سودانايل:
2024-11-23@16:43:50 GMT

قراءة في فكر الوليد مادبو … ثورة الوسط نموذجا (1/4)

تاريخ النشر: 16th, November 2023 GMT

Mohamedmosa.imam@gmail.com

في تناولنا لكتاب "ثورة الوسط" "أعالي أشواق الإنسان المهدور", بالقراءة والتحليل عبر منهج "التفكيك" , عمدنا الى سبر غور المكتوم والمجهور في قضية الإقليم المهجور, فهناك الكثير من المكتوم – المسكوت عنه - في تداعيات "الثورة" كفعل مرافض للواقع المعاش عبر الخروج عن الوضع الراهن طلبا لواقع جديد أكثر رضاً , والقليل من المجهور به – المفصح عنه - في أحوال "الوسط" كجهة مناطقية وهي ما عبّر عنه الكاتب في العنوان الفرعي بـ"أعالي أشواق الإنسان المهدور" في تلك المناطق المتطلعة لوضع أفضل يسكن نوبات غضبهم .


أتى كتاب "ثورة الوسط" الصادر عن دار مدارك للنشر – الخرطوم – بتاريخ 2013 , في 390 صفحة , احتل شعار دار النشر الربع الأول من صفحة الغلاف متوسطاً باللون الأزرق الداكن , كما تم تموضع عنوان الكتاب (ثورة الوسط) النصف الثاني من الربع الأول للغلاف , إعتمد المصمم على الخط الحُر المستند على خط الديواني الكلاسيكي , أي خارج على قاعدة الديواني , أتى العنوان بخط غليظ مَمْهور باللون الأسود الذي يشي إلى كئآبة إنسان الوسط , كما تم تنقيط الأحرف باللون الأحمر الذي يشير إلى الدماء التي أهدرتْ , أوالتي ستُسفك . الملاحظة التي ينتبه لها المتلقي من أول وهلة هي طريقة كتابة (ثورة الوسط) التي أتت بحجم كبير وخارج عن القواعد الرسمية لخط الديواني , مع النّقاط المتراصة رأسياً باللون الأحمر , وإستطالة الألف واللاّم , وحرف الطاء فيه "تشويه متعمد" مقصود من قبل الخطاط , مما يشي أن لدى الخطاط أو الكاتب أو كليهما رسالة يريدان بعثها للمتلقي من خلال التصميم . فكلمة (الوسط) أتت أكبر حجما نسبياً من كلمة (ثورة) كما لو أن الثورة تستظل وتحتمي بالوسط , فما هي دلالات هذا التصميم ؟ وما هو هذا الوسط ؟ هل هو "الوسط" المناطقي الجغرافي أم هو "الوسط" الإثني الديموغرافي ؟ , علامات استفهام كثيرة تتقاطر في ذهن المتلقي من خلال دراسة الغلاف كـ(نص موازي) ومدخل طبيعي قبل الولوج إلى متن الكتاب , مجمل تصميم العنوان الرئيس يحمل إشارة إلى نزعة الرّفض لدى الكاتب والتمرد لدى الخطاط السر حسن سيد احمد .
أتى العنوان الفرعي تحت العنوان الرئيس مباشرة واضعاً حداً فاصلاً بين النصف الأعلى للغلاف عن النصف الآخر موسوم بـ"أعالي أشواق الإنسان المهدور" , حيث تمت كتابته بخط طباعي رقمي مستند على خط النسخ اليدوي , كما تم إعتماد اللون البني المائل إلى الإحمرار وهو لون الفقراء الكادحين (البروليتاريا) . حيث اللون البني يمكن أن ينتج بسهولة عن الأوساخ والعَرَقْ والغبار العالق في ملابس هؤلاء الغلابة , لذلك نجد لوحة الغلاف أتت تحت العنوان الفرعي مباشرة وهي صورة "مونوكروم" رمادية لعدد من "المتطلّعين" ينتشلون الماء من بئر سحيقة , وإعتماد المصمم على هذا اللون الرمادي ليتفادى كثرة الألوان في الغلاف حتى يتجنّب التشويش وإفساح المجال للقارئ للاستنتاج والتَفَكُر والتَبَصُر في حال ومئآل هؤلاء .
فدلالات الصورة ليست واضحة للجميع , فأهل غرب السودان يعرفون أن هذه البئر عميقة وذلك من خلال وقفة الناس حول البئر , وطريقة تعاملهم مع (الدلو) لإستجلاب الماء , فطريقة الوقفة تُنبئ بعمق البئر وثقل (الدلو) , لذلك نقول إن الغرض الوظيفي من إختيار هذه الصورة دون سواها هو محاولة للربط بين الصورة والعنوان الفرعي للكتاب , فكلنا يعلم مدى إهتمام دار مدارك للنشر بجودة التصميم وهذا واضح في أغلفة منشوراتها , لذلك لا يسعنا سوى أن نركن إلى الإستنتاج الأوحد وهو أنّ مجمل عناصر التصميم المستخدمة في الغلاف أتت بشكل مدروس ومقصود لخلق عنصر "لفت إنتباه" المتلقي "العارف" , فالفنان السر حسن سيد احمد , خطاط محترف ومجوّد لصنعته . احتل الربع الأخير من الصفحة إسم الكاتب بالخط الديواني الكلاسيكي مصبوغ باللون الرمادي , منسجماً مع اللوحة كإعلان مُبطن يشي بإنتماء الكاتب لهؤلاء النّفر . ولا يفوتنا بأن الخط الديواني هو الخط المعمول به رسمياً في دواوين البلاط