رصدت السينما الفلسطينية إرث الصراع العربى الإسرائيلى منذ نشأته، واستطاعت رغم كل العوائق والحصار أن تسجل مشاركات مهمة عالميًا، وتؤكد قوة حضور السينما الفلسطينية فى المشهد الإبداعى والنضالى الفلسطينى، فقد تمكنت السينما الفلسطينية لاحقا ولو بتجارب فردية أن تناضل لإثبات وجودها، كما يناضل الشعب الفلسطينى لإثبات حضوره، وظهر ذلك جليًا فى مشاركة العديد من المخرجين الفلسطينيين فى المهرجانات الدولية.

وعكست نجاحات الأفلام الفلسطينية فى المهرجانات العالمية، صورة أخرى للفلسطينيين فلا الحصار ولا الدمار حال دون اهتمام السينمائيين بعرض القضايا الخاصة بالصراع، ولعل فى هذه الأيام العصيبة والمجازر الانسانية التى يعيشها أبناء غزة، كشفت الملايين من القصص الانسانية المريرة التى سيرصدها السينمائيون خلال الأيام المقبلة.

ونستطرد فى هذا التقرير أهم الافلام الفلسطينية وصناعها الذين تخطوا حدود المحلية ليصلوا إلى العالمية لتصبح افلامهم لسان حال النضال الفلسطينى امام العالم فى التعبير عن واقعهم المأسوى الذى يمرون به منذ الصراع العربى الاسرائيلى. 

 كان فيلم المخرج قاسم حول «عائد إلى حيفا» عن رواية غسان كنفاني، أول فيلم روائى تنتجه الثورة الفلسطينية-، حيث كانت الأعمال السينمائية الفلسطينية مباشرة فى خطابها، فى التعبير عن انطلاقة الثورة الفلسطينية عام 1965 وبدايات الكفاح المسلح، وتأسس وقتها «وحدة أفلام فتح» التى أشرف عليها المخرج مصطفى أبو على، وكان مجمل التصوير من المعسكرات لنقل الكفاح والحراك الثورى. 

وكان المخرج ميشيل خليفى أول من أخرج السينما الفلسطينية من خانة الثورية بالمعنى الذى كان سائدا بالستينيات والسبعينيات من القرن الماضى وأسس لسينما جديدة تغادر المعسكرات وخنادق المواجهة المسلحة لتدخل منازل الأسر الفلسطينية تحت الاحتلال ولتطرح القضية الفلسطينية سواء عبر افلامه «الذاكرة الخصبة» و«عرس الجليل» من منظور مختلف وتقنيات مختلفة.

ويعد فيلم «عُرس الجليل» الذى قدمه المخرج ميشيل خليفى، عام 1987، ضمن أهم الأعمال الروائية التى قدمت عن المقاومة، وهو ثانى أعمال المخرج ميشيل خليفى، المقيم فى بلجيكا، بعد فيلمه الوثائقى عن فلسطين أيضاً، وأثبت الفيلم نجاحه فى المهرجانات والمحافل الدولية، وتدور أحداثه فى مدينة الجليل بالأرض المحتلة، حيث يرغب كبير القرية بتزويج ابنه فى عُرس تتحدث عنه الناس، وبما أن التجمعات الكبيرة مرفوضة، يضطر إلى دعوة الحاكم العسكرى الإسرائيلى للعرس، وتتباين ردود الأفعال داخل القرية على هذا القرار،ومن يقاطع العُرس، ومن ينوون استغلال قدوم الإسرائيليين لتدبير هجوم عليهم، وقبل نهاية العُرس يسرقون حصانا عربيا يعجبهم، ويضل الحصان طريقه وسط حقل ألغام، ويتعاون الجميع لإنقاذه، لكن فى نهاية الأمر يودعون المحتلين بوابل من الحجارة، ليعبر الفيلم عن أهمية ثورة الحجارة.

وعبر الأجيال، ظهرت موجة سينمائية جديدة تمكنت من تجاوز المعوقات العديدة، وخلقت مشهدا مختلفا، وتواصلا مع المشاهد الغربى والعربى ونقلت الكثير من الحقائق والأحداث الساخنة سواء فى المخيمات أو الداخل الفلسطينى بلغة مميزة وتقنيات سينمائية عالية ونشطة خاصة السينما التسجيلية.

من ابرز هؤلاء المخرجين «إيليا سليمان» الذى حققت افلامه ردود فعل قوية عالميا، ومنها «يد إلهية»، و»سجل اختفاء» وغيرها.

