فقدوا عائلاتهم بأكملها.. والفلسطينيون يتساءلون: لماذا؟
تاريخ النشر: 16th, November 2023 GMT
في الليلة التي ضرب فيها الانفجار منزل عائلته في قطاع غزة، كان أحمد الناعوق على بعد أكثر من 2000 ميل، لكنه ظل مستيقظا، في ذعر لا يمكن تفسيره.
فتح هاتفه المحمول ليجد أن صديقا قد كتب رسالة ثم قام بحذفها. اتصل به الناعوق من لندن. الكلمات التي جاءت من الطرف الآخر كانت مثل ضربات مطارق فوق رأسه: ضربة جوية. الجميع قتلوا.
بعدها بأربع ليال استيقظ عمار البطة مذعورا من نومه في مدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة عندما انهار عليه جدار غرفة نومه. فقد اخترق صاروخ شقته في الطابق العلوي وانفجر في الطابق الأسفل منه.
كان يخطو فوق الأنقاض، ويسلط ضوء هاتفه المحمول على الحطام، وينادي على أقاربه الستة عشر.
ونادى عليهم، ثم بكى، فلم يرد عليه سوى الصمت.
إسرائيل تحمل حماس المسؤولية
قتلت أجيال كاملة من العائلات الفلسطينية في قطاع غزة المحاصر، من الأجداد إلى الأطفال الرضع الذين لم يتجاوز عمرهم بضعة أسابيع، في غارات جوية في الحرب بين إسرائيل وحماس، والتي يقول الجيش الإسرائيلي إن الهدف منها هو استئصال الحركة من القطاع الساحلي.
وتقع الهجمات على نطاق لم يسبق له مثيل منذ سنوات من الصراع بين إسرائيل وحماس، حيث أصابت المناطق السكنية والمدارس والمستشفيات والمساجد والكنائس، بل وضربت مناطق في جنوب غزة حيث أمرت القوات الإسرائيلية المدنيين بالفرار.
وتقول إسرائيل إن هدف الحرب هو تدمير حماس في أعقاب الهجوم الذي قامت به الحركة المسلحة في 7 أكتوبر على جنوب إسرائيل.
وبينما تؤكد إسرائيل أن الهجمات تستهدف النشطاء المسلحين وبنيتهم التحتية، فإنها تلقي باللوم في ارتفاع عدد القتلى، أكثر من 11500 شخص وفقا لوزارة الصحة في غزة، على حماس، قائلة إن الحركة تعرض المدنيين للخطر من خلال العمل وسط السكان وفي الأنفاق تحت المناطق المدنية.
لكن حجم الدمار والخسائر في الأرواح في غزة، حيث تم القضاء على عائلات بأكملها في ضربة واحدة، أثار تساؤلات مقلقة حول التكتيكات العسكرية الإسرائيلية.
أجيال كاملة ضحية الهجمات
سيستغرق الأمر ساعات طويلة من الرعب والفوضى قبل أن تستقر الحقيقة مثل الرماد الناتج عن انفجار 20 أكتوبر الذي دمر منزل عائلة الناعوق، وراح ضحيته 21 من أقاربه.
وكان من بينهم والده البالغ من العمر 75 عاما وشقيقيه و3 شقيقات وأطفالهم الثلاثة عشر.
وقال الناعوق، وهو طالب دراسات عليا في لندن، للأسوشيتد برس "لا أستطيع تصديق أن هذا حدث بالفعل، لأنني إذا فكرت فيما يعنيه ذلك، فسوف أدمر".
وكان والده نصري قد أبلغه مؤخرا أن منزل شقيقته آية في شمال غزة دمر، وأنها تقيم معهم في مدينة دير البلح بوسط البلاد، جنوب المنطقة التي أمرت إسرائيل الفلسطينيين بمغادرتها.
ويتذكر الناعوق أنه أجاب أن البيت يمكن إعادة بنائه، وأن المهم أنها وأطفالها بخير.
لكن بعد ساعات فقط، قتلوا جميعا: ولاء، أذكى أطفال الناعوق الحاصلة على شهادة في الهندسة، وأطفالها الأربعة؛ وآلاء وأطفالها الخمسة؛ وآية المعروفة بروح الدعابة وأطفالها الثلاثة؛ والأخ الأكبر محمد؛ والشقيق الأصغر محمود الذي كان يستعد للسفر إلى أستراليا لدراسات عليا عندما اندلعت الحرب.
ولا يزال 9 من القتلى الـ21 تحت الأنقاض، وحال النقص الحاد في الوقود دون قيام طواقم الدفاع المدني بانتشال جثثهم.