العثماني إبان الإمبراطوية العثمانية وبالتالي هو خط "بلاطي/ملكي" , ربما بطريقة مقصودة أو غير مقصودة يليق بمقام ومكانة الكاتب المنحدر من سلالة (آل مادبو) الذين تعاقبوا على مَشْيَخَة ونَظَارَة عموم قبيلة الرزيقات المشهود لهم بالعلم والتأدب الذي أشتقّ منه إسم العائلة (موديبو/المؤدّب) أي المُعلّم , كما عُرفوا بالكفاح القبلي المسنود بالحكمة والمقاومة الوطنية المؤصّلة بالرُّشْدِ. تذَيَّلَ صفحة الغلاف وتحت إسم الكاتب مباشرة تاريخ الإصدار 2013 باللون الأحمر , وهو ذات اللون المستخدم في تنقيط حروف العنوان (ثورة الوسط) وهو ما ينبئ الى التذكير بالدماء التي أهْرِقَتْ في 2013 , عبر ثورة المرافضين المتطلّعين للتغيير الذين يحركهم عدم الرضا والتطلّع الى الأفضل .
أتى تصميم الغلاف ككل باللون الازرق السماوي الفاتح (baby blue) من تصميم الياس فتح الرحمن , الذي إعتمد هذا اللون ليبعث من خلاله ببارقة أمل في قلوب "المتطلّعين" المغلوبون على أمرهم "الثوار" من الهامش وطمأنتهم بغَدٍ أفضل , وأن السكينة والطمأنينة آتية لا محال , فمثلما سَكَنَتْ وإنسَجَمَتْ وتآلفَتْ هذه الأحرف والكلمات والصور مع بعضها البعض رغم بعثرتها وإضّدادها رغم خرقها للقواعد المدرسية , إلا أنها إستقرت بإتّفاقٍ وثبوتٍ وإنتظام . وحقاً , فإن الغلاف يحتوي على أربع أنماط من الخطوط وهذا بحدّ ذاته إقحامٌ مخلٌ لعنصر التصميم , فالتصميم الناجح يركن إلى تبسيط العناصر , فما الجمال إلا في البساطة . ومع ذلك , نجد أن مجمل العناصر المكونة لتصميم الغلاف رغم تباينها "شكلا" إلا أنها منسجمة وتخدم بل تدعم بعضها البعض "مضمونا" , فحالة الإرباك "البصري" التي يتعرض لها المتلقي المختص عند أول وهلة تنجلي بعد المرور سريعاً على محتويات الكتاب , فاللوحة ككل تندرج تحت مسمى (الكولاج collage) . شمل الغلاف الأخير للكتاب أربعة عناصر أساسية , "عنوان الكتاب" كما هو مستخدم في الغلاف الرئيس ولكن بحجم أصغر (الثلث) , يعقبه صورة ملونة للمؤلف , رغم أن إقحام الصور الشخصية في أغلفة الكتب هي عادة (الفرنجة) – أمريكية/غربية , أكثر من غيرهم من البلدان . يليه فقرة من التصدير الذي خطّه أستاذ التاريخ عبد الله الفكي البشير للكتاب , ثم يليه شعار دار مدارك للنشر يتذيله عنوان دار النشر . فالتصميم في مجمله جيد وناجح , إلا أننا نرى ضرورة توحيد عناصر التصميم مع الغلاف الرئيس , فصورة الكاتب كان بالإمكان أن تكون "مونوكروم" رمادية , فاللون الرمادي سليل الأبيض والأسود ومن السهولة أن ينسجم مع الأزرق بدرجاته المعتمدة في الغلاف ككل .
ندلف إلى محتويات الكتاب والتي أتت في الغلاف قبل الأخير , بمقدمة قصيرة وتصدير , حيث إقتصرت المقدمة على إهداء للكاتب يَبِرُّ فيه والديه , جاهداً معتصراً للكلم ليبذل لهم شيئ من عرفان مستحق , وفي كلمات لم تتجاوز أربعون كلمة في خمس أسطر يهدي الكاتب سفره للكادحين المُجْهَدِينَ من أبناء وبنات الوطن الآملين بغد مشرق , أعالي أشواقهم إنتظار الذي يأتي ولا يأتي . تلي المقدمة تصدير خطّه أستاذ التاريخ عبد الله الفكي البشير في ثلاثون صفحة , وحسب تقديرنا فالكاتب الوليد ليس في حاجة لمن يُقَدّمَه , فهذا –التصدير- يُعْتَبر نَصٌ موازي , كان بإمكان عبدالله الفكي طرح قراءته لكتاب "ثورة الوسط" في أنهار الصحف اليومية كقراءة نقدية "موازية" , فكلا الكاتبين لهما وزنهما المعرفي ورصيدهم الأدبي , وقد عرفنا وخبرنا كلا الكاتبين وما يَتَحَلّون به من جرأة في الطرح وقوة في الشخصية والإعتداد بالنفس ورصانة في القلم, وبالتالي يأتي التصدير كـ"عربون" مجاني لا يحتاج إليه كلاهما . هناك بعض الكُتّاب يحتاجون إلى من يقدمهم وهذا عُرْفٌ معمولٌ به لدى الكثير من الكتاب وأصحاب الأقلام , ولكن ليس الوليد حسب ظنّنا وتقديرنا .
ضم الكتاب بين دفّتيه ست محاور إشتملت على ثمانية وثلاثون مقالاً في النقد السياسي , والإسلام السياسي , والرثاء , والنقد الإجتماعي , وشيئ من العرفان . مجمل هذه المقالات رغم تنوّعها تصب في حوض جلد الذات .... (يتبع)  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: فی الغلاف

