التناقض بين قوة أمريكا وخلل سياساتها يقلق العالم
تاريخ النشر: 16th, November 2023 GMT
أشار الكاتب المتخصص في شؤون الأعمال أدريان وولدريدج، إلى أن المؤرخين تحدثوا بعد حرب 1812 عن ولادة "حقبة المشاعر الإيجابية" في أمريكا. حالياً، يجب أن يطلق على هذا العصر "حقبة المشاعر السيئة" كما كتب وولدريدج في شبكة بلومبرغ.
يقول ثلاثة أرباع الأمريكيين، 76% إن البلاد تسير في الاتجاه الخاطئ. ويقول 37 %في إن المشاكل سيئة إلى درجة أن الولايات المتحدة معرضة لخطر الفشل.فالجمهوريون والديمقراطيون نادراً ما يتفاهمون، وتتجه البلاد إلى عام انتخابي تحت سحابة من الاضطراب الاجتماعي، والخلل السياسي، وتفشي المعلومات المضللة. ومع ذلك، وفي مجال حيوي واحد، لم تفقد الولايات المتحدة زخمها.
قوة هائلة
بكل المقاييس، يتقدم الاقتصاد الأمريكي بقوة على أقرانه من الدول الصناعية. من الغريب بكل تأكيد أن هذا لا يسبب المزيد من البهجة في الداخل، خاصةً أن الاقتصاد توسع بمعدل سنوي بلغ 4.9 % في الربع الثالث. والأمر الأكثر غرابة أن التناقض بين الاقتصاد الأمريكي المهيمن وسياساتها المختلة لا يتسبب في المزيد من القلق العالمي على ما قد يحدث إذا انحرف الفيل الهائل عن مساره.
For all its political dysfunction and social problems, the US has a higher GDP per capita than every country in the European Union except Luxembourg and Ireland. Georgia has a higher GDP per capita than Denmark, https://t.co/8s7d9y6tWs via @opinion
— Adrian Wooldridge (@adwooldridge) November 15, 2023
ليس هناك من يشكك في القوة الاقتصادية الثابتة للولايات المتحدة. في 1990، كان اقتصادها يمثل 40% من الناتج المحلي الإجمالي لمجموعة دول السبع، وهو نادٍ يضم أكبر سبعة اقتصادات متقدمة في العالم، بينها اليابان وألمانيا. اليوم يمثل 58% منه.
إن الناتج المحلي الإجمالي للفرد في الولايات المتحدة أعلى من نظيره في أي دولة في الاتحاد الأوروبي، باستثناء لوكسمبورغ وأيرلندا، والأرقام الأيرلندية مشوهة بسبب خداع الشركات الأمريكية متعددة الجنسيات التي تتهرب من دفع الضرائب. الناتج المحلي الإجمالي للفرد في ولاية جورجيا أعلى منه في الدنمارك.
لا شك أن المقارنة تصبح أقل إثارة للانتباه مع تعديل الأسعار وفقاً لـ"تعادل القوة الشرائية" في كل منطقة بدل استخدام أسعار صرف السوق، من 43% في 1990 إلى 51 % الآن.
إن تعادل القوة الشرائية هو مقياس جيد لمستويات المعيشة. ولكن إذا كان الهدف قياس الوزن الجيوسياسي فإن أسعار الصرف التي تحددها الأسواق، هي التي تهم.
مزايا أخرىيتجلى النجاح النسبي الذي حققته أمريكا أيضاً في مجموعة من التدابير الأخرى. تهيمن الولايات المتحدة على صناعات المستقبل، من الذكاء الاصطناعي إلى التخزين السحابي، إلى السيارات ذاتية القيادة، على الأقل في الغرب. تفوق أداء سوق الأسهم الأمريكية بشكل كبير على أسواق العالم الغني: تشير تقديرات مجلة إيكونوميست إلى أن استثمار مئة دولار في مؤشر ستاندرد آند بورز 500 في 1990 سيعادل 2300 دولار اليوم، في حين أن نفس المبلغ المستثمر في مؤشر لأكبر أسهم العالم الغني باستثناء سوق الولايات المتحدة، ستكون 510 دولارات.