كان التعرف على جثث القتلى مؤلما للغاية، إذ لم يتسن التعرف على العديد من الجثث، لأن معظمها كان مجرد أشلاء.
وقالت دعاء، إحدى شقيقات الناعوق، التي لم تكن بالمنزل وقت الغارة، إنها لا تستطيع تحمل رائحة اللحم المتعفن لقتلى تحت الأنقاض. وعرض أحدهم عليها أشلاء تم انتشالها وأخبرها أنها لإحدى الشقيقات.
كان هناك ناجيان: شيماء، زوجة شقيق الناعوق، وعمر، ابن أخيه البالغ من العمر 3 سنوات. وقالت شقيقته دعاء إن ابنة أخيه ملكة البالغة من العمر 11 عاما، نقلت إلى مستشفى الأقصى مصابة بحروق شديدة، لكنها توفيت بعد أن أعطى الأطباء سريرها في وحدة العناية المركزة لمريض آخر لديه فرصة أفضل للبقاء على قيد الحياة.
وقال الطبيب محمد قنديل، من مستشفى ناصر، ثاني أكبر مستشفيات غزة، إنه يتعين على الأطباء اتخاذ قرارات فرز صعبة للغاية، ويترك المرضى المصابون بجروح خطيرة للموت بسبب نقص الأسرة والإمدادات الطبية والوقود.
وقال عن المرضى الذين يحتاجون إلى العناية المركزة والذين يعانون من جروح ناجمة عن انفجارات "نغادر معظمهم لأننا لا نملك أجهزة تهوية أو أسرة.. بلغنا مرحلة الانهيار الكامل".
مزاعم متناقضة
لم توضح إسرائيل كيفية اختيارها للأهداف في قطاع غزة المكتظ بالسكان. لكن المسؤولين الإسرائيليين يقولون إن العديد من الغارات على المنازل تستند إلى تقييمات استخباراتية تفيد بأن نشطاء حماس المطلوبين موجودون بداخلها. على الرغم من أنها لا تقدم سوى القليل من التفاصيل، إلا أن إسرائيل تقول إن كل غارة جوية تتم مراجعتها على يد خبراء قانونيين للتأكد من امتثالها للقانون الدولي.
وينفي العديد من الأسر في غزة أن تكون لمنازلها أي علاقة بحماس.
ولا تفرق وزارة الصحة في غزة بين المدنيين والمقاتلين، لكنها تقول إن غالبية الفلسطينيين الذين قتلوا كانوا قصرا ونساء، أكثر من 4500 و2200 على التوالي.
وفقدت ما لا يقل عن 304 عائلات ما لا يقل عن 10 من أقاربها؛ وفقدت حوالي 31 عائلة أكثر من 30 فردا، وفق تقرير وزارة الصحة الصادر في 6 نوفمبر. ومن المرجح أن يكون هذا العدد أعلى الآن مع استمرار القصف الإسرائيلي المكثف.
ومن بين الأسر التي شهدت أكبر عدد من الضحايا، العديد منهم من الأطفال، عائلة الأسطل.
فقد فقدت عائلة الأسطل 89 من أقاربها، 18 منهم أطفال دون سن العاشرة، من بينهم 3 أطفال لم يبلغوا عاما واحدا، وفق تقرير الوزارة الصادر في 26 أكتوبر. وأضافت الوزارة أن 74 فردا من عائلة حسونة قتلوا، بينهم 22 طفلا تتراوح أعمارهم بين سنة و10 سنوات. وفقدت عائلة النجار 65 من أقاربها، 9 منهم تحت سن 10 سنوات و13 تحت سن 4 سنوات.
ويقول عمار البطة إن أقاربه جميعهم من المدنيين وليس لهم أي صلة بحماس.
وكانت عائلة ساق الله، أبناء عمومته المعروفون بمتاجر الحلوى في مدينة غزة، لجأت إلى منزل عائلة البطة المكون من 4 طوابق في خان يونس، استجابة لأوامر الإخلاء الإسرائيلية.
وتحدث أحمد ساق الله، 42 عاما، عن إعادة بناء منزل عائلته الذي دمره القصف، وتطلعه إلى إصلاح السباكة والطلاء.
وقال عمار "أحلام بسيطة وجميلة".
إلا أنه بعد 10 أيام قتل جميع أفراد عائلة ساق الله الستة عشر، من نادية (69 عاما) إلى الطفل أسعد (أقل من عام) في الهجوم الذي وقع قبل فجر 24 أكتوبر.
سؤال بلا رد
سأل الناعوق عبر مجموعة عائلته على تطبيق واتساب ليلة الانفجار الذي دمر منزلهم "أخبروني، كيف حالكم يا شباب؟" لكن سؤاله بقى عالقا دون إجابة.
