موقع 24:
2025-03-10@03:36:20 GMT

إسرائيل وغزة: لماذا اختلفت هذه الحرب عن غيرها؟

تاريخ النشر: 16th, November 2023 GMT

إسرائيل وغزة: لماذا اختلفت هذه الحرب عن غيرها؟

لو كانت الحرب الجارية في غزة مثل كل الحروب الأخرى، لكان هناك على الأرجح وقف لإطلاق النار ساري المفعول الآن. ولدفن الموتى، وانخرطت إسرائيل في جدال مع الأمم المتحدة على كمية الأسمنت التي يمكن إدخالها إلى غزة لإعادة البناء.

لا يقتصر الأمر على معارضة نتانياهو لاستقلال الفلسطينيين. فبقاؤه رئيساً للوزراء يعتمد على دعم المتطرفين اليهود

ولكن هذه الحرب ليست كذلك.

وليس لفداحة الجريمة، التي ارتكبتها حماس أولاً في 7 أكتوبر(تشرين الأول)، التي طالت في الأغلب مدنيين إسرائيليين، ثم أعقبها "الانتقام الهائل" من إسرائيل، كما قال رئيس وزرائها بنيامين نتانياهو، الذي أسفر في الأغلب عن مقتل مدنيين فلسطينيين.
حرب مختلفة

وفي هذا الإطار، قال جيريمي بوين، المحرر الدولي في هيئة الإذاعة البريطانية، في تقرير بموقع "بي بي سي"، إنها تختلف هذه الحرب عن الحروب الأخرى لأنها تأتي في وقت تتداعى فيه خطوط الصدع التي تقسم الشرق الأوسط. فعلى مدى عقدين على الأقل، كان الصدع الأشد خطورة في مشهد المنطقة الجيوسياسي الممزق قائماً بين أصدقاء إيران وحلفائها من جهة وأصدقاء الولايات المتحدة وحلفائها من جهة أخرى.
ويتألف لب شبكة إيران، التي تسمى أحياناً  بـ"محور الممانعة"، من حزب الله في لبنان، والحكومة السورية، والحوثيين في اليمن وميليشيات عراقية متنوعة تسلّحها وتدربّها إيران. كما ساند الإيرانيون أيضاً حركتي حماس والجهاد، في غزة.

If this terrible war in Gaza doesn't force the Israelis, Palestinians and their powerful friends to try again to make peace, then the only future is more war.https://t.co/7POVAkuHoq

— Yama Bariz (@yamabariz) November 15, 2023

بدأت إيران تتقرب أيضاً من روسيا والصين، حيث أصبحت جزءاً مهماً من المجهود الحربي الروسي في أوكرانيا، وتبيع كمية كبيرة من نفطها إلى الصين.
وكلما طال أمد الحرب في غزة، وكلما قتلت إسرائيل مزيداً من المدنيين الفلسطينيين ودمرت آلاف المنازل، تعاظمت مخاطر نشوب صراع يشمل بعض أعضاء هذين المعسكرين.
وتزيد حرارة الحدود بين إسرائيل ولبنان ببطء، فلا إسرائيل ولا حزب الله يريدان حرباً واسعة النطاق. لكن وفيما يتبادلان، ضربات متزايدة القوة، سيزيد خطر التصعيد الخارج عن السيطرة.
ويعكف الحوثيون في اليمن على إطلاق صواريخ وطائرات دون طيار، على إسرائيل، أسقطت جميعها، حتى الآن، بالدفاعات الجوية الإسرائيلية أو بالسفن الحربية للبحرية الأمريكية في البحر الأحمر.
وفي العراق، هاجمت الميليشيات المدعومة من إيران القواعد الأمريكية، فردت الولايات المتحدة في بعض مواقعها في سوريا. ومرة أخرى، تحاول جميع الأطراف الحد من التصعيد، لكن السيطرة على وتيرة العمل العسكري أمر صعب دائماً.

on the international stage, this genocide, this massive disdain for human rights, is a show of power against its neighbours.