America’s economy is storming ahead of its industrialized peers. But given its political and social turmoil, asks @adwooldridge, what happens if the world's bull economy goes rogue? https://t.co/f3yTZAA5UY via @opinion
— Bloomberg (@business) November 15, 2023
تواصل الولايات المتحدة توفير العملة الاحتياطية العالمية: حسب أحدث استطلاع لبنك التسويات الدولية، سجل شراء أو بيع الدولار الأمريكي في نحو 88 % من معاملات الصرف الأجنبي العالمية في أبريل (نيسان) 2022 مقارنة مع 31 % لليورو. وتستمر الولايات المتحدة أيضاً في اتخاذ القرارات الجيوسياسية الكبرى، بدءاً بقرار دونالد ترامب معاملة الصين منافساً جيواستراتيجياً، إلى قرار جو بايدن إعادة تأهيل السياسة الصناعية.
يضع الاقتصاديون قائمة طويلة من الصفات لتفسير النجاح الاقتصادي الدائم الذي حققته الولايات المتحدة، المعروض الجاهز من البشر ورأس المال، وفرة أفضل الجامعات، حقوق الملكية الراسخة، ضعف النقابات العمالية، على الأقل في القطاع الخاص، والتسامح مع الفشل. لكن بالنسبة للكاتب، ثمة ثلاثة أشياء تتفوق على غيرها.
تولي البلدان المختلفة أهمية كبيرة للصفات المتنوعة، في فرنسا للعبقرية الفكرية، وفي بريطانيا للأسلوب النبيل، وإيطاليا للاستمتاع بالحية. أما أمريكا فتحب الأعمال.
لا يزال الشباب الطموحون يحلمون بأن يصبحوا من كبار رجال الأعمال. يستمر رجال الأعمال الناجحون في كسب المال، والتبرع به، عندما يتقاعد نظراؤهم البريطانيون، ويعيشون في عقارات بلادهم. المكتبات في المطارات ممتلئة بالكتب التي تتحدث عن كيفية تحقيق الثراء وإدارة الشركات.
تستمر أمريكا في قيادة العالم في الإنتاج الضخم لرواد الأعمال الذين يغيرون العالم. وتستمر أيضاً في قيادة العالم بجودة إدارتها. تضع دراسة الإدارة العالمية الولايات المتحدة في القمة بانتظام، تليها اليابان في المرتبة الثانية، وألمانيا ثالثة. يضع استطلاع مجلة تايم في 2023 لأفضل الشركات في العالم، 6 شركات أمريكية ضمن أفضل 10 شركات في إجمالي إنتاجية العوامل، وهو مقياس جيد للابتكار والكفاءة، وقد زاد بنحو 20% بين 1990 و2020، أي ضعف المتوسط في مجموعة دول السبع.
أما السبب الثاني فهو أن أمريكا ليست أرض الشركات الناشئة فحسب، بل هي أرض التوسع أيضاً. إن الشركات "السبع الرائعة" التي تقود الأداء المتفوق في سوق الأسهم الأمريكية أمازون، وألفابت، وأبل، وميتا، ومايكروسوفت، ونفيديا، وتيسلا، تأسست جميعها في نصف القرن الماضي، ثم حققت تقييمات بأكثر من 100 مليار دولار. لا يمكن لأوروبا أن تتباهى إلا بشركة واحدة تفوق 100 مليار دولار تأسست في نفس الفترة الزمنية، هي شركة ساب الألمانية للبرمجيات.
تتمتع الولايات المتحدة بميزة السوق المحلية الواسعة التي تسمح للشركات بالانتقال من البداية إلى التوسع نحو لاعب عالمي دون اضطرار إلى التعامل مع حواجز داخلية مثيرة للغضب.
وفي المقابل، تظل السوق الداخلية في الاتحاد الأوروبي، تعاني من الجمود، خاصةً في الخدمات. ولكن الأمر الأكثر أهمية هو الميزة التي تتمتع بها الولايات المتحدة في الخيال. ربما لم تكن أمريكا تتمتع بميزة واضحة على إيطاليا في صنع القهوة أو على ألمانيا في إنتاج السيارات الكهربائية. لكن هوارد شولتز وإيلون ماسك كانا يملكان ما يملكه عدد قليل من الإيطاليين أو الألمان: الخيال، والتصميم اللازمين لتحويل فكرة ما، إلى إمبراطورية تجارية في العالم.
السبب الثالث يشير مثالا شركة ستاربكس وشركة تيسلا إلى السبب الثالث في نجاح أمريكا، أي النطاق الهائل لشركاتها من الدرجة الأولى. في بعض الأحيان يريح الأوروبيون أنفسهم بفكرة مفادها أن نجاح أمريكا يقتصر على التكنولوجيا. لكن التكنولوجيا هي الجزء الأكثر وضوحاً في القوة الساحقة.أصبحت الولايات المتحدة الآن أكبر منتج للنفط والغاز في العالم، والفضل في ذلك جزئياً إلى عبقرية جورج ميتشل الرائدة، وهو المهاجر اليوناني الذي ظل يجرب التكسير الهيدروليك،ي لعقود، حتى نجح في الثمانينات من عمره. تعمل العديد من الشركات الأمريكية الأفضل إدارة، في صناعات غير جذابة مثل تجهيز السلع، صناعات كوك، أو الأغذية، والزراعة كارجيل، أو البيع بالتجزئة وول مارت. قلق محق..
