(لا أدري كيف مُسخت هذه الدراما أو التراجيديا العجيبة لتنازل عبود مما ربما سطرها قلم الطيب صالح نفسه إلى "حدوته" عن عبود الطيبان الذي أشاع أنه سمع الهتاف ضده ولبى النداء وذهب إلى بيته يتمطى. (

أعرض فيما يلي ما كتبه الدكتور كليف تومسون في كتابه "ثورة اكتوبر في السودان" (الأحداث 21 أكتوبر 2010) عن ملابسات تنازل الرئيس عبود عن السلطان في يوم الاثنين 26 أكتوبر 1964.

وجرى التنازل في ملابسات ظاهرة معروفة بالمروق (defection) أي تنصل القوى النظامية بصورة كاملة أو جزئية عن الحاكم فلا يجد مهرباً من مغادرة الحكم. فإلى التلخيص:
وضح للمجلس الأعلى للقوات المسلحة الحاكم أن صغار الضباط غير راضين عن قتل المتظاهرين في مواكب الثورة. وللتهدئة قبل المجلس اقتراحاً لرئيس القضاة محمد أحمد أبورنات سبق أن رفضوه وهو أن يجتمع المجلس المركزي (بمثابة برلمان النظام) ليحقق في مظالم الناس من الحكومة. وقرروا التعجيل بذلك بإذاعة خبره مباشرة على الناس بدون التشاور مع الأحزاب.
لم يكن عبود واثقاً مما ينبغي فعله: هل يحزم أمره ويمضي فيما هو فيه أم يتنازل شيئاً ما. ولجأ إلى طريقته المعتادة في التشاور مع أعضاء المجلس والوزراء ليقع على ما يمكن أن يجتمعوا عليه.
وعلى خلاف ما يعتقد الناس ما يزال فالضابط الذي كان متوقعاً منه العنف ضد الثوار وإلى النهاية، في قول تومسون، كان اللواء المقبول الأمين الحاج وليس اللواء حسن بشير نصر. وصادف أن كان المقبول في زيارة للسعودية. وكان اللواء حسن بشير على العكس هادئاً في مناقشاته وحذراً مرجحاً تحول ميزان القوى للمدنيين على العسكريين ومعترفاً بذلك. وكان موقف الشدة مع المتظاهرين قد تبناها من هم دونه قوة شخصية من الضباط. وقال الكاتب إن الموقف لم يكن موقف انقسام بين صقور المجلس العسكري وحمائمه بل كان النزاع في داخل كل منهم بما فيهم عبود. كانوا في حالة شلل متهيج. ووصفهم الكاتب بأنهم مثل من تذكر عند عتبة الخروج من منزله أنه نسيّ شيئاً ما واضطرب بين المضي فيما هو فيه أم الرجوع ليأتي بما نسيه. وكان الراديو يواصل الإعلان حتى المغيب عن بيان هام فتوقعوه. وهو بيان عن انعقاد المجلس المركزي.
ولكن فجأة دلفت الأمور إلى منعطف عصيب. فكان المجلس يتصرف حتى ذلك الوقت تحت الضغط الشعبي العام وحس غير مؤكد بأن صغار الضباط ناقمين عليه لبؤس معالجته للأزمة. ولذلك كان بوسع المجلس أن يتخير نوع التنازل الذي يراه لاحتواء الموقف. وفجأة وفي نحو السابعة مساء دخل اللواء الطاهر عبد الرحمن، الحاكم العسكري لمديرية كسلا وقائد الفرقة الشرقية، واللواء عوض عبد الرحمن، رئيس المجلس المركزي، القصر الجمهوري للقاء عبود. ونقلا له أنهما اجتمعا بضباط حامية الخرطوم وفرق أخرى بالعاصمة وما جاورها الذين يعتقدون أن الأمر قد فلت، وأنهم قد لا ينفذون أمراً بضرب المتظاهرين، وأن على المجلس العسكري حل نفسه. ولم يصدق عبود أذنيه حتى حين طمأناه على أنه سيظل رئيساً للبلاد بصورة ما. ولما تبين قولهما رفض العرض وخرج من الغرفة.
ثم عاد عبود واستدعى اللواء عوض ليسأله إن كان ثمة أحداً بالاسم من وراء عرضه. فأقسم اللواء بشرفه العسكري ألا أحد من ورائه. وخاطب وطنية عبود التي تدعوه لحقن دماء العسكريين والمدنيين. وصعد عبود واللواء إلى بلكونة القصر المشرفة على النيل ليجتمع اللواء عوض بأعضاء المجلس العسكري واحداً واحداً ويطلعهم على قوله. وكان أولهم اللواء حسن بشير الذي عاتبه عبود على أنه لم يطلعه على سوء الموقف. لم يصغ عبود عتابه كاتهام وإنما كحقيقة واقعة. وصمت حسن بشير هونا ثم قال: "ما الحاصل؟". فنقل له اللواء ما عنده وقال له إن عبود قد يحتاج لوقت لإقناع أعضاء المجلس. فقال اللواء حسن أنه سيكفيه المهمة وسيقوم بها بنفسه. وخالجت عبود لابد خاطرة لا تزايل القائد حين يرى رجله القوي ويده الباطشة جنح للسلم يدعو له بنفسه. وبدا له أن خطته لدعوة المجلس المركزي ستتخذ مساراً مختلفاً.
ولم يمر وقت قليل حتى وضح لعبود أن الضباط المارقين على وشك لي يده حقاً. فقد رأى من موقعه من البلكونة رجلاً في الزي العسكري في غبش بداية الليل لم يتبينه. ثم سطع عليه مصباح كهريائي فإذا هو الرائد محمد الباقر أحمد (نائب رئيس الجمهورية تحت نميري لاحقاً) من أواسط الرتب ممن لا شأن لهم بالمجيء للقصر الجمهوري. فطلب عبود من الجنرال عوض أن يلحق به ويسأله عن غرضه. فهبط اللواء الدرج ولم يجد الباقر فحسب، بل القائمقام محمد إدريس عبد الله أيضاً الذي جاء من جهة أخرى. ونزل عبود الدرج ونادى القائمقام محمد إدريس وترك اللواء والرائد الباقر وحدهما. ومن تبادل عاجل فهم اللواء من الرائد أنه جاء ليستوثق أنه لم يمسه ضر من المهمة التي بعثه بها ضباط الخرطوم. وقال اصطحب معه قوة من العسكر لأنه غير متأكد مما ربما اصابه. ولم يعرف اللواء قوة القوة ولكنه قال له إنه بخير وعليه أن يصرف القوة.