BBC News - Israel-Gaza: Why this war is different to the othershttps://t.co/ifm3uX3MPO

— charlie || HAUNTED HALLWAYS (@ohcharliejiao) November 14, 2023

وعلى الجانب الأمريكي توجد إسرائيل ودول الخليج، والأردن، ومصر، حيث تواصل الولايات المتحدة الدعم القوي لإسرائيل،  رغم الانزعاج الواضح من الرئيس جو بايدن من الطريقة التي تقتل بها إسرائيل هذا العدد الكبير جداً من المدنيين الفلسطينيين، وقال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن علناً إن عدداً كبيراً جداً من المدنيين الفلسطينيين يتعرض للقتل.
وأدان حلفاء أمريكا العرب كلهم ما تفعله إسرائيل، ودعوا إلى وقف لإطلاق النار. ويثير مشهد مئات الآلاف من الفلسطينيين الفارين من ديارهم في شمال غزة، والسائرين على الطريق الرئيسي جنوباً، ذكرى انتصار إسرائيل على العرب في حرب 1948.
وفرّ أكثر من 700 ألف فلسطيني من ديارهم أو أجبرهم الإسرائيليون على مغادرتها تحت تهديد السلاح، في أحداث سماها الفلسطينيون "النكبة"، ويشكل أحفاد لاجئي 1948 أغلبية سكان قطاع غزة اليوم.
ويثير الكلام الخطير الذي يقوله بعض القوميين اليهود المتطرفين الداعمين لحكومة بنيامين نتانياهو، عن فرض نكبة أخرى على الفلسطينيين، قلق الدول العربية المنخرطة في المعسكر الأمريكي، خاصةً الأردن ومصر. وذهب أحد وزراء نتانياهو إلى حد طرح فكرة إسقاط قنبلة نووية على غزة للتعامل مع حماس، حيث تعرض للتوبيخ لكن دون إقالته.
كل هذا يمكن نبذه باعتباره محض هراء، على حد وصف معد التقرير، لكنه يؤخذ على محمل الجد في الأردن ومصر، لا بسبب الأسلحة النووية، التي تملك إسرائيل ترسانة كبيرة وغير معلنة منها، فحسب، وإنما أيضاً لاحتمال إجبار مئات آلاف الفلسطينيين على عبور حدودهما.


إنهاء الحرب صعب

أما عن الحرب في غزة، فقال دبلوماسيون غربيون كبار من بلدان تُعتبر من الحلفاء الراسخين لإسرائيل إن إنهاءها والتعامل مع تداعياتها سيكون "صعباً وفوضوياً".
وقال أحدهم إن "السبيل الوحيد لتحقيق ذلك، هو إعادة بناء أفق سياسي للفلسطينيين" في إشارة إلى قيام فلسطين مستقلة إلى جانب إسرائيل، أو ما يسمى بحل الدولتين، وهي فكرة فاشلة لم يتبق منها إلا الشعار.
ويعد إحياء هذا الحل، ربما في سياق تسوية أوسع بين إسرائيل والعرب، خطة طموحة، ولعله يكون أفضل فكرة تُعرض. لكن في ظل الأجواء الحالية المفعمة بالألم والقلق والكراهية، سيكون تحقيق ذلك صعباً جداً.
ولن يحدث ذلك، حسب التقرير، في ظل القيادتين الحاليتين للفلسطينيين والإسرائيليين.
ولم يكشف نتانياهو خطته لما بعد القتال في غزة، لكنه رفض الفكرة الأمريكية المتمثلة في تشكيل حكومة تقودها السلطة الفلسطينية برئاسة الرئيس محمود عباس، والتي طردتها حماس من غزة في 2007.