يشعر الأمريكيون عن حق بالقلق على دوام هذا النجاح. إن القوة الديموغرافية للبلاد مهددة بمزيج من المشاعر المعادية للمهاجرين، وانخفاض معدل المواليد.
يتوقع الإحصاء السكاني في الولايات المتحدة أن يرتفع عدد السكان بشكل متواضع من 336 مليون نسمة اليوم إلى 366 مليوناً في 2100. كما أن المشاركة في قوة العمل، خاصةً من الشباب، منخفضة إلى حد محبط. تعمل الشركات الخارقة على اكتناز الابتكارات بدل إجبارها، بفعل المنافسة، على السماح لها بالانتشار في مختلف أنحاء الاقتصاد. وتجعل مجموعة متزايدة من اللوائح التنظيمية إنشاء شركات جديدة أمراً صعباً.
ومع ذلك، فإن العديد من المشاكل الملحة التي تواجهها أمريكا قابلة للحل، من الممكن أن تتعامل سياسات هجرة أكثر ذكاء مع نقص المهارات، ويمكن أن ينتقل أهل كاليفورنيا المقيدين بالقواعد التنظيمية إلى تكساس.
وأهم نقاط القوة التي تتمتع بها أمريكا هي قديمة قدم الدولة نفسها. لا تزال حصة أمريكا من الناتج العالمي قريبة مما كانت عليه في 1980. وتدفع أوروبا، لا الولايات المتحدة، ثمن صعود آسيا بتناقص حصتها في الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
السؤال الدائم..إن مصدر القلق الحقيقي حسب الكاتب ليس هشاشة نجاح أمريكا الحالي. المشكلة هنا هي أن الجمع بين التفوق الاقتصادي الأمريكي الثابت، والخلل السياسي المتنامي الذي تعاني منه، قد يشكل كارثة على العالم الليبرالي.
أصبحت الولايات المتحدة أكثر حمى. تظهر العديد من استطلاعات الرأي أن دونالد ترامب يتفوق على جو بايدن في الانتخابات الرئاسية. أما السؤال الحيوي عن شعور المواطن الأمريكي بأنه أفضل حالاً اليوم مما كان عليه عندما وصل الرئيس الحالي إلى السلطة، فهو السؤال الذي استخدمه رونالد ريغان لإضعاف جيمي كارتر، في 1979، يعتقد 14 % فقط أن بايدن جعلهم أفضل حالاً.
يتوقع وولدريدج أنه حتى لو أمكن تجنب الكارثة، وتلاشى ترامب أو انهار أو انتهى به الأمر إلى السجن، ستظل السياسة الأمريكية مختلة، حيث يسحب الناشطون أحزابهم إلى التطرف، ويعمل النظام السياسي على زيادة حدة الخلافات.
إذا وفر الاقتصاد الأمريكي القوي منصة للحكماء لتوجيه العالم بعد 1945، فإن الاقتصاد الأمريكي الذي لا يزال قوياً اليوم قد يوفر منصة للجامحين لإغراق العالم في الفوضى.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان سلطان النيادي مانشستر سيتي غزة وإسرائيل الحرب الأوكرانية عام الاستدامة أمريكا الناتج المحلی الإجمالی الاقتصاد الأمریکی الولایات المتحدة فی العالم
إقرأ أيضاً:
في ظلّ ما يجري في أمريكا: العالم إلى أين؟
أهي النهاية؟ سؤال يدوّي في أدمغة قاطِنِي المعمورة من أقصى المشرق إلى أقصى المغرب، فبمجرد أن انخرط "ترامب" في إصدار قراراته المستفزّة؛ انهمك كلّ من يسكنون الليل والنهار في حسابات معقدة مشحونة بالكآبة والتشاؤم، فهل نحن على أعتاب حرب عالمية ثالثة؛ تحتمها وتفرضها على الناس تدافعات اقتصادية كبرى، فرضتها وستفرضها قرارات ترامبية متشنجة؟ أم إنّها نهاية العالم التي بشّرت بها الأصولية الأمريكية من قبْلُ على يد جيمي سواغرت وجيري فلوليل وهول لندسي، وإن فارقت في أسلوبها التراجيديا الأصولية إلى تراجيديا اقتصادية أبطالها هم خريجو المدرسة اليمينية من أمثال "الرئيس!" ونائبه ووزير خارجيته ورئيس أركانه، وصُنَّاعها رأسماليون عنصريون من أمثال أيلون ماسك؟