ونواصل

IbrahimA@missouri.edu  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: المجلس المرکزی اللواء حسن حسن بشیر

إقرأ أيضاً:

اللواء الدويري: 12 عملية مميزة للمقاومة كل 24 ساعة بحي الشجاعية

قال الخبير العسكري والإستراتيجي، اللواء فايز الدويري، إن فصائل المقاومة في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، شمالي القطاع، نفذت 12 عملية مميزة كل 24 ساعة منذ بدء جيش الاحتلال الإسرائيلي عمليته العسكرية بالحي.

وكان الجيش الإسرائيلي قد أعلن الخميس بدء عملية عسكرية واسعة النطاق في منطقة الشجاعية، بناء على معلومات استخبارية تفيد بوجود مسلحين وبنية تحتية عسكرية في المنطقة.

ويقول الدويري -في تحليل للمشهد العسكري بقطاع غزة- إن هذا هو اليوم الرابع من العملية العكسرية للاحتلال في الشجاعية وحتى مساء أمس نفذت المقاومة نحو 40 عملية نوعية، والتي قالت بيانات جيش الاحتلال إنها وقعت في اشتباكات بين الطرفين.

ويرى الخبير العسكري أن كثافة العمليات وشدتها تعني أن القتال محتدم وأن المقاومة تخوض معارك ضارية بأساليب متعددة في الحي دفعت جيش الاحتلال للاعتراف بها.

وبينما وصف الاحتلال أن ما تقوم به المقاومة هو "حرب العصابات"، يرى الدويري أن ما يجري يأتي في سياق قدرة إدارة المعركة لدى فصائل المقاومة على التكيف والتأقلم مع طبيعة مجريات المعركة، ويعكس ذلك الطريقة التي تخوض بها المقاومة المعركة حاليا عبر كمائن وعمليات قنص وتفجير وغيرها.

ويرى الخبير العسكري أن هذا التعديل الذي تقوم به المقاومة يكشف ما لديها من كفاءة ومرونة تسمح بالتغيير في إدارة المعركة حسب مقتضيات الظرف الميداني، وهي ميزة لا تتمتع بها الجيوش النظامية، حسب تقديره.

وحول حديث جيش الاحتلال عن العثور على وثائق خلال العملية، قلّل الدويري من شأن ذلك وأثره على سير المعارك، ولفت إلى أن هذه العملية الثالثة التي يخوضها الاحتلال في الحي، بعد عمليتين سابقتين زعم أنه قضى على المقاومة خلالهما، والآن يعود ويقول إن المعركة ستستمر لأسابيع.

ويؤكد الدويري على أنه إذا نجح أيٌّ من فصائل المقاومة في تنفيذ كمين مركب يخلّف خسائر كبيرة لدى جيش الاحتلال، فإن ذلك سيدفعه إلى الانسحاب وإعادة تموضعه مرة أخرى كما حدث في مرات سابقة.

مقالات مشابهة

  • ننشر تشكيل المجلس الخاص بمجلس الدولة عقب تعيين الرئيس الجديد
  • قضايا الدولة تهنئ المستسار أحمد عبد الحميد بتعيينه رئيسا لمجلس الدولة
  • الـكورفا سود يلزم جماهير الرجاء بتعليمات صارمة استعدادا لنهائي كأس العرش ضد الزعيم العسكري
  • كلمة مختصرة في مشواري التربوي الطويل ،،، بقلم /متعب شجاع العتيبي
  • نهائي كأس العرش يحبس الأنفاس بين جماهير الجيش الملكي والرجاء البيضاوي
  • اللواء الدويري: 12 عملية مميزة للمقاومة كل 24 ساعة بحي الشجاعية
  • الجيش الإسرائيلي: سلاح الجو ضرب البنية التحتية والهيكل العسكري لحزب الله في جنوب لبنان
  • وقفة في حرض بحجة تضامناً مع الشعب الفلسطيني
  • وقفة تضامنية مع الشعب الفلسطيني بأمانة العاصمة
  • صحة غزة: استشهاد 37874 فلسطينيا وإصابة 86858 في الهجوم العسكري الإسرائيلي على القطاع منذ 7 أكتوبر