إيليا المولود فى الناصرة عام 1960 اعتقل فى عمر الـ17 عندما كان فى تل أبيب وطلب منه الاعتراف بعضويته فى منظمة التحرير الفلسطينية، رفض إيليا ذلك، وبعد وقت قصير هاجر إلى لندن ثم إلى فرنسا، حيث أقام عاما عاد بعده إلى فلسطين المحتلة.

وبعد أن أقام فى الناصرة سنوات عدة أبدى فيها اهتماما بالسينما هاجر إلى نيويورك عام 1982 حيث أقام لمدة 12 عاما.

صنع أول أفلامه الروائية الطويلة «سجل اختفاء» وحصل خلاله على جائزة العمل الأول من مهرجان فينيسا، 1996، لتصبح أول جائزة من مهرجان كبير يحصل عليها فيلم فلسطينى، وبعد 5 سنوات قدم فيلم «يد إلهية»، وحصل خلاله على جائزة لجنة التحكيم وجائزة لجنة النقاد.

وهو الفيلم الذى قدمه عام 2001، ويحكى قصة حب بين فتى فلسطينى من سكان أراضى فلسطين التى احتلت عام 1948 وفتاة فلسطينية من سكان الضفة، يلتقيان فى سيارة فارهة على حاجز إسرائيلى (نقطة تفتيش)، ويراقبان ما يحدث خلف حواجز الاحتلال الإسرائيلية من قهر للفلسطينيين وإساءة معاملة.

يطيّر من نافذة سقف سيارته بالونا عليه صورة ياسر عرفات، يرتفع عرفات على البالون ويستطيع الإفلات من حاجز المحتل وطلقات الجنود، ويزور عرفات المرسوم على البالون الأحمر القدس بكنائسها ومساجدها ويستقر على قبة مسجد الحرم القدسى.

أيضا من ضمن أهم مخرجي فلسطين الذى اثبت انه مخرج عالمى قادر على تخطى الحدود المخرج، هانى أبو أسعد، ابن الناصرة المولود عام 1961، هاجر إلى هولندا وتلقى من الجوائز السينمائية العالمية بقدر ما تلقى من الهجوم بسبب فيلمه «الجنة الآن» الذى تطرق إلى الليلتين الأخيرتين من حياة شابين فلسطينيين قبل تنفيذ عملية استشهادية ينويان القيام بها، واتهم من قبل الإعلام الغربى بمناصرة العمليات الاستشهادية.

حصل فيلم «الجنة الآن» للمخرج هانى أبو أسعد على جائزة «ولدن جلوب» عام 2006، كما شارك فى مسابقة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبى ووصل إلى التصفيات النهائية.

وتدور احداثه حول الصديقين الفلسطينيين سعيد وخالد اللذين يعيشان حياة صعبة فى نابلس ويعملان جنبا إلى جنب فى ورشة لإصلاح السيارات، حيث كان من الصعب جدا الحصول على الوظائف.

تشمل تلك الحياة الصعبة الشعور وكأنهما سجينان فى الضفة الغربية بسبب عدم السماح لهما بالتنقل والسفر، يدركان أن كل مشاكلهما تعود للقمع الذى يمارسه الإسرائيليون، فيتطوعان فى مجموعة مقاومة فلسطينية لتنفيذ مهمة فى تل أبيب على أن تكون الخطة هى تفجير قنبلة، وبعد وهلة يتم تفجير قنبلة أخرى فى الموقع نفسه، وكان عليهما أن يعبرا بشكل غير قانونى إلى إسرائيل لتنفيذ المهمة، ويفكرا فى الأمر، إنهما لا يخافان الموت، لأن حياتهما الصعبة تشبه الموت بالفعل.

ايضا ضمن أهم افلامه، «عمر»، الذى عرض فى مهرجان كان السينمائى ضمن فعالية “نظرة ما، ويعد الفيلم الأول من نوعه الذى ينجز بطاقم فلسطينى، وإنتاج فلسطينى كامل، ويرصد نموذجا آخر لشاب فلسطينى يدعى عمر ويعمل خبازا، يحب فتاة فلسطينية على الجانب الآخر من الجدار الفاصل، ويحترف تفادى الرصاص الذى يطلقه جنود الاحتلال فيما يتسلق الجدار لرؤية الفتاة، وبينما يخططان بحماس للزواج تنحرف الخطط عن مسارها عقب اعتقاله بسبب تورطه فى قتل أحد جنود الاحتلال.

