اليمن نحو زيادة الإنفاق العسكري بسبب العدوان على غزة
تاريخ النشر: 16th, November 2023 GMT
يعتبر اليمن من الدول التي ركزت بدرجة رئيسية على الجانب العسكري والتسليح طوال الأعوام الماضية، بالنظر إلى الاضطرابات والصراعات المزمنة وطبيعة النظام السياسي والمجتمع القبلي وتضخم التشكيلات العسكرية.
ويفاقم دخول اليمن طرفاً في الحرب الإسرائيلية على غزة، من الإنفاق العسكري وسط أزمات اقتصادية ومالية ومعيشية خانقة تعيشها البلاد.
والتهم التسليح معظم الموارد المتاحة في اليمن، في ظل استحواذ الإنفاق العسكري على النسبة الأكبر في ميزانيات البلاد التي كانت وفق خبراء اقتصاد عبارة عن موازنات شبه عسكرية بسبب عدم الاستقرار وطبيعة النظام السياسي في إدارة الدولة، وصولاً إلى الحرب الأخيرة الدائرة منذ عام 2015 التي كشفت عن ترسانة ضخمة من الأسلحة تستحوذ عليها أطراف هذه الحرب.
ووصل حجم الموازنة العامة للدولة في اليمن، وفق آخر موازنة قبل الحرب في 2014، إلى نحو 8 مليارات دولار، حيث استحوذ الإنفاق العسكري والتسليح على حوالى 25%، وخصص نحو 35% من الموازنة العامة لتغطية بند المرتبات الخاصة بموظفي الدولة في الجهازين المدني والعسكري، إذ تلتهمها المرتبات العسكرية الملغمة بالكشوفات الوهمية بنسبة كبيرة.
كذلك يقدَّر إجماليّ الإنفاق العسكري في تحليل لبنود وبيانات الموازنة العامة للدولة في اليمن في آخر موازنة للبلاد قبل عام 2014 بنحو 4% من إجمالي الناتج المحلي، فيما تتصدر البلاد مشهد الصراعات الدولية المتأججة أخيراً والمتصاعدة بشكل واسع مع تدفق القطع والسفن البحرية للدول الكبرى في المنطقة. وأقرت الحكومة اليمنية العام الماضي مشروع الموازنة العامة للدولة لعام 2022، ومشاريع موازنات الوحدات المستقلة (عن الوزارات) والملحقة، والصناديق الخاصة، لأول مرة منذ ثمانية أعوام، دون أن تحدد قيمة الموازنة المخصصة للجانب العسكري.
في السياق، يربط الباحث الاقتصادي عمار سعيد، في حديثه لـ"العربي الجديد"، بين طبيعة اليمن وموقعها الجغرافي الاستراتيجي، وبين الاهتمام العسكري والتركيز الكلي على التسليح، إذ تتحكم البلاد بأهم الممرات التجارية الدولية على البحر الأحمر، وذلك من خلال باب المندب، أو موقعها على البحر العربي ونافذة للقرن الأفريقي، إضافة إلى موقعها الاستراتيجي في طريق الحرير، وصولاً إلى الحرب البشعة التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة.
يرصد مراقبون في تصريحات لـ"العربي الجديد"، تدفقاً واسعاً للأسلحة إلى اليمن بشكل كبير طوال السنوات القليلة الماضية، مع بروز منافذ تهريب واسعة للأسلحة، يبدو أنها كانت بإشراف بعض الدول الكبرى، بالتزامن مع تموضع بعض الكيانات والتشكيلات العسكرية في مواقع ومناطق محددة، كالحديدة وباب المندب والمخاء وسواحل البحر الأحمر، وخليج عدن والبوابة الشرقية لليمن في المهرة وسقطرى وحضرموت، وكذلك شبوة.
واشار الخبير في الاقتصاد السياسي خالد مرغم، خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى الصراعات الدولية المحتدمة بين المحور المتمثل بأميركا وأوروبا وإسرائيل، والمحور الذي تمثله الصين وروسيا ودول أخرى، انعكس على اليمن بشكل واضح مع تركيز كل محور على دعم ومساندة وتسليح حلفائه والموالين له في البلاد.
