رحيل يعمق الأحزان.. ود الأمين رائد تجديد الموسيقى السودانية
تاريخ النشر: 16th, November 2023 GMT
الخرطوم- تعمقت أحزان السودانيين التي أشعلتها الحرب المندلعة منذ 7 شهور، برحيل الموسيقار الكبير محمد الأمين "ود الأمين" (81 عاماً) الذي يعتبر رائد تجديد الموسيقى السودانية وأحد أبرز المطربين الذين عرفتهم الساحة الفنية في البلاد خلال العقود الستة الأخيرة وأطلق عليه مطرب "الحب والحرية" كما يلقب بـ "الباشكاتب".
وساد حزن عريض في البلاد على آخر المطربين العمالقة الذي كان الأكثر حضوراً وإبداعا وتنوعا خلال العقود الستة الأخيرة وساهم في تشكيل الوجدان السوداني عبر العشرات من الأغنيات الخالدة الوطنية منها والعاطفية، وأسهم أيضاً في تجديد أغاني التراث وقدم ابتهالات دينية وجدت رواجاً واسعاً لخروجها من الطريقة التقليدية التي كانت تؤدى بها.
وتحسر كثير من المغردين والناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي على رحيل محمد الأمين في الولايات المتحدة -التي ذهب إليها مستشفياً ووري جثمانه الثرى هناك- بعيدًا عن الوطن، الذي غنى له لأهله وثوراتهم وتطلعاتهم للحرية والرفاهية.
النشأة والتطورولد محمد الأمين في فبراير/شباط 1942 في قرية ود النعيم قرب مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة في وسط السودان، ويعد أحد أيقونات الغناء والموسيقى السودانية المعاصرة، ومن أكثرهم صيتاً، وله دورٌ كبيراً في تطوير الموسيقى السودانية ونشرها خارج بلاده.
ويرى الموسيقار الفاتح حسين أن نشأة محمد الأمين في ولاية الجزيرة -التي تعد سوداناً مصغراً- وتأثره بفنون تلك المنطقة التي جمعت الطيف الثقافي والاجتماعي ساهم في تشكيل ثقافاته الغنائية والصوفية المتنوعة.
كما يتميز المطرب الراحل بقدرات صوتية ولحنية متفردة، وكان يلحن غالبية أغانيه والقليل جداً منها لحنها له آخرون، وأي لحن يحمل بصماته الفنية التي لا تشبهها أي بصمات أخرى ولعل هذا هو السبب في قلة المقلدين الشباب له حسب الموسيقار حسين.
مطرب الثوراتوكان أول ظهور جماهيري لمحمد الأمين في نهاية ستينيات القرن الماضي عبر أغنية "أنا وحبيبي" التي ظلت لسنوات طويلة تتصدر الأغنيات الأكثر تفضيلا لدى عشاق الموسيقى السودانية.
وأكثر ما ميز محمد الأمين هو قدراته العالية في التلحين والتأليف الموسيقي التي انعكست في أكثر من 50 عملا فنيا.
وقد جذبه إلى عالم الموسيقى والغناء منذ نعومة أظافره، خاله بله يوسف الازيرق فأجاد آلة المزمار ثم آلة العود التي تمكن منها وهو لم يتعد 12 عاماً.
وانتقل ود الأمين من ود مدني إلى الخرطوم في 1962، ويعتبر أول من غنى لثورة أكتوبر/تشرين الأول 1964، التي أطاحت بحكم الرئيس السابق إبراهيم عبود، وقدم للثورة عددا من الأغنيات حتى أطلق على أغانيه "أكتوبريات" وأبرزها "أكتوبر 21" للشاعر فضل الله محمد، ثم قدم الملحمة "قصة ثورة" للشاعر هاشم صديق كأقوى عمل وطني ملحمي وثق لثورة أكتوبر، وظلت تردد مع كل ثورة وانتفاضة ويرددها الشباب في كل مناسبة ودعوة للحرية والتحرر.
وقادته بعض أعماله إلى الحبس في عهد الرئيس الراحل جعفر نميري حين غنى أغنية المبادئ فكان نصيبه السجن مع الفنان الراحل محمد وردي في العام 1971.
وظل ود الأمين مرتبطاً بقضايا الوطن رغم تقدمه في العمر فصعد على مسرح الاعتصام أمام القيادة العامة للجيش بالخرطوم في العام 2019 الذي انتهى بإطاحة حكم الرئيس المعزول عمر البشير، كما تغنى محمد الأمين للشاعر محجوب شريف بأغنيتين رمزيتين للحرية هما "السودان الوطن الواحد" و"مساجينك تغرد في زنازينك"، كما تغنى بنشيد سياسي "المتاريس" من كلمات مبارك حسن خليفة.