وفى 2002 صنع المخرج الشاب هانى أبو أسعد أول أفلامه «عُرس رنا» من إنتاج وزارة الثقافة الفلسطينية، وحقق نجاحات مرموقة فى مهرجانات عالمية وعربية. 

ويأتى المخرج رشيد مشهراوى، ليقدم مجموعة من اهم الاعمال السينمائية التى تعبر عن الواقع الفلسطينى بشكل واقعى مغاير، فهو أول سينمائى فلسطينى يصنع أفلاما فى الأرض المحتلة، حيث قدم افلام «جواز سفر» اول افلامه القصيرة فى سن الـ24، وبعدها قدم «الملجأ» و«دار ودور» و»أيام طويلة فى غزة».

أنشأ رشيد البنية الأساسية للسينما الفلسطينية من خلال شركة أيلول للإنتاج السينمائى، وقدم من خلالها فيلمه الروائى الأول «حتى إشعار آخر» 1993، وتدور احداثه على مدار يوم واحد فى غزة، ويرصد معاناة أهلها الممتدة تحت وطأة الاحتلال،حقق الفيلم نجاحات كبيرة فى المهرجانات العالمية والعربية، ما مهد الطريق إلى فيلمه التالى «حيفا» (1996) الذى شارك فى مسابقة مهرجان «كان» باسم فلسطين لأول مرة، كما حصل على عدد كبير من الجوائز والمشاركات الأخرى، كما أنشأ مركزا للإنتاج السينمائى فى رام الله.

وهو مؤسس مهرجان سينما الطفل الذى أنتج عددا كبيرا من الأفلام، ثم قدم فى عام 2008 فيلم «عيد ميلاد ليلى» الذى فاز بأكثر من عشرين جائزة عالمية.

وفى عام 2013 أنجز فيلمه الروائى الطويل السادس بعنوان «فلسطين ستيريو» الذى افتتح فى مهرجان تورنتو للعام نفسه، وقدم الفيلم الوثائقى الطويل «رسائل من اليرموك» 2014 عن حصار مخيم اليرموك فى سوريا.

أحدث أعماله هو فيلم «يوميات شارع جبرائيل» الذى صنعه مضطرا بعد أن منعه الإغلاق العام بسبب كورونا من تصوير فيلمه الروائى الجديد فى باريس، الذى يربط فيه بين الإغلاق العام وحظر التجول الذى يفرضه الاحتلال على الفلسطينيين بشكل شبه دائم.

أيضا ضمن نجوم فلسطين المميزة المخرج والممثل محمد بكرى، الذى قدم رواية «أبى سعيد المتشائل» لإميل حبيبى فى صورة مسرحية لسنوات طويلة داخل فلسطين وخارجها، وهو مطارد بأبيات درويش المتسائلة دائمًا عن حب البلاد الأسيرة.

ومن اعماله التى تسببت فى أزمات بينه وبين الكيان المحتل فيلمه «جنين» حين استفزته مذبحة جنين على يد قوات الاحتلال الإسرائيلى عام 2000، فقدمها فى الفيلم بشكل جريء، ولكن إسرائيل تصدت للفيلم وحاربته على مدى أكثر من 20 عاما، وأصدرت المحكمة الإسرائيلية العليا حكما بمنع عرضه، ورغم ذلك عرض الفيلم على مدار العالم.

المخرجة دارين سلام ايضا تخطت الحدود بتقديم 5 أفلام قصيرة، وهى ممثلة ومخرجة، حصلت على درجة البكالوريوس فى التصميم الجرافيكى من جامعة العلوم التطبيقية عام 2009، ونالت درجة الماجستير عام 2012 فى الفنون السينمائية من معهد البحر الأحمر للفنون.

وفى عام 2021 أنجزت فيلمها «فرحة»، من خلال لفتاة الفلسطينية «فرحة» التى تطمح لاستكمال دراستها فى الخارج، لكن النكبة تؤجل كل مشروعات الحياة، فيحبسها والدها خوفا عليها. وعندما عرض الفيلم على منصة نتفليكس، هاجمه وزراء فى حكومة الاحتلال، وتم شن حملات لخفض تقييمه على مواقع النقد المتخصص فى العالم، وقوبلت بحملات لمناصرة الفيلم على مواقع التواصل الاجتماعى.