بعد المسافة جعل هذه الأخبار المدمرة غير قابل للتصديق. فمن خلال ليالي لندن الهادئة، حيث يتردد صدى أصوات المرح في المطاعم والحانات، يصعب على الناعوق تخيل الغارات الجوية وهي تضيء سماء غزة، وصراخ السكان المذعورين، وعائلته التي ترقد تحت الأنقاض بلا حياة.
وهو ليس لديه أي فكرة عن مكان دفن جثث أقاربه، فلم يكن هناك مساحة كافية في مشرحة المستشفى للاحتفاظ بهم. وقد يكونوا قد دفنوا في مقبرة جماعية، لكن الناعوق ليس لديه أي وسيلة لمعرفة ذلك.
وقال البطة إن افراد عائلة ساق الله دفنوا في مقبرة عائلته بخان يونس، وأضاف "جفت الدموع".
في ظل فوضى الحرب، تتم عملية تسجيل الموتى بشكل متسرع ومحزن.
يبدأ الأمر بقيام الأقارب بتدوين أسماء الموتى والمفقودين، ثم يحفرون تحت الأنقاض بأيديهم، وينادون عليهم لعل إجابة تصلهم. ولاحقا، تصدر المستشفيات شهادات الوفاة.
ويتساءل الأقارب المكلومون، الذين يؤكدون أنه لا يوجد أحد في أسرهم على صلة بحماس: "لماذا؟"
ويتساءل الناعوق " لماذا يقتلون الأطفال والمسنين، وقد كانوا جميعا من المدنيين؟ ما هو المبرر لقصف منزلي؟"
ويستطرد قائلا "أتمنى أن ألتقي ذات يوم الشخص الذي ضغط على الزناد. أريد أن أسأله: لماذا فعلت ذلك؟"
المصدر: سكاي نيوز عربية
كلمات دلالية: ملفات ملفات ملفات لندن خان يونس قطاع غزة إسرائيل حماس دير البلح مستشفى الأقصى الغارات وزارة الصحة القصف الإسرائيلي مدينة غزة الغارات الجوية تحت الأنقاض أخبار فلسطين أخبار غزة الحرب على غزة ضحايا الحرب على غزة الضحايا الفلسطينيون قصف إسرائيلي قصف إسرائيلي على غزة القوات الإسرائيلية الجيش الإسرائيلي جرائم حرب القتلى المدنيون لندن خان يونس قطاع غزة إسرائيل حماس دير البلح مستشفى الأقصى الغارات وزارة الصحة القصف الإسرائيلي مدينة غزة الغارات الجوية تحت الأنقاض أخبار فلسطين تحت الأنقاض من أقاربه العدید من قطاع غزة أکثر من فی غزة
إقرأ أيضاً:
نيويورك تايمز: ما الذي يمنع اندلاع حرب واسعة بين إسرائيل وإيران؟
حذرت صحيفة نيويورك تايمز من أن العالم يحبس أنفاسه مع احتمال تفجر الصراع بين إسرائيل وإيران في أي وقت، وذكرت أن ما يقرب من شهر قد انقضى منذ هاجمت إسرائيل قواعد إيران العسكرية، ولا يزال العالم يترقب كيف سترد طهران.
وتتساءل الصحيفة، في تقرير لمراسلتها في روما، لارا جايكس، عن الأسباب التي تمنع القوتين في الشرق الأوسط من الدخول في حرب أوسع نطاقا بدت للوهلة الأولى أنها على وشك الانفجار.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2الحرس الثوري الإيراني: مواجهتنا مع إسرائيل لها امتداد دوليlist 2 of 2إعلام إسرائيل يتساءل: متى سترد إيران؟ وكيف؟end of listوربما كان المحللون يتوقعون، منذ وقت ليس ببعيد، أن أي ضربة مباشرة من إيران على إسرائيل، أو من إسرائيل على إيران، ستؤدي إلى اندلاع حريق فوري، إلا أن الأمور لم تسر على هذا النحو.
كواليسوذكرت الصحيفة أن أحد أسباب ذلك التحركات الدبلوماسية المحمومة "خلف الكواليس" من الولايات المتحدة ودول عربية.
ومع ذلك، فإن تبادل الهجمات "المدروسة والمحدودة" بين إسرائيل وإيران تنذر أيضا بحرب "صدمة وترويع" بينهما، قد تكون لها عواقب وخيمة ليس فقط على منطقة الشرق الأوسط فحسب، بل على معظم دول العالم.
وفي هذا الصدد، نقلت الصحيفة عن جوليان بارنز داسي، مدير شؤون الشرق الأوسط في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، قوله إن طبيعة الهجمات المتبادلة تشي -على ما يبدو- بأن الدولتين تدركان مدى خطورة نشوب حرب إقليمية أشد ضراوة، ترغب كلتاهما -على الأرجح- في تفاديها.
