الفيلسوف الفرنسي إدغار موران: الغزيون يعانون وعلى الشباب تجنب الكراهية والعنف
تاريخ النشر: 16th, November 2023 GMT
في ما يشبه وصايا الحكماء المعمرين، يواصل عالم الاجتماع والفيلسوف الفرنسي إدغار موران (1921) دق جرس إنذار "الأزمة التي تتخبط فيها حضارتنا"، منبها بشكل خاص على مخاطر تفاقم العنف والجهل على مصير البشرية.
قبل أيام، دعا المفكر الفرنسي -صاحب كتاب "هل نسير إلى الهاوية؟"- لاتخاذ موقف و"عدم نسيان القضايا العادلة"، مشيرا إلى أنه يتخذ موقفا يتمثل في القلق الإنساني تجاه أولئك الذين يعانون "وفي الوقت الحالي هم في غزة".
وأضاف الفيلسوف -مؤلف كتاب "ثقافة أوروبا وبربريتها"- أن الأمر ربما لا يكون سهلا، "ففي الواقع ليس الجميع ضد الحرب، وهناك أوقات يجرفنا فيها التيار، ويطلب منا أن نختار جانبا ونتخذ موقفا، أنا أتخذ موقفا من قلق الإنسان".
جاء ذلك في حوار "المكتبة الكبرى" الذي يقدمه الصحفي والناقد الأدبي الفرنسي الشهير أوغسطين ترابينارد، إذ تناول الفيلسوف الفرنسي بالنقد واقع الإنسان في "عالم اليوم الغامض والمعقد، وشعور الكراهية الذي ينتشر أكثر في العالم" داعيا لعدم الاستسلام للكراهية.
وأشار -مؤلف "دروس قرن من الحياة" (2023)- إلى أننا نعيش في عالم من عدم اليقين، حيث مصير الإنسان أمر منسي تماما، وفسر ذلك بقوله "لم تتعرض الإنسانية قط لمثل هذا القدر من المخاطر، لأنه إذا انتشرت الحرب على نطاق واسع واستخدمت الأسلحة النووية وغيرها، فإننا لا نعرف إلى أين نتجه، لأي تراجع، أو لأي انحطاط".
موران ألف كتبا عديدة، منها "العقل المحكم" و"الإنسان والموت" و"ثقافة أوروبا وبربريتها" و"عنف العالم" (الجزيرة)وتابع أننا بحاجة لمواجهة هذا العالم الذي يبدو فوضويا، مشيرا إلى أن الفوضى تحمل في طياتها قوى التدمير والإنشاء (التكوين) في الوقت ذاته، مستشهدا بقول اليونانيين القدماء بأن "الكون (أو العالم) ابن الفوضى"، أي مزيج من النظام والفوضى معا، وأضاف "نحن بحاجة إلى تفكير ملائم وقادر على فهم هذا التعقيد والتعامل معه بأفضل شكل ممكن من خلال تغيير الإستراتيجية عند الضرورة".
ويُعرَف الفيلسوف الفرنسي -ذو الأصول اليهودية الإسبانية (السفرديم)- بمواقفه المؤيدة لحق الفلسطينيين في إقامة دولة خاصة بهم، وقاده مقال كتبه في صحيفة "لوموند" الفرنسية ندد فيه بالسياسة الإسرائيلية إلى المحاكم الفرنسية عام 2004.
"حرب من دون كراهية"ودعا الفيلسوف الفرنسي لما سماها "عدم كراهية العدو" وقال "أنا خضت الحرب (العالمية الثانية) من دون كراهية للألمان. كنت أكره النازية وأيديولوجيتها، لكنني أعتقد أن المسألة الحقيقية هي عدم الاستسلام لهذه العملية الحتمية التي تؤدي إليها الفكرة الخاطئة بأننا نواجه وحوشا دائما، أو أناسا من الطبقة السفلية، أو حيوانات، أو وحوشا".
وأردف المفكر -صاحب دعوات التنبيه الاستباقي ضد الحروب- قائلا إن "القضية الحقيقية هي أن نعلم أن جميع الأشخاص الذين كنا نواجههم بشر مثلنا. كيف يمكن أن نمتنع عن الكراهية؟ هذا ما تحدثنا عنه في مقال نشرته بجريدة ماريان يوم 17 أكتوبر (تشرين الأول الماضي) بشأن الصراع في الشرق الأوسط".