ايضا المخرجة مى المصرى قدمت فى 2001، فيلم «أحلام المنفى» وحقق نجاحا كبيرا بعرضه فى كندا حيث رصد أحلام ومخاوف الأطفال فى المخيمات، وكان من الأعمال التى فتحت عيون الكثيرين فى الغرب على أشياء لا يعرفونها بشأن الاحتلال الإسرائيلى، فهو ليس مجرد سينما وثائقية ولكنه يركز على القصص الإنسانية.

من أبرز الأفلام التى رصدت بدايات التصعيد فى الضفة الغربية والأراضى المحتلة عقب الانقلاب الذى قامت به حركة «حماس» فى 2007، فيلم «5 كاميرات محطمة» الذى صنعه كل من الفلسطينى عماد برناط والإسرائيلى جاى دافيدى فى 2011، عندما كان هناك بعض الآمال والإمكانيات للتعاون بين الطرفين.

والفيلم يرصد جزءًا من حياة عماد الذى يهوى التصوير الفوتوغرافى، والذى قام بشراء كاميرا لتصوير مولد ابنه فى 2005، ولكن سرعان ما تحولت الكاميرا إلى أداة لرصد الانتهاكات والاعتداءات التى يتعرض لها الفلسطينيون، وعلى مدار السنوات التالية تحطمت 5 كاميرات قام عماد بشرائها فى خضم أحداث العنف المتصاعد.

ايضا فيلم «غزة مونامور» للأخوين التوأم عرب وطرزان ناصر، وهو ثانى أعمالهما الطويلة بعد فيلمهما «ديجارديه» الذى شارك فى مسابقة مهرجان «كان»، ويرصد الحياة داخل صالون حلاقة فى غزة.

يروى «غزة مونامور» الذى يشارك فى بطولته هيام عباس وسليم ضو، قصة حب بين صياد عجوز وبائعة تخطت منتصف العمر، على خلفية من الواقع السياسى الصعب الذى يعيشه سكان المدينة بين الحصار الإسرائيلى من ناحية وتطرف «حماس» من ناحية ثانية.

وميزة أفلام الأخوين ناصر أنهما يرويان قصصا بسيطة، لا تتناول الحرب والعنف بشكل مباشر، ولكنها ترصد نتيجتها على حياة الناس اليومية، وهما مثل كثير من أهل غزة، قادران على التفاؤل والضحك فى أحلك الظروف، ومن ثم تسرى فى أعمالهما نبرة كوميدية شديدة اللطف.

حصل «غزة مونامور» على عشرات الجوائز العالمية ومثل فلسطين فى الأوسكار، وفوق ذلك تم توزيعه فى بلاد كثيرة، وهو من الأعمال الفلسطينية القليلة التى عرضت فى دور العرض العربية فى مصر ولبنان.

ومن هنا اصبحت الكاميرا بمرور الوقت جنبا إلى جنب البندقية، وأضحت سلاح مقاومة حقيقيا فى مواجهة الاحتلال بعيدا عن منطق التسلية والتجارية. 

وما زالت الكاميرا تسجل التاريخ وتوثق الجرائم البشعة التى يقوم بها الاحتلال الصهيونى.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: السينما الفلسطينية الصراع العربي الإسرائيلي الأفلام الفلسطينية الثورة الفلسطينية

إقرأ أيضاً:

ﺳﻴﻨﻤﺎ اﻏﺘﻴﺎﻻت الموﺳﺎد ﻣﻦ ﺣﺼﺎن ﻃﺮوادة إﻟﻰ اﻟﺒﻴﺠﺮ

تشكل مغامرات الموساد العمود الفقرى للعديد من أفلام هوليوود، ولكن وراء هذه الأفلام الضخمة يكمن عالم من المؤامرات والخطر والتجسس عالى المخاطر. والتى يتم فيها استخدام أعلى التقنيات وكان آخرها عملية البيجر، حيث أخفت إسرائيل مواد متفجرة فى أجهزة النداء «أبولو الذهبية» المصنعة فى تايوان قبل استيرادها إلى لبنان،. وقد تم زرع المادة بجوار البطارية بمفتاح يمكن تشغيله عن بعد لتفجيرها. من المعروف أن مقاتلى حزب الله يستخدمون أجهزة النداء كوسيلة اتصال منخفضة التقنية فى محاولة للتهرب من تتبع إسرائيل للموقع. وجهاز النداء هو جهاز اتصالات لاسلكى يستقبل الرسائل ويعرضها. والسينما أظهرت كيف استخدم الموساد كل التقنيات فى حربها ضد العرب والفلسطنين.