واستدرك أن ذلك لا يعني أن النهج الحالي يخلو من مزالق، فهو "مسار محفوف بمخاطر جمة وغير مستدام، سرعان ما قد يخرج عن السيطرة".
التصعيد تدريجياوأضاف أن إسرائيل ربما تتعمد التدرج في التصعيد بنية القيام، في نهاية المطاف، بشيء أوسع نطاقا وأكثر حسما.
ورغم كل ذلك، فإن نيويورك تايمز ترى أن الهجمات المتبادلة بين إيران وإسرائيل لا تشبه كثيرا الحرب المعروفة باسم الصدمة والترويع التي تُستخدم فيها القوة النارية الماحقة والتكنولوجيا المتفوقة والسرعة لتدمير قدرات العدو المادية وإرادته في المقاومة، وهو مدلول أطلقه لأول مرة خبيران عسكريان أميركيان عام 1996.
ولعل أبرز مظاهر الصدمة والترويع التي لا تنسى -حسب الصحيفة- تلك التي تجلت في وابل الضربات الجوية التي شنتها الولايات المتحدة في بداية غزوها العراق عام 2003، وحربها على أفغانستان عام 2001.
وتعتقد الصحيفة أنه سيكون من الصعب تنفيذ حرب "الصدمة والترويع" في الصراع الدائر حاليا في الشرق الأوسط، ذلك أنه يستدعي إشراك قوات برية وتزويدها بعتاد بري وجوي وبحري أكثر مما قد ترغب إسرائيل أو إيران في نشره عبر مئات الأميال التي تفصل بينهما.
الصدمة والترويعولا تزال الأوساط العسكرية تتداول في إذا ما كان هجوم "الصدمة والترويع" قابلا للتطبيق. وهذا ما ناقشه رئيس هيئة الأركان المشتركة المتقاعد، الجنرال الأميركي مارك ميلي، والرئيس التنفيذي السابق لشركة غوغل، إريك شميت، في مقالهما التحليلي الذي نشرته مجلة فورين أفيرز أغسطس/آب الماضي.
وفي ذلك المقال، كتب الاثنان أن عصر حروب الصدمة والترويع، "التي كانت واشنطن قادرة فيها على القضاء على خصومها بقوة نيران قاهرة، قد ولى"، وأن الأسلحة ذاتية التشغيل والذكاء الاصطناعي يغيران طبيعة الحرب.
وقد رد محللان في مركز الدراسات الإستراتيجية التابع للبحرية الملكية البريطانية، الشهر الماضي، على المقال المذكور بأن حرب الصدمة والترويع تتطور ولم تنتهِ، واستدلا على ذلك بهجوم إسرائيل على حزب الله في لبنان عبر أجهزة النداء واللاسلكي المفخخة.
ووفقا لتقرير نيويورك تايمز، فإن تبادل الهجمات الأشهر الماضية بين إسرائيل وإيران جعل المسؤولين حول العالم في حالة تأهب لحرب إقليمية أوسع نطاقا. وبعد ساعات من الضربات، قال القائد العام للحرس الثوري الإيراني الجنرال حسين سلامي إن بلاده قررت خلق "معادلة جديدة" في صراعها المستمر منذ سنوات مع إسرائيل.
مخاطرغير أن فرزان ثابت، وهو محلل متخصص في السياسة الإيرانية والشرق أوسطية في معهد جنيف للدراسات العليا في سويسرا، صرح للصحيفة الأميركية بأن وابل الهجمات الصاروخية المنضبطة يبدو أنه يشير إلى نوع جديد من الحروب.
لكنه حذر أيضا من الأسوأ ربما يحدث حتى الآن، إذ أشارت إيران مؤخرا إلى أنها مستعدة لضرب مصادر الطاقة الرئيسية في إسرائيل -بما في ذلك حقول الغاز ومحطات الطاقة ومحطات استيراد النفط- في حال استُهدفت بنيتها التحتية المدنية.
ويعتقد ثابت أن إيران "تحاول أن تكون لها الكلمة الأخيرة"، بمعنى أنها "تريد أن تُظهر لشعبها وللرأي العام الإقليمي أنها فعلت شيئا، لكنها لا تريد تصعيد الصراع".
ومع عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب للسلطة، فإن نيويورك تايمز تتوقع على نطاق واسع أن ينتهج سياسة خارجية مواتية لإسرائيل، و"يحشد صقورا مناوئين لإيران في حكومته"، مما قد ينقل الحرب بين إيران وإسرائيل إلى مضمار جديد.