أغان للحبكما أجاد ود الأمين الأغاني الوطنية فقد برع في العاطفية الكلاسيكية وغنى للحب والجمال، وأبرزها "قلنا ما ممكن تسافر" و"زاد الشجون" للشاعر فضل الله محمد، والأغنية الخفيفة التي أبرزت قدرته في عزف العود وهي "أسمر ياساحر المنظر" للشاعر الراحل خليفة الصادق، ثم "5 سنين" للشاعر عمر محمود خالد.
ويقول الشاعر إسحاق الحلنقي الملقب بـ"رئيس جمهورية الحب إن السودان فقد مطرباً عملاقاً وعبقرياً فنياً لن يتكرر قريباً كرس حياته للفن والموسيقى، وغني له منذ السبعينيات بعدد من النصوص، أبرزها "شال النور"، و"جيناكم يا حباينا" و"تتعلم من الأيام" التي اعتبرتها الإذاعة السودانية أفضل أغنية سودانية في منتصف السبعينيات.
ويعتقد الموسيقار وأبزر أعضاء فرقة ود الأمين الفنية العازف أسامة بيكلو أن لونية ألحان المطرب الراحل كلاسيكية في شكلها من وجود المقدمات الموسيقية والمقاطع المختلفة، وأنه متأثر جدا بالمدرسة اللحنية للموسيقار المصري الراحل محمد عبد الوهاب.
وغنى المطرب الراحل لأكثر من 20 شاعراً سودانياً وشاعراً عربياً واحداً هو نزار قباني أغنية "تقولين الهوى".
ومع تفوقه في الأغاني الحديثة لم يغفل ود الأمين أغاني التراث والموروث الشعبي، وبرع في تلحين وأداء أغاني التراث التي جدد ألحانها مثل "عيال أب جويلي"، و"زورق الألحان" و"العديل والزين" وغيرها.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الموسیقى السودانیة محمد الأمین فی
إقرأ أيضاً:
رحيل المفكر البحريني محمد جابر الأنصاري
فقدت البحرين ودول الخليج العربية، اليوم الخميس، المفكر البحريني الكبير الدكتور محمد جابر الأنصاري، مستشارَ ملك البحرين للشؤون الثقافية والعلمية، أستاذ دراسات الحضارة الإسلامية والفكر المعاصر، عميد كلية الدراسات العليا الأسبق بجامعة الخليج العربي، الذي وافته المنية بعد مسيرة حافلة بالعطاء الفكري والعلمي.
يُعدُّ الدكتور محمد جابر الأنصاري أحد أهم رواد الحركة الفكرية والثقافية في البحرين، والخليج عموماً، وباحثاً مرموقاً في دراسات ونقد الفكر العربي، وقدَّم إسهامات نوعية في مجالات الفكر، والأدب، والثقافة.
الديوان الملكي ينعى د.محمد جابر الأنصاري مستشار جلالة الملك للشؤون الثقافية والعلمية تغمد الله الفقيد بواسع رحمته وأسكنه فسيح جناته وألهم ذويه الصبر والسلوان#البحرين #bahrain pic.twitter.com/3P98Q2uzsE
— بوابة البحرين (@b4bhcom) December 26, 2024 أعمالهوتميزت أعماله "باتساق الرؤية الفكرية في إطار مشروع نقدي للفكر العربي السائد تطلعاً إلى تجديد المشروع النهضوي، كما تميزت رؤيته الفكرية بالتشخيص العيني للواقع العربي في أبعاده السياسية والاجتماعية والحضارية في حقلَي التراث العربي الإسلامي وفكر عصر النهضة".
كتبُه تكشف عن مشروع فكري عربي، فقد كتب عن "تحولات الفكر والسياسة في الشرق العربي 1930-1970" و "العالم والعرب سنة 2000"، و "لمحات من الخليج العربي"، و "الحساسية المغربية والثقافة المشرقية" و "التفاعل الثقافي بين المغرب والمشرق" و "تجديد النهضة باكتشاف الذات ونقدها" و "رؤية قرآنية للمتغيرات الدولية وشواغل الفكر بين الإسلام والعصر".
