربي أنفسنا, وأن نربي أولادنا على أن يحملوا عداوة لأعداء الله لليهود والنصارى, أن يحملوا عداوة. العداوة في الإسلام إيجابية ومهمة، العداوة إيجابية”.

 

تحرير القدس يبدأ من تحرير الأمة من التبعية

من أهم الدروس التي نستخلصها من رؤية الشهيد القائد، أن تحرير القدس لا يمكن أن يتم إلا إذا تحررت الأمة من التبعية للقوى الاستكبارية، سواء كانت تبعية سياسية، أو اقتصادية، أو ثقافية. فكما يؤكد، فإن الأنظمة التي تتودد لإسرائيل، وتسعى إلى نيل رضا الولايات المتحدة، لا يمكن أن تكون جزءًا من معركة التحرير، لأن ولاءها ليس لشعوبها، بل لأعدائها.

واليوم، بعد أن شهدنا موجة من التطبيع مع الكيان الصهيوني، ومحاولات تحويل “إسرائيل” إلى “شريك استراتيجي” في المنطقة، يتضح أكثر من أي وقت مضى أن الشعوب هي من يجب أن تأخذ زمام المبادرة، وأن تتحرر من تأثير الأنظمة العميلة، التي تروج لفكرة أن “إسرائيل باتت أمرًا واقعًا، لا يمكن تغييره”.

 

استمرار المقاومة.. ضمانة النصر

في الختام، يظل نهج المقاومة هو النهج الوحيد القادر على تغيير المعادلات، وفرض واقع جديد على الأرض، كما أثبتت التجارب السابقة في غزة ولبنان واليمن والعراق.

ولهذا، فإن المعركة ضد المشروع الصهيوني الأمريكي لن تُحسم إلا إذا واصلت الشعوب الإسلامية دعمها للمقاومة، وتحملت مسؤولياتها تجاه قضاياها المصيرية، ورفضت كل أشكال الخضوع والاستسلام.

فلسطين لن تتحرر بالمفاوضات أو الشعارات، بل ستتحرر حينما تُدرك الأمة أن المعركة مع “إسرائيل” وأمريكا هي معركة وجود، وأن خيار المقاومة هو الخيار الوحيد القادر على إعادة الحقوق لأهلها.

إن كسر الهيمنة الصهيونية الأمريكية ليس مجرد حلم، بل هو واقع يتحقق بالمقاومة، والتضحية، والإصرار، وبإيمان الشعوب بأن القدس ليست قضية سياسية فقط، بل هي قضية عقيدة، وهوية، وكرامة.

ولذلك، فإن إحياء يوم القدس العالمي يعتبر جهاداً في سبيل الله واستمرارا لنهج المقاومة، وتجديدا للعهد بأن فلسطين لن تُنسى، وأن الاحتلال لن يدوم، وأن الحق لا بد أن ينتصر في النهاية، مهما طال الزمن.

نقلا عن موقع أنصار الله

مقالات مشابهة

  • فلسطين: إسرائيل تواصل استخدام أسلحة فتاكة ومتفجرة في غزة
  • هيئة علماء فلسطين: تجريد المقاومة من سلاحها خيانة لله ورسوله
  • زوجة معتقل أردني توجه رسالة شكر ساخرة لمسؤولي السجن.. ماذا قالت فيها؟
  • تعرف على القنابل الخمسة التي تستخدمها إسرائيل في إبادة غزة
  • باحث: إسرائيل لديها أهداف فى لبنان تريد استكمالها بالحرب
  • ماذا قال ترامب عن المسيرات الإيرانية التي تستخدمها روسيا لضرب أوكرانيا؟
  • مقترح فرنسي بنشر قوات يونيفيل في مواقع تسيطر عليها إسرائيل
  • الكاتب والصحفي اللبناني علي رضا يوسف سبيتي لـ” الثورة”:   جئنا من أرض المقاومة إلى رأس الحربة في الدفاع عن فلسطين
  • في رحاب يوم القدس العالمي.. رؤية الشهيد القائد لمواجهة أمريكا و”إسرائيل”
  • قائد أنصار الله: اليمن ماضٍ في موقفه المبدئي الإيماني والإنساني في دعم فلسطين دون تردد أو تراجع