 

مغامرات الإسرائيلى إيلى كوهين

فيلم الجاسوس المستحيل (1990) مستوحى من مغامرات الإسرائيلى إيلى كوهين يستند كل من فيلم The Impossible Spy ومسلسل The Spy الذى عُرض لاحقًا على Netflix على إيلى كوهين الذى جسد شخصيته ببراعة ساشا بارون.. القصة الحقيقية لمدنى إسرائيلى تم تجنيده فى الموساد ليصبح جاسوسًا فى دمشق، حيث تسلل إلى المؤسسة السياسية السورية. توغل الموظف الإسرائيلى فى عمق سوريا فى مهمة خطيرة استمرت لسنوات كعميل مزدوج ينقل أسرارًا سورية إلى الحكومة الإسرائيلية. كانت الأسرار التى سرقها إيلى كوهين هى مفتاح انتصار إسرائيل فى حرب الأيام الستة.

مستوحى من عملية شاشة البلازما

فيلم كيدون هو فيلم مثير للدهشة مستوحى من اغتيال القيادى فى حركة حماس محمود المبحوح فى دبى عام 2010 ـ وهى جريمة قتل ارتبطت منذ فترة طويلة بالموساد. فقد انتظر أربعة قتلة فى غرفة المبحوح فى الفندق عودة المبحوح من اجتماع عمل. وقال قائد شرطة دبى إنه متأكد بنسبة 99% إن لم يكن 100% من أن الموساد هو المسئول عن عملية القتل. وقد ظهرت تفاصيل عملية الاغتيال ـ المعروفة باسم عملية شاشة البلازما ـ ببطء، مع تسرب بعض المعلومات الاستخباراتية على مدى أكثر من عقد من الزمان. يصف كتاب «حرب الظل» ليعقوب كاتز الوحدة بأنها «مجموعة نخبة من القتلة الخبراء الذين يعملون تحت فرع قيسارية لمنظمة التجسس». تجند قيسارية جنودًا من القوات الخاصة فى جيش الدفاع الإسرائيلى ويُعتقد أنهم الفريق الذى تعقب المبحوح فى العام الذى سبق وفاته، ودرس تحركاته، وزرع حصان طروادة فى جهاز الكمبيوتر الخاص به، واختراق خادم بريده الإلكترونى. عندما حجز المحمود رحلة طيران إلى دبى عبر الإنترنت فى وقت قصير، لم يكن هناك وقت لإعداد جوازات سفر مزورة لفريق يُقدر أنه يضم عشرين عميلاً. بدلاً من ذلك، استخدمت الفرقة جوازات سفر بريطانية وأسترالية وأيرلندية وألمانية وفرنسية–بعضها مستعار أو مستنسخ من إسرائيليين يحملون جنسية مزدوجة، وبعضها الآخر مسروق ومزور. كان الأمر محفوفًا بالمخاطر. كان الفريق قد سافر بالفعل إلى دبى ثلاث مرات فى ستة أشهر وسيحتاج إلى إعادة استخدام نفس جوازات السفر مرة أخرى. ومع ذلك، قال رونين بيرجمان مؤلف كتاب «انهض واقتل أولاً» إن رئيس الموساد مائير داجان وافق على الخطة. كان أحد أعضاء الفريق إسرائيليًا حصل على جواز سفر ألمانى باسم مستعار هو مايكل بودنهايمر، وهو أمريكى يحق له الحصول على الجنسية الألمانية من خلال والده. كان جواز السفر الوحيد الذى لم يتم تزويره فى عملية شاشة البلازما، لكنه أثبت أنه حلقة ضعيفة فى المهمة المنظمة للغاية.