وجاء ذلك، مع تغير كلي لسياسة الإنفاق العسكري واتباع استراتيجيات مختلفة عن الآلية التي كانت متبعة في سنوات من قبل عام 2014، حيث كانت تجري وفق تعامل منفرد بين وزارة الدفاع التي تتقدم بميزانية سنوية لوزارة المالية لاعتمادها، بينما تقوم وزارة المالية بمراجعة وتدقيق الميزانية كما تعمل مع كل الوزارات، وتُخصص الموارد وفقاً لآلية محددة لفترة تصل إلى 6 أشهر، بحيث لا يُخضَع الإنفاق العسكري لأي تدقيق أو مراجعة من خارج وزارة الدفاع، حسب مرغم.
وتعتمد الموازنة العامة في اليمن على الموارد النفطية والغازية بدرجة أساسية بنسبة تتعدى 80%، وقد واجه اليمن صعوبات وعقبات في إدارة الموازنة العامة للدولة في ظل توقف صادرات النفط والغاز وعدم القدرة على تحصيل بقية الموارد العامة من الضرائب والجمارك وتشتتها بين أطراف الصراع الدائر في البلاد.
ويؤكد خبراء اقتصاد أن اليمن يعاني بسبب هذه الصراعات والإنفاق العسكري المتضخم من فقر مزمن وتعثر في تنمية القطاعات الاقتصادية الواعدة التي تساهم في التخفيف من حدة البطالة المتوسعة، إذ يتطرق الخبير الاقتصادي صادق علي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن كل ذلك كان على حساب تفتيت البلاد والعبث بمواردها الشحيحة المتاحة والهيمنة الدولية على ثرواتها الطبيعية وموقعها الاستراتيجي، لافتاً إلى أن الوقت قد حان لتضع جميع الأطراف خلافاتها وتتوحد فيما بينها في ظل المخاطر المحدقة التي تلوح في المنطقة مع استمرار تمدد الحرب الإسرائيلية وتوسعها، واستمرار مجازرها البشعة في غزة والدول الداعمة لها، والتي تكثف بشكل غامض وجودها بالمنطقة.
ويعاني اليمن من فقر يتجاوز 80% مع توسع البطالة واقتراب عدد العاطلين من العمل من تجاوز حاجز 5 ملايين شخص، بينما مخصصات الموازنات العامة في اليمن خلال السنوات الماضية للتعليم وقطاعات الزراعة والمعادن والاستثمار والأسماك والرعاية الاجتماعية لم تتجاوز 15%.
المصدر: الموقع بوست
كلمات دلالية: اليمن اقتصاد الإنفاق العسكري اسرائيل غزة الموازنة العامة للدولة الإنفاق العسکری العربی الجدید فی الیمن
إقرأ أيضاً:
السادس من أبريل..من سرق الوعد النبيل؟
يصادف اليوم مرور الذكرى الأربعين لقيام ثورة أبريل 1985 فيما صارت أوضاع بلادنا أسوأ من أوضاع ذات الأيام التي اندلعت فيها. العنوان الأبرز بعد هذه السنوات من العراك السياسي، والعسكري، هو فشل السودانيين في استثمار الوقت، والإمكانية، والعقل.
ورثت أبريل الحرب الأهلية في جنوب البلاد، وما تزال الحرب بعد أربعة عقود تغطي الآن كامل البلد. بل لم يبق مواطن بعيداً عن التأثر المؤلم بها. وحتى الذين أوقدوها ثم هربوا إلى الخارج لحقت بهم بأشكال متفاوتة، وأقلها دفع أهاليهم، ومناطقهم، ثمناً باهظاً للخراب. خلافاً لحرب الجنوب التي كانت قاب قوسين أو أدنى من الحل أثناء ديمقراطية أبريل، فإن الحرب الراهنة ضربت قلب البلاد لتنتشر في كل نجوعها، بينما كانت الحرب الأهلية في الجنوب تحاول شل أطرافها للوصول إلى العاصمة.