إقرأ أيضاً:

النساء في الفن.. هل يصنعن ثورة أم يقعن في فخ التمثيل الزائف؟

 

منذ عقود طويلة، لعبت المرأة دورًا محوريًا في جميع مجالات الفن، بدءًا من الإبداع وصولًا إلى التأثير الثقافي والسياسي. ومع ذلك، ورغم تقدم المرأة في مجالات الفن المختلفة، يبقى السؤال قائمًا: هل استطاعت النساء في الفن حقًا إحداث ثورة حقيقية؟ أم أنهن لا يزالن يقعن في فخ "التمثيل الزائف" حيث يُحصرن في أدوار نمطية ومجالات محدودة؟ هذا السؤال يفتح أبوابًا عديدة للنقاش حول تمثيل المرأة في عالم الفن، سواء في جوانب الإبداع أو في صناعة وتوزيع الأعمال الفنية.

النساء في تاريخ الفن: بين التهميش والتحرر

لطالما كانت النساء في الفن محط نقاش وجدل، حيث كانت مشاركتهن في التاريخ الفني شبه معدومة أو مقيدة لعدة قرون. الفن، في شكله التقليدي، كان ميدانًا يسيطر عليه الرجال، مما جعل النساء تُستبعد من المشهد الفني بشكل رسمي. ولكن مع مرور الزمن، بدأت النساء في كسر هذا الحاجز، سواء كفنانات، صانعات أو مستشعرات لثقافاتهن الخاصة.

ومع دخول النساء في مجالات الرسم، التمثيل، التصوير الفوتوغرافي، الكتابة الإبداعية، والعديد من المجالات الفنية الأخرى، بدأ المجتمع الفني يشهد نوعًا من التغيير البطيء، إلا أن النساء ظللن في معظم الأحيان يتم تمثيلهن من خلال عدسة الرجل، مما أدى إلى ظهور أعمال فنية تُظهر النساء في أدوار معينة تتعلق بالجمال، الحب، والتضحية.

الثورة أم التكرار؟

النقد الرئيس الذي يوجه إلى النساء في الفن اليوم هو ما إذا كن يقمن بالفعل بثورة حقيقية أم أنهن يعكسن فقط ما فعله الفنانون الذكور قبلهن. هناك من يرى أن العديد من الفنانات ما زلن عالقات في دائرة تكرار أدوار نمطية وتصورات مشوهة عن المرأة، بدلًا من تحدي المفاهيم السائدة. في الفنون التشكيلية، على سبيل المثال، غالبًا ما يُنظر إلى العديد من الأعمال التي تُنتجها النساء باعتبارها توثيقًا لما هو شخصي وعاطفي، بينما في الأعمال التي ينتجها الفنانون الرجال، يتم التركيز على العمق الفلسفي أو البُعد السياسي.