هبطت مجموعة متقدمة فى دبى فى الساعة 6:30 صباحًا، قبل يوم واحد من وصول المبحوح. وانضم إليهم لاحقًا العشرات من العملاء الذين تفرقوا فى أوقات وصولهم، حيث وصلوا بالطائرات من فرانكفورت وروما وزيوريخ وباريس، وفقًا لضابط الموساد السابق دان ماجن، مؤلف كتاب «الموساد الإسرائيلي–القصة الحقيقية». تم تسجيل جميعها بواسطة كاميرات مراقبة حديثة. انقسمت المجموعة إلى وحدات لأنها لم تكن تعرف مكان إقامة المبحوح. حددت ثلاث مجموعات الفنادق التى أقام فيها الهدف سابقًا بينما تبعت وحدة مراقبة رابعة المبحوح من المطار إلى فندق البستان روتانا، وهو فندق فاخر مزود بكاميرات مراقبة فى الردهة والمصاعد وممرات الفندق. ارتدى أحد الثنائيين ملابس لاعبى التنس، بينما ارتدى الآخرون ملابس السياح وهم يحملون أكياس التسوق. كان البعض متنكرين فى زى فندق البستان. ومع ذلك، كانت المهارة غير دقيقة. وانتظر لاعبو التنس فى الردهة لساعات، وكانوا يضعون المناشف بشكل واضح على أكتافهم، بينما كانوا يمسكون بمضاربهم–التى كانت العلب مفقودة بشكل غريب–حتى غادروا أخيرًا لمتابعة محمود إلى الغرفة 230. لقد دفعت فرقة الاغتيال نقداً أو استخدمت بطاقات مدفوعة مسبقاً صادرة عن شركة أميركية، وهى بايونير، لتغطية فواتير الفندق. ولتجنب الاتصال المباشر مع أعضاء الفريق الآخرين، استخدموا أيضاً هواتف محمولة كانت المكالمات تجرى عبر رقم فى فيينا ـ وهو دليل آخر توصل إليه محققو دبى الذين قارنوا فيما بعد قوائم مكالمات المشتبه بهم. وعندما غادر المبحوح إلى اجتماع عمل خارج الفندق، أعاد أحد العاملين فى فتح الأقفال برمجة القفل الإلكترونى للغرفة 230 بحيث يفتح بمفتاح غير مسجل. ويقول ماجن: «أكدت السجلات الإلكترونية للفندق فيما بعد أن شخصاً ما عبث بالقفل قبل 30 دقيقة من تنفيذ العملية». ولم يتضح بعد كيف مات المبحوح. ولكن مهما كان ما حدث، فقد مات المبحوح فى غضون عشرين دقيقة. وسجلت كاميرات المراقبة خروج القتلة الأربعة من الغرفة 230. وغادر معظم الفريق دبى فى غضون ساعات، ورحل الباقون فى غضون 24 ساعة.

عندما دمرت إسرائيل مفاعل أوزيراك النووي

فيلم the patriots المأخوذ عن Operation Opera للمخرج الفرنسى إيريك روشانت يدور حول شاب يهودى فرنسى جنده الموساد فى سن الثامنة عشرة. يغادر أرييل برينر باريس وعائلته ليعيش فى إسرائيل لكن مهمته الأولى تتضمن العودة إلى فرنسا لسرقة أسرار ذرية. الفيلم ومهامه مبنية بشكل كبير على عملية أوبرا–المعروفة أيضًا باسم عملية بابل–عندما دمرت إسرائيل مفاعل أوزيراك النووى فى العراق عام 1981، بالإضافة إلى قصة الجاسوس اليهودى الأمريكى السابق جوناثان بولارد الذى سُجن لبيعه لإسرائيل آلاف الوثائق حول التجسس الأمريكى بشكل أساسى فى الدول العربية.

عملية أوبرا كانت غارة جوية مفاجئة نفذتها القوات الجوية الإسرائيلية فى 7 يونيو 1981، والتى دمرت مفاعلًا نوويًا عراقيًا غير مكتمل يقع على بعد 17 كيلومترًا (11 ميلًا) جنوب شرق بغداد. جاءت العملية الإسرائيلية بعد عام من تسبب القوات الجوية للجمهورية الإسلامية الإيرانية فى أضرار طفيفة لنفس المنشأة النووية فى عملية سيف الحرق، حيث تم إصلاح الأضرار لاحقًا بواسطة فنيين فرنسيين. أسست عملية أوبرا، والتصريحات الحكومية الإسرائيلية ذات الصلة التى تلتها، مبدأ بيجين، الذى صرح بأن الضربة لم تكن شاذة، بل كانت «سابقة لكل حكومة مستقبلية فى إسرائيل». إن الضربة الوقائية التى شنتها إسرائيل لمكافحة انتشار الأسلحة النووية أضافت بعداً آخر إلى سياستها القائمة على الغموض المتعمد، فيما يتصل بقدرات الأسلحة النووية لدى دول أخرى فى المنطقة.

