يوم تنازل عبود عن العرش (26 أكتوبر 1964): يوم مجهول عن وقفة الجيش مع الشعب (1/2) . بقلم: د. عبد الله علي إبراهيم
تاريخ النشر: 16th, November 2023 GMT
(لا أدري كيف مُسخت هذه الدراما أو التراجيديا العجيبة لتنازل عبود مما ربما سطرها قلم الطيب صالح نفسه إلى "حدوته" عن عبود الطيبان الذي أشاع أنه سمع الهتاف ضده ولبى النداء وذهب إلى بيته يتمطى. (
أعرض فيما يلي ما كتبه الدكتور كليف تومسون في كتابه "ثورة اكتوبر في السودان" (الأحداث 21 أكتوبر 2010) عن ملابسات تنازل الرئيس عبود عن السلطان في يوم الاثنين 26 أكتوبر 1964.
وضح للمجلس الأعلى للقوات المسلحة الحاكم أن صغار الضباط غير راضين عن قتل المتظاهرين في مواكب الثورة. وللتهدئة قبل المجلس اقتراحاً لرئيس القضاة محمد أحمد أبورنات سبق أن رفضوه وهو أن يجتمع المجلس المركزي (بمثابة برلمان النظام) ليحقق في مظالم الناس من الحكومة. وقرروا التعجيل بذلك بإذاعة خبره مباشرة على الناس بدون التشاور مع الأحزاب.
لم يكن عبود واثقاً مما ينبغي فعله: هل يحزم أمره ويمضي فيما هو فيه أم يتنازل شيئاً ما. ولجأ إلى طريقته المعتادة في التشاور مع أعضاء المجلس والوزراء ليقع على ما يمكن أن يجتمعوا عليه.
وعلى خلاف ما يعتقد الناس ما يزال فالضابط الذي كان متوقعاً منه العنف ضد الثوار وإلى النهاية، في قول تومسون، كان اللواء المقبول الأمين الحاج وليس اللواء حسن بشير نصر. وصادف أن كان المقبول في زيارة للسعودية. وكان اللواء حسن بشير على العكس هادئاً في مناقشاته وحذراً مرجحاً تحول ميزان القوى للمدنيين على العسكريين ومعترفاً بذلك. وكان موقف الشدة مع المتظاهرين قد تبناها من هم دونه قوة شخصية من الضباط. وقال الكاتب إن الموقف لم يكن موقف انقسام بين صقور المجلس العسكري وحمائمه بل كان النزاع في داخل كل منهم بما فيهم عبود. كانوا في حالة شلل متهيج. ووصفهم الكاتب بأنهم مثل من تذكر عند عتبة الخروج من منزله أنه نسيّ شيئاً ما واضطرب بين المضي فيما هو فيه أم الرجوع ليأتي بما نسيه. وكان الراديو يواصل الإعلان حتى المغيب عن بيان هام فتوقعوه. وهو بيان عن انعقاد المجلس المركزي.
ولكن فجأة دلفت الأمور إلى منعطف عصيب. فكان المجلس يتصرف حتى ذلك الوقت تحت الضغط الشعبي العام وحس غير مؤكد بأن صغار الضباط ناقمين عليه لبؤس معالجته للأزمة. ولذلك كان بوسع المجلس أن يتخير نوع التنازل الذي يراه لاحتواء الموقف. وفجأة وفي نحو السابعة مساء دخل اللواء الطاهر عبد الرحمن، الحاكم العسكري لمديرية كسلا وقائد الفرقة الشرقية، واللواء عوض عبد الرحمن، رئيس المجلس المركزي، القصر الجمهوري للقاء عبود. ونقلا له أنهما اجتمعا بضباط حامية الخرطوم وفرق أخرى بالعاصمة وما جاورها الذين يعتقدون أن الأمر قد فلت، وأنهم قد لا ينفذون أمراً بضرب المتظاهرين، وأن على المجلس العسكري حل نفسه. ولم يصدق عبود أذنيه حتى حين طمأناه على أنه سيظل رئيساً للبلاد بصورة ما. ولما تبين قولهما رفض العرض وخرج من الغرفة.