استنسخت ثورة أبريل عزم ثورة أكتوبر لمعالجة الخلل البنيوي الذي صاحب نشوء الدولة السودانية ما أدى إلى استشراء رقعة الحرب حتى الشمال. ولكن للأسف تعثرت كل محاولات استمرار الثورة الواعدة لاستدامة الديمقراطية. ذلك بوصفها الخطوة الأولى نحو إقامة الدولة الوطنية التي تحقق الشعارات التي رفعتها هذه الأجيال التي خلقت الثورات الواعدة.
ما ميز ثورة أبريل وسط هذه الثورات السودانية أن قادتها الحزبيين كانوا أكثر تعليماً، وكفاءةً. ولكن ظل العراك الحزبي الذي تمت استعادته من فترة ما بعد أكتوبر هو جوهر هذا الفشل في إدارة الصراع الحزبي في الزمن الديمقراطي. ولاحقاً استعارت النخبة السياسية في ديسمبر ذات الأخطاء التي مهدت للعسكر الحزبيين الانقضاض على السلطة، على ما في طبيعة تفكير النخب العسكرية دائماً من استهانة بقدرة المدنيين أصلا في إدارة الدولة، وصيانة مصالح المواطنين.
برغم كل ما لازمها من مطبات سياسية، فإن أوضاع ما بعد ثورة أبريل خلقت نوعاً من الحراك السياسي لو استمرّ إلى يوم الناس لهذا فربما قلت الحاجة إلى ثورة ديسمبر. ولساهمت الانتفاضة - كما سميت أيضاً - في تطوير الوعي السياسي، وأوجدت من ثم تراكماً في التداول السلمي الذي يخلق تنافسه الحتمي بين الأحزاب روّى بصيرة لدى القيادات السياسية المنتخبة.
لكن أنهت الجبهة الإسلامية التداول السلمي للسلطة التي سطت عليها فاعتمدت الاستبداد كوسيلة أحادية
للتطور السياسي التقدمي، وكأداة للبناء الوطني الموحد، وكرافعة لتحقيق النهضة الفكرية، والاقتصادية، والاجتماعية!. وبعد ثلاثين عاماً من التجريب السياسي القائم على الأدلوجة الدينية للحكم الإسلاموي تضاعفت أزمات السودان التي حاولت النخب السياسية في إبريل حلها، وفي قمتها حسم ملف السلام.
واضح أن العالم الآن بعد إصابته بالفتور من الصراع السوداني - السوداني العقيم تدخل بذيوله الإقليمية والدولية لتبقى البلاد متورطة في حرب الوكالة التي لم تكن ماثلة قبل أربعين عاماً. ولهذا تعقدت الحرب، وجلبت أطرافاً خارجية للاستثمار في موارد البلاد التي عجزنا عن التحكم فيها، وتوظيفها لصالح تقدم، ورفاهية أهلنا في كل مناطقهم.
وبرغم بعد المسافة الزمنية بين ثورة أبريل وبين ثورة ديسمبر مقارنة بين الثورة الأولى والثانية، فإن التركة السياسية الضخمة تضاعفت مرة أخرى بعد سقوط نظام الجبهة الإسلامية القومية. ولعل أخطر ما في هذه التركة التشرذم وسط القوى السياسية بعد انقلاب البرهان - حميدتي، وكذلك انسداد الأفق بعد الحرب التي أشعلها الإسلاميون.
الأمل الوحيد الذي يتزامن مع مرور الذكرى الأربعين لثورة أبريل 1985 هو الرهان على الجبهة الوطنية المدنية الواسعة للضغط على الطرفين لإيقاف الحرب، واستئناف المسار الانتقالي لثورة ديسمبر. صحيح أن التحدي كبير، ولكن لا سياسة بلا تحدٍ، مهما تعاظم حجمه.
suanajok@gmail.com