فى عام 1976، اشترت العراق مفاعلًا نوويًا من فئة أوزيريس من فرنسا. وبينما أكدت العراق وفرنسا أن المفاعل، الذى أطلق عليه الفرنسيون اسم أوزيراك، كان مخصصًا للبحث العلمى السلمي، نظر الإسرائيليون إلى المفاعل بريبة، معتقدين أنه مصمم لإنتاج أسلحة نووية يمكن أن تؤدى إلى تصعيد الصراع العربى الإسرائيلى المستمر. فى 7 يونيو 1981، قصفت طائرة مقاتلة من طراز إف-16 إيه تابعة للقوات الجوية الإسرائيلية، برفقة طائرات إف-15 إيه، مفاعل أوزيراك فى عمق العراق. ووصفت إسرائيل العملية بأنها عمل من أعمال الدفاع عن النفس، قائلة إن المفاعل كان أمامه «أقل من شهر» قبل أن «يصبح حرجًا». وبحسب ما ورد أسفرت الغارة الجوية عن مقتل عشرة جنود عراقيين ومدنى فرنسى واحد. وقع الهجوم قبل حوالى ثلاثة أسابيع من الانتخابات التشريعية الإسرائيلية للكنيست عام 1981.

فى وقت وقوعه، قوبل الهجوم بانتقادات دولية حادة، بما فى ذلك فى الولايات المتحدة، ووبخ مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والجمعية العامة إسرائيل فى قرارين منفصلين. وكانت ردود فعل وسائل الإعلام سلبية أيضًا: «كان هجوم إسرائيل المتسلل... عملاً من أعمال العدوان غير المبرر وقصير النظر»، كتبت صحيفة نيويورك تايمز، فى حين وصفته صحيفة لوس أنجلوس تايمز بأنه «إرهاب ترعاه الدولة». وقد تم الاستشهاد بتدمير مفاعل أوزيراك العراقى كمثال على الضربة الوقائية فى الدراسات المعاصرة للقانون الدولى. يناقش المؤرخون فعالية الهجوم، الذين يعترفون بأنه أعاد العراق من حافة القدرة النووية لكنه دفع برنامج أسلحته إلى السرية وعزز طموحات الرئيس العراقى صدام حسين المستقبلية للحصول على أسلحة نووية.

ممثلة أمريكية مؤيدة للفلسطينيين

الفتاة الطبالية الصغيرة (1984) مستوحاة من الصراع الإسرائيلى الفلسطينى..يستند فيلم The Little Drummer Girl بطولة ديان كيتون والمسلسل بطولة فلورنس بوج إلى رواية التجسس التى تحمل نفس الاسم والتى كتبها جون لو كاريه عام 1983. تدور القصة حول ممثلة أمريكية مؤيدة للفلسطينيين يتم تجنيدها لتمثيل دور عميل إسرائيلى يقع فى عالم الفلسطنيين. فى حين أن القصة خيالية، فإن الإعداد يعتمد على أول تعرض للمؤلف لإسرائيل، وهى الزيارة التى وصفها لمجلة Jewish World Review بأنها هزته «حتى قدميه». التقى لو كاريه بالعديد من الأشخاص على جانبى الصراع الإسرائيلى الفلسطينى بما فى ذلك زعيم منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات، الذى ورد أنه أمسك يد المؤلف على صدره حتى يتمكن من الشعور «بالقلب الفلسطيني».

تدور أحداث الفيلم فى أوروبا والشرق الأوسط، حول محاولة سرية من جانب الموساد لقتل أحد أعضاء منظمة التحرير الفلسطينية ويُدعى خليل. ولتحييد خليل، اختطفوه أولاً (ثم قتلوا) شقيقه الذى كان فى جولة محاضرات، حيث كان يتحدث إلى الجمهور عن المعاناة العميقة والخسائر التى تكبدتها فلسطين تحت الاحتلال العسكرى.

تشارلى ممثلة أمريكية مناهضة للصهيونية تعمل فى لندن، تم إغراؤها بالذهاب إلى اليونان بحجة تصوير إعلان عن النبيذ. وهناك تلتقى بجوزيف الذى يخدعها ويقنعها بأنه الرجل المقنع الذى التقت به فى المملكة المتحدة. يتم اختطافها إلى منزل الموساد الإسرائيلى (لإعداد الإعلان المزيف) لتجنيدها هناك، وإقناعها بأنهم أيضًا يريدون السلام وإنهاء القتل المتبادل. بعد مراقبتها والتلاعب بها بهذه الطريقة، تثبت تشارلى أنها قادرة، وتتصرف بشكل جيد وفقًا لرواية الموساد، ثم تصل إلى مقر المقاومة الفلسطينية فى مدينة مدمرة، حيث يرسلها زعيمها تايه، على الرغم من عدم تأكده من ذلك، إلى معسكر تدريب على مناورات حرب العصابات فى الصحراء.