ودعا المفكر، الذي يرى أن المستقبل البشري سيكون مليئا بالمفاجآت والشكوك، إلى تعليم ثقافة عدم الانجرار نحو الكراهية بدءا من المدرسة، مضيفا "يمكننا أن نكون في صراع أفكار، صراع أشخاص، صراع أمم، ولكن أعتقد أن الكراهية هي أسوأ الأمور، لأنها تؤدي بنا إلى احتقار الآخرين وإنكار إنسانيتهم، وإلى أفعال مشينة. وللأسف، تعزز جميع الحروب".
ورأى أن مهمة المثقف هي الأصعب، ولم تظهر بهذا الوضوح في تاريخ الثقافة، مشيرا إلى أن دوره هو التفكير وإدراك تعقيد الواقع ومواجهته والتعبير عنه.
وشارك موران في الحرب الأهلية الإسبانية وخاض تجربة مع الحزب الشيوعي الفرنسي مطلع الأربعينيات وانضم لصفوف المقاومة الشيوعية، وانضم للجيش الفرنسي ضد ألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية.
الشباب وخلاص البشريةوعلى غرار نصائحه المستمرة للأجيال الأصغر سنا، يقول موران "أعتقد أن الشباب اليوم يجب أن يفكروا في خلاص البشرية التي ينتمون إليها.. يتعين على الشباب أن يدركوا أن الكوكب مهدد بتدهور بيئي عام وأن حضارتنا نفسها مهددة، وأن يروا كل هذه التهديدات".
وأردف "أشيد بقدرة الشباب على اتخاذ المواقف، لأنه عندما نكون جزءا من قوى متحدة ومرتبطة معا ضد التدمير والكراهية، نشعر بالراحة في دواخلنا. عندما كنت مقاوما -على الرغم من الحقبة المرعبة التي عشت فيها- كنت مرتاحا في داخلي، لأنني كنت أقوم بما يجب فعله".
وعن دور الشعر في الحياة، يعتقد أن القصائد "تساعدني على العيش، أحب قراءة القصائد وأعيد قراءتها أكثر من مرة"، وأردف "الشعر ليس مجرد شيء مكتوب، بل يجب أن يُعاش. والشعر المعاش هو قبل كل شيء أن نعيش في انسجام، وفي المجتمع، ونعيش الحب والدهشة".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: إلى أن
إقرأ أيضاً:
ادانات بالغة للإنتهاكات الجسيمة والعنف الجنسي ضد النساء على يد قوات الدعم السريع بالسودان
أعربت منظمة صحفيات بلا قيود عن إدانتها البالغة وقلقها الشديد إزاء الانتهاكات الجسيمة وجرائم العنف الجنسي التي ترتكبها قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها ضد النساء والفتيات في السودان، والتي وثقتها تقارير حقوقية وإعلامية موثوقة، من بينها تقرير هيومن رايتس ووتش الصادر في 16 ديسمبر 2024.
تشمل هذه الجرائم المروعة جرائم الاغتصاب الجماعي، الاستعباد الجنسي، التعذيب، وحالات اختطاف، ما يشكل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني ويرقى إلى مستوى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وفق أحكام الاتفاقيات والمواثيق الدولية.
أكد التقرير الصادر عن هيومن رايتس ووتش ارتكاب قوات الدعم السريع جرائم حرب في جنوب كردفان، حيث شنت قوات الدعم السريع سلسلة من الهجمات ضد المدنيين بين ديسمبر 2023 ومارس 2024، أسفرت عن مقتل عشرات المدنيين والاغتصاب الجماعي لعدد من النساء والفتيات. تم توثيق 79 حالة اغتصاب لنساء وفتيات نوباتيات، شملت بعض الحالات العبودية الجنسية. كما وثق التقرير شهادات لضحايا وعائلاتهن خلال الهجمات على حبيلة وفايو، حيث تم اغتصاب النساء تحت تهديد السلاح. إحدى الشهادات تشير إلى قيام المهاجمين بقتل زوج المرأة قبل اغتصابها، وأكدت الضحية أن هذا الحادث وقع في يناير 2024. كما جمع الباحثون في هيومن رايتس ووتش شهادات من 70 نازحًا في مناطق جبال النوبة في جنوب كردفان، وتم فحص صور الأقمار الصناعية التي كشفت عن تدمير ممتلكات مدنية وهجمات ضد المجتمعات النوبية.