ثم عاد عبود واستدعى اللواء عوض ليسأله إن كان ثمة أحداً بالاسم من وراء عرضه. فأقسم اللواء بشرفه العسكري ألا أحد من ورائه. وخاطب وطنية عبود التي تدعوه لحقن دماء العسكريين والمدنيين. وصعد عبود واللواء إلى بلكونة القصر المشرفة على النيل ليجتمع اللواء عوض بأعضاء المجلس العسكري واحداً واحداً ويطلعهم على قوله. وكان أولهم اللواء حسن بشير الذي عاتبه عبود على أنه لم يطلعه على سوء الموقف. لم يصغ عبود عتابه كاتهام وإنما كحقيقة واقعة. وصمت حسن بشير هونا ثم قال: "ما الحاصل؟". فنقل له اللواء ما عنده وقال له إن عبود قد يحتاج لوقت لإقناع أعضاء المجلس. فقال اللواء حسن أنه سيكفيه المهمة وسيقوم بها بنفسه. وخالجت عبود لابد خاطرة لا تزايل القائد حين يرى رجله القوي ويده الباطشة جنح للسلم يدعو له بنفسه. وبدا له أن خطته لدعوة المجلس المركزي ستتخذ مساراً مختلفاً.
ولم يمر وقت قليل حتى وضح لعبود أن الضباط المارقين على وشك لي يده حقاً. فقد رأى من موقعه من البلكونة رجلاً في الزي العسكري في غبش بداية الليل لم يتبينه. ثم سطع عليه مصباح كهريائي فإذا هو الرائد محمد الباقر أحمد (نائب رئيس الجمهورية تحت نميري لاحقاً) من أواسط الرتب ممن لا شأن لهم بالمجيء للقصر الجمهوري. فطلب عبود من الجنرال عوض أن يلحق به ويسأله عن غرضه. فهبط اللواء الدرج ولم يجد الباقر فحسب، بل القائمقام محمد إدريس عبد الله أيضاً الذي جاء من جهة أخرى. ونزل عبود الدرج ونادى القائمقام محمد إدريس وترك اللواء والرائد الباقر وحدهما. ومن تبادل عاجل فهم اللواء من الرائد أنه جاء ليستوثق أنه لم يمسه ضر من المهمة التي بعثه بها ضباط الخرطوم. وقال اصطحب معه قوة من العسكر لأنه غير متأكد مما ربما اصابه. ولم يعرف اللواء قوة القوة ولكنه قال له إنه بخير وعليه أن يصرف القوة.
ونواصل
IbrahimA@missouri.edu
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: المجلس المرکزی اللواء حسن حسن بشیر
إقرأ أيضاً:
"70 عامًا" السيسي يوضح الظلم التاريخي الذي وقع على الشعب الفلسطيني
أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي أن القضية الفلسطينية شهدت ظلمًا تاريخيًا استمر لمدة 70 عامًا، مشيرًا إلى أن ما يحدث في قطاع غزة اليوم هو نتيجة لعدم معالجة جذور المشكلة على مدار سنوات طويلة. وأضاف الرئيس خلال مؤتمر صحفي مع نظيره الكيني، أن الحل الحقيقي لهذه الأزمة يكمن في إنشاء دولة فلسطينية مستقلة، وفقًا لحل الدولتين الذي يضمن حقوق الفلسطينيين وأمن المواطنين الإسرائيليين.
موقف مصر الثابت تجاه القضية الفلسطينيةمن خلال المؤتمر الصحفي المشترك مع الرئيس الكيني وليام روتو، نقل الرئيس السيسي رسالة واضحة حول موقف مصر الثابت من القضية الفلسطينية. أكد السيسي أن بلاده لن تتراجع عن دعم حقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، طبقًا لقرارات الشرعية الدولية. وأضاف أن مصر ستواصل العمل بشكل حثيث مع الأطراف الدولية لتحقيق هذا الهدف، لافتًا إلى أن أي محاولة لفرض واقع جديد يتعارض مع هذه الحقوق الفلسطينية ستواجه بالرفض.