نظرية التخريب المتعمد وشواهدها
لا أظنّها مجرد انعكاس لنظرية المؤامرة، ولا أحسبها إلا دراسة استشرافية اعتمدت الأحداث الجارية في أرض الواقع شاهدا أكيدا، وما فيها من غرابة وجنون ليس مصدره استنتاج غريب مجنون، وإنّما مصدره ما تتسم به الأحداث ذاتُها من شطط؛ مَن كان يتصور أنّ عدة أسابيع فقط كانت كافية في تقويض هرمٍ ضخم لَطَالَما تفاخرت به الإمبراطورية الأمريكية، وهو ما يسمى في عالم الحكم والسياسة بسيادة القانون؟! وفي سلب روح المؤسسة من جسد دولة عمّرت قرنا ونصف قائمة على المؤسسات؟ وفي إفراغ أجهزة الدولة الأمريكية من الكفاءات واستبدالها بموالين للحاكم؟
هل يريد الرأسماليون الكبار تفكيك النظام الدوليّ وإنهاء دور أمريكا؛ ليحلّ محلّه نظام جديد يكونون فيه أكثر تسلطا على رقاب العباد وجيوبهم؟ ومَنْ يا ترى وراء هذه الألعاب المنغمسة في الفساد؟ من الذي وراء القرارات التي تخفض اليوم ما رفعته بالأمس وتلوِّح برموز غامضة؛ ليقع صغار المستثمرين في شِباك يخرجون منها وقد انحدرت أموالهم من جيوبهم إلى خزائن إيلون ماسك وأضرابه؟!
لقد صار السؤال اليوم -في ظلّ اللايقين السياسيّ- هل سيكون في أمريكا بعد اليوم تداول للسلطة أو انتخابات يراقب العالم الحرّ نتائجها؟ فهل وقع ذلك كلّه فجأة؟ ثم من هذا الذي يظهر في الخلفيّة وكأنّه يلقن ترامب ما يقوله ويملي عليه ما يفعله؟ أليس هذا الزئبقيّ اللزج هو إيلون ماسك الذي يمتلك مئات المليارات ويتطلّع للمزيد؟ أليس هو ذلك العنصريّ الصهيونيّ المتآمر؟ وأخيرا، لماذا هذه الثورة العفوية على سيارات "تسلا"؟
لا بدّ أنّ الشارع الأمريكيّ الثائر (الذي سيظلُّ يثور إلى أن تُسْلِمه ثورته إلى استعادة سنة الآباء المؤسسين أو تردّه الترامبية إلى حرب أهلية تأتي على الإمبراطورية بالخراب واليباب) قد وعى -وللشارع وعي عفوي تلقائي يسبق وعي البُلَغاء- أنّها مؤامرة كبيرة وخطيرة، مؤامرة جماعات الضغط المنتفعة التي لَطالما حذّر منها كبار المفكرين طوال التاريخ الأمريكيّ، فهل يريد الرأسماليون الكبار تفكيك النظام الدوليّ وإنهاء دور أمريكا؛ ليحلّ محلّه نظام جديد يكونون فيه أكثر تسلطا على رقاب العباد وجيوبهم؟ ومَنْ يا ترى وراء هذه الألعاب المنغمسة في الفساد؟ من الذي وراء القرارات التي تخفض اليوم ما رفعته بالأمس وتلوِّح برموز غامضة؛ ليقع صغار المستثمرين في شِباك يخرجون منها وقد انحدرت أموالهم من جيوبهم إلى خزائن إيلون ماسك وأضرابه؟!
اللايقين الاقتصادي وآثاره المدمرة
على الرغم من تعليق ترامب إجراءات زيادة التعريفة الجمركية لثلاثة أشهر -بعد أن كان قد فاقمها بشكل مزعج- فإنّ تراجعه هذا لا يعطي الطمأنينة التي لا بدّ للاقتصاد الدولي أن يتزود بها لينطلق من جديد؛ وذلك لافتقاد اليقين بسبب التأرجح المزاجي للكينونة الترامبيّة.