محاولة صنع السلام مرة أخرى

أما الجزء الثاني من الخطة الأمريكية فهو التفاوض على حل الدولتين، الأمر الذي عارضه بنيامين نتانياهو طيلة حياته السياسية.
ولا يقتصر الأمر على معارضة نتانياهو لاستقلال الفلسطينيين. فبقاؤه رئيساً للوزراء يعتمد على دعم المتطرفين اليهود الذين يؤمنون بأن كل الأراضي بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط هبة من الله إلى الشعب اليهودي، ويجب أن تكون جميعها داخل حدود إسرائيل.
وهناك إسرائيليون كثيرون يريدون رحيله، ويلقون عليه اللوم  بسبب الإخفاقات الأمنية والاستخباراتية التي سمحت بهجمات 7 أكتوبر.
أما الرئيس الفلسطيني عباس فهو في أواخر الثمانينيات من عمره، وفقد مصداقيته في أعين الناخبين المحتملين، رغم أنه لم يخضع لحكم صناديق الاقتراع منذ 2005. وتتعاون السلطة الفلسطينية مع إسرائيل في مجال الأمن في الضفة الغربية، لكنها لا تستطيع حماية شعبها من المستوطنين اليهود المسلحين.
وفي نهاية المطاف، تتغير القيادات. ولو لم تجبر هذه الحرب الرهيبة في غزة الإسرائيليين والفلسطينيين وأصدقاءهم الأقوياء على محاولة صنع السلام مرة أخرى، فإن المستقبل الوحيد هو المزيد من الحرب.


 

المصدر: موقع 24

كلمات دلالية: التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان سلطان النيادي مانشستر سيتي غزة وإسرائيل الحرب الأوكرانية عام الاستدامة غزة وإسرائيل هذه الحرب فی غزة

إقرأ أيضاً:

لماذا لا يمكن للسلطة الفلسطينية وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل واختيار المقاومة؟

قالت مجموعة الأزمات الدولية إن الأزمة الوجودية الحادة التي تعاني منها السلطة الفلسطينية تفاقمت، ويلومها الفلسطينيون إما لضعفها في مواجهة عدوان الاحتلال أو بسبب تنسيقها الأمني معه. في حين تتهمها إسرائيل بعدم الفعالية في قمع المسلحين الفلسطينيين، وفرض الأمن على عناصر المقاومة بالضفة الغربية.

جاء ذلك في تقرير نُشر الأسبوع الماضي لكبير محللي فلسطين في مجموعة الأزمات الباحثة تهاني مصطفى بعنوان "توغلات إسرائيل في الضفة الغربية تسلط الضوء على معضلات السياسة الفلسطينية".

وقد بدأت إسرائيل عملية "الجدار الحديدي" في 21 يناير/كانون الثاني الماضي، بعد يومين فقط من دخول اتفاق وقف إطلاق النار في غزة حيّز التنفيذ، مما أدى إلى تصعيد عسكري واسع النطاق لقمع المقاومة المسلحة الفلسطينية في الضفة.

وتسببت عمليات الاحتلال في دمار واسع للمخيمات والمناطق الحضرية المجاورة لها بالضفة، حيث وصف السكان أحياءهم بأنها "غزة مصغرة". وأدى هذا الدمار إلى تشريد ما لا يقل عن 40 ألف شخص، في وقت يؤكد فيه الإسرائيليون أنهم لن يسمحوا بعودة هؤلاء إلى مخيماتهم، حسب ما جاء في التقرير.

الاحتلال دمر عشرات المنازل والشوارع بشكل جزئي وكامل في مخيم طولكرم (الجزيرة)

الجزيرة نت حاورت محللين وباحثين مختصين في الشؤون الفلسطينية لتسليط مزيد من الضوء على هذه القضية، وخلاصة ما وصلوا إليه يمكن إجمالها في النقاط التالية:

إعلان السلطة الفلسطينية تتحمل الجزء الأكبر مما يحدث في الضفة الغربية. السلطة لم تقدم البدائل الحقيقية لتحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني، وخلقت حالة من الترهل داخل المنظومة السياسية الفلسطينية. السلطة مسؤولة عن انسداد الأفق السياسي واستمرار الانقسام الداخلي بوصفها السلطة الحاكمة والمسؤولة عن إدارة البيت الفلسطيني. تخلي السلطة عن مسؤوليتها الوطنية في قيادة الشعب نحو التحرير وإقامة الدولة يدفع الشعب نحو قوى وطنية أخرى أقدر وأجدر على حمل تطلعاته الوطنية. السلطة لا تعتمد على الشعب الفلسطيني في البقاء، فهي لا تحتاج إليه ماليا أو سياسيا، بل تحتاج إلى دعم كل من الولايات المتحدة وإسرائيل. لا يوجد في الواقع أي بديل حاليا للسلطة الفلسطينية، ورغم الاستياء الشعبي من أدائها الذي تعكسه استطلاعات الرأي فليس هناك دافع للإصلاح. السلطة واقعيا أشبه بإدارة مدنية تُعنى بشؤون الفلسطينيين تحت الاحتلال حيث توفر الخدمات البلدية والصحية والتعليمية والاقتصادية. السلطة لا تملك أي رؤية سياسية بديلة عن اتفاق أوسلو، بعد أن فقدت أوراق المفاوضات، في وقت يعمل فيه الاحتلال الإسرائيلي منهجيا على نزع الصفة السياسية عنها وتقليص دورها. السلطة ما زالت تعوّل على اتفاق أوسلو رغم أنه انتهى سياسيا وواقعيا، وهناك قرارات من الكنيست تمنع تطبيق بنوده. السلطة تتحمل مسؤولية انهيار المنظومة الأمنية أمام توحش الاحتلال وتنكيله بالفلسطينيين، وعدم الاعتراض على ذلك. السلطة تخشى مواجهة الاحتلال أو غض الطرف عن نشاط المقاومين في الضفة خوفا من فقدانها الامتيازات المادية والسلطة المكتسبة عبر ديمومة التنسيق الأمني. الوجود العسكري الإسرائيلي المتكرر في الضفة حوّل السلطة إلى شبه بلدية تتحمل الأعباء الصحية والتعليمية الثقيلة، وباقي الملفات المصيرية ذهبت لإدارة الاحتلال العسكرية. إسرائيل تنوي تحويل المخيمات في الضفة الغربية إلى "غزة مصغرة"، أي تدميرها بالكامل. ليس من الصحيح أن السلطة الفلسطينية كانت تحتكر السيطرة في الضفة، فمنذ نشأتها وهي تواجه صعوبة في فرض إرادتها على كامل الضفة، فهي كيان نشأ في الخارج أولا ثم فُرض على الفلسطينيين. يجب على السلطة أن تأخذ قرارا حاسما بوقف التنسيق الأمني مع الاحتلال وأن تتحول إلى مربع النضال والثورة ضد الاحتلال. يجب فصل السلطة الفلسطينية التي تقدم الخدمات للمواطنين عن منظمة التحرير الفلسطينية المعنية بتحقيق تقرير المصير.

 

تقول تهاني مصطفى -في مقابلة مع الجزيرة نت- إن السلطة الفلسطينية تتحمل جزءًا من المسؤولية عما حدث، إما من خلال تقديم بدائل محدودة جدًا لمعظم الفلسطينيين في الضفة الغربية، مثل فرص اقتصادية ضعيفة، وتدهور مستويات المعيشة، وعدم القيام بأي شيء لمحاولة التخفيف من حدة العنف في الضفة الغربية من قبل المستوطنين والجنود الإسرائيليين، وعدم الدفاع عن الفلسطينيين بشكل صحيح سياسيًا على الساحة الدولية.

