أحمد ياسر يكتب: أزمة الشرق الأوسط حافز للتغيير في بريطانيا
تاريخ النشر: 16th, November 2023 GMT
وليس من قبيل المبالغة أن نقول إن هذا الصراع المستمر منذ خمسة أسابيع، بعيدًا عن الحدود بين إسرائيل وغزة، أودى بأول ضحيته السياسية.
تم إقالة سويلا برافرمان، وزيرة الداخلية البريطانية التي حاولت، لكنها فشلت في وقف المظاهرات العامة الداعمة لوقف إطلاق النار في غزة – مستخدمة يوم الهدنة ويوم الذكرى كذريعة...
جاء التعديل الوزاري المفاجئ الذي أعلنه ريشي سوناك يوم الاثنين الماضي، في أعقاب انتقادات متزايدة لخطاب برافرمان التحريضي من مشرعي المعارضة وحتى أعضاء حزب المحافظين الذي تنتمي إليه...وقد مكّن هذا سوناك من عزلها والوزراء الآخرين الذين شعر أنهم لا يؤدون دورهم في جلب حلفاء يمكنهم خدمة رؤيته بشكل أفضل.
ويبدو أن يده قد تم إجبارها عندما تحداه برافرمان، المثير للجدل الأسبوع الماضي في نشر مقال صحفي غير مصرح به يتهم الشرطة بـ “المعايير المزدوجة” في الاحتجاجات، مما يشير إلى أنهم كانوا صارمين مع المتظاهرين اليمينيين ولكنهم متساهلين مع المتظاهرين المؤيدين للفلسطينيين.
ولكي نكون منصفين، كان كل من رئيس الوزراء ووزير داخليته يعتقدان أنه يجب الاحتفال بيوم الهدنة ويوم الذكرى دون أي تدخل من المسيرات.
واعتقد كلاهما أن الاحتجاجات يمكن أن تفسد فعاليات الذكرى إذا اندلعت أعمال عنف، لكن الشرطة لم ترى ضرورة لمنعهما من المضي قدمًا.
وذهب حزب العمال المعارض إلى أبعد من ذلك وأشار إلى أن تعليقات برافرمان أثارت التوترات بين مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين واحتجاج مضاد لليمين المتطرف في لندن يوم السبت، في حين كان ينبغي في الواقع اعتبار كلا الحدثين مناسبتين لرفض الحروب والصراع.
وقد استخدم سوناك، هذا التحول في الأحداث كذريعة للتخلص من بعض مثيري الشغب في حكومته وإعادة تأكيد قبضته على الحزب، على الرغم من أنه اضطر إلى اللجوء إلى الأيدي القديمة مثل رئيس الوزراء السابق ديفيد كاميرون، الذي أصبح وزيرا للخارجية البريطانية.
واعتبر البعض تصرف سوناك، بمثابة محاولة لإعادة بعض أشعة الشمس إلى الحياة العامة، وتهميش اليمين المتطرف في حزب المحافظين وتعزيز قيادته للوفاء بوعوده للبلاد بشكل أفضل، على النحو المنصوص عليه قبل عام.
*لكن التعديل الوزاري وُصف بأنه لحظة "العودة إلى المستقبل" التي تعكس مدى اليأس الذي وصل إليه حزب المحافظين بعد 13 عامًا في السلطة التي ابتليت بالتقشف، وسوء التقدير لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وقبل كل شيء، سوء السمعة في البرلمان.... من خلال الاقتتال الداخلي والأكاذيب وحالات الفساد.*
*وإذا كان التعديل الوزاري قد كشف أي شيء، فهو أن البلاد في حاجة ماسة إلى انتخابات عامة وتفويض جديد لإعادة بعض اللياقة إلى الحياة العامة... ويتعين على الناس أن يؤمنوا مرة أخرى بأن مستقبلهم في أيد أمينة وأن البلاد قادرة على فتح صفحة جديدة بعد سنوات عديدة من الاستنزاف الداخلي وعلى مستوى البلاد لحزب المحافظين.*
من المؤكد أن الحرب التي شنتها إسرائيل على غزة كانت العامل المحفز الذي سمح بهذا التعديل الحكومي الأخير، ولكن يظل من المشكوك فيه أن يكون هذا كافيًا لتحسين الوضع....من المتوقع أن تتراجع فرص سوناك وحزبه في الانتخابات العامة المقبلة، حيث تتوقع استطلاعات الرأي حدوث ضربة قد تعيد المحافظين إلى الضياع.
لا بد أن العديد من المشرعين قد تنفسوا الصعداء بعد رؤية برافرمان ترحل، إذ كانوا يخشون أنها عازمة على إعادة تشكيل حزب المحافظين باعتباره "حزبًا ترامبيًا" شعبويًا "بغيضًا" ذا وجهة نظر متشددة بشأن الهجرة والمشردين والشرطة.