يقول دبلوماسي كبير في الاتحاد الأوروبي: "يظهر أننا اخترنا الاستراتيجية الصحيحة: التركيز على المفاوضات، مع ممارسة الضغط للوصول إلى هذه النقطة"، وقال إن التحدي المستمر ينبني على التنبؤ بالتحركات التالية لرئيس لا يمكن التنبؤ بردة فعله، وأضاف: "نحن نوازن باستمرار بين الحزم وبين ترك مساحة لتسلق ترامب". ويقول "كارستن بريسكي"، الموظف المالي السابق في الاتحاد الأوروبي: "إن الخطر هو أن الأيام التسعين القادمة ستتميز بعدم اليقين، وعدم اليقين يعيق الاستثمارات والاستهلاك".
هل لنا نحن العرب والمسلمين مخرج مما هو آت؟ وحتى نجيب على السؤال إجابة صادقة وموضوعية لا بد من النظر إلى الروافع من جهة والمحاذير من جهة أخرى، فأمّا ما تتمتع به أمتنا العربية والإسلامية من الفرص والروافع فكثير وفير، فنحن أمّة -لو شاءت- لاكتفت ذاتيّا من الناحية الاقتصادية؛ فجميع المقومات مبثوثة في أنحائها، ولا يعوزها إلا اتخاذ القرار بالتكامل الاقتصاديّ
يحْدُث هذا كلُّه وسط أجواء ملبدة بالغيوم والشكوك الكبيرة بين الولايات المتحدة وبين الدول الأخرى بما في ذلك حلفاؤها؛ بسبب تحول ترامب ضد أوكرانيا في حربها مع روسيا، وبسبب تشكيكه في المادة الخامسة من ميثاق حلف الناتو المتعلقة بالدفاع المشترك، مما يضخم المخاوف من عدم استعداد الولايات المتحدة للوفاء بوعودها.
مستقبل الهيمنة الدولارية
من المؤكد أنّ استمرار الهيمنة الدولارية بات أمرا لا مسوغ له في حلق الزمن القادم، صحيح أنّ الدولار لا يزال يتمتع بالمقومات التي تؤهله لأن يكون العملة الاحتياطية الأولى في العالم، وصحيح كذلك أنّ البدائل الأخرى كالذهب والعملات الرقمية ومقترح مجموعة بريكس والمقترح الصيني لا تزال ضعيفة وغير قادرة على أن تحلّ بديلا عن الدولار؛ لأسباب كثيرة يتعلق أغلبها بظروف أصحاب المقترح وتضارب مصالحهم، وإذا كنت منطقة اليورو على تضامنها وتضامّها لم تنجح إلا قليلا في زحزحة الدولار عن عرشه؛ فكيف بمناطق ومكونات أضعف نفوذا وأقلّ تماسكا؟! لكن في ظلّ الإجراءات العاصفة التي تفاجئ العالم ولا يسلم منها عدو ولا صديق يتحتم البحث عن عملة احتياطية أخرى تواجه التحديات التي يخلقها باستمرار تقلب المزاج الترامبيّ، ومن هنا نرى أنّ المخاطر تحفّ بالدولار.
هل للمسلمين والعرب مخرج؟
هذا هو السؤال الأهم والأجدى: هل لنا نحن العرب والمسلمين مخرج مما هو آت؟ وحتى نجيب على السؤال إجابة صادقة وموضوعية لا بد من النظر إلى الروافع من جهة والمحاذير من جهة أخرى، فأمّا ما تتمتع به أمتنا العربية والإسلامية من الفرص والروافع فكثير وفير، فنحن أمّة -لو شاءت- لاكتفت ذاتيّا من الناحية الاقتصادية؛ فجميع المقومات مبثوثة في أنحائها، ولا يعوزها إلا اتخاذ القرار بالتكامل الاقتصاديّ، ونحن أمّة -لو شاءت- لتحصنت دفاعيّا؛ فجند الله الصادقون منتشرون في ربوعها، ولا ينقصها سوى الجرأة على إحداث تحالف عسكريٍّ حقيقيٍّ، وإذا حلمنا بسوق عربية مشتركة وحلف سُنّيٍّ مشترك فلن نحتاج لتحقيق ذلك إلا أن نشاء، فهل تفعلها الأنظمة في بلادنا؟ وإذا لم تفعلْها فهل تظنّ أنّ عروشها بمنأى عن الخطر؟ وإذن فستدرك أنّها لم تقرأ المشهد بشكل صحيح، وأمّا المحاذير فلا أراها خافية على أحد، وحسب كلّ باحث عن الحقيقة أن يعلم أنّ محور الصراع سيكون ممتدا في المساحة التي يقطنها خيار الأمة وسوادها الأعظم، هذا هو البلاء المنهمر؛ فهل من مدّكر؟!