وأشار السيسي إلى أن مصر تبذل جهودًا كبيرة من أجل الوصول إلى حل شامل وعادل للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، مؤكدًا أن السلام في الشرق الأوسط لن يتحقق إلا من خلال إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة. كما أكد أن مصر لن تتهاون في أي مسألة تتعلق بأمنها القومي، وأنها لن تسمح بفرض أي واقع جديد على الأرض يتجاهل الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
تأثير تصريحات ترامب على المنطقةفي الوقت نفسه، جاءت تصريحات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، التي طالب خلالها الأردن والمغرب بإيواء المزيد من اللاجئين الفلسطينيين نتيجة الفوضى التي يشهدها قطاع غزة، لتهز الوضع الإقليمي وتثير تساؤلات عدة حول مستقبل القضية الفلسطينية. وقال ترامب في تصريحاته التي أدلى بها للصحفيين على متن طائرته الرئاسية، إنه طلب من العاهل الأردني استقبال المزيد من الفلسطينيين في وقت تشهد فيه غزة دمارًا غير مسبوق. وأضاف ترامب أنه تحدث مع الرئيس السيسي حول هذا الموضوع في محاولة لتخفيف العبء الناتج عن النزاع في غزة.
ووفقًا لتصريحات ترامب، يرى أن الحل يمكن أن يكون في إقامة مخيمات مؤقتة أو حتى بناء مساكن دائمة في دول مثل الأردن ومصر لإيواء الفلسطينيين. إلا أن هذا الطرح قوبل بانتقادات واسعة في المنطقة، حيث كان هناك قلق من أن هذه التصريحات قد تؤدي إلى تصعيد جديد في النزاع الإقليمي.
التباين بين المواقف الدوليةتعكس هذه التصريحات تباينًا واضحًا في المواقف الدولية تجاه كيفية التعامل مع أزمة اللاجئين الفلسطينيين. في حين ترى الإدارة الأمريكية السابقة أن نقل الفلسطينيين إلى دول أخرى قد يكون حلًا مؤقتًا، يعارض قادة الدول العربية، مثل الرئيس السيسي والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، هذا الطرح بشدة. فقد حذر السيسي في وقت سابق من أن عملية تهجير الفلسطينيين من غزة قد تؤدي إلى تداعيات خطيرة على الأمن الإقليمي، حيث من الممكن أن يتسبب ذلك في حدوث أزمة مماثلة في الضفة الغربية.
أما الملك عبد الله الثاني فقد وصف في وقت قريب فكرة نقل اللاجئين الفلسطينيين إلى الأردن أو مصر بأنها "خط أحمر"، مؤكدًا أن الأردن لا يمكنه تحمل المزيد من اللاجئين في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها. وأضاف أن بلاده تستضيف بالفعل أكثر من 2.39 مليون لاجئ فلسطيني وفقًا للأمم المتحدة، وأن استضافة المزيد منهم سيكون أمرًا غير ممكن في المستقبل القريب.
الواقع في غزة: دمار وانهيارمن جهة أخرى، تستمر الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة في التدهور بشكل خطير. فبعد 15 شهرًا من الحرب بين إسرائيل وحماس، تحول جزء كبير من غزة إلى أنقاض، حيث تم تدمير نحو 60% من المباني بما في ذلك المدارس والمستشفيات. كما نزح ما يقرب من 90% من سكان القطاع، مع استمرار موجات النزوح القسري التي جعلت الكثير من السكان يهربون أكثر من مرة.
خاتمة: التحديات المستمرةتبدو تصريحات ترامب المتعلقة بنقل الفلسطينيين إلى الدول المجاورة بمثابة محاولة لتغيير الواقع في المنطقة بطريقة قد تتناقض مع الأسس التي قامت عليها السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط لعقود. بينما تواصل مصر والأردن التأكيد على موقفهما الرافض لأي محاولات لتهجير الفلسطينيين إلى خارج أرضهم، يبقى السؤال الأبرز: هل ستتمكن المنطقة من التوصل إلى حل شامل يضمن حقوق الفلسطينيين ويحقق الاستقرار الدائم؟ الوقت وحده كفيل بالإجابة على هذا السؤال في ظل التحديات الكبيرة التي تواجهها الدول العربية والمجتمع الدولي في هذا الشأن.