وتوضح تايه أن منظمة التحرير الفلسطينية ليست معادية للسامية، بل معادية للصهيونية، وتتقدم بها إلى المهمة التالية. والآن، بصفتها عميلة مزدوجة، وتحت غطاء الموساد الإسرائيلي، تنتحل تشارلى شخصية صديقة الرجل الميت، وتتواصل مع رجل تستنتج أنه خليل. ويقومان بإعداد حقيبة متفجرة تحمل توقيع القنبلة، ملفوفة بشكل صحيح بلفافة من الأسلاك. وبينما تقوم تشارلى بتسليم الحقيبة إلى الهدف «المناضل من أجل السلام»، يقوم البروفيسور مينكل، الموساد، الذين كانوا يراقبون الموقف، بأخذ الحقيبة بعيدًا بواسطة رجل يرتدى بدلة واقية من القنابل. تعود تشارلى إلى خليل، وينطلقان بالسيارة بعد الانفجار الكبير للمبنى الذى تعلم أنه حدث كاذب، ولم يلحق أى أذى بأحد. ورغم أن نشرة الأخبار المسائية أفادت بوقوع خسائر بشرية لخداع خليل، فإنه لا يمكن نزع سلاحه بسهولة، ويفشل فى النوم كما هو مخطط له، ومع ذلك فإنه يشك فى الصمت غير المعتاد حول ملجأهم الريفى. يقوم خليل بنزع البطاريات من جهاز الراديو المحمول الخاص بتشارلى والذى يحتوى على جهاز تعقب وزر سرى لإرسال إشارات عندما ينام. بعد أن تم تنبيهه، يقوم جوزيف وآخرون من فريق الموساد بالتحرك لقتل خليل، بينما يقوم عملاء الموساد بقتل عملاء تجنيد آخرين من منظمة التحرير الفلسطينية. يتم تدمير جميع الثوار الفلسطينيين وتحيط بهم ألسنة اللهب من القاذفات النفاثة.

فى مستشفى إسرائيلي، لم تتعرض تشارلى لأذى جسدى لكنها تحطمت عاطفيًا، وشعرت بالخيانة لأنها أرادت فقط مساعدة الفلسطينيين وإنهاء القتل. فى النهاية، استغلها الموساد الإسرائيلى لذبح كل فلسطينى التقت به. فى النهاية، عادت إلى التمثيل فى المملكة المتحدة، لكنها تحطمت كثيرًا، وتركت المسرح. كان جوزيف هناك وأخبر تشارلى باسمه الحقيقي، وأكد لها أنه انتهى من القتل ولا يعرف ما هو الصواب وما هو الخطأ، لكنه يحبها، قالت إنها ماتت، سارا معًا فى الليل.

 

مقالات مشابهة

  • “سُمع صراخهم وعويلهم”.. المقاومة الفلسطينية تستهدف جنود الاحتلال وآلياته في جنين ونابلس
  • ﺳﻴﻨﻤﺎ اﻏﺘﻴﺎﻻت الموﺳﺎد ﻣﻦ ﺣﺼﺎن ﻃﺮوادة إﻟﻰ اﻟﺒﻴﺠﺮ
  • فض اشتباك
  • هل يتراجع الوزير؟
  • ترامب.. والقادم الأسوأ للفلسطينيين!
  • فصائل المقاومة الفلسطينية تدين العدوان الإسرائيلي على لبنان: كلنا ثقة بحزب الله
  • فصائل المقاومة الفلسطينية تدين العدوان الإسرائيلي الغادر على لبنان وتؤكد ثقتها بقدرة حزب الله على الرد
  • المقاومة الفلسطينية: نثق بقدرة حزب الله على لجم العدوان الإسرائيلي بعد التفجيرات الأخيرة في لبنان
  • أستاذ علوم سياسية: مشروع قرار إنهاء الاحتلال مبادرة للتفاوض على حل القضية الفلسطينية.. ودخوله حيز التنفيذ الانتصار الحقيقي (حوار)
  • (الإجراءات الجنائية).. وإجراءات الحوار!!