كما يعتقد الكثيرون أن لديها خطة لتركيز اهتمامها على التحضير لمحاولة محتملة لقيادة الحزب إذا خسر المحافظون الانتخابات المتوقعة العام المقبل، خاصة وأن حزب العمال المعارض يسجل تقدما مستمرا بفارق 20 نقطة، في صناديق الاقتراع.
*كان افتقار سوناك للخبرة في التعامل مع الأزمات الدولية بحجم الحرب الأوكرانية أو الصراع بين إسرائيل وغزة واضحا، حيث فشل في طرح أي خطاب بناء على الطاولة في وقت يدعو إلى التوازن في عالم شديد التقلب وفي منطقة مثل الشرق الأوسط.*
وعلى الصعيد المحلي، حاول إعادة إطلاق نفسه قبل شهر واحد فقط كوجه للتغيير في مؤتمره السنوي لحزبه، لكنه تراجع عن قراره وألغى أجزاء من مشروع البنية التحتية الكبير الوحيد للسكك الحديدية الذي وعدت بريطانيا به منذ عقود، لتوفير نقل سريع للسكك الحديدية....قطار يربط بين جنوب وشمال إنجلترا.
يتعاطف الكثيرون في المملكة المتحدة مع سوناك وجهوده لتحقيق الاستقرار في سفينة الحكومة، على الرغم من الطبيعة المتضاربة في قمة حزب المحافظين، حيث تم التشكيك بوضوح في سلطته عندما هاجمت وزيرة داخليته الشرطة في مقالتها الصحفية غير المصرح بها.... لكن التعديل الوزاري لا يمكن قراءته إلا على أنه عمل يائس.
العرض الحقيقي الوحيد للتغيير الذي يمكنه تقديمه هو الدعوة لإجراء انتخابات عامة قريبًا، لأن ذلك قد يوفر فرصة حقيقية لوضع الأمة على مسار التعافي طويل المدى بعد السنوات الضائعة من حكومة المحافظين، حتى لو تم التوصل إلى مثل هذا الاستنتاج.... ويتم التوصل إليه على خلفية أزمة أخرى في الشرق الأوسط.
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: احمد ياسر غزة فلسطين اخبار فلسطين الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الاحتلال الاسرائيلي نتنياهو حماس طوفان الاقصي واشنطن الأمم المتحدة بريطانيا التعدیل الوزاری حزب المحافظین
إقرأ أيضاً:
عودة مشروع الشرق الأوسط الجديد من البوابة السورية
يكشف هذا الملف تطورات "مشروع الشرق الأوسط الجديد" وتأثيراته على المنطقة، مع التركيز على السياق السوري، متناولاً الأبعاد السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تكتنف هذا "المشروع"، بما في ذلك تغيير موازين القوى، وإعادة تشكيل التحالفات، وفرض ثقافة القبول بالهيمنة الصهيونية، شارحاً كيف أصبحت "سوريا" البوابة الأساسية لتطبيق هذه الرؤية.
كما يُسلّط الضوء على أن هذا "المشروع" ليس مجرد خطة عابرة، بل استراتيجية طويلة الأمد تهدف إلى تفكيك الدول المركزية في المنطقة وإعادة رسم خرائطها بناءً على عوامل متعددة.
إلى جانب ذلك، يستعرض الملف الآثار المدمرة لهذا "المشروع" على الهويات الوطنية والقومية، وكيف يتم استخدام الفوضى والحروب الأهلية كأدوات لإضعاف الدول.
كما يقدم تحليلاً متعمّقاً حول الأدوار التي تلعبها القوى الدولية والإقليمية ومدى تأثير ذلك في تسريع أو عرقلة هذا "المشروع"، مشيراً إلى دور "أمريكا" في دعمه لتحقيق مصالحها، وتعزيز النفوذ "الصهيوني" في المنطقة، ومستشرفاً السيناريوهات المحتملة في ظل المتغيرات الراهنة.
هذا الملف يُعدّ مرجعاً مهماً وأداةً لفهم الآلية المعقدة التي تحكم منطقة الشرق الأوسط، وهو بقدر ما يُمكّن القارئ العادي من فهم السياق التاريخي والحاضر المتغيّر للمنطقة، فهو يستهدف الباحثين وصنّاع القرار والمهتمين بالشؤون السياسية والإستراتيجية، علاوةً على ما يثير من أسئلةٍ جوهرية حول مصير المنطقة وهوياتها الوطنية.
لقراءة التفاصيل على الرابط التالي:1734978766_3f_yGO.pdf