كما أصدر كتاباً بعنوان "انتحار المثقفين العرب وقضايا راهنة في الثقافة العربية" و"الفكر العربي وصراع الأضداد" و"التأزم السياسي عند العرب وسوسيولوجيا الإسلام، لماذا يخشى الإسلاميون علم الاجتماع" وكذلك "التأزم السياسي عند العرب وسوسيولوجيا الإسلام، مكونات الحالة المزمنة"، وكتاب "تكوين العرب السياسي ومغزى الدولة القطرية: مدخل إلى إعادة فهم الواقع العربي"، وكتابه المهمّ "العرب والسياسة: أين الخلل؟ جذر العطل العميق"، وكتاب "مساءلة الهزيمة، جديد العقل العربي بين صدمة 1967 ومنعطف الألفية" وكتابه "الناصرية بمنظور نقدي، أي دروس للمستقبل؟" وكتاب " لقاء التاريخ بالعصر، دعوة لبذر الخلدونية بأبعادها المعاصرة في وعي الشعب تأسيساً لثقافة العقل".
تراث ابن خلدونوعند المرور بابن خلدون، تجدر الإشارة إلى أن الدكتور الأنصاري كان أحد أهم الدارسين لتراث ابن خلدون ومتأثراً به إلى حد لا يخلو من مبالغة، وهو القائل في كتابه "لقاء التاريخ بالعصر" و "كل عربي لن يتجاوز مرحلة الأمية الحضارية المتعلقة بجوهر فهمه لحقيقة أمته... إلا بعد أن يقرأ مراراً مقدمة ابن خلدون! (ص 63)".
في هذا الكتاب، كما في كتاب "تجديد النهضة باكتشاف الذات ونقدها"، يستعيد الأنصاري فكر ابن خلدون داعياً لتحويله إلى منهج للمثقفين العرب، مركّزاً بنحو خاص على تميّز ابن خلدون في الدعوة لثقافة نثر تتجاوز لغة الشعر، داعياً لإيجاد نثر عقلاني يتجاوز مفهوم الخطابة.
وكتابه "لقاء التاريخ بالعصر، دعوة لبذر الخلدونية بأبعادها المعاصرة في وعي الشعب تأسيساً لثقافة العقل" رغم حجمه الصغير (120 صفحة) وكونه عبارة عن مجموعة مقالات جمعها المؤلف، لكنه يقدم صورة نقدية تدعو لتحرر الرؤية من الماضي وتأسيس ثقافة عربية تعتمد منهج ابن خلدون في مقاربته للتاريخ، وخاصة تجاوزه "الفهم الرومانسي العجائبي، الذي ما زال يطبع العقلية العربية"، هذه المقاربة توضح أن "إطار العقلية الخلدونية يعني اكتساب قدرة أفضل على فهم العالم الجديد، الذي لم يتكيف العرب معه بعد، فما زالوا يتعاملون، كارثياً، مع واقع العالم شعراً" وهي "دعوة إلى إعادة التوازن في ثقافتنا بين الوجدان والعقل، حيث لم تعدم العربية نثراً فكرياً راقياً تعد (مقدمة ابن خلدون) من أبرز نماذجه، إلى جانب كتابات الجاحظ والتوحيدي والفارابي وابن طفيل وابن حزم".
في رحيل المفكر البحريني د. محمد جابر الأنصاري، عزاؤنا أنه ترك بصمة لا تُنسى في الفكر العربي والثقافة. ستبقى أعماله وإرثه الفكري للأجيال القادمة. الرحمة لروحه، والعزاء لأهله ولكل محبيه. pic.twitter.com/jAXNWCrt1Y
— ميّ بنت محمد (@Mai_AlKhalifa) December 26, 2024 مسيرتهوُلد الأنصاري، في البحرين عام 1939، درس في الجامعة الأمريكية ببيروت وحصل فيها على درجة البكالوريوس في الأدب العربي عام 1963، ودبلوم في التربية عام 1963، وماجستير في الأدب الأندلسي عام 1966، ودكتوراه في الفكر العربي والإسلامي الحديث والمعاصر سنة 1979.
كما حضر دورة الدراسات العليا في جامعة كامبريدغ عام 1971، وحصل على شهادة في الثقافة واللغة الفرنسية من جامعة السوربون الفرنسية سنة 1982.
في عام 2019، داهمه المرض العضال الذي منعه من مواصلة إنتاجه الفكري، ليرحل، اليوم، بعد مسيرة عامرة بالعطاء، وزاخرة بالدراسات المهمة التي أثرى بها المكتبة العربية.