إعلان

لا أعتقد أن السلطة الفلسطينية تعتمد على الفلسطينيين للبقاء، فهي لا تحتاجهم ماليًا أو سياسيًا، إنها تحتاج دعم الولايات المتحدة وإسرائيل، فهما الكيانان القويان اللذان يحددان بقاء السلطة، وهي تعرف ذلك، ورغم الاستياء الشعبي الكبير الذي عبرت عنه استطلاعات الرأي مرارًا وتكرارًا فليس لديها أي دافع للإصلاح.

ما دامت الولايات المتحدة مستمرة في توفير البقاء للسلطة، وتستمر أوروبا في تقديم الدعم، وإسرائيل تسمح لها بالبقاء، فإنها ستبقى. وهذا شيء كان واضحًا جدًا خلال 16 شهرا الماضية، فالسلطة الفلسطينية لا تريد التعامل إلا مع الأميركيين والأوروبيين.

لم يحاول قادة السلطة حتى القيام بالكثير فيما يتعلق بما يحدث في قطاع غزة أو حتى في الضفة الغربية، حتى أن الوسطاء الإقليميين مثل قطر كانوا يقولون إن المشكلة ليست أن السلطة الفلسطينية لم تُدعَ إلى طاولة المفاوضات لوقف إطلاق النار، بل لأنها ترفض الحضور.

طبيعة الاحتلال قد تغيرت، فإسرائيل لن تتحمل أي مسؤولية تجاه 5 ملايين فلسطيني يعيشون في الضفة الغربية من حيث توفير الخدمات، والمجتمع الدولي لن يتمكن من القيام بذلك مباشرة، وليس هناك بديل حقيقي للسلطة الفلسطينية.

حتى الفلسطينيين لا يستطيعون تصور بديل الآن، وهو ما يعد أكبر إنقاذ للسلطة الفلسطينية، فبقاؤها بالكامل يعتمد على التنسيق الأمني، وحتى (حركة المقاومة الإسلامية) حماس تدرك أنه يجب أن يكون هناك هذا التنسيق.

السلطة الفلسطينية بشكل عام بدأت تفقد قبضتها منذ فترة طويلة، وهذا ليس لأن الفلسطينيين لا يريدونها أو لأنهم يرون بدائل، ولكن لأنها من الناحية المالية مقيدة جدًا نتيجة ممارسات الاحتلال، بالإضافة إلى الفساد الداخلي للسلطة الفلسطينية الذي يسهم في أن تفقد السلطة قبضتها.

السلطة الفلسطينية لم تكن تحتكر السيطرة على الضفة الغربية طوال الوقت، فعملها كان شاقا للغاية منذ نشأتها، فهي لم تكن كيانًا طبيعيًا نشأ في الضفة الغربية، لقد كانت شيئًا مفروضًا على الفلسطينيين من الخارج.

 

السلطة الفلسطينية تتحمّل مسؤولية كبيرة عن انهيار المنظومة الأمنية الحامية للفلسطينيين أمام توحّش الاحتلال وتنكيله بالفلسطينيين في عموم الضفة الغربية، ويعود ذلك لعدة أسباب منها:

إعلان التزامات اتفاقية أوسلو التي جعلت الأجهزة الأمنية والأمن الوطني أداة لحماية المستوطنين، وملاحقة النشطاء والمقاومين للاحتلال، بذريعة محاربة الأعمال "الإرهابية" الضارّة بالسلام ومسار المفاوضات المتوقّف منذ عام 2014. مع أن اتفاقية أوسلو انتهت سياسيا وواقعيا، فإن السلطة الفلسطينية تخشى مواجهة الاحتلال وانتهاكاته أو غض النظر عن النشطاء والمقاومين، وذلك خوفا من فقدانها الامتيازات المادية والسلطوية المكتسبة عبر ديمومة التنسيق الأمني الذي يشكّل حاجة إسرائيلية مدعومة من الولايات المتحدّة. استخدام الولاء المطلق لمنتسبي الأجهزة الأمنية في تصفية الحسابات مع المعارضين السياسيين عبر الاعتقال أو الحرمان الوظيفي أو التحييد كما حصل مع المعارض نزار بنات ابن مدينة الخليل الذي توفي بعد ساعات من اعتقاله لدى أجهزة أمن السلطة في يونيو/حزيران 2021.