هل يعني هذا أن أعمال الفنانات تفتقر إلى الثورية؟ أم أنهن يواجهن ضغوطًا من المجتمع لتقديم أنفسهن في أدوار معينة كي يحققن النجاح التجاري أو الاجتماعي؟ قد يكون هناك بالفعل فجوة في التقدير بين الجنسين، حيث تجد النساء أنفسهن مضطرات للتماشي مع معايير "الجمال الأنثوي" أو "الحساسيات العاطفية" لأعمالهن، بدلًا من أن يتم تقديرهن لمجرد موهبتهن ورؤيتهن الفنية الفريدة.

التمثيل الزائف: عندما يصبح الفن سلعة

واحدة من النقاط المهمة في هذا السياق هي فكرة "التمثيل الزائف". في عصرنا الحالي، تُواجه العديد من الفنانات بتحديات تتعلق بالكيفية التي يتم بها "تسويق" أعمالهن. في كثير من الأحيان، يُطلب منهن تقديم أنفسهن بصورة معينة تتناسب مع ما يراه السوق أو الجمهور مقبولًا. بدلًا من أن يتم تسليط الضوء على مهارتهن الفنية أو رسالتهن الإبداعية، تُختزل العديد من الفنانات إلى مجرد تجسيد "الجمال" أو "الضعف" الأنثوي في أعمالهن.

هذا النوع من التمثيل الزائف يمكن أن يعيق تقدم النساء في الفن ويحد من إمكانياتهن، حيث يُحصرن في أدوار معينة تستهلكهن دون أن تتيح لهن الفرصة لإظهار طاقاتهن الفنية الحقيقية. في هذا الإطار، يعاني العديد من الفنانات من الضغط الكبير لتمثيل "الأنوثة" أو "الجمال" وفقًا لتوقعات اجتماعية قديمة. هذا يثير تساؤلات حول قدرة النساء على تجاوز تلك الصورة النمطية وخلق أعمال فنية تكون أصيلة ومؤثرة دون أن يتم تقييمهن بناءً على المظاهر.

النساء كصانعات للفن أم كأدوات في يد الرجال؟

ليس من المفاجئ أن نقول إن النساء، رغم وجودهن في عالم الفن، غالبًا ما يُنظر إليهن من خلال منظور الرجل، سواء كمصدر للإلهام أو كموضوعات تصويرية. وهذا لا يعني أن جميع الفنانات اليوم يسلكن هذا الطريق، لكن الساحة الفنية تشهد مجموعة من الفنانات اللواتي يستخدمن الفن كوسيلة لتحرير المرأة من هذه القيود المفروضة عليها. هؤلاء الفنانات يواصلن طرح قضايا جديدة ومتنوعة في أعمالهن، مثل الهوية، القوة، الضعف، الاستقلالية، والتحرر الجنسي.

من بين هؤلاء الفنانات، نجد بعضهن قد نجحن في طرح رؤى جديدة يمكن أن تُعتبر بمثابة ثورة في مجال الفن. هن يقدمن أعمالًا تتجاوز الأبعاد الجمالية الضيقة إلى أبعاد أوسع تشمل السياسة والمجتمع. ولكن، من ناحية أخرى، هناك عدد كبير من الفنانات اللاتي لا يزالن يواجهن القمع والتهميش، إذ تُعتبر أعمالهن في كثير من الأحيان أقل قيمة من أعمال الفنانين الرجال.

 

مقالات مشابهة

  • ‏الجيش الإسرائيلي: اعتراض صاروخين أطلقا من غزة نحو الغلاف
  • مجدرة سياسية / هبة عمران طوالبة 
  • من أرشيف الكاتب أحمد حسن الزعبي .. في بيتنا تلفزيون
  • خيتافي يفوز على بلد الوليد في الدوري الإسباني
  • نهيان بن مبارك: التزام رئيس الدولة بالتسامح والأخوة جعل الإمارات نموذجاً عالمياً
  • موعد مباراة خيتافي وبلد الوليد في الدوري الاسباني والقناة الناقلة
  • النساء في الفن.. هل يصنعن ثورة أم يقعن في فخ التمثيل الزائف؟
  • شهداء الحركة الرياضية .. الحلقة 57 (الوليد أبو الحسن)
  • مدير التعليم العام بالقاهرة يتفقد مدرسة خالد بن الوليد ويؤكد انتظام العملية التعليمية
  • ضبط تشكيل عصابى تخصص فى بيع السبائك الذهبية المغشوشة بالمنصورة