وقالت بلا قيود ان مفوضية حقوق الإنسان الأممية نسبت 70 في المئة من حوادث العنف الجنسي المؤكدة لمقاتلين يرتدون زي قوات الدعم السريع، وحادثة من بينها، يتهم بارتكابها مقاتل بلباس قوات الجيش ، في حين وثق تقرير الهيومن رايتس وواتش وقوع انتهاكات ممنهجة طالت عشرات النساء والفتيات، تراوحت أعمارهن بين 7 سنوات و50 عامًا، خاصة في ولاية جنوب كردفان ودارفور. ووفقًا لمنظمة المرأة في منطقة القرن الإفريقي (SIHA)، فإن أكثر من 90% من حالات الاغتصاب كانت ضمن اعتداءات جماعية، حيث ارتُكبت الجرائم أمام عائلات الضحايا، في منازلهن، أو بعد اختطافهن واستعبادهن جنسيًا ، روايات مروعة عن نساء وفتيات تعرضن للعنف الجنسي والتعذيب على يد عناصر قوات الدعم السريع والجماعات المسلحة المتحالفة.
واضاف بين بلا قيود " في ٦ ديسمبر نشر موقع أخبار الأمم المتحدة عن بعثة الأمم المتحدة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق بشأن السودان ، التي نشرت تقريرها الأول ، والذي تضمن إن الأطراف استهدفت المدنيّين من خلال الاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسي، والاحتجاز التعسفي والاعتقال، بالإضافة الى التعذيب وسوء المعاملة، كما اكدت أن قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها ارتكبت "اعتداءات مُرعبة" ضد المجتمعات غير العربية – وبالتحديد ضد مجتمع المساليت في الجنينة وحولها بغرب دارفور - تضمّنت القتل والتعذيب والاغتصاب وغيرها من أشكال العنف الجنسي وتدمير الممتلكات والنهب. وهي جرائم ترقى جميعها الى جرائم حرب "متمثلة في الاعتداء على الحياة والأشخاص والاعتداء على الكرامة الشخصية".
كما أكدت "صحفيات بلا قيود" إن ما ترتكبه قوات الدعم السريع في السودان يُعد انتهاكًا جسيمًا للقانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان الأساسية، حيث تحظر اتفاقيات جنيف لعام 1949 وبروتوكولها الإضافي الثاني جميع أشكال العنف ضد المدنيين، بما فيها العنف الجنسي أثناء النزاعات المسلحة، فيما ينص نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية في مادتيه السابعة والثامنة على اعتبار الاغتصاب، الاستعباد الجنسي، والتعذيب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية إذا ارتُكبت بشكل ممنهج وواسع النطاق. كما يلزم قرار مجلس الأمن رقم 1325 (2000) الأطراف المتنازعة بحماية النساء والفتيات من العنف الجنسي، ويؤكد على مسؤولية المجتمع الدولي في ضمان محاسبة مرتكبي هذه الجرائم. ويُعد استمرار الإفلات من العقاب خرقًا واضحًا لالتزامات السودان الدولية، ولا سيما اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) التي صادق عليها السودان، ما يستدعي تحركًا عاجلًا لتحقيق العدالة وإنهاء هذه الانتهاكات.
ودعت صحفيات بلا حدود المجتمع الدولي ذلك الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي التحرك لملاحقة المسؤولين عن هذه الجرائم وضمان محاسبتهم أمام المحاكم الدولية المختصة ، والعمل علي اتخاذ خطوات عاجلة لحماية النساء والفتيات في السودان، وتقديم الدعم النفسي والطبي والقانوني للضحايا. ، مؤكده علي ضرورة تنفيذ قرار مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بشأن تعزيز تدابير المساءلة وإنهاء الإفلات من العقاب، بما في ذلك محاسبة المسؤولين الجنائيين وضمان وصول الضحايا إلى العدالة .
وطالبت بلا قيود كافة الأطراف وقف استهداف المدنيين فورًا ، خاصة النساء والأطفال، والعمل على إيجاد حلول عاجلة لوقف الحرب الدامية وتحقيق السلام.
كما طالبت بوجوب تنفيذ قرار مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ، ولا سيما بشأن تدابير المساءلة، و وضع حد للإفلات من العقاب ومعالجة أسبابه الجذرية، وضمان المساءلة، بما في ذلك، حسب الاقتضاء، المسؤولية الجنائية الفردية، ووصول الضحايا إلى العدالة.
وفي أخر بيانها أكدت "صحفيات بلا قيود" إن معاناة النساء في السودان تتطلب استجابة سريعة وفعّالة لضمان حقوقهن وحمايتهن من هذه الجرائم البشعة. سنواصل، في منظمة صحفيات بلا قيود، فضح هذه الانتهاكات والدفاع عن حقوق النساء في كل مكان، والعمل مع الجهات المعنية لتحقيق العدالة والمساءلة.