خطورة ذلك أن السلطة الفلسطينية ستفقد شرعيتها في عين المواطن الفلسطيني الذي ينتظر منها الحماية أمام انتهاكات الاحتلال وعبث المستوطنين الذين وصلت بهم الجرأة إلى سرقة الأغنام وقطع أشجار الزيتون وحرق المركبات والبيوت، كما حصل في قرية حوّارة جنوب نابلس في فبراير/شباط 2023، دون أي حراك من السلطة أو دفاع من أجهزتها الأمنية.

التخلي عن المسؤولية الوطنية يُفقد السلطة أهليتها السياسية في قيادة الشعب الفلسطيني نحو التحرير وإقامة الدولة الفلسطينية، مما يدفع الشعب الفلسطيني إلى الاتجاه نحو قوى وطنية أخرى أقدر وأجدر على حمل تطلعاته الوطنية.

فكرة التنسيق الأمني مع الاحتلال تعد خطيئة من حيث البدء، وكان من المفترض ألا تكون، فمن غير المنطقي أن تعمل سلطة فلسطينية وأجهزتها الأمنية لصالح الاحتلال أو تمنحه معلومات عن النشطاء والسياسيين والعاملين في الحقل الوطني.

الاحتلال تنصّل سياسيا من التزامات اتفاقيات أوسلو، وتبنّى الكنيست الإسرائيلي تشريعا في يوليو/تموز 2024 يرفض فيه قيام دولة فلسطينية بوصفها خطرا وجوديا على دولة إسرائيل ومواطنيها.

إعلان

أصبح من الضرورات السياسية والوطنية أن تأخذ السلطة الفلسطينية قرارا حاسما بوقف التنسيق الأمني مع الاحتلال الإسرائيلي، وأن تتحوّل إلى مربع النضال والثورة ضد الاحتلال بكافة الوسائل وأشكال المقاومة.

واقعيا، السلطة الآن أشبه بإدارة مدنية تُعنى بشؤون الفلسطينيين تحت الاحتلال عبر توفير الخدمات البلدية والصحية والتعليمية والاقتصادية، وبجودة منخفضة، بسبب الفساد الإداري والعجز المالي وغياب معايير الشفافية.

السلطة لا تملك أي رؤية سياسية بديلة عن اتفاق أوسلو بعد أن فقدت ورقة المفاوضات، في وقت يعمل فيه الاحتلال الإسرائيلي منهجيا على نزع الصفة السياسية عنها، وتقليص دورها حتى الإداري بسحب العديد من صلاحياتها التي من المفترض أن تطلع بها، لا سيّما في المناطق المصنّفة "إي" حسب تقسيمات اتفاقيات أوسلو لأراضي الضفة الغربية.

الرئيس محمود عباس يفقد بالتدريج قدرته على السيطرة، ولو على أجزاء من الضفة الغربية، وسيحوّله الاحتلال واقعيا وفي وقت قريب إلى رئيس لسلطة مدنية محلية تحت السيادة الإسرائيلية، إن بقيت السلطة على هذه الشاكلة من دون استدراك عاجل على دورها السياسي والوطني.

 

لا يختلف اثنان من الفلسطينيين حتى ممن ينتمون لحركة فتح التي انبثقت منها السلطة الفلسطينية على أنها تتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية عما حل في الضفة الغربية، نظرا لعدد  من الأسباب:

السلطة تتحمل الجزء الأكبر فيما يتعلق باستمرار الانقسام الفلسطيني لأنها في النهاية السلطة الحاكمة والمسؤولة. عدم قدرتها على تجديد الوجوه مما خلق حالة من الترهل داخل أجسام السلطة في كافة المستويات، وهذا الأمر انعكس على رؤية السلطة السياسية نتيجة الاتكاء على فرضية أن الولايات المتحدة معنية بحل الدولتين، وبالتالي لا حاجة لاستحداث وسائل أخرى. السلطة لم تخلق أي رؤية إستراتيجية واكتفت بخط سياسي غير موجود عمليا، مع وجود حالة من البحث عن المصالح الشخصية الضيقة، وبالتالي وصلنا إلى هذا الوضع المتردي أمنيا وسياسيا واقتصاديا، وبالتالي السلطة الفلسطينية تتحمل الجانب الأهم في ذلك. إعلان

جزء من الفلسطينيين يرى أن السلطة عقبة أمام القدرة على مواجهة الاحتلال، وكذلك هناك من يرى أن وجودها بات عبئا على الفلسطينيين كون سلاحها مستخدما ضد الفلسطينيين بشكل أو بآخر.

هذه الحالة من التخلي عن البعد السياسي وقبول البعد الإداري فقط يترتب عليها ما يلي:

السلطة الفلسطينية ستتحول إلى جهاز إداري فقط يتحمل جزءا من أعباء الفلسطينيين لكنه في الوقت نفسه سيستميت من أجل الدفاع عن نفسه. سنكون أمام حالة من السلطة التي وافقت على تحديد صلاحياتها وتقزيم نفسها، لكنها لن تقبل التخلي عن أي دور. سيولد ذلك حالة من اصطدام داخلي إن لم يكن هناك حراك داخلي فلسطيني باتجاه ترسيخ حلول داخلية ووحدة فلسطينية وإنتاج مظلة جديدة تجمع الكل الفلسطيني.

السلطة الفلسطينية يجب أن تتخلى عن التنسيق الأمني منذ سنوات طويلة، وكانت هناك قرارات من المجلس المركزي الفلسطيني نفسه طالب السلطة بضرورة التخلي عن التنسيق الأمني.

في الفترة الأخيرة، لم تعد إسرائيل تكترث بالتنسيق الأمني كثيرا مع السلطة، لأن إسرائيل عمليا باتت تسيطر أمنيا على الضفة الغربية بشكل كبير.

السلطة الفلسطينية فقدت أوراق السيطرة على ما تبقى من الضفة الغربية، فهي اليوم ترمى في زاوية تحمل أعباء الفلسطينيين الصحية والتعليمية وغيرها، وباقي الملفات تسحب منها شيئا فشيئا وتذهب لإدارة الاحتلال العسكرية.

السلطة بذلك تحولت إلى شبه بلدية في الضفة الغربية، وهذا لا يرجع فقط للاجتياح المتكرر لمناطق الضفة، بل لأنها قبلت على نفسها مع مرور الوقت الانحناء كثيرا تحت عنوان "الصبر الإستراتيجي" و"الحكمة في التعاطي"، وتحت عناوين مختلفة ومتنوعة ومتعددة.

مقالات مشابهة

  • 3 أسباب ستمنع جيش الاحتلال من تنفيذ مناورة أخرى في غزة
  • لماذا لا يمكن للسلطة الفلسطينية وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل واختيار المقاومة؟
  • لماذا لا يُقرّ حزب الله بالهزيمة؟
  • رهائن مُفرج عنهم يوجهون رسالة إلى نتانياهو
  • لماذا تشعر إسرائيل بالتهديد من الفيلم الفائز بالأوسكار؟
  • فلسطين تدعو الأمم المتحدة للتحرك ضد جرائم “إسرائيل” في الضفة وغزة
  • فلسطين تدعو الأمم المتحدة للتحرك ضد جرائم إسرائيل في الضفة وغزة
  • تحقيق صحفي: إسرائيل تطور أداة جديدة لتضييق الخناق على الفلسطينيين
  • وزير الخزانة الأمريكي: سندفع إيران إلى الإفلاس مرة أخرى
  • بريك .. إسرائيل سوف تخسر إذا خرجت لمحاربة “